سوريا: نهاية الكابوس ام بدايته؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
قلنا ان الحرب السورية لم تكن ابدا محض صراع داخلي بين شعب ومعارضة. كل ما حدث هو انتصار تحالف دولي علي اخر.
في المعسكر الخاسر كانت روسيا راعي النظام السوري منذ ايام الاتحاد السوفيتي وحافظ الاسد. وفرت سوريا مركزا بأهمية استراتيجية فائقة لروسيا أتاح لاسطولها البحري المحطة الوحيدة علي مياه البحر الابيض الدافئة التي لا تتجمد في شتاء.
وكانت ايران في نفس المعسكر لاهمية سوريا بحكم الجوار وبسبب العداء بين البعث الثوري ونظام صدام حسين الذي غزا ايران في نهاية سبعينات القرن الماضي. وزيت ذلك التحالف سيطرة العلويين علي مقابض الحكم في سوريا وهم اقرب للشيعة علي علمانية نظام الاسدين.
قادت اسر…اييل معسكر العداء لنظام البعث الثوري بحكم احتلالها لهضبة الجولان السورية ولدعمه التاريخي للشعب الفلسطينى. اضف الي ذلك ان سقوط نظام الاسد يضعف من الموقف الاقليمى الايراني العدو الاكبر خطرا علي اسر…اييل كما انه يعني قطع خط امداد حزب الله بالسلاح والمال من ايران عبر سوريا وهذا مكسب هائل لدولة اسر…اييل يضعف حزب الله عدوها في جبهتها الشماليةويضعف خم اس علىجبهتها الجنوبية.
ايضا عادت تركيا نظام الاسد بسبب قربه من ايران علي حسابها وبسبب رغبتها في التأثير علي المناطق الحدودية التي يتواجد فيها الأكراد السوريين وهم امتداد طبيعي لاكراد تركيا مسببي الصداع الدائم لانقرا وبسبب نزاعات حدود تاريخية بين البلدين تعود جذورها الي اتفاقية لوزان وتفكيك الإمبراطورية التركية العثمانية في اعقاب الحرب العالمية الأولى.
ايضا كانت دول الخليج العربي علي عداء تتفاوت درجات حرارته مع النظام السوري بسبب قربه من ايران الشيعية والاتحاد السوفيتي ولاحقا روسيا علي حساب المعسكر الغربي الأقرب لدول الخليج. ولكن في الجولة الاخيرة لم تلعب دول الخليج دورا هاما في اسقاط الاسد وبالذات المملكة السعودية التي اعادت توجيه سياستها الخارجية وحسنت العلاقات مع سوريا وقادت حملة لاعادتها لعضوية جامعة الدول العربية وايضا طبعت علاقاتها مع ايران بوساطة من الصين.
علي ارض المعركة والجند ظلت القاعدة هي اهم مكون مقاتل وتحورت لاحقا الي داعش وجبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام. وفي أوقات مختلفة حارب في صفوفها اسلاميون من كل اركان العالم الاسلامي العربي وغير العربى.
ولم يري المعسكر الرابح غضاضة في التسامح مع داعش ما دامت تضعف اعدائه الشيعة في ايران ولبنان علي فقه عدو عدوك صديقك ما دام يضرب في عدوك ولا يعضك. وهذا احد الادوار المرسومة للدواعش: توفير رصيد جهادى سني لاحتواء التحالف الشيعي المعادى للحلف الغربي كما يمكن استخدام الرصيد لأغراض اخري وكلو بما يرضي الله.
علي ما يبدو لي فان سقوط الاسد يشكل انتصارا تاريخيا هاما للمعسكر الثاني علي حساب الاول أكثر من كونه حسم معركة داخلية ضد نظام دكتاتوري شمولي. اري صراع دولي تاريخي علي الهيمنة على الشرق الاوسط يتمدد عبر القرون منذ الغزو الاسلامى لاوروبا مرورا بالحروب الصليبية الي الاستعمار المباشر الذي اعقبته هيمنة استعمار غير مباشر. ولا اري اي افق ديمقراطي او حقوقى الا علي مستوي الدعاية. واتمنى ان أكون مخطئا.
بما ان الاسلام يوصينا بذكر محاسن موتانا فان نظام البعث السوري كان مفرطا في القمع ولكنه كان دكتاتورية علمانية تنموية الي حد ما كما كان صديقا للنساء والاقليات الدينية.
نجح النظام في توفير تعليم مجاني محترم من الروضة الي الدكتوراة مصحوبا بعلاج مجاني ايضا محترم . كما حقق اكتفاء ذاتيا من المنسوجات وانتج معظم الدواء محليا ولم يسقط في فخاخ الدين الخارجي الذى كتم انفاس معظم الدول النامية. ونالت في ظله النساء حقوقا متميزة ولم يعانين من كلاكل الماضي التي حبست اخواتهن في الجوار.
كما قلنا فان شراسة ودموية نظامي صدام والقذافي لم تمنع الاوضاع الني اعقبت اسقاطهما من ان تكون اكثر تعاسة للشعبين بما لا يقاس. اذ ان جحيم الاستبداد الداخلي اعقبه جحيم وليس ديمقراطية. فهل تكون سوريا استثناء؟ اتمنى ذلك من قلبي الجوانى.
علي المدي القصير ربما, فقط ربما، تحدث انفراجة اقتصادية بسبب رفع الحصار والعقوبات وتدفق المساعدات بسخاء استراتيجي خصوصا اذا صحب ذلك مسرح سياسي متوسط القدرات.
ولكن المستقبل البعيد والمتوسط غير مطمئن اذا كان الهدف الاهم من تغيير النظام هو تفكيك، او علي الاقل اضعاف، الدولة السورية واستبدالها بكيان طائفي، هزيل, تابع وربما كابريه اقليمى رخيص اذا سمح الدواغش.
لا يهمني سؤال ان تفرح بسقوط النظام السوري ام تمتنع. توزيع صكوك الفرح مهمة بائع الايسكريم ونظارة الفيسبوك ولا دخل لي به.
عموما يظل المستقبل دائما مفتوحا علي المفاجئات ولا نقول إلا بتفاؤل الارادة وتشاؤم الفكر.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مستقبل سوريا..أسئلة حول الطائفية والحركة الجهادية والتعقيدات الإقليمية
دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد 14 سنة من القتل والتهجير والتدمير، هي نهاية سعيدة عاشها الشعب السوري يوم الثامن دجنبر 2024 بعد سقوط نظام بشار الأسد أو تهاوي أركان نظامه بطريقة دراماتيكية، سقوط يؤشر على بداية تشكل نظام إقليمي جديد بالشرق الأوسط، وغلق قوس الحزب الوحيد والاوحد الذي شكله نظام حزب البعث لما يقارب ستة عقود من الزمن.
أسئلة كثيرة تطرح حول طريقة انهيار نظام الأسد ونهايته السريعة، وعلامات استفهام عديدة تثار حول سياق هذا السقوط المدوي لنظام بدا هشا وضعيفا ومعزولا، رغم ارتباطاته وتحالفاته الإقليمية والدولية سواء بالنظامين الروسي والإيراني. وفي معرض تحليل وفهم خلفيات انهيار هذا النظام، ومحاولة استشراف مستقبل سوريا ما بعد نظام الأسد، يمكن تفكيك واستحضار ثلاث جوانب أساسية:
أولا، اللافت أن ليلة سقوط نظام الأسد جاءت بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية روسيا وايران وتركيا وقطر بالدوحة، وذلك قبل ساعات من وصول المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق، لكن، يبدو أن هذا اللقاء جاء كنتيجة للسياق الإقليمي الملتهب والمتقلب باعتباره العامل الرئيسي الذي على الارجح عجل بنهاية هذا النظام، وفي مقدمة ذلك، إضعاف النظام الإيراني بفعل سياسات الانهاك والاستدراج والاضعاف التي بمقتضاها تمكنتا أمريكا وإسرائيل من تقليم أظافر النظام الصفوي وتقزيم دوره الإقليمي من خلال القضاء على بعض الرموز الدينية الحركية(نصر الله) وقطع خطوط الامداد والدعم عن المليشيات المسلحة (حزب الله)التي لعبت دورا محوريا في بقاء نظام الأسد خلال السنوات الماضية.
إضعاف النظام الإيراني وتفكيك ميلشياته المسلحة التي شكلت جبهة إسناد إقليمية/ ميدانية لنظام الأسد، بالإضافة للحرب الروسية الاوكرانية التي أضعفت نظام موسكو الذي بدوره شكل جبهة إسناد دولية وعسكرية للنظام السوري، كلها عوامل ساهمت في عزلة نظام الأسد، وتلاشي جبهات الدعم والاسناد الإقليمية والدولية.
ثانيا، مع نهاية نظام الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة، مرحلة تشكيل نظام جديد ومغاير، يؤسس لبناء دولة مؤسسات، وإخراج سوريا من دائرة الدول الفاشلة، لكن، يبدو أن إعادة بناء الدولة الوطنية بسوريا بالمفهوم الحديث يصطدم بعدة صعوبات وإكراهات داخلية وإقليمية ودولية. فعلى المستوى الداخلي، تعتبر مكونات وفصائل المعارضة المسلحة غير متجانسة من حيث المرجعيات والمنطلقات الفكرية والسياسية والعقائدية والطائفية، سيما وأن هذه المكونات تضم السلفي الجهادي، المنخرط في ما يعرف ب » هيئة تحرير الشام » التي تعتبر من أكبر الفصائل المعارضة التي تأسست في يناير 2017 بعد اندماج عدد من الفصائل كجبة فتح الشام(النصرة سابقا) وحركة نور الدين الزنكي(انسحبت لاحقا) وجيش السنة، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين. هذا، بالإضافة إلى الجيش الوطني السوري الذي تأسس سنة 2017 ويرتبط بما يعرف بالحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا، بالإضافة لفصائل صغيرة تتوزع على مختلف أنحاء سوريا.
أما على المستوى النسيج الاجتماعي وارتباطاته الخارجية، فقد تمكن نظام بشار المنهار من جعل المكون العلوي يستحوذ على مساحة ديموغرافية بين 40 و50 في المائة من مجمل السكان، بالإضافة لتغيير الخريطة والتركيبة السكانية للسوريين خلال الحرب، إذ لم يعد يمثل المكون السني سوى نصف سكان سوريا بفعل تهجير ما يقارب 7 ملايين سوري خلال سنوات الحرب. بالإضافة إلى أن المجتمع السوري يتكون من خليط اثني وديني ومذهبي، العرب السنة والمسيحيون والدروز والشيعة والمرشدية والايزيدية، ناهيك عن المكون القومي كالأكراد والتركمان والشركس والارمن والعرب.
إن التنوع الطائفي والاثني بالإضافة إلى ارتباطاته الخارجية، بات يشكل أرضية صلبة للصراع الطائفي، خاصة وأن نظام الأسد عمل على تغدية الخلافات ذات النزعة الطائفية من أجل تأجيج الصراع لزرع الفرقة بين مختلف المكونات، معطى أساسي من غير المستبعد أن يعقد ويصعب دور مختلف الفاعلين خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة لصعوبة احتواء وترويض الحركات الجهادية وفق سقف الدولة الوطنية.
ثالثا، يشكل انهيار نظام الأسد مناسبة لإعادة رسم خريطة التحالفات والتوازنات في منطقة الشرق الأوسط، سيما وأن إيران وروسيا شكلتا أبرز دعائم النظام الإقليمي في الشام والشرق الاوسط إبان النظام السابق، مما يجعل النظام الإقليمي قيد التشكل محل صراع وتنافس بين عدة قوى إقليمية كتركيا وإسرائيل وغيرها، دون القفز على الدور الأمريكي المحوري في ميزان القوة وقدرتها الفائقة على إدارة الفوضى الخلاقة في المنطقة بما يخدم مصالحها على غرار التجربة العراقية.
مؤشرات الصراع والتموقع بدت جلية مع اعلان نتنياهو الانسحاب من اتفاقية « فض الاشتباك » الموقعة سنة 1974 بعد ساعات وفي نفس اليوم الذي سقط فيه نظام الأسد، مما دفع إسرائيل إلى السيطرة على المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان بدعوى حماية امنها بعد انسحاب وعدم تمركز الجيش السوري في تلك المناطق.
التمدد الإسرائيلي في الجولان من المرجح أن يقابله تحرك إيراني وتركي وروسي بأشكال ودعامات طائفية وسياسية مختلفة بغية الحفاظ على مصالحهم، بحكم التقارب الجغرافي والتقاطع الاثني للدولتين الصفوية والعثمانية، بالإضافة لتواجد قاعدة عسكرية روسية يبدو من خلالها أن موسكو غير مستعدة لتراجع عن نفوذها في سوريا.
ختاما، وفي ظل التحولات المصاحبة لانهيار نظام الأسد، فمن المرجح أن الساحة السورية باتت مفتوحة على مختلف السيناريوهات، إلا أن إعادة بناء الدولة مؤسساتيا وإخراج سوريا من دائرة الدول الفاشلة يعتبر رهانا صعبا في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية. غير ان إدارة المرحلة الانتقالية وفق تصور سياسي محدد واحتواء النزعة الطائفية داخليا، وإعادة ترميم الجيش السوري وفق عقيدة وطنية، كلها عوامل من الممكن أن تساعد على إخراج سوريا من حالة عدم الاستقرار التي طالت وتجاوز الازمة الراهنة.