كيف ستكون سوريا في عهد الجولاني؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
قبل الإعلان رسميًا عن سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، كتب الرئيس المنتخب دونالد ترامب ـ أثناء وجوده في باريس لإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام ـ على موقع Truth Social: إن "سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل أي شيء بها. هذه ليست معركتنا. دعها تستمر.
ليس بوسع أحد أن يستقبل تصريحات ترامب، بوصفها ما استقرت عليه إدارته بشأن سوريا الآن أو لاحقًا، فلا يُعقل أن تتخذ واشنطن ـ أيًا مَنْ كان سيد البيت الأبيض- موقفًا يتسم باللامبالاة، مما يجري في سوريا، فيما تحتفظ بلاده بنحو 900 جندي في حالة تماسّ مع جماعات المعارضة المسلحة، والتي باستيلائها على السلطة ستعيد، رسم التحالفات التي كانت موجودةً منذ عقود، في منطقة شديدة الهشاشة أمنيًا وسياسيًا.
لطالما أجادت واشنطن، التدخلات الناعمة غير الخشنة، فهي دولة مؤسسات، ومسؤولة كـ"شرطي العالم"، للحفاظ على النظام الدولي، وعلى الإرث الذي ترتب على نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية.
قرار واشنطن بعدم التدخل "الصريح"، قد يرجع ـ على الأرجح ـ إلى حسابات موضوعية، تستند إلى الأوزان النسبية، للقوى الحليفة للنظام السوري، والتي أصابها اختلالات جوهرية؛ بسبب الحرب الأوكرانية الروسية من جهة، والحرب الإسرائيلية على لبنان من جهة ثانية، والاستنزاف على جبهة إيران ـ إسرائيل من جهة ثالثة.
إعلانوهي الاختلالات التي كانت تعزز إلى حد اليقين، سيناريو انهيار الأسد وقياداته العسكرية والأمنية، بيد السوريين دون أي إسناد إقليمي أو دولي.
لذا كانت عيون صناع القرار الأميركي، على اللاعب الجديد "أبو محمد الجولاني"، الذي توقع الأميركيون أن يتسلم مفتاح العاصمة دمشق، وكأنه في نزهة لصيد الأرانب البرية.
ففي حين صنفت ـ في مايو/ أيار 2013 ـ الخارجية الأميركية الجولاني على أنه "إرهابي عالمي"، وبعدها بأربع سنوات تعلن عن مكافأةٍ قدرها 10 ملايين دولار لكل من يُدلي بمعلومات تؤدّي إلى القبض عليه، يظهر ـ منذ 28 نوفمير/ تشرين الثاني الماضي ـ علنًا ليس في حلب المحررة، ولكن تجري معه منصتان إعلاميتان أميركيتان كبيرتان ـ سي إن إن ونيويورك تايمز ـ حوارات جريئة، بوصفه "رجل دولة" وليس "رجل عصابات" كما كانت تقدم صورته من قبل.
صحيح أن الإعلام الأميركي، يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، غير أن الحال مع الجولاني بدا مختلفًا.. فهو مدرج على قائمة "الإرهاب" الأميركية، بكل استحقاقاتها القانونية، ومع ذلك تُرك له الباب مواربًا للإعلان عن طبعته الجديدة المنفتحة على العالم.
الارتياح الأميركي لـ "الجولاني" يبدو أنه كان سابقًا لعملية إسقاط الأسد الأخيرة، ففي مطلع فبراير/ شباط 2021 أجرى الصحفي الأميركي مارتن سميث، مقابلة معه، قال فيها الجولاني: " إن هيئة تحرير الشام لا تشكّل أي تهديد للولايات المتحدة الأميركية، وعلى الإدارة الأميركية رفعها من قائمتها للإرهاب"، وأضاف "كنا ننتقد بعض السياسات الغربية في المنطقة، أما أن نشن هجمات ضد الدول الغربية، فلا نريد ذلك".
المقاربة التي ربما قد يرتاح إليها، المختصون في الصوت الاحتجاجي الإسلامي، هي أن الجولاني ـ في نسخته الجديدة ـ يأتي متسقًا مع تحول منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي، بالتزامن مع زعزعة الرؤى المعلبة وجاهزة التحضير بشأن علاقة الإسلام بالسلطة، وبات من الطبيعي أن نقرأ ما يشير إلى تصحيح تلك الرؤى المتحيزة، وتزايد قناعات ـ وإن كانت خجولة ـ بأن الإسلام ليس ضد العلمانية، ولكنه ضد الاستبداد، وهي المقولات التي جسدها ببراعة الجولاني، في حواراته مع المنصات الإعلامية الأميركية.
إعلانويبدو أن ثمة نوايا حقيقية، داخل التيار الأساسي في المعارضة السورية، لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الأميركية، وقد تكون على أجندتها أبعاد إنسانية تعيد تصويب صورتها كمشروع أخلاقي في عيون الأميركيين والعالم، وربما ـ أيضًا ـ من منطلق وعيها بعد سنوات من "المحاولة والخطأ"، أن الحضور الأميركي في المنطقة لا يمكن الاستغناء عنه حربًا أو سلمًا.
لقد لفت انتباه الجميع المعارض السوري المؤثر في واشنطن، معاذ مصطفى، عندما قاطع مؤتمرًا صحفيًا لقراءة منشور ترامب، وبدا وكأنه يختنق، وقال إن إعلان ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى بعيدة عن القتال هو أفضل نتيجة يمكن للسوريين المتحالفين ضد الأسد أن يأملوا فيها.
وتعهد مصطفى للصحفيين يوم السبت ـ عشية سقوط بشار ـ بأن تحمي المعارضة المعتقلين الأميركيين في السجون السورية، ومن بينهم أوستن تايس، الصحفي الأميركي المفقود منذ أكثر من عقد من الزمن والذي يشتبه في أنه محتجز لدى الأسد.
وفي السياق، لا يمكن بحال التسليم أيضًا بـ"برد ترامب" إزاء سوريا ووصفه بأنها "ليست معركته"، وهي الدولة المتماسة مع إسرائيل، وظلت إلى ما قبل سقوط الأسد النافذة الكبرى لإيران، لإنجاز أحلامها وأشواقها الإقليمية.
وقد أدلى الجولاني ـ في هذا الإطار ـ بإفادة سياسية رصينة وعاقلة، وكرجل دولة مسؤول، عندما شكت إسرائيل قبل سقوط بشار بيوم واحد، من هجوم شنه من وصفتهم بـ"المتمردين المسلحين" على موقع قوة مراقبين تابعة للأمم المتحدة بالقرب من قرية الخضر على الحدود بين إسرائيل وسوريا في هضبة الجولان، فبعد وقت قصير من الهجوم المزعوم، أصدرت غرف العمليات المشتركة للمعارضة بيانًا أكدت فيه التزامها بحماية المنظمات الدولية في سوريا.
ثمة قناعة إقليمية / دولية بأن سوريا الجديدة "ما بعد الأسد" ستكون بطبيعة الحال دولة مشغولة بنفسها، وأن استثماراتها لن تكون في إنتاج خطاب غوغائي معادٍ للعالم، وإنما الاستثمار في إبداع نظام سياسي يتجنب الوقوع في أخطاء ماضي الفوضى أثناء الانخراط في التنظيمات، أو ما ارتكبته الدولة الأسدية من حماقات سدد السوريون فواتيرها من دماء أبنائها (نصف مليون قتيل)، ودولة مدمرة ومقسمة ومترهلة المؤسسات.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
كيف يتعامل ترامب مع سوريا بعد سقوط الأسد؟
كان مرشح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، هو مستشاره لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، عندما أرسله في مهمة إلى دمشق صيف عام 2020، والتي حملت مخاطر كبيرة، ولكن مع احتمال أن تكون ذات مكافآت كبيرة.
قد يميل ترامب إلى إعادة 900 جندي موجودين في سوريا إلى الوطن
وكتب مراسل صحيفة التايمز البريطانية في واشنطن ديفيد تشارتر، أن باتيل سافر سراً عبر منطقة معادية إلى العاصمة السورية مع روجر كارستينز، مفاوض الرهائن الأمريكي، في محاولة للإفراج عن أوستن تايس، الصحافي الأمريكي المفقود في البلاد، منذ عام 2012. وكان من المتصور أن يكون ذلك بمثابة انقلاباً دبلوماسياً له فائدة إضافية في إقناع الناخبين في الوقت المناسب من الانتخابات، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، التي نشرت الخبر.
How will Donald Trump deal with Syria? https://t.co/HC1plqyQQO via @thetimes
— Nino Brodin (@Orgetorix) December 10, 2024
وبينما فشلت الجهود الجريئة، مع رفض الرئيس السوري بشار الأسد التحدث، طالما استمر وجود القوات الأمريكية في شرق البلاد، أظهر الحادث النهج غير التقليدي لترامب حيال الأنظمة المعادية، بينما يستعد للعودة كقائد أعلى للقوات الأمريكية في ظل تحولات تشهدها سوريا.
وكانت سوريا واحدة من أكثر مسارح السياسة الخارجية إثارة للجدل خلال فترة ولاية ترامب الأولى، والتي أظهرت دوافعه المتناقضة للانخراط أو الانسحاب أو الهجوم - كل ذلك كان يحدث أحياناً في غضون أيام.
في أبريل (نيسان) 2017، أراد ترامب "التخلص" من الأسد، رداً على قيام الأخير بشن هجوم كيميائي على المدنيين، وفقاً لكتاب بوب وودوورد "الخوف". ونفى ترامب ذلك أول الأمر، لكنه اعترف بذلك عام 2020، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، بينما ألقى باللوم على وزير دفاعه آنذاك جيم ماتيس، في عرقلة رغبته في قصف الأسد.
في أبريل (نيسان) 2018، انضم ترامب إلى بريطانيا وفرنسا في إصدار أوامر بشن غارات جوية على أهداف سورية "مرتبطة بقدرات الأسلحة الكيميائية" بعد استخدام ذخائر محظورة في إحدى ضواحي دمشق. وقال ترامب: "نحن مستعدون لمواصلة هذا الرد حتى يتوقف النظام السوري عن استخدامه للمواد الكيميائية المحظورة"، مضيفاً أن الولايات المتحدة وحلفاءها "حشدوا قوتهم العادلة".
President-elect Trump on Saturday weighed in on the escalating crisis in Syria, saying that the U.S. should take a more hands-off approach. https://t.co/ZbgP5eptWc
— Newsweek (@Newsweek) December 7, 2024
ولم تكن هذه سياسة أمريكا أولاً، أو عقيدة ترامب المتمثلة في ترك الصراعات البعيدة وشأنها وسحب القوات الأمريكية بعيداً عن الأذى. وهو الموقف الذي أعاد التأكيد عليه، السبت، بينما كانت الفصائل المسلحة تتقدم نحو دمشق.
وقال الرئيس المنتخب في منشور على منصته سوشيال تروث: "سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل شيئاً حيال ذلك. هذه ليست معركتنا. يجب ألا نتورط".
لكن ترامب لم يذكر القوات الأمريكية المتبقية في شرق البلاد. ولا حقيقة أنه هو الذي قرر ترك كتيبة في سوريا على رغم الانسحاب من المنطقة الشمالية بناءً على طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما سمح للقوات التركية بملاحقة القوات الكردية في قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
وفي أواخر عام 2018، استقال ماتيس بسبب إعلان ترامب المفاجئ أنه سيسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا. ومع ذلك، كانت هزيمة قوات سوريا الديمقراطية لخلافة داعش الإرهابي في سوريا في مارس 2019 واحدة من أكثر انجازات ترامب في السياسة الخارجية، وقد اقتنع في نهاية المطاف بأن الانسحاب الكامل من شأنه أن يعرض تلك الانجازات للخطر. وعندما احتفظ بوحدة من القوات الأمريكية على الأرض، برر ذلك بأنه دفاع عن حقول النفط الشرقية السورية، خدمة للمصالح الولايات المتحدة في مواجهة كل من داعش والأسد.
ويُعتقد أن نحو 900 جندي أمريكي موجودون في شرق سوريا اليوم، للتصدي لأنشطة إيران أو تنظيم داعش، وقد يميل ترامب مرة أخرى إلى إعادتهم إلى الوطن تماشياً مع تعهده بإنهاء "الحروب الأبدية".
With Donald Trump set to return to the White House, speculation has mounted about how he will deal with the complex situation in Syria, where U.S. troops have been deployed—occasionally coming under attack—since 2015. pic.twitter.com/tGQAC6Chc3
— The Epoch Times (@EpochTimes) November 19, 2024
لكن في الواقع، يعتمد هذا على ما إذا كانت داعش أو إيران أو روسيا تسعى إلى إعادة تجميع صفوفها تحت أي نظام سيظهر في دمشق. ومن غير المرجح أن يرغب ترامب في الاستيلاء على النفط أو إعادة بناء قواعد القوة التي تهدد طموحاته الكبرى - فهو يحلم بإعلان السلام في الشرق الأوسط.
أثبتت مقامرة تايس عام 2020، أن ترامب منفتح دائماً على التوصل إلى اتفاق ولم يشك أبداً في قدرته على التوصل إلى اتفاقات مع طهران حول إنهاء طموحاتها في مجال الأسلحة النووية وأنشطتها الأوسع في زعزعة الاستقرار في مقابل تخفيف حملة الضغط الاقتصادي، وكذلك التوصل إلى اتفاق مع موسكو بما يعيدها للاستثمار العالمي والنظام الديبلوماسي، ربما كجزء من صفقة كبرى في شأن أوكرانيا.