إرباك وهروب جماعي من صنعاء.. الخوف والانهيار يدب في صفوف القيادات الحوثية بعد سقوط نظام الأسد
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
تعيش مليشيا الحوثي في اليمن، المدعومة من إيران، حالة من القلق والخوف بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، والذي كان يعد أحد أبرز حلفاء طهران في المنطقة، وهو ما يُنظر إليه كضربة قاسية لما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة.
سقوط نظام بشار الأسد وقبله تفتيت حزب الله اللبناني بعد مقتل العشرات من كبار قياداته على رأسهم حسن نصر الله، علاوة على مقتل قيادات إيرانية عسكرية بارزة في الحرس الثوري وفيلق القدس بضربات جوية في سوريا والعراق، يعني تغييرات جذرية في توازن القوى في المنطقة.
بالنسبة للحوثيين، الذين يعتبرون أحد أبرز وكلاء إيران في العالم العربي، يمثل سقوط الأسد تطوراً مقلقاً يهدد مستقبلهم السياسي والعسكري، خصوصاً والأسد كان يُعد ركيزة أساسية في محور المقاومة الإيراني، لقرب سوريا الجغرافي من إيران بالإضافة إلى اذرعها في لبنان والعراق، ولذا كان استمراره في السلطة طيلة السنوات الماضية مؤشراً على تماسك وتخادم ما يسمى "محور المقاومة"، وانهيار نظام الأسد في غضون أيام يظهر تخلي طهران عن نظام الأسد نتيجة تهالك فعلي لهذا المحور.
غليان شعبي متنامٍ
محللون ومراقبون يؤكدون أن الحوثيين الذين يعيشون بمعزل جغرافي عن بقية اذرع "المحور" إلا من تهريب الأسلحة الإيرانية والمعدات العسكرية والمخدرات وإرسال خبراء في الحرس الثوري إلى اليمن لإدارة الملف السياسي والعسكري للمليشيا، باتوا اليوم أكثر من كل يوم يخشون التطورات الأخيرة بما في ذلك العقوبات الدولية على طهران، والتي مؤكد أنها ستؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني، علاوة على الغليان الشعبي المتنامي في اليمن لأكثر من عشر سنوات على الحرب والخراب وانقطاع الرواتب وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
واضافوا لوكالة "خبر"، أن سقوط الأسد يعني بشكل أو بآخر، تآكل أحد أضلاع هذا المحور، مما يضع الجماعة في موقف أكثر هشاشة على الصعيدين السياسي والعسكري.
وحسب المراقبين والمحللين، فإن سقوط النظام السوري جاء في وقت تعاني فيه إيران من عزلة متزايدة وتحديات داخلية وخارجية، ما يجعل دعمها لحلفائها في اليمن وسوريا ولبنان أكثر تعقيداً.
إرباك وهروب جماعي
في السياق، قالت مصادر عسكرية رفيعة لوكالة "خبر" إن مليشيا الحوثي تدرك أن الدعم الإيراني أخذ يتراجع نتيجة التركيز على احتواء الخسائر في سوريا، مما يضع الجماعة في موقف ضعيف للغاية أمام خصومها على الساحة اليمنية، سواء من الحكومة الشرعية أو من التحالف العربي.
واوضحت المصادر، أن التقارير الواردة من داخل صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تشير إلى حالة من التوتر والارتباك في صفوف قيادات المليشيا، حيث بدأت باتخاذ تدابير أمنية مشددة خوفاً من أي انتفاضات داخلية أو تحركات شعبية تستغل تراجع الهيمنة الإيرانية بعد سقوط نظام الأسد.
في الوقت نفسه، تعزز المليشيا خطابها الدعائي لمحاولة رفع معنويات أنصارها، إلا أن الشارع اليمني يبدو أكثر وعياً بتغير معادلات القوة في المنطقة.
بالتزامن، تؤكد مصادر "خبر" الخاصة، تغيير قيادات حوثية بارزة مقار سكنها في صنعاء وانتقالها إلى أحياء أخرى غير معروفة وفي سرية تامة، وحدّت من تحركاتها، في الوقت الذي شوهدت سيارات فخمة مضادة للرصاص تغادر صنعاء على فترات متفاوتة باتجاه محافظة صعدة معقل زعيم الجماعة، والتي سبق وأن حصّنتها بشبكة انفاق واسعة تحسباً لهذه اللحظة.
التحركات الموغلة بالسرية التامة باتت ملحوظة في الحديدة أيضاً، وسط تأكيدات أنها عمليات إجلاء قيادات حوثية رفيعة وأخرى من قيادات الحرس الثوري الإيراني.
تجارب سياسية فاشلة
على الصعيد الإقليمي، يرى المراقبون، أن سقوط الأسد يمثل ضربة كبيرة لما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني، الذي كان يعتمد على بقاء سوريا كركيزة استراتيجية في المنطقة، ما قد يؤدي إلى إعادة رسم التحالفات وتقليص النفوذ الإيراني في اليمن، وهو ما قد يضعف موقف الحوثيين في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
ومع تراجع هذا المحور، يجد الحوثيون أنفسهم في مأزق حقيقي، حيث تتضاءل فرصهم في الاستمرار كقوة إقليمية ويفقدون أحد أهم عوامل الدعم السياسي والعسكري.
كما أن هذا التطور قد يدفع بعض القوى الدولية إلى محاولة إنقاذ المليشيا بالدفع بها نحو تسوية سياسية وهو ما يصب لصالحها مقارنة بالقضاء عليها مثلما حدث لنظام الأسد، خصوصاً وقد ظهرت مؤشرات ذلك واضحة في اجتماع عقده مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يوم الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أكد فيه تمسكه بالمرجعيات الثلاث والممثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، بدلاً من تشديده على القضاء على الحوثيين ومعاقبتهم على جريمة الانقلاب على النظام وما لحق بالشعب جراء ذلك.
وفي كل الأحوال، وفي ظل هذه التطورات، أصبحت المليشيا الحوثية أكثر من أي وقت مضى في مواجهة عزلة دولية وإقليمية متزايدة قد تعجل بنهايتها.
وفي هذا الصدد، يشدد عسكريون ومراقبون على أن أي تسوية سياسية مع المليشيا الحوثية دون هزيمتها عسكرياً ليس إلا خيانة للشعب اليمني، وترحيلاً للأزمة وفك الحبل من حول عنق الجماعة لإعادة ترتيب أوراقها عسكرياً واقتصادياً، خصوصاً والشعب اليمني لم يعد قادراً على تحمل مزيد من المداهنات والتجارب السياسية الفاشلة بعد ما تجرعه خلال عشر سنوات من الحرب والتشريد والتنكيل والملاحقة.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: السیاسی والعسکری فی المنطقة نظام الأسد فی الیمن
إقرأ أيضاً:
سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و«إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية