حتى لا تكون دمشق جرحا آخر في خاصرة التاريخ العربي
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
تستحق دمشق أكثر من قصيدة رثاء في هذه الأيام الخواء من أيام العرب المؤسفة التي تأخذهم صراعا إلى حافة التاريخ وهامش هامشه وهم أقرب إلى المغيبين عن الحقيقة منهم من المجبرين على سواها، ولكن من خوف أن تلحق عاصمة الأمويين بعواصم عربية كبرى سبقتها للسقوط.. وليس بعد السقوط، في العالم العربي، إلا التشظي والتشرذم والتحزب والتمذهب، وضياع معنى الوطن وتمزيقه إلى وحدات طائفية ومذهبية وقومية، ومن لا يعرف معنى كل ذلك يمكنه أن ينشّط ذاكرته لتستعيد بعضا مما حل بالعراق بعد سقوط بغداد يوم التاسع من أبريل 2003 أو ما حصل في ليبيا في عام 2011.
تستحق دمشق الرثاء فقد كانت عاصمة الخلافة ومهد الحضارة والأبجدية، والمدينة التي علّمت الكون الكتابة ليس نقشا على الحجر فقط ولكن نقشا في وجدان الإنسانية في لحظات تشكلها الأولى. ودمشق ليست مدينة عادية أو عابرة في سياقها التاريخي ومركزيتها الحديثة، إنها وطن بحجم أمة، وحلم بحجم مجد يأبى الانكسار. كانت دمشقُ قبلة القلوب والعقول، وأصبحت في طريق يبدو مسدودا لا يمكن قراءته إلا عبر استحضار ما حل بسواها من المدن العربية التي مرت بالتجارب نفسها، والخوف أنها تذهب الآن للمصير نفسه، وهو مصير لا تستحقه دمشق كما لا تستحقه أي مدينة أخرى في العالم أو أي بشر يتوقون للحياة.
إنها لحظة حاسمة ومفصلية في تاريخ سوريا وفي تاريخ مدنها الأخرى التي لا تقل مكانة عن دمشق: حلب وحمص وحماة وكل الثغور السورية التي صمدت في وجه الأطماع عبر التاريخ لتثبت للعالم أن حركة التاريخ الحقيقية ليست في سقوط دمشق كما قالت وسائل إعلامية عربية أمس وإنما حركة التاريخ الحقيقية، في هذه اللحظة بالذات، هي في وعي الشعب السوري للحفاظ على سوريا وعلى وحدتها وعلى كيان الدولة فيها من الانهيار المؤسسي والفوضى ومن الذهاب للطائفية والمذهبية وإشعال نيران الانتقام التي إن بدأت فلن ينطفئ حقدها؛ لأن كل انتقام يزرع بذور انتقام آخر في دائرة ستنهي تاريخ سوريا وأمجادها العربية وتجرف السياق الحضاري الكامن في أعماق الشعب السوري الذي طالما استمدت الأمة منه بعض يقينها وحلمها بالمستقبل واستمدت منه الإنسانية الكثير من عبقريتها وإبداعها.
وإذا كانت هذه اللحظة منعطفا تاريخيا بالنسبة لسوريا فإنها كذلك للأمة العربية والمنطقة بأكملها، وإذا كان ما حدث للعالم العربي خلال العقدين الماضيين يحيلنا مباشرة إلى سقوط بغداد في يد الغزو الأمريكي فإن ما ينتظر العالم العربي والمنطقة بأسرها سيبقى يحيلنا إلى ما حدث في دمشق إذا لم يمتلك الشعب السوري وعيه الكامل بحقيقة اللحظة التاريخية التي يمر بها بعيدا عن وهم الفتح والنصر الذي حاولت شخصيات سياسية عالمية ومؤسسات إعلامية تكريسه في الوعي السوري المأخوذ باللحظة وفي الوعي العربي المأخوذ بالمفاجأة.
إن رثاء المدن أقسى بكثير من رثاء الأفراد الذين يرحلون في سياق حركة الحياة الطبيعية واليومية مهما كان تأثيرهم ومهما كانت بصمتهم الوجدانية؛ فالمدن هي الأوطان التي تحتوينا وتصنع حقيقتنا وقيمتنا وبدونها لا نستطيع أن نعيش أبدا.. ومن حفظ وطنه فقد حفظ نفسه، ومن أضاعه فقد أضاعها وأصبح بلا هُوية وبلا قيمة وبلا هامش حتى على قارعة التاريخ وحركته التي لا تتوقف.
تستحق سوريا بكل مدنها أكثر من قصيدة رثاء في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخها وتاريخ الأمة العربية، وتستحق أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا عليها وعلى مآلاتها وعلى كيانها ونحن نستذكر مآلات عربية سابقة ولكنها لا تستعاد بالحسرة والبكاء بل بالوعي والعمل واللحمة الوطنية العربية التي تستطيع أن تعي معنى وحدة المصير.
بهذا الوعي الذي يمكن للسوريين أن يجدوا أصوله في تاريخهم وفي منجزهم الحضاري والثقافي وفي نقوشاتهم على أقدم رُقم في تاريخ البشرية وفي رواياتهم وأشعارهم المؤسسة للثقافة العربية، يمكن بناء حركة جديدة وحقيقية للتاريخ غير تلك التي تأخذهم اللحظة إليها.. وبهذا الوعي، أيضا، سيبقى ضوء دمشق ينير دروب المستقبل مهما كانت صعبة ومعقدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی تاریخ
إقرأ أيضاً:
سحر السنباطي تشارك في احتفالية اليوم العربي لمحو الأمية بجامعة الدول العربية
شاركت الدكتورة سحر السنباطي رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، في الاحتفالية التي أقامتها جامعة الدول العربية بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار، بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية والذي جاء هذا العام تحت شعار "مستقبل تعليم وتعليم الكبار في مصر والعالم العربي"، وذلك بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
سحر السنباطي: إطلاق حملة "اختلافنا مش بيفرقنا" لدعم حقوق الأطفال ودمجهم في المجتمع سحر السنباطي: القومي للطفولة يقدم كل سبل الدعم للأطفال ذوى الإعاقة دون تمييزوأعربت " السنباطي" عن خالص شكرها وتقديرها لدعوتها للمشاركة في هذه الاحتفالية والتي تعد واحدة من أهم المناسبات التي تمس وجداننا جميعا، وهو اليوم العربي لمحو الأمية"، والذي يأتي هذا العام تحت شعار مستقبل تعليم وتعلم الكبار في مصر و العالم العربي والذي يعكس تطلعنا لمستقبل أكثر إشراقا، حيث يكون التعليم حقا مكفولا للجميع بداية من سنوات الطفولة المبكرة وحتى مراحل العمر المتقدمة، مؤكدة على أن محو الأمية ترتبط ارتباطا وثيقا برفع الوعي المجتمعي ولاسيما رفع الوعي بحقوق الطفل ولابد من تضمينها ضمن منهج مطور لتعليم الأطفال والكبار بطرق مبتكرة تواكب عصر التحول الرقمي.
وأضافت "السنباطي" أن نسبة الأمية في مصر لا تزال تمثل تحديا كبيرا رغم الجهود المبذولة، فوفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023 بلغ معدل الأمية 16.1% (للفئة العمرية 10 سنوات فأكثر) بانخفاض قدره %1.4% مقارنة بالعام السابق، كما بلغ معدل الأمية بين الذكور 11.4%. وبلغ معدل الأمية بين الإناث21%، لذا ووفقاً لهذه البيانات مازال هناك الكثير لنقدمه معا كشركاء في هذا الوطن.
وأكدت "السنباطي" على أهمية التعليم في مرحلة الطفولة ليس لأنه بداية المسيرة التعليمية، بل لأنه البذرة التي تنمو وتثمر في كل مراحل الحياة، فالاستثمار في تعليم الأطفال يعتبر الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث يساهم في بناء شخصية الفرد، وتعزيز قدراته العقلية وتنمية القيم الإنسانية التي تؤسس لمجتمعات أكثر عدلا وتماسكا، مشددة على أن لكل طفل الحق في بيئة وأسرة مجتمعية متعلمة وواعية.
وقالت "السنباطي" إننا في مصر والعالم العربي ندرك تماماً أهمية التركيز على التعليم في الطفولة كوسيلة للحد من الأمية في المستقبل، فعندما نوفر للطفل بيئة تعليمية صحية ومناسبة منذ سنواته الأولى نضمن ليس فقط مستقبله الفردي، بل مستقبل أوطاننا بأكملها، لافتة إلى أن المسؤولية لا تتوقف عند الطفولة، بل تمتد لتشمل جميع الفئات العمرية، فتعليم الكبار ومحو الأمية ليس خيارا، بل ضرورة لمواجهة التحديات التي نعيشها في عالم يشهد تطورات متسارعة وخاصة في عالم الإنترنت، والأمية لم تعد تعني فقط عدم القدرة على القراءة والكتابة ، بل أصبحت تشمل الأمية الرقمية والثقافية، لذلك يجب أن تتضافر جهود الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز برامج تعليم الكبار وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في بناء مجتمعاتنا.
وفي ختام كلمتها وجهت "السنباطي" دعوة بأن نجعل من هذا اليوم العربي لمحو الأمية نقطة انطلاق جديدة نحو مستقبل أفضل لنجدد التزامنا بمكافحة الأمية بجميع أشكالها، ولنؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار يمكن أن نقدمه لأوطاننا لتظل مضيئة بالعلم والمعرفة.