محملة بأخطر وأغلى مادة في العالم.. التجهيز لشاحنة الرعب في هذا المكان
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
دائمًا ما تنتهي الأبحاث والتجارب الغريبة بنتائج غير متوقعة، وواحدة من أغرب التجارب وأكثرهم مجازفة بالأموال وحتى الحياة، يستعد باحثون من مركز أبحاث الفيزياء الأوروبي سيرن، الموجود بالقرب من جنيف، للقيام بواحدة من أكثر الرحلات العلمية خطورة، إذ يخططون لنقل حاوية من المادة المضادة في شاحنة تعبر أوروبا.
وعلى الرغم من ندرة المادة المضادة لكونها الأكثر تكلفة على الأرض، إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة إنتاج جرام واحد منها قد تصل إلى عدة تريليونات من الدولارات، ولا يمكن تصنيعها إلا في مختبرات فيزياء متطورة جدًا مثل مركز أبحاث سيرن، فضلًا عن أن انفجارها يمكن أن يحدث إشعاعات كهرومغناطيسية، لكن الاستعداد لهذه الرحلة يجري على قدم وساق لتوفير هذه المادة وتحميلها في شاحنة نقل تعبر أوروبا، وفق صحيفة الجارديان البريطانية.
البروفيسور ستيفان أولمر، العالم في سيرن قال عن التجهيز لـ الشاحنة المحملة بالمادة المضادة أن التعامل معها أمر بالغ الصعوبة، فإذا ما لامس المادة المضادة المادة العادية، فإن كليهما يتلاشى، فتنطلق منهما موجة قوية من الإشعاع الكهرومغناطيسي، ولا يمكن تخزين المادة المضادة بأمان إلا من خلال الجمع بعناية بين مجموعات من المجالات الكهربائية والمغناطيسية القوية في أجهزة خاصة، موضحًا: «هذا الأمر يجعل تحريكها صعبًا للغاية، على الرغم من أننا الآن قريبون من القيام برحلتنا الأولى، المادة المضادة لديها الكثير لتخبرنا به، ولهذا السبب نقوم بهذا».
يؤكد علماء مركز أبحاث سيرن أن نقل المادة المضادة سوف يكون سابقة علمية، وإن كان الأمر يشبه قصة خيالية، بالنسبة للمادة المضادة نفسها فإن الجرام الواحد منها يساوي 62 تريليون دولار، في حال خسر العلماء الشاحنة أو تعرضت لحادث فإن الخسائر ستكون كبيرة جدًا ماديًا، فضلًا عن الانفجارات القوية من الإشعاع الكهرومغناطيسي.
محاولة نقل المادة المضادة في رواية قديمةففي رواية الإثارة «ملائكة وشياطين» لدان براون ـ والتي تحوَّلت إلى فيلم بطولة توم هانكس في عام 2009 ـ سرقت العصابات المتطرفة علبة من المادة المضادة من سيرن وحاولوا تدمير الفاتيكان بها، ويصر العلماء على أن احتمال حدوث انفجار مماثل في الحياة الحقيقية أمر بعيد الاحتمال، إذ أن كميات المادة المضادة التي تحملها لن تكون كافية لإحداث انفجار ذي طبيعة يمكن التعرف عليها.
ويريد العلماء دراسة هذه الجسيمات لأنهم يعتقدون أنها قد تحمل الحل للغز أساسي، يقول أولمر: «نعتقد أن الانفجار الأعظم أنتج نفس الكميات من المادة والمادة المضادة، وكان من المفترض أن تدمر هذه الجزيئات بعضها البعض، لتترك كوناً مكوناً من الإشعاع الكهرومغناطيسي فقط وليس أكثر من ذلك».
ولهذا السبب، يرغب علماء الفيزياء في دراسة الاختلافات بين الجسيمات التي تشكل المادة والمادة المضادة، وقد توفر هذه الاختلافات أدلة حول سبب سيطرة المادة على الكون، كما قالت عالمة سيرن باربرا ماريا لاتاكز لمجلة نيتشر: «نحن نحاول أن نفهم سبب وجودنا».
تتكون المادة من جسيمات دون ذرية مثل البروتونات والإلكترونات، في حين تتكون المادة المضادة من جسيمات تشمل البروتونات المضادة والبوزيترونات، ويوجد مصدر رئيسي للنوع الأخير من الجسيمات في سيرن في جهاز يُعرف باسم مُبطئ البروتونات المضادة، حيث يتم توليد البروتونات المضادة وجمعها ودراستها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المادة المضادة علماء الفيزياء الفيزياء المادة المضادة
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب .. جمال حمدان: عبقري المكان والزمان
في مثل هذا اليوم، يُشرق علينا ذكرى ميلاد أحد أبرز العقول التي أنجبتها مصر، العالم الجليل والمفكر الموسوعي جمال حمدان، الذي ترك بصمةً لا تُنسى في عالم الفكر الجغرافي والاستراتيجي. إنه الرجل الذي أدرك أن الجغرافيا ليست مجرد خرائط وأرقام، بل هي تاريخ وحضارة وصراع وجود، وهي الروح التي تسري في عروق الأمم.
وُلد جمال حمدان في 4 فبراير 1928، في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية، لتبدأ رحلة عقلٍ شغوف بالمعرفة، وعينٍ ترى ما وراء الظواهر. كان حمدان نموذجًا للعالم الذي يجمع بين الدقة العلمية والرؤية الفلسفية، فجعل من الجغرافيا علمًا حيًا يتنفس ويتفاعل مع التاريخ والسياسة والثقافة.
إذا كان هناك من أعطى لمصر هويتها الجغرافية والتاريخية بشكلٍ عميق، فهو جمال حمدان. في كتابه الشهير "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان"، قدم حمدان تحليلًا استثنائيًا لشخصية مصر، مؤكدًا أن مصر ليست مجرد قطعة أرض، بل هي كيان حي يتفاعل مع محيطه. لقد رأى في نهر النيل شريان الحياة، وفي الصحراء درعًا واقيًا، وفي الموقع الاستراتيجي جسرًا بين الشرق والغرب.
لم يكن حمدان مجرد عالم جغرافي، بل كان فيلسوفًا يرى في الجغرافيا مرآةً تعكس روح الشعوب. لقد أدرك أن مصر هي "هبة النيل"، لكنها أيضًا هبة موقعها الفريد وتاريخها العريق. كانت رؤيته للهوية المصرية رؤيةً شاملة، تجمع بين الماضي والحاضر، وتستشرف المستقبل.
المفكر الاستراتيجي
لم تكن كتابات جمال حمدان مجرد أبحاث أكاديمية، بل كانت دراسات استراتيجية تُقدم رؤىً عميقة لمستقبل مصر والعالم العربي. في كتابه "استراتيجية الاستعمار والتحرير"، كشف حمدان عن آليات الاستعمار الحديث وأدواته، ودعا إلى ضرورة التحرر الفكري قبل التحرر السياسي. كان يؤمن بأن المعرفة هي السلاح الأقوى في مواجهة التحديات.
لقد تنبأ حمدان بتحولات العالم قبل أن تحدث، ورأى في العولمة خطرًا على الهويات الوطنية، لكنه أيضًا رأى فيها فرصةً للتفاعل الحضاري إذا ما أُحسن استغلالها. كانت أفكاره استباقية، تجمع بين الحذر من المخاطر والتفاؤل بإمكانيات التغيير.
*إرث جمال حمدان: نورٌ يُضيء الطريق*
رحل جمال حمدان جسديًا في 17 أبريل 1993، لكن أفكاره وإرثه الفكري ما زالا يُضيئان طريق الأجيال الجديدة. لقد كان رجلًا متواضعًا، عاش بعيدًا عن الأضواء، لكنه ترك خلفه كنزًا من المعرفة لا يُقدّر بثمن.
في ذكرى نستذكر جمال حمدان ليس فقط كعالم جغرافي، بل كرمزٍ للعقل المصري الحر الذي يُدرك قيمة الأرض والتاريخ، ويدعو إلى التفكير النقدي والتحرر من قيود التبعية الفكرية. لقد كان حمدان صوتًا للهوية المصرية في زمنٍ كادت تُغيب فيه الأصوات الحقيقية.
إننا في ذكرى ميلاد جمال حمدان، نحيي ذكرى رجلٍ جعل من الجغرافيا فلسفةً للحياة، ومن المعرفة سلاحًا للتحرر. لقد كان بحقٍّ "عبقري المكان"، الذي أدرك أن الأرض ليست مجرد تراب، بل هي تاريخ وحضارة وروح. فلتظل أفكاره نبراسًا يُضيء طريقنا نحو المستقبل.
تحيةً إلى روح جمال حمدان، عبقري مصر وفيلسوف الجغرافيا.