الامتنان لمستحقيه قيمة إنسانية خافتة فى مُجتمعاتنا. أن نشكُر الآخرين على ما أدوه من إنصاف وجدية ودعم ومساندة من أجل الحق والحقيقة، يعنى أننا نُكرّم مَن يستحق التكريم ونُحيى مَن ساهم فى رد اعتبار للشعب المصرى الذى كافح وناضل، وتعرض لمظالم جمة ونهب عظيم طوال تاريخه.
أقول ذلك كمقدمة واجبة لتحية كايل جون أندرسون، أستاذ التاريخ المشارك فى جامعة ولاية نيويورك بأمريكا والذى انتهيت مؤخرا من قراءة كتابه الفذ «فرقة العمال المصرية»، حيث قدم أعمق وأشمل قراءة تحليلية لمشاركة الفلاحين المصريين فى الحرب العالمية الأولى.
لقد تفاعل الباحث بقصة مشاركة المصريين فى الحرب العالمية بالعرق والجهد والعمل الدؤوب، فلفَّ الأقطار واستكشف أرشيفات بريطانيا وفرنسا وكثير من الدول الأوروبية للوقوف على الحكاية ليُقدمها لنا فى كتاب ساحر ترجمه إلى العربية المترجمان المتميزان شكرى مجاهد ومحمد صلاح على فى المركز القومى للترجمة.
كانت البداية شاهد قبر غريبا وسط مقابر أدنكرك بين فرنسا وبلجيكا، والمُزينة بالصلبان والكتابات اللاتينية مُزدانا بكتابة عربية وآية قرآنية هى «إنا لله وإنا إليه راجعون». يحمل الشاهد اسم ثابت هارون محمد، والذى رحل فى 6سبتمبر 1917.
ورغم احتفاء الإمبراطورية البريطانية بجنودها تحت دعوة فابيان وير التى أكدت ضرورة تكريم جميع المشاركين من الجنرال إلى الساعي، إلا أن ذلك الاحتفاء لم يتم مع فرقة العمال المصرية التى شاركت فى الحرب ببراعة وبسالة وجلد، فشقت الجسور وأقامت الحصون، ومدت الطرق والسكة الحديد، وحفرت الآبار.
استخلصت دراسة أندرسون عدة حقائق تفصيلية مُدهشة، أولاها أن المصريين شاركوا فى الحرب العالمية الأولى بعدد 327 ألفا عملوا كعمال وجمالين وخيالين وبيطريين.
وثانيها: إن المشاركين فى الحرب شاركوا تحت ضغط الحاجة المالية، للهروب من البطالة، وللحصول على أجور زهيدة، لكن بعد وقت تراجعت المشاركة فعادت بريطانيا لاستعمال السخرة رغم إلغائها رسميا فى نهايات القرن التاسع عشر. وطبقا شهادة غربية فقد «كان العُمد يجرّون الرجال جرا من الحقول والبيوت فى الريف، فإن قاوموا ضربوا أو قتلوا».
وثالثها، فإن ما تحمله المصريون من عسف وُظلم وقهر وإنكار وجود خلال مشاركتهم فى الحرب، أولد لديهم إحساس قوى بالتمرد والتحرر من ربقة الظُلم، وساهم فى إذكاء نار الغضب ضد الاحتلال البريطانى فيما بعد، لذا فقد كانت أحد مظاهر ثورة الفلاحين فى مختلف الأنحاء سنة 1919 تُركز على تخريب خطوط السكك الحديدية، باعتبارها البنية التحتية للمحتل التى أرغم العمال خارج مصر على إنشائها.
ورابعها: إن أحدا من مؤرخى التاريخ الرسمى فى مصر لم يعنِ أو يهتم بدراسة دور الفرقة المصرية، إلا أن الحكايات الشعبية والتراث حفظ هذا الدور، وأبسط مثال على ذلك أغنية «سالمة يا سلامة» التى كتبها بديع خيرى ولحنها سيد درويش سنة 1918، والتى يقول أحد مقاطعها «بلا امريكا..بلا اوروبا. ما فيش أحسن من بلدي/ دى المركب اللى بتجيب أحسن من اللى بتودي/ ياسطى بشندي/ سُلطة ما سلطة أهو كله مكسب/ حوشنا مال وجينا/ شفنا الحرب وشفنا الضرب وشفنا الديناميت بعنينا..»
وأخيرا، فإن أبرز ما يحققه عمل كايل جون أندرسون فى تصوري، هو أنه يشير بمزيد من الاهتمام إلى المصريين المُهمشين والمنسيين من البسطاء، والمُغفل ذكرهم دوما، رغم عظم ما لعبوه من دور فى الساحة العالمية.
وكم من عظائم صنعها بشر لم يحس بهم أحد.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد للشعب المصرى بريطانيا وفرنسا فى الحرب
إقرأ أيضاً:
برلماني: قانون الثروة المعدنية الجديد حلم استغلال الثروات المنسية
ثمن النائب تامر عبدالقادر، عضو مجلس النواب، دور وزير البترول والثروة المعدنية، كريم بدوي، ووزير شؤون مجلسي النواب والشيوخ المستشار محمود فوزي، لجهودهما التي كشفت التناغم والتفاهم الحقيقي بين الحكومة، ومجلس النواب في إعداد مشروع قانون تحويل هيئة الثروة المعدنية لهيئة اقتصادية .
وفي هذا الإطار، قال «عبدالقادر»: «إن مشروع القانون الذي تقدم به النائب محمد إسماعيل، كنا ننتظره منذ عقود طويلة، حيث فقدنا فيها ثرواتنا الطبيعية، ولم نحسن استغلالها بما يحقق المصلحة العامة للدولة المصرية وشعبها العظيم».
ووصف «عبدالقادر» خلال كلمته في الجلسة العامة لمجلس النواب ، قانون الثروة المعدنية الجديد، بأنه يعد بمثابة حلم لاستغلال الثروات المنسية، مشيدًا بمشروع القانون الذي تضمن تدشين بورصة للمعادن والذهب، بما يعزز قيمة المعادن المصرية المنسية، ويرفع من قيمتها الاستثمارية.
وأضاف النائب تامر عبدالقادر، في بيان صحفي أصدره صباح اليوم، أن مشروع فوسفات أبوطرطور في الوادي الجديد، الذي استحوذ على ٣٢٠ كيلو متر مربع إضافية لمشروعه الضخم، ولا يزال حتى اليوم يستخرج خام الفوسفات فقط، لافتًا إلى أنه يتم إهدار ما يقرب من ٢١ معدن آخر غير مستغل، كاشفًا أن مشروع القانون الجديد يأتي ليضع بين مواده الاستكشاف والبحث والاستثمار، ويعيد ثروات مصر المهدرة والتي تقدر بمليارات.
وأوضح «عبدالقادر»، أن الزيادة في الناتج المحلي التي توقعها مشروع القانون بين سطوره، المقدرة بحوالي ٦٪ بزيادة تبلغ نحو ٥٪، أمر محمود من قبل الحكومة ومقدم مشروع القانون، متابعًا: «نتوقع أضعاف هذه القيمة عقب عمليات الاستكشاف والبحث ».
وطالب «عبدالقادر»، الحكومة بحسن استغلال القانون، واختيار الكوادر الاقتصادية الاستثمارية لإدارة الهيئة الجديدة بعقلية مرنة تستطيع استثمار كل شبر في صحراء مصر بما يحقق الصالح العام لهذا البلد، قائلا: «إن أحسنا استثمار ثرواتنا التعدينية المهدرة سوف يعود ذلك بزيادة الصادرات وتوفير العملة الصعبة وخلق مئات الآلاف من فرص العمل».
وشدد «عبدالقادر»، على ضرورة تشكيل لجنة عاجلة بمعرفة الهيئة الجديدة، مشكلة من الجيولوجيين، والخبراء للبدء في الكشف عن المعادن غير المستغلة في تراب مصر وصحرائها، والعمل على تدشين بوابة إلكترونية لعرض هذه المعادن في شكل استثمارات جديدة على المستثمرين، مع توفير بيئة استثمارية مرنة، ومساعدة المستثمرين على فتح أسواق جديدة لهذه المعادن لتصنيعها وتصديرها.