كان ينبغي تحليل المشهدين الأوروبي والأمريكي بصورة عميقة من حيث النشأة التي انتجت ظاهرتي "الترامبية" واليمين المتطرف

 

د. عبدالله باحجاج

كل المُتغيِّرات الدراماتيكية والتراجيدية التي تحدث في أوروبا وأمريكا، ومُؤخرا في كوريا الجنوبية، وأمس في سوريا، وقبلها في السودان واليمن ولبنان، تُحتِّم على الدول الآمنة والمستقرة أن تُعمِل فكرها الاستراتيجي في دراسة الأسباب التي تُنتج مُتغيرات وجودية على الصعيد السياسي، وتَقلِب استقرارها وأمنها رأسًا على عقب، وكيف يكون الفشل الحتمي لكل من يُراهن على القوة الخشنة دون الإصلاحات المُستمرة؟

لا بُد أن يكون لهذه الدول تفكيرها الاستراتيجي المُستقِل النابع من استدامة مصالحها الداخلية أولًا، والمبنية على قناعة بأنَّ قوتها الكبرى والحاسمة هي شعوبها، وليس قوتها الخشنة، ولسنا هنا في حاجة لاستدلالات على هذا الطرح؛ فهناك تجارب آنية وحديثة ترسخ هذه القناعة.

نذكر الدول الآمنة والمستقرة بأنها في حقبة تداعيات الدول لأفعالها وتصرفاتها السابقة- الداخلية والخارجية- التي يكون وراءها وَهْمٌ بالقوة الداخلية ووَهْمُ الاستقواء بالخارج على حساب شرعية سياساتها وخططها الداخلية، وكل دولة لها تاريخ يسير في الاتجاه المُعاكس لشعوبها، عليها أن تكون في حالة ترقب مرتفع للتداعيات. وهذه أبرز الرسائل التي ينبغي أن تصل الآن إلى الوعي السياسي في منطقتنا، ومن ثم يستوجب عليه أن يُعيد بوصلته للاعتداد بالقوة الاجتماعية في خطط واستراتيجيات وسياسات جديدة؛ فهي عامل الاستقرار والأمن وديمومتهما والعكس صحيح.

وقد استكملت التداعيات نضوجها الزمني والاجتماعي والسياسي، والأخطر هنا أن نجاح تجارب شعوب وجماعات إقليمية ودولية يمنح الإلهام العابر للحدود، كما تتقاطع معها الآن تحولات إقليمية وعالمية؛ مما يجعل من نجاحها مضمونًا وسهلًا وبأقل الخسائر، كحالة سوريا مثلًا. وبما أننا نحمل هُنا هَمَّ المحافظة على الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربية بكل دولِهِا، فإننا نرى أنها مُطالَبة بإعادة النظر في الليبيرالية الجديدة التي تتبناها خلال السنوات الأخيرة؛ فهذه الليبيرالية قد أحدثت في فترة زمنية قصيرة تغيرات اجتماعية عميقة، واتسعت الهوة بين الماضي والحاضر، وأحدثت انسدادات في الآفاق، ولعل أبرز متغيراتها طُغيان المال على الأبعاد الاجتماعية، وطغيان الحريات العامة على منظومة القيم والأخلاق الخليجية، والسماح بتعدد الهويات والثقافات المتعارِضَة؛ مما يترتب عليها الشعور بالخطر على الوطنية والهوية في الخليج.

يحدث ذلك في ظل موجة من الهجرة مُتعدِّدة الجنسيات، تملك الأموال والأجندات ولديها أدوات سياسية دولية ضاغطة، ولا نبالغ إذا قلنا إنَّ المنطقة تشهد الآن تدفق هجرة الأغنياء ومؤسسات لها أجندات مُعلنة كالصهيونية والمسيحية البروتستانية؛ أي هي ليست كالهجرة التي شهدتها المنطقة منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما تدفقت عليها العمالة الوافدة الآسيوية لحاجة المنطقة لأيدٍ عاملة ماهرة للبناء والتحديث، وإنما ما يجري الآن هجرة مُثيرة للجدل، هي هجرة تتغلغل في الاستثمار وشراء العقارات والإقامات طويلة الأجل، ويُسمَح لها بإقامة كيانات معنوية متعددة، كإقامة أحياء سكنية ودينية ومدارس وجامعات ومطاعم خاصة بها.. إلخ.

كان ينبغي تحليل المشهدين الأوروبي والأمريكي بصورة عميقة من حيث النشأة التي انتجت ظاهرتي "الترامبية" واليمين المتطرف في أوروبا، وبلوغهما السلطة المحلية والأوروبية بسهولة بعد التغلب على قوى ليبيرالية ويسارية، وقد رأينا أن أسبابها تكاد تكون مشتركة وهي الفقر والهجرة والأجانب وبالذات المُسلمين والمساس بالهوية الأوروبية؛ أي أن الظاهرتين "الترامبية واليمين المتطرف"، هما ما أنتج الواقع الاجتماعي المهزوم الذي استباحته النيوليبرالية في نسختها الجديدة، وصمت عنها اليسار الأوروبي، فدفع الثمن أسوة بالأحزاب الليبيرالية.

ولو لم يكن في الغرب ما يحتوي الخلاف والاختلاف عن طريق الخيار الديمقراطي لشهدنا مشهدًا يتكرر عادة في دول العالم الثالث، من عنف متطرف. وهنا التساؤل: هل ستتعايش الهويات في سلام اجتماعي في الخليج؟ لا يمكن التقليل من شعور أهل الخليج أن موطنهم الأصلي الذي هم فيه قبل نشأة الدولة من المنظور السياسي يُنتزع منهم أو يتلاشى من أمام عيونهم، ولن يقبلوا أن تتحول منطقتهم الخليجية الغنية إلى ثراء للأجانب وفقر لمواطنيها، وهنا استشرافٌ صريح نُعلي من شأنه نوع الظرفيات والتحولات وإكراهاتها الحتمية حتى تكون فوق طاولة صناع القرار في الخليج لاستدراك مسارات في التوجهات الليبيرالية الجديدة بنسخها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحريات العامة، خاصة وأننا في الخليج لا نزال في بداية تطبيقات "الليبرالية الجديدة".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«أونكتاد» تدعو إلى إعفاء الاقتصادات الأضعف من التعريفات الجديدة

جنيف (وام)

دعت منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة «أونكتاد» إلى إعفاء الدول النامية والضعيفة «الاقتصادات الأضعف والأصغر حجماً» من زيادات التعريفات الجمركية الجديدة خاصة في ظل تصدع تلك الاقتصادات التي بدورها لا تؤثّر أنشطتها إلا بشكل طفيف على عجز الميزان التجاري.

وذكرت المنظمة فى تقرير أصدرته اليوم فى جنيف أنه على مر السنين فإن النظام التجارى العالمى القائم على القواعد أسهم في تعزيز التجارة الدولية مع انخفاض تدريجي ومطرد في التعريفات الجمركية وهي ضريبة تفرضها الدول على السلع المستوردة..

ولفتت إلى أنه في عام 2023 تم نحو ثلثي التجارة العالمية من دون تعريفات جمركية. وأوضحت أن موجة التعريفات الجمركية الأكثر صرامة التي فرضتها الاقتصادات الكبرى مؤخراً تثير مخاوف بشأن تصاعد التوترات التجارية وتأثيرها على الدول النامية.

وأشارت في تقريرها تحت عنوان «تصاعد التعريفات الجمركية: التأثير على الاقتصادات الصغيرة والضعيفة» إلى أن التعريفات الجمركية المتبادلة تهدد - في كثير من الحالات - بتدمير الاقتصادات النامية والأقل نمواً من دون خفض كبير في عجز الميزان التجاري الأميركي أو زيادة في الإيرادات.

ونوهت المنظمة إلى أن الشركاء التجاريين الـ 57 المعنيين - 11 منهم من أقل البلدان نمواً - ويساهمون بشكل طفيف في عجز الميزان التجاري الأميركي.

وحذر التقرير من أنه إذا فرضت الرسوم الجمركية المتبادلة مجدداً فمن المرجح أن ينخفض ​​الطلب على العديد من السلع المستوردة بسبب ارتفاع الأسعار وأضاف أنه حتى لو بقيت مستويات الواردات الأميركية عند مستويات عام 2024 فإن الإيرادات الجمركية الإضافية المحصلة من الاقتصادات الأفقر والأصغر ستكون ضئيلة.
 

مقالات مشابهة

  • بين الانقسامات والإرهاب.. الإيكواس تطلق خطتها الأمنية الجديدة
  • احجز شقتك الآن.. طرح 35 ألف وحدة سكنية في المدن الجديدة
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي 
  • احجز شقتك الآن .. رابط تحميل كراسة شروط شقق الإسكان الجديدة
  • التقديم الآن.. رابط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025
  • بافتتاح النسخة الثانية من ندوة دراسات الخليج.. أمين مجلس التعاون يشيد بالشراكة الخليجية – الأمريكية
  • أحمد موسى: الكويت من أولى الدول التي دعمت مصر منذ 30 يونيو 2013 وحتى اليوم
  • «أونكتاد» تدعو إلى إعفاء الاقتصادات الأضعف من التعريفات الجديدة
  • سجل الآن.. رابط الاستعلام عن منحة العمالة غير المنتظمة 2025 بالشروط الجديدة
  • طرد مبابي يربك ريال مدريد..ما المباريات التي سيغيب عنها؟