التعليم المهني.. مستقبل سوق العمل وسبيل التنمية
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
د. خالد بن حمد الغيلاني
التعليم سبيل تقدُّم الأمم، وأساس تفوقها، ومرتكز نهضتها، فلا مجال لأمة أن تكون قوية، صلبة، راسخة، إلا بالتعليم، ومن يُتابع اليوم الدول المتقدمة في المجالات المختلفة، والقوية في اقتصاداتها، يدرك تماماً أنَّ التعليم كان بالنسبة لها أولوية قصوى، وسبيلا أمثل لتكون حاضرة وبقوة بين الدول الفاعلة في العالم.
وبلادنا الغالية عُمان؛ ومنذ الأزل، وعلى مر عصور حضارتها، وصولا إلى نهضتها المباركة، بلوغا لنهضتها المتجددة، كان التعليم أساساً للعمل، ومرتكزا للبناء، والاهتمام به وفقاً لمتطلب كل مرحلة حضارية، ونهضة تنموية، ولو سرّعنا بسنوات عمر هذه الحضارة المترامية الأطراف، الواسعة التأثير، وركزّنا حديثنا عن السنوات الـ54 من النهضة الحديثة، والنهضة المتجددة، وكيف كان الاهتمام بالتعليم كماً لتوسيع رقعته، وضمان بلوغه كل أرجاء الوطن، ثم سرعان ما كان التوجه إلى التعليم نوعاً، ليتوافق مع متطلبات التنمية، ومراحل تطورها، ويتماشى مع الاقتصاد، ومتطلبات تعزيزه.
ومع توالي الخطط، وتعاظم برامجها، وتعدد أهدافها، واتساع استراتيجيات عملها، والاستفادة من مختلف الدراسات المتعلقة بسوق العمل ومتطلباته؛ وفقاً لاتساع مجالات العمل فيه، ومتطلبات المستقبل من الموارد البشرية اللازمة وفقاً للتخصصات الملحة، والتي يرتكز عليها سوق العمل، فقد اختلفت الغايات من التعليم نوعًا وكماً.
وبنظرة فاحصة لرؤية "عُمان 2040" نعي تمامًا أهمية التعليم، وضرورة تطويره كأولوية وطنية تعمل على تحقيق أهداف رئيسية من أهمها تنوع مسارات التعليم، وهذا الأمر ليس ضمن أولويات التنمية فحسب؛ وإنما ضمن الغايات العُمانية الملحة بشكل كبير، تماشيا مع المتغيرات العالمية، وانسجاما مع الثورات الصناعية المتلاحقة، وتحقيقاً لحاجات سوق العمل الباحثة عن القوى العاملة الماهرة، والقادرة على العمل القائم على الإنتاجية والتصنيع.
ولعله من ضمن مسارات التعليم التي باتت اليوم واضحة بشكل ملفت التعليم المهني باعتباره مساراً مهماً للغاية، ولا يقل أهمية عن المسار الأكاديمي؛ بل ويتفوق عليه في الكثير من التخصصات المعتمدة على المهارة والتطبيق، لا سيما في ظل تنامي أعداد الباحثين من الخريجين والمؤهلين في التخصصات النابعة من المسار الأكاديمي التي لم يعد سوق العمل في حاجة ملحة لها.
إنَّ التعليم المهني مهمٌ للغاية؛ كونه يُعزز العمل الخاص من خلال تأهيل شباب قادرين على المضي قدماً في أعمالهم الخاصة في مجالات عديدة ومتنوعة، وهو ما يُمثِّل قيمة مضافة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أن التعليم المهني يُقلل الفجوة بين التعليم وسوق العمل ذلك أنه يركز على تعزيز المهارات وهو ما يحرص عليه سوق العمل من خلال استقطاب القوى العاملة ذات المهارة العالية، وبطبيعة الحال فإنَّ ذلك ينعكس إيجابًا على التنمية الاقتصادية، وتنوع مصادر الدخل، وتعزيز الاستثمار، وتعظيم قطاعات الصناعة والإنتاج.
وقد خطت الجهات المختصة في سلطنة عُمان خطوات جادة ومهمة في مجال التعليم المهني؛ فوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ومن خلال القبول الموحد بدأت منذ ثلاث سنوات ابتعاث الطلبة العُمانيين الحاصلين على دبلوم التعليم العام للدراسة في دبلومات مهنية مختارة بحرفية عالية، ودراسات واقعية لحاجات سوق العمل تعتمد هذه الدبلومات المهارة والتطبيق بنسبة تصل إلى 70%، ويتم تنفيذها في الأكاديميات والمعاهد التدريبية ذات التنصيف الأول، ولعمري هو اختيار موفق باعتبار هذه المؤسسات التدريبية عملها قائم على التدريب بشكل أساسي، مما يحقق استثمارا ناجحا في تنمية الشباب العُماني وتأهيله، وعلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار النظر بجدية في زيادة عدد المبتعثين لهذه البرامج تماشياً مع حاجات سوق العمل، وتحقيقاً لأهداف وطنية غاية في الأهمية.
وبداية هذا العام بدأت وزارة التربية والتعليم، ببرنامجها الرائد للتعليم المهني للصفين الحادي عشر والثاني عشر، كمسار يعزز قدرات الطلاب، ويمكّنهم من المضي في هذا المسار بإعدادهم بطريقة ذات جودة عالية، وتأهيل يساعدهم على الالتحاق مباشرة بعد الثاني عشر بسوق العمل، أو مواصلة الدراسة في ذات المسار المهني، وحسناً فعلت وزارة التربية والتعليم بإشراكها الجمعية العُمانية للطاقة (أوبال) كشريك استراتيجي، وهو اختيار موفق بامتياز؛ نظرًا لخبرات أوبال وقربها من سوق العمل، والمؤسسات والشركات العاملة في مجالات الطاقة المختلفة، وهو ما ساعد في بناء مناهج ذات جودة عالية واختيار تخصصات بعناية فائقة، ودقة كبيرة جدا، وبعد دراسة معمقة لسوق العمل، ومما يضمن نجاح هذا البرنامج أن يتم تنفيذه في المؤسسات التدريبية الخاصة، وهو نفسه الاختيار الذي حرصت عليه وزارة التعليم العالي؛ الأمر الذي يؤكد بوضوح تام؛ أهمية ودور المؤسسات التدريبية الخاصة ذات التصنيف الأول في تحقيق أهداف هذا النوع من التعليم، والسير به نحو الأمام، وتوسيع قاعدته.
ورغم أنَّ التعليم المهني بدأ هذا العام بـ600 طالب في محافظتي مسقط وشمال الباطنة، إلّا أن النجاح الذي يظهر، والرغبة المتعاظِمة لدى الطلبة للالتحاق بهذا البرنامج للتعليم المهني، ورغبة أولياء الأمور في ضم أبنائهم له، يجعل من الحتمي على وزارة التربية والتعليم، التوسع من حيث زيادة عدد الطلاب، وكذلك إضافة محافظات جديدة، فمتطلبات التنمية يجب ألا تقف، وأن ننتقل فورا من التجريب إلى الاستدامة.
ومما يُثلج الصدر، ويدعو للفخر، ويبعث على السعادة، ويزيد من أهمية وضرورة التعليم المهني، المتابعة السامية لمولانا السلطان المعظم، والذي- حفظه الله تعالى ورعاه- خلال زيارته الكريمة لأبنائه الطلبة بمدرسة السلطان فيصل بن تركي؛ أفرد أعزه الله تعالى جزءًا كريمًا من وقته لزيارة ركن التعليم المهني، واستمع إلى شرح أبنائه طلاب التعليم المهني بالصف الحادي عشر، واطلع جلالته على كتب الفصل الأول لهذا المسار الوطني الرائد؛ مما يبعث في نفوس الطلاب المنضمين لهذا المسار عزيمة ورغبة في البذل والعطاء، وعند القائمين عليه حرصا وجهدا لاستمراره، ونجاحه واتساع رقعته، وعند أبناء المجتمع يقينا بأهميته وضرورته.
ومما يلزم ذكره أن هيئة الاعتماد الأكاديمي اعتمدت المسار المهني كواحد من المسارات التعليمية التي يمكن للطالب أن يسير فيها بلوغًا للمستوى العاشر (ما يعادل درجة الدكتوراه) وهو أحد الانجازات التنموية الرائدة.
فشكرًا جزيلًا مُتوَّجًا بكل معاني الفخر والاعتزاز لمولانا السلطان المعظم على ما يوليه جلالته للتعليم المهني من اهتمام ومتابعة، وحرص شديد، وشكرًا لكل يد بذلت فأنجزت، وعملت فأخلصت، ومرحى لطلبة التعليم المهني، وأهلًا وسهلًا بالراغبين من أبناء عُمان في السير نحو هذا المسار المهني، وبإذن الله تعالى ينتظرهم مستقبلٌ واعدٌ واضح المعالم، مُكلَّلٌ بالنجاح والتوفيق.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أمين عمال «مستقبل وطن» بالجيزة: عمال مصر بناة المستقبل وصناع الحضارة والتنمية
قال محمد رمضان، أمين العمال بحزب مستقبل وطن بمحافظة الجيزة، إن عمال مصر هم بناة المستقبل وصناع الحضارة والتنمية، لما يبذلونه من دور وطني وجهود كبيرة في إحداث عملية النهضة والتنمية الشاملة في شتى ربوع الوطن، موضحًا أنهم يُمثلون وقود التنمية في كافة القطاعات التنموية والاقتصادية، وهم عماد الأمم وسر ازدهارها، مؤكدًا أن عمال مصر المخلصين يواصلون العمل ليل نهار حبًا في الوطن وإيمانًا منهم بأن العمل هو الطريق الوحيد لتحقيق التنمية الشاملة.
وأضاف «رمضان»، في بيان اليوم الخميس، أن عمال مصر يُمثلون رمزًا للوفاء والتضحية والإخلاص والأمانة، ويواصلون العمل ليلًا ونهارًا لإيمانهم بقيمة العمل والإنتاج، على الرغم من كافة الظروف والتحديات الصعبة، موضحًا أن عمال مصر يبذلون جهودًا مخلصة في مختلف مواقع العمل والمشروعات التنموية والخدمية، التي تنفذها الدولة في إطار مسيرة التنمية الشاملة، التي يقودها الرئيس السيسي من أجل العمل نحو غدٍ أفضل ينعم فيه شعب مصر العظيم بحياة كريمة، ومستقبل مشرق يسوده الخير والرخاء.
وأوضح أن العمال ثروة اقتصادية وعلمية وتقدمية يجب الحفاظ عليها، مشيرًا إلى أن عيد العمال يُرسخ ويُبرز قيمة وقدسية العمل ويؤكد أن العمال هم وقود التنمية والتقدم والازدهار لأي أمة، وعصب الاقتصاد وعملية الإنتاج، ولولاهم ما كان للتنمية أن تتحقق على أرض الدولة المصرية، مؤكدًا أن عمال مصر هم عماد الاقتصاد الوطني وسواعد الوطن التي تبني وتنتج وتدفع عجلة التقدم إلى الأمام، فهم من يستحقون كل دعم ورعاية وتقدير، منوهًا بأن القيادة السياسية تولي ملف دعم العمال اهتمامًا بالغًا من خلال توفير بيئة عمل لائقة وتشريعات تضمن حقوقهم.
وأكد أن عمال مصر لديهم القدرة على استشراق مستقبل أفضل، حيث أنه في ظل الأزمات العالمية ومعاناة العالم من التحديات والتضخم أبوا ألا يكون إلا مخلصين منتجين حامين لاقتصاد وطنهم، دافعين إياه نحو التنمية الشاملة والبناء، موضحًا أن الدولة المصرية قدّرت جيدًا هذه التضحية الثمينة، وحرصت على توفير كافة السبل الداعمة لقوة مصر المنتجة، حيث عملت على تحسين بيئة العمل وصناعة تشريعات وقوانين تضمن حماية حقوق العمال وتحقق التوازن بينهم وبين أصحاب العمل كقانون العمل الجديد الذي صدر مؤخرًا وحمل الكثير من المزايا، علاوة على إنشاء صندوق إعانات الطوارئ وتطبيق الحد الأدنى للأجور والحرص على توفير التأمينات الصحية والاجتماعية اللازمة التي تليق بهم، تقديرًا لجهودهم ف بناء أعمدة الدولة العصرية الحديثة.
ودعا عمال مصر إلى مواصلة العمل والإنتاج بروح وطنية عالية، لأن المرحلة الراهنة تتطلب تضافر الجهود من أجل تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق التنمية المستدامة.
اقرأ أيضاًمستقبل وطن بـ"دهب" تطلق أولى قوافلها الطبية لخدمة المواطنين
«مستقبل وطن» يطلق مبادرة اليوم الواحد لتوفير السلع بأسعار مخفضة في شرم الشيخ
قيادي بـ «مستقبل وطن»: توجيهات الرئيس السيسي بتحسين بيئة العمل تطمئن المستثمرين في الداخل والخارج