جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-11@06:32:27 GMT

هُويتنا سيادة لنا ومكمن لقوتنا

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

هُويتنا سيادة لنا ومكمن لقوتنا

 

د. إسماعيل بن صالح الأغبري

لكل أمة من الأمم ولكل شعب من الشعوب ولكل دولة من الدول سمات ومميزات تميزها عن غيرها عن طريق ما يُعرف بالهُوية، تسعى إلى تعزيزها وتنميتها، وتمنع المساس بها أو التعدي عليها عبر سن النُظم والقوانين الحافظة لها أو عن طريق وضع خطط واستراتيجيات تضمن تعميقها في نفوس الناشئة من الشبيبة.

الصين رغم تنامي قوتها وصيرورتها ثاني عملاق اقتصادي، إلا أنها تشتد في المحافظة على مواريثها الثقافية ووجهها الثقافي وسور الصين العظيم تعده من مفاخرها رغم امتلاكها ما يغني عنه من القوة والمنعة المتمثلة في الجوانب العسكرية والتقنية، وفرنسا قوة صناعية مؤثرة، ولها في الأمم المتحدة حق النقض المؤثر في القرارات الدولية إلا أنها من الدول الرافضة بشدة التأثير على موروثها الحضاري القديم، ومتحف اللوفر مخزون لها ثقافي وسيادي. 

مصر وآثارها الفرعونية والقبطية والإسلامية بمراحلها الأيوبية والمملوكية تمثل هُويتها وجزءًا من سيادتها ووجهًا مُشرقًا لها، والعراق في أوج صعودها العلمي والصناعي أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ورغم البعثية الحاكمة في عهده إلّا أن تراث السومريين والأكاديين والبابليين ثم العصر الإسلامي، مثَّل سيادة لبلاد ما بين النهرين، والحفاظ عليه واجب لأنه عنوان على أقدمية العراق وأسبقيتها في النشأة بين الدول والحضارات، وفارس (إيران) رغم صعودها العلمي والعسكري إلّا أنها تعمل جاهدة على الحفاظ على الهوية ولو كانت تلك الهوية تتعلق بمواريث قبل الإسلام.

عُمان لم تكن بمعزل عن تلك الحضارات لما لها من علاقات نِديَّة معها؛ فهي ذات أسبقية في النشأة على غيرها في الجزيرة العربية تمتد إلى آلاف من السنين، وعرفت أنظمة حكم سياسية متعاقبة ما يدل على أن سكانها في أغلبهم لم يكونوا رُحَّلا؛ بل أهل استقرار وتوطين وذلك أهَّلَهُم لإقامة أنظمة سياسية سابقة على غيرها.

يشكل الإسلام مصدرًا أساسيًا من مصادر الهوية العُمانية إذ صار دين الدولة والشعب بإسلامهم الطوعي دون إشهار منهم لسيف في وجه نبي الإسلام أو تعنت منهم في قبول الحق، ثم صار الإسلام وعبر أنظمة حكم سياسية متعاقبة بمثابة الوقود الذي أشعل فيهم جذوة حب الاستقلال عن غيرهم، ورفضهم التبعية لأي نظام حكم لم يكن عُمانيًا كما كان الإسلام أحد محركاتهم وحوافزهم الدافعة لهم إلى خوض غمار التحرر من قبضة المستعمرين البرتغاليين.

اللغة العربية- وهي وعاء الوحيين- مصدرٌ أصيل من مصادر الهوية العُمانية، ولا عجب في ذلك فالعُمانيون من حيث الأصول عرب أقحاح؛ بل تذكر المصادر أن المفسرين ظلوا يتحاكمون إلى لغة أهل عُمان عند تفسيرهم لكثير من آي الكتاب العزيز؛ بل كانت هناك قراءآت على لغة أهل عُمان كقوله تعالى لمريم "قد جعل ربك تحتك سريًا"، فقرأ البعض على لغة أهل عُمان "قد جعل ربش تحتش سريا"، كما فسر بعض المفسرين الخمر بالعنب في قوله تعالى بسورة يوسف "إني أراني أعصر خمرًا"، وذلك على لغة أهل عُمان، حيث إنهم يسمون العنب خمرًا، ولم تزل بعض المناطق حتى الآن تسمي الجلوس تحت شجرة العنب بالجلوس تحت الخمرة؛ ذلك أن الخمر يصنع من العنب. ولذا فالحفاظ على اللغة العربية هو محافظة على الهوية والشخصية العُمانية، ومن مظاهر حفظ أهلها لها أن تكون هي لغة التخاطب الشفوي بينهم، وأن تكون هي المتصدرة في محاضن العلم والمعرفة وفي المراسلات والمكاتبات الرسمية والخاصة وفي المؤسسات الرسمية والخاصة، وهي السائدة في الملصقات والمحلات والإعلانات فإن تراجعت عن الصدارة فذلك مساس بالهوية، وهضم لحق الخليل بن أحمد الفراهيدي العُماني صاحب أو معجم للغة العربية من أحفاده.

لا يمنع الاهتمام باللغة الأم الإفادة من غيرها ولكن المانع هو تراجعها كأنها لغة ثانية لا أولى.

اللغة الأم لم تكن عائقًا من التقدم التقني والتصدر في الصناعات؛ فكوريا الجنوبية ورغم قلة السكان المتحدثين بلغتها في الكرة الأرضية، إلّا أن الكوريين بها يتعلمون وبها يخترعون أنواعًا من التقنيات والهواتف.

والإيرانيون باعتبارهم لهم مواريثهم الثقافية وتعتبر حضارة فارس من أقدم الحضارات فإن اللغة الفارسية أساس في محاضن العلم العامة والخاصة، وقد بزوا غيرهم في ميادين الطب والصناعات العسكرية بل والنووي السلمي.

ورغم حداثة نشأة إسرائيل وضيق مساحتها الجغرافية وقلة عدد سكانها إلّا أن اللغة العبرية التي شارفت على التلاشي لولا نشأة إسرائيل صارت هي مصدر هويتهم، يغرسونها في أطفالهم كما يغرسون أقوال التلمود وأقوال أحبار بني إسرائيل، ونافست بلغتها صناعات دول عالمية؛ بل صارت أجهزة التجسس الإسرائيلية من أفضل أنواع الأجهزة، وهذا يدل على أن اللغة ليست عائقًا في التقدم إن وُجدت الإرادة والوعي الوطني.

إنَّ مجمعًا للغة العربية بات ضرورة في بلاد الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب معجم العين أول معجم في اللغة العربية له من الاختصاصات ما يمكنه من تقوية العربية كتابة ومخاطبة وتحدثا وإشرافا وتعريبا وترجمة بشرط أن لا يكون نسخة من حال المجامع العربية.

وتتجلى الهوية العُمانية في الميدان الديني من حيث الاعتدال في الفكر، والعيش مع الآخر، واحترام الاختلاف، فلا تكفير ولا تفجير، وهو منهج متأصل في الأجيال المتعاقبة، ولذا قد يهز العالم الإسلامي صراعات دينية وفتاوى تكفيرية، إلّا عُمان فإنه لم يسجل فيها على مر العصور فتاوى تكفير أو جواز تفجير حتى غدت عُمان مدرسة نموذجية في حياة دينية آمنة مطمئنة هانئة هادئة مستقرة.

الهوية العُمانية تتجلى في السياسة فلا تتدخل سلبيا في شؤون الآخرين، وهو منهج سياسي دبلوماسي عُماني متأصل ومتوارث من عاهل إلى عاهل ما يعني أنه جزء من الهوية العُمانية ثم هو التزام حرفي عُماني بما نصت عليه المواثيق الدولية.

تجنب إثارة القلاقل في الدول مع الحرص على عدم الدخول في أحلاف كيدية جزء من الهوية العُمانية، ولذا اكتسبت سلطنة عُمان الثقة الإقليمية والدولية.

وتتجلى الهوية العُمانية في الميدان الدبلوماسي من خلال السعي إلى التقريب بين الأطراف عن طريق ما يسمى بالتسهيلات (الوساطات)، وشتان بين من يتوسط لحلحلة قضايا شائكة وبين من ينخرط في صنع الإشكاليات.

الهوية العُمانية بادية في الشأن الاجتماعي تعاون وتكاتف وتلاحم ومساعدة ولا أدل على ذلك من وقوف المجتمع صفا خلال إعصار "جونو" وما تلاه من أنواء مناخية قاسية.

أعراف تحكمهم، وعادات وتقاليد بمثابة الدليل الإرشادي لهم، تميزهم عن غيرهم.

لقد بات العُماني مُرحَّبًا به في الدول التي بزورها أو يقيم بها وهو معروف بسمته وأخلاقه، مأمون في تصرفاته لذا يحظى بمعاملة تفضيلية حتى في المعابر البرية والجوية.

من الضرورة بمكان المحافظة على هذه الهوية وذلك بطرق شتى منها: غرس الهوية العُمانية في نفوس الناشئة عن طريق الأسرة، وكذلك فإن السبلة (المجالس) واصطحاب الناشئة إليها وسيلة من وسائل غرس الهوية العُمانية، وسن مزيد من التشريعات والقوانين لحفظ هذه الشخصية العُمانية من التأثر السلبي بالآخر سبيل من سبل المحافظة على هذه الهُوية، والمحافظة على المواريث الثقافية العُمانية طريق من طرق حفظ الهوية العُمانية.

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الانصهار المذهبي في الهوية الوطنية

9 يناير، 2025

بغداد/المسلة: زكي الساعدي

تشهد بعض الدول تنوعًا مذهبيًا ودينيًا، وقد تصبح الهوية الوطنية أحيانًا عرضة للتأثيرات السلبية التي تفرزها الانقسامات الطائفية وغالبا ما تتراجع الهوية الوطنية وتصبح في ادنى سلم الأوليات وتتقدم الهويات الفرعية على الهوية الوطنية وبهذا تكون الدولة في اسوء حالات التشظي الطائفي او العرقي او القومي او الديني

إلا أن مفهوم “الانصهار المذهبي” يمثل نهجًا استراتيجيًا لتجاوز هذه الانقسامات، من خلال تعزيز المواطنة المشتركة وإعلاء الانتماء للوطن فوق أي انتماء مذهبي أو طائفي. هذا المفهوم يركز على الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني كقوة إيجابية، لا كعامل تفريق وصراع.

ان ما تشهده بعض الدول التي تعاني من فقدان الهوية الوطنية او تراجعها لحساب الهويات القومية او الدينية او المذهبية تجعلنا نستشعر الخطر الكبير الذي من الممكن ان يتكرر وخصوصا ما يحدث في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وافغانستان ونيجريريا وميانمار .

حيث تشتد بين الحين والآخر انقسامات كبيرة تخلف بعدها مجازر بشرية تضطهد الأقليات وتشكل الفوضى الداخلية التي تعزز من الانقسامات داخل الدول وبالتالي تضعفها وتوقف عجلة التطور لان البيئة المضطربة طاردة للاستثمار وقد تصل إلى مرحلة تهجير لأبناء البلد ..

ان من أولى الخطوات الفاعلة في البدء بعملية الانصهار المذهبي في الهوية الوطنية هو تعزيز المواطنة والعدالة في الفرص بتحقيق المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الطائفية، وإعلاء الانتماء للوطن كأولوية مطلقة

والاعتراف بالتنوع وقبول واحترام اختلاف المذاهب كجزء طبيعي من النسيج الاجتماعي والثقافي، والعمل على توجيه هذا التنوع نحو تعزيز الوحدة الوطنية.وبالتالي فان بناء الثقة المتبادلة تتم من خلال الحوارات المجتمعية بين مختلف الفئات، وتشجيع الممارسات التي تدعم التضامن الاجتماعي.
ومن الضروري جدا ايضا التركيز على المصالح الوطنية العليا

حيث ان تقديم المصلحة العامة للوطن على المصالح الطائفية أو الفئوية الضيقة، مما يضمن توحيد الرؤية الوطنية.
ومن الدول التي نجحت في انصهارها القومي او الديني او المذهب هي ماليزيا ، الإمارات ،جنوب أفريقيا ، كندا ، سنغافورة، نيوزلندا

لأنها جعلت التنوع الديني او المذهبي او القومي مصدر قوة بجمع كل الثقافات المتنوعة وعززت من اقتصادها ولكن ضمن آليات كان البعض منها
تجريم الخطاب الطائفي او الديني الذي يحرض على الانقسامات
ونهج سياسة تعزز المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين دون تفرقة .

وان أهمية الانصهار المذهبي ليس مجرد شعار، بل يمثل حجر الزاوية لتحقيق استقرار المجتمعات المتنوعة.وان تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي سيدعم التطور الاقتصادي لان العامل الاقتصادي يرتبط ارتباطاً وشيكا بالاستقرار الأمني .

ولابد من الإشارة أن الدول التي تعاني من انقسامات طائفية فإنها دول رخوة من الممكن ان تتقسم او تحتل او تكون تحت مرمى اطماع الدول الأخرى ..

التحديات التي تواجه الانصهار المذهبي
رغم أهمية الانصهار المذهبي، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات عديدة، من أبرزها: الخطابات الطائفية والتحريضية

فان انتشار الخطابات التي تزرع الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن خطر كبير وتهدّد الهوية الوطنية وهنا قد يكون ضعف السياسات التعليمية والإعلامية
وغياب المناهج والسياسات الإعلامية التي تعزز مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية اثرا كبيرا على الوحدة الوطنية ومن الجدير بالذكر ان المصالح السياسية لبعض الفئات

قد تسعى لاستغلال المذهبية والطائفية لتحقيق مكاسب سياسية أو نفوذ شخصي على حساب وحدة المجتمع ولكن ما أن تصل الانقسامات ذروتها اي تصل الدول إلى مرحلة ( الدولة الرخوة ) سيسقط الجميع في بئر الانقسام وستضيع معها مكتسبات المرحلة.

الانصهار المذهبي ليس دعوة لإلغاء الهويات الفرعية، بل هو مشروع وطني يهدف إلى تحويل التنوع إلى مصدر قوة يوحّد المجتمع بدلاً من أن يفرّقه. ومن هنا يجب ان يبدا بالعدل والمساواة بين الجميع وإعلام مسؤول يعمل ببرامج توعية وتجريم الخطابات الطائفية او القومية او الدينية الموجهة للضد النوعي ومن خلال تعزيز قيم المواطنة والعدالة،

الانصهار المذهبي في الهوية الوطنية
هو السبيل الوحيد لتجنب الانزلاق نحو الدولة الرخوة، حيث تندثر الهوية الوطنية أمام الهويات الفرعية، مما يؤدي إلى التشظي والانقسام واضطراب الأوضاع السياسية.

ومع غياب الاستقرار، تصبح البيئة طاردة للاستثمار، وتبدأ ملامح الانهيار الاقتصادي في الظهور .. وما أن يسوء الوضع الاقتصادي فان الدول تكون على حافة التقسيم والاحتلال.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • السفير البحريني: معرض المنتجات العُمانية البحرينية يعكس النمو الملحوظ في العلاقات الاقتصادية
  • «التعاون الخليجي»: ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها
  • «مركز أبوظبي» يعلن أسماء الفائزين بالدورة الرابعة لمسابقة «أصدقاء اللغة العربية»
  • جوزيف عون في كلمته الأولى كرئيس للجمهورية: عهد جديد للبنان يقوم على سيادة القانون والتغيير السياسي.. وأتعهد بالحفاظ على سيادة واستقلال البلاد
  • الانصهار المذهبي في الهوية الوطنية
  • أول كلمة للرئيس عون: وصلت بعد زلزال ولن أفرط في سيادة لبنان
  • رئيس لبنان الجديد يتعهد بنزع سلاح حزب الله ويحذر من التآمر على سيادة دول شمال أفريقيا
  • كالاس بعد تصريحات ترامب: سيادة الدنمارك يجب أن تحترم
  • برعاية سامية.. تدشين الهوية الترويجية الموحدة لسلطنة عُمان
  • السلاح خارج السيطرة: خطر المليشيات على سيادة الدولة السودانية