جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-11@08:01:27 GMT

هُويتنا سيادة لنا ومكمن لقوتنا

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

هُويتنا سيادة لنا ومكمن لقوتنا

 

د. إسماعيل بن صالح الأغبري

لكل أمة من الأمم ولكل شعب من الشعوب ولكل دولة من الدول سمات ومميزات تميزها عن غيرها عن طريق ما يُعرف بالهُوية، تسعى إلى تعزيزها وتنميتها، وتمنع المساس بها أو التعدي عليها عبر سن النُظم والقوانين الحافظة لها أو عن طريق وضع خطط واستراتيجيات تضمن تعميقها في نفوس الناشئة من الشبيبة.

الصين رغم تنامي قوتها وصيرورتها ثاني عملاق اقتصادي، إلا أنها تشتد في المحافظة على مواريثها الثقافية ووجهها الثقافي وسور الصين العظيم تعده من مفاخرها رغم امتلاكها ما يغني عنه من القوة والمنعة المتمثلة في الجوانب العسكرية والتقنية، وفرنسا قوة صناعية مؤثرة، ولها في الأمم المتحدة حق النقض المؤثر في القرارات الدولية إلا أنها من الدول الرافضة بشدة التأثير على موروثها الحضاري القديم، ومتحف اللوفر مخزون لها ثقافي وسيادي. 

مصر وآثارها الفرعونية والقبطية والإسلامية بمراحلها الأيوبية والمملوكية تمثل هُويتها وجزءًا من سيادتها ووجهًا مُشرقًا لها، والعراق في أوج صعودها العلمي والصناعي أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ورغم البعثية الحاكمة في عهده إلّا أن تراث السومريين والأكاديين والبابليين ثم العصر الإسلامي، مثَّل سيادة لبلاد ما بين النهرين، والحفاظ عليه واجب لأنه عنوان على أقدمية العراق وأسبقيتها في النشأة بين الدول والحضارات، وفارس (إيران) رغم صعودها العلمي والعسكري إلّا أنها تعمل جاهدة على الحفاظ على الهوية ولو كانت تلك الهوية تتعلق بمواريث قبل الإسلام.

عُمان لم تكن بمعزل عن تلك الحضارات لما لها من علاقات نِديَّة معها؛ فهي ذات أسبقية في النشأة على غيرها في الجزيرة العربية تمتد إلى آلاف من السنين، وعرفت أنظمة حكم سياسية متعاقبة ما يدل على أن سكانها في أغلبهم لم يكونوا رُحَّلا؛ بل أهل استقرار وتوطين وذلك أهَّلَهُم لإقامة أنظمة سياسية سابقة على غيرها.

يشكل الإسلام مصدرًا أساسيًا من مصادر الهوية العُمانية إذ صار دين الدولة والشعب بإسلامهم الطوعي دون إشهار منهم لسيف في وجه نبي الإسلام أو تعنت منهم في قبول الحق، ثم صار الإسلام وعبر أنظمة حكم سياسية متعاقبة بمثابة الوقود الذي أشعل فيهم جذوة حب الاستقلال عن غيرهم، ورفضهم التبعية لأي نظام حكم لم يكن عُمانيًا كما كان الإسلام أحد محركاتهم وحوافزهم الدافعة لهم إلى خوض غمار التحرر من قبضة المستعمرين البرتغاليين.

اللغة العربية- وهي وعاء الوحيين- مصدرٌ أصيل من مصادر الهوية العُمانية، ولا عجب في ذلك فالعُمانيون من حيث الأصول عرب أقحاح؛ بل تذكر المصادر أن المفسرين ظلوا يتحاكمون إلى لغة أهل عُمان عند تفسيرهم لكثير من آي الكتاب العزيز؛ بل كانت هناك قراءآت على لغة أهل عُمان كقوله تعالى لمريم "قد جعل ربك تحتك سريًا"، فقرأ البعض على لغة أهل عُمان "قد جعل ربش تحتش سريا"، كما فسر بعض المفسرين الخمر بالعنب في قوله تعالى بسورة يوسف "إني أراني أعصر خمرًا"، وذلك على لغة أهل عُمان، حيث إنهم يسمون العنب خمرًا، ولم تزل بعض المناطق حتى الآن تسمي الجلوس تحت شجرة العنب بالجلوس تحت الخمرة؛ ذلك أن الخمر يصنع من العنب. ولذا فالحفاظ على اللغة العربية هو محافظة على الهوية والشخصية العُمانية، ومن مظاهر حفظ أهلها لها أن تكون هي لغة التخاطب الشفوي بينهم، وأن تكون هي المتصدرة في محاضن العلم والمعرفة وفي المراسلات والمكاتبات الرسمية والخاصة وفي المؤسسات الرسمية والخاصة، وهي السائدة في الملصقات والمحلات والإعلانات فإن تراجعت عن الصدارة فذلك مساس بالهوية، وهضم لحق الخليل بن أحمد الفراهيدي العُماني صاحب أو معجم للغة العربية من أحفاده.

لا يمنع الاهتمام باللغة الأم الإفادة من غيرها ولكن المانع هو تراجعها كأنها لغة ثانية لا أولى.

اللغة الأم لم تكن عائقًا من التقدم التقني والتصدر في الصناعات؛ فكوريا الجنوبية ورغم قلة السكان المتحدثين بلغتها في الكرة الأرضية، إلّا أن الكوريين بها يتعلمون وبها يخترعون أنواعًا من التقنيات والهواتف.

والإيرانيون باعتبارهم لهم مواريثهم الثقافية وتعتبر حضارة فارس من أقدم الحضارات فإن اللغة الفارسية أساس في محاضن العلم العامة والخاصة، وقد بزوا غيرهم في ميادين الطب والصناعات العسكرية بل والنووي السلمي.

ورغم حداثة نشأة إسرائيل وضيق مساحتها الجغرافية وقلة عدد سكانها إلّا أن اللغة العبرية التي شارفت على التلاشي لولا نشأة إسرائيل صارت هي مصدر هويتهم، يغرسونها في أطفالهم كما يغرسون أقوال التلمود وأقوال أحبار بني إسرائيل، ونافست بلغتها صناعات دول عالمية؛ بل صارت أجهزة التجسس الإسرائيلية من أفضل أنواع الأجهزة، وهذا يدل على أن اللغة ليست عائقًا في التقدم إن وُجدت الإرادة والوعي الوطني.

إنَّ مجمعًا للغة العربية بات ضرورة في بلاد الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب معجم العين أول معجم في اللغة العربية له من الاختصاصات ما يمكنه من تقوية العربية كتابة ومخاطبة وتحدثا وإشرافا وتعريبا وترجمة بشرط أن لا يكون نسخة من حال المجامع العربية.

وتتجلى الهوية العُمانية في الميدان الديني من حيث الاعتدال في الفكر، والعيش مع الآخر، واحترام الاختلاف، فلا تكفير ولا تفجير، وهو منهج متأصل في الأجيال المتعاقبة، ولذا قد يهز العالم الإسلامي صراعات دينية وفتاوى تكفيرية، إلّا عُمان فإنه لم يسجل فيها على مر العصور فتاوى تكفير أو جواز تفجير حتى غدت عُمان مدرسة نموذجية في حياة دينية آمنة مطمئنة هانئة هادئة مستقرة.

الهوية العُمانية تتجلى في السياسة فلا تتدخل سلبيا في شؤون الآخرين، وهو منهج سياسي دبلوماسي عُماني متأصل ومتوارث من عاهل إلى عاهل ما يعني أنه جزء من الهوية العُمانية ثم هو التزام حرفي عُماني بما نصت عليه المواثيق الدولية.

تجنب إثارة القلاقل في الدول مع الحرص على عدم الدخول في أحلاف كيدية جزء من الهوية العُمانية، ولذا اكتسبت سلطنة عُمان الثقة الإقليمية والدولية.

وتتجلى الهوية العُمانية في الميدان الدبلوماسي من خلال السعي إلى التقريب بين الأطراف عن طريق ما يسمى بالتسهيلات (الوساطات)، وشتان بين من يتوسط لحلحلة قضايا شائكة وبين من ينخرط في صنع الإشكاليات.

الهوية العُمانية بادية في الشأن الاجتماعي تعاون وتكاتف وتلاحم ومساعدة ولا أدل على ذلك من وقوف المجتمع صفا خلال إعصار "جونو" وما تلاه من أنواء مناخية قاسية.

أعراف تحكمهم، وعادات وتقاليد بمثابة الدليل الإرشادي لهم، تميزهم عن غيرهم.

لقد بات العُماني مُرحَّبًا به في الدول التي بزورها أو يقيم بها وهو معروف بسمته وأخلاقه، مأمون في تصرفاته لذا يحظى بمعاملة تفضيلية حتى في المعابر البرية والجوية.

من الضرورة بمكان المحافظة على هذه الهوية وذلك بطرق شتى منها: غرس الهوية العُمانية في نفوس الناشئة عن طريق الأسرة، وكذلك فإن السبلة (المجالس) واصطحاب الناشئة إليها وسيلة من وسائل غرس الهوية العُمانية، وسن مزيد من التشريعات والقوانين لحفظ هذه الشخصية العُمانية من التأثر السلبي بالآخر سبيل من سبل المحافظة على هذه الهُوية، والمحافظة على المواريث الثقافية العُمانية طريق من طرق حفظ الهوية العُمانية.

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العلاقات العُمانية الإيرانية في 5 عقود

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

تشهد العلاقات العُمانية الإيرانية مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق، وذلك كما وصفها سعادة السفير موسى فرهنك سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى سلطنة عُمان في خطابه الذي ألقاه بمناسبة احتفالات الجمهورية بيوم العيد الوطني لإيران، بحضور عدد من المسؤولين والدبلوماسيين ورؤساء البعثات الدبلوماسية والهيئات الدولية وشخصيات عسكرية وسياسية وإعلامية والضيوف العُمانيين والإيرانيين.

وقد أكد سعادته أن إيران وسلطنة عُمان يمثلان نموذجًا جيدًا للعلاقات المبنية على الثقة والصدق. وتناول في خطابه العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ووصف عُمان بأنها إحدى أهم الدول الاستراتيجية في المنطقة، حيث تعد اليوم من أهم البلدان في المنطقة والعالم العربي والشرق الوسط بصوره عامة؛ باعتبارها من الدول القليلة التي تبني السلام والصداقة والتعاون بحكم قیادتها المحنكة ذات بعد النظر وبشعبها المثقف المتميز.

عُمان -كما وصفها السفير- لديها مواقف مُشرِّفة لا تنسى في العديد من الأحداث وخاصة إزاء الحدث الأخير في غزة الصامدة؛ حيث ينبع ذلك من الرؤى السامية للقيادة الحكيمة للبلد؛ فمواقف عُمان تُشكّل نموذجًا يُحتذى به للشعوب العربية الحرة والإسلامية، وتبرز عدم تبعيتها واستقلالها فيما تتجه مساعيها المتواصلة في مجال التنمیة ورقي البلاد في مختلف المحالات.

والعلاقات التجارية والسياسية بين البلدين قديمة وحديثة ومتميزة منذ ارتباطهما بزمن السومريين وحكام أرض مجان، وتعاونهما مستمر، فهما يعملان بالحفاظ على أمن المنطقة وسيادتها، واليوم فإن هذه العلاقات أصبحت مبنية على أساس الثقة والصداقة وحسن الجوار والوشائج التاريخية والعرقية والثقافية والدینیة الراسخة.

العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين بدأت في 26 أغسطس عام 1971، وشهدت زخمًا من التعاون البناء واستمرار التشاور والتبادل الهادف في مختلف المجالات، وفي تقريب المواقف تجاه مختلف التطورات الإقليمية والدولية وذلك من خلال الزيارات الرسمية بين رؤساء الدولتين. وهذه الزيارات تشكّل نقاط تحوّل، وتدعّم من تطوّر العلاقات في مختلف المجالات، خاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيه العالم ­تحديات وتهديدات وأزمات أمنية على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية. فالعقوبات الأمريكية والغربیة الدولية تجاه إيران ما زالت تقوّض من عملية السلام في المنطقة، وتوسع من نفوذ الكيان الصهیوني، ورغم ذلك فإن سياسة الضغط الأقصى التي انتهجتها أمريكا تجاه إيران لم تتمكن أبدًا من عرقلة إیران عن تحقيق أهدافها السیاسیة والاقتصادیة والعسكرية. والمسؤول الإيراني يرى بأن أمريكا والغرب يعملان على تطوير وتوسيع نفوذهم العسكري في المنطقة، وتعزيز حضور الكيان الصهيوني في مسعى خبيث لاختراق المجتمعات المجاورة لإيران، بجانب العمل على تعزيز هيمنة النزعة الطائفية والإرهاب الحديث في المنطقة مع تأجيج الخلافات السياسية وتصعيد النزعات العرقية والمذهبية، والتي تعتبر جميعها من أهم التهديدات التي تحيط بدول المنطقة؛ الأمر الذي يتطلب تعزيز الخطاب وثقافة الحوار وإجراءات بناء الثقة، وزيادة مساحة الحوار والعمل على إزالة سوء الفهم، وتعزيز مبادئ التفاهم، وعدم السماح للظروف الفوضوية بالهيمنة على سياسات الدول.

وتحدث السفير الايراني عن عملية "طوفان الأقصى" التي جاءت كرد فعل طبيعي على 75 عامًا من الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، مؤكدًا أن هذه العملية الجريئة تمكنت من وقف تصفية القضية الفلسطينية في المشروع الإقليمي الكبير وتسريع خطی التطبیع، بل أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وأعطت لها الأولوية بالعالم الإسلامي. وهذا أدى إلى سقوط السردیة الإسرائيلية إلى الأبد، بالتوازي مع صدور قرار المحكمة الجنائية الدولیة بالقبض علی رئیس الوزراء الصهیوني بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

خلفية العلاقات بين البلدين الجارين عُمان وإيران ثابتة على مر التاريخ، والمشاورات والتعاون الاقتصادي الواسع والتبادل الهادف للوفود مستمرة؛ حيث يجري تبادل أكثر من 80 وفدًا سياسيًا واقتصاديًا سنويًا، فيما يتواجد اليوم على أرض سلطنة عمان أكثر من 25 ألف إيراني نتيجة لزيادة الرحلات الجوية بين البلدين التي وصلت إلى 50 رحلة جوية أسبوعيًا، فيما سجل حجم التجارة الخارجية نحو 2.5 مليار دولار.

إنَّ كلًا من سلطنة عُمان وإيران لها دور كبير في المنطقة ولا يمكن لبعض الدول تقليص هذا الدور في العلاقات الأمنية في المنطقة؛ باعتبارها بحاجة إلى مزيد من الترتيبات الأمنية المحلية لمواجهة التحالفات الخارجية المختلفة؛ الأمر الذي يتطلب مزيدًا من التعاون بين دول المنطقة، وتركيز الجهود الدبلوماسية في هذا الاتجاه، ودعوة الجيران إلى إقامة علاقات سلمية فیما بینها ومنع التدخل الأجنبي في مصير المنطقة، والمشاركة بشكل أكبر في ضمان أمنها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خطوات تحميل النماذج الاسترشادية لـ امتحانات الثانوية العامة 2025 مادة اللغة العربية
  • أستاذ علم مصريات: اللغة والتاريخ أساس الهوية المصرية
  • العلاقات العُمانية الإيرانية في 5 عقود
  • صحفي فلسطيني: مشروع تغيير اسم الضفة الغربية يهدف لطمس الهوية العربية
  • بعد العربية والكوردية.. اعتماد اللغة التركمانية بالمخاطبات الرسمية في صلاح الدين
  • جامعة قناة السويس تنظم برنامجا تدريبيا في اللغة العربية
  • أنشطة ثقافية وسياحية في برنامج اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس
  • كاتب صحفي: مصر تؤكد دورها الريادي في حماية الهوية العربية والقضية الفلسطينية
  • خضوع للإملاءات الإسرائيلية.. فلسطين تطالب الأونروا بإلغاء سحب كتاب اللغة العربية
  • أبو هولي يطالب "الأونروا" بالعدول عن قرار سحب كتاب اللغة العربية للصف الخامس