لجريدة عمان:
2025-03-18@18:11:05 GMT

«جلاديتور» والكائن الخرافي الذي لا يشبع!

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

لم أستطع للحظة واحدة أن أمنع تفكيري وأنا أشاهد الجزء الثاني من فيلم «Gladiator» عمّا يحدث في وطننا العربي، فبينما تعجُ مُدرجات روما بالبشر المُولعين بالفُرجة، يغدو المتصارعون في الحلبة أشبه بثيران أو ديكة مهمتهم الأسمى تقديم العرض الأكثر إمتاعا ودموية.. هنالك حيثُ يُتركُ الضعفاء والمسحوقون في ساحة اقتتال غير مُتكافئة.

ساحة موت لم يكن لهم يد في اختيارها!

تبحثُ الجماهير الغفيرة عن مُنتصر يصفقون له، فهم لا يريدون إلا أن يُشاهدوا عرضا مُذهلا، قبل أن تُقطع الأجساد وتُشرذم.. فكلما ارتفعت الوحشية تصاعد صياحهم، كمن يُعوض هزائمه وهشاشته الفردية.

في مقعد السينما لم أكن أنا أيضا أكثر من مُتفرج، يتلاعبُ المخرج ريدلي سكوت بمشاعري، لكني لم أستطع أن أوقف هيجان عقلي.. بدوتُ كمن يشد على نفسه أربطة وهمية في قطار الموت. بدت لي تلك الفكرة التي ينهضُ عليها الفيلم قاتمة، أعني استعمال «الغيظ» لتوليد الرغبة في القتال وبالتالي إمتاع الجماهير -وكأنّ هذا العالم لا ينمو ولا يتحول إلا على موجات من مُكثفة من العنف- إلا أنّ المفاجأة لم تكن كامنة فيما شعرتُ به من حنق، وإنّما لأنّ الحنق لم يكن مفهوما لابنيّ المجاورين لي، وكأنّ شعوري ينمُّ عن لا واقعية.. فهما يُسلمان تسليما قطعيا بأنّ كل الحضارات قائمة على العنف منذ الأزلية! وكأنّهما يستمدان فكرتهما من مقولة كارل ماركس: «العُنف مولد التاريخ».

لطالما قرأنا وجهات نظر الفلاسفة التي تشير إلى أننا في حالة صيرورة وتغيّر، لكن العنف هو العنصر الثابت والأبدي، مما يعني أننا لا نستطيع أن نقيس انحسار العنف بقوة العقل والتعليم والتنوير، وإلا فكيف تستشرس تلك الرغبة المحمومة، بل تطور أدوات إفناء الآخر وتعذيبه كما يتطور سوق التقنيات الحديثة!

تحت فوضى السحق العبثي، كان ثمّة ما هو عذب في الفيلم بجزأيه، وأظن لو سُئل أحدنا عمّا يتذكره من الجزء الأول الذي أنتج قبل أكثر من عقدين لأجاب: «ماكسيموس» ممررا يداه فوق محصول القمح، في رحلته إلى الآخرة، وكأنّ كل ما يتمناه الأبطال هو العودة إلى دفء البيت، وتلك الموسيقى التي تأخذنا إلى سماء شاهقة، فهو لم يحلم بمعركة يلتقي فيها بالخصوم بل حلم بالبيت.

وأكثر ما يشع في تجربة الجزء الثاني -حيث بقينا مشدودين لتلك اللوحة التي ترسم روما لساعتين ونصف الساعة- هو استعمال مقطع من ملحمة فيرجيل الشهيرة «الإنيادة»: «أبواب الجحيم مفتوحة ليلا ونهارا، سلاسة النزول، والطريق سهل، ولكن العودة ومشاهدة السماء المُبهجة، تكمن في هذه المهمة والعمل الجبار». إنّها قوة الشعر التي تخلقُ خلودا يربو على حياة المصارعين الذاهبين إلى الفناء والنسيان.

وبقدر إعجابي بتوظيف قصيدة فيرجيل التي كُتبت قبل مئات السنين، بجعلها أيقونة العمل التي تُلملم أطراف القصّة، فقد صدمني ابناي، فهما يعرفان فيريجل أيضا، لكن مصدر تلك المعرفة لم تكن الكُتب - التي أتخاصم معهما طوال الوقت ليقرآها- وإنّما عالم الألعاب.. إنّها المعرفة التي «تسيل» كما يرى زيجمونت باومان، فنحن في مرحلة تفكك المفاهيم بمعناها الصلب، ولذا فكل شيء يُسلع، الأمر لا يستثني العواطف والعلاقات الإنسانية والشعر!!

ولا أدري حقا إن كانت هذه «السيولة» الجذابة بهذا المعنى -والمتجاوزة لنا في آن- تصبُّ في خدمة الشُبان الجدد أم لا، إذ بقدر ما تطرح المعرفة الآن خيارات لامتناهية من أشكالها، فهي تسلبُ منا «العمق» كما أتصور، وأتمنى أن أكون على خطأ عندما أقول إنّه جيل يلمسُ سطح الأشياء ببراعة لكنه لا ينغمس فيها.. جيل يُسلم بأنّ العنف بدهي فلا يرغب بهز هذه اليقينيات أو دحضها وإنّما القفز عليها، لأنّ التقنية علّمته خاصية «التخطي»! ولذا فالعاطفة التي تُنمى على مهل، خدرة تحت أثقال النزعة الاستهلاكية المُطردة.

من المؤكد أنّ العنف مُحايث للتاريخ، وإلا لما انتقل من إنسان الكهف البدائي كعدوى لعينة ليُصاحب مصارعي الحلبة، وصولا للإنسان المتحضر في أبهى عصوره، ولكن ألا ينبغي أن تطرح الأجيال الجديدة الأسئلة وإن بدت بدهية: لماذا ينمو العنف كالعفن، ليقودنا للطرق الأكثر تطرفا ورعونة.. لماذا يبدو ككائن خرافي لا يُشبع نهمه شيء؟!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تطبيق أقصي عقوبة .. طلب إحاطة بشأن الإعتداء علي طالبات البحيرة

تقدمت النائبة هناء أنيس رزق الله عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، وعضو أمانة المرأة المركزية بحزب الشعب الجمهوري، بطلب إحاطة الي رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي، موجهاً الي كلا من  رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، ومحمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم و الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الإجتماعي، بشأن واقعة الإعتداء علي طالبتين في مدرسة فنية بمحافظة البحيرة.  

وقالت النائبة هناء أنيس رزق الله، في بيان صحفي: فوجئنا في الأيام الماضية بإنتشار مقطع فيديو علي مواقع التواصل الإجتماعي يظهر فيه مدير مدرسة فنية بمحافظة البحيرة وهو يتعدي بالضرب علي بعض الطالبات في فناء المدرسة.

مجلس النواب الأمريكي يقر مشروع قانون لتمويل الوكالات الفيدرالية حتى سبتمبرمجلس النواب يوافق على مواد المفوضية الجماعية في قانون العمل الجديد

واوضحت عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، ان المدير ظهر وهو يصفع الطالبات علي الوجه في مشهد غير مقبول  في وزارة يطلق عليها التربية قبل التعليم وحسن معاملة الطلاب بكل الطرق الحسنة والممكنة وحفظ أدميتهم دون المساس بكرامتهم بأي حال من الأحوال.

غضب السوشيال ميديا

وأشارت عضو أمانة المرأة المركزية بحزب الشعب الجمهوري، الي أن واقعة تعرض طالبات للضرب من قبل مدير مدرسة في محافظة البحيرة أثارت جدلاً وغضباً واسعاً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حيث أن مثل هذه التصرفات غير مقبولة علي الإطلاق في المجتمع المصري علي أي ظرف.

وقالت عضو مجلس النواب : دائما نطالب بعدم استخدام العنف مع الطلاب في كافة المراحل التعليمية وفي نفس الوقت يكون هناك طريقة بديلة لمحاسبة الطالب علي أي تصرف تكون بديلة عن العنف اللفظي أو البدني.

ونوهت بأن حدوث هذه التصرفات في المراحل التعليمية المختلفة يكون له أثر سلبيا ونفسي علي الطلاب والطالبات في المستقبل مما يعيق تقدمهم في التعليم بسبب الأضرار النفسية التي حدثت لهم.

وأردفت قائلة: لابد أن يكون هناك آليات لضمان بيئة تعليمية آمنة ومناسبة للجميع ويبدو أن الحادث الذي وقع في محافظة البحيرة قد أثار غضبًا كبيرًا، ليس فقط بسبب التصرف العنيف من قبل مدير المدرسة، بل أيضًا بسبب تأثيره النفسي على الطالبات والشهادات التي تم تقديمها حول الواقعة.

وشددت علي أنه من المهم أن تتعامل وزارة التربية والتعليم مع مثل هذه الحوادث بجدية، خاصةً في أماكن التعليم التي يجب أن تكون بيئة آمنة وداعمة للنمو الشخصي والأكاديمي.

وأوضحت عضو مجلس النواب، أنه من الواضح أن المشهد الذي تم توثيقه في الفيديو قد أثر على الرأي العام، وجعل العديد من الناس يتساءلون عن الإجراءات التي يجب أن تتخذ لمنع مثل هذه الحوادث في المستقبل، سواء من خلال توعية المدرسين والإداريين حول سلوكياتهم أو عبر تعزيز الرقابة على سلوكيات القائمين على التعليم.

ولفتت الي أن هذا التصرف من قبل مدير المدرسة غير مقبول تمامًا، وهو يعكس نوعًا من العنف الذي يجب أن يتم التصدي له بكل حزم، فالعنف في المدارس ليس فقط انتهاكًا للحقوق الإنسانية، بل يؤثر أيضًا بشكل سلبي على نفسية الطلاب والطبيعة التعليمية للمدرسة بشكل عام.

واستطردت أن مثل هذه التصرفات تثير تساؤلات حول ثقافة المدرسة وطرق التعامل مع الطلاب ومن المهم أن يكون هناك توجيه مستمر للمعلمين والمديرين على كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بروح من الاحترام والحزم دون اللجوء إلى العنف.

وطالبت السلطات المختصة باتخاذ إجراءات فورية، سواء كان ذلك بتوقيع عقوبات على المدير أو باتخاذ خطوات تهدف إلى تحسين التدريب على التعامل مع الطلاب بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التوعية في المدارس حول حقوق الطالب وطرق حماية البيئة التعليمية من أي نوع من أنواع العنف.

واختتمت قائلة: بناء عليه أطالب وزير التربية والتعليم بتوقيع أقصي عقوبة علي مدير المدرسة حتي يكون عظة وعبرة لمن تسول له نفسه في الإقدام علي مثل هذه التصرفات غير المقبولة في التربية والتعليم وحتى نضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث.

مقالات مشابهة

  • معتمر مصري: فضل الله هو الذي جعل الحرمين في أيدٍ أمينة بيد السعوديين.. فيديو
  • رئيس جامعة بنها: حريصون على دعم مبادرات تمكين المرأة بمختلف المجالات
  • "العتاولة 2".. اتهامات بالتحريض على العنف ضد النساء
  • الهند تعلن حظر تجوال.. عاجل
  • إطلاق رقم أخضر للتبليغ عن حالات العنف ضد المرأة
  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • تطبيق أقصي عقوبة .. طلب إحاطة بشأن الإعتداء علي طالبات البحيرة
  • هذا ما بقي من ذكرى 8 و14 آذار...وكأن شيئًا لم يكن
  • نائبة تطالب بمحاسبة مدير مدرسة ضرب طالبتين بالبحيرة
  • بمواصفات خيالية.. هل يكون «OnePlus» الحاسب الذي ننتظره؟