لجريدة عمان:
2024-12-16@07:54:39 GMT

«جلاديتور» والكائن الخرافي الذي لا يشبع!

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

لم أستطع للحظة واحدة أن أمنع تفكيري وأنا أشاهد الجزء الثاني من فيلم «Gladiator» عمّا يحدث في وطننا العربي، فبينما تعجُ مُدرجات روما بالبشر المُولعين بالفُرجة، يغدو المتصارعون في الحلبة أشبه بثيران أو ديكة مهمتهم الأسمى تقديم العرض الأكثر إمتاعا ودموية.. هنالك حيثُ يُتركُ الضعفاء والمسحوقون في ساحة اقتتال غير مُتكافئة.

ساحة موت لم يكن لهم يد في اختيارها!

تبحثُ الجماهير الغفيرة عن مُنتصر يصفقون له، فهم لا يريدون إلا أن يُشاهدوا عرضا مُذهلا، قبل أن تُقطع الأجساد وتُشرذم.. فكلما ارتفعت الوحشية تصاعد صياحهم، كمن يُعوض هزائمه وهشاشته الفردية.

في مقعد السينما لم أكن أنا أيضا أكثر من مُتفرج، يتلاعبُ المخرج ريدلي سكوت بمشاعري، لكني لم أستطع أن أوقف هيجان عقلي.. بدوتُ كمن يشد على نفسه أربطة وهمية في قطار الموت. بدت لي تلك الفكرة التي ينهضُ عليها الفيلم قاتمة، أعني استعمال «الغيظ» لتوليد الرغبة في القتال وبالتالي إمتاع الجماهير -وكأنّ هذا العالم لا ينمو ولا يتحول إلا على موجات من مُكثفة من العنف- إلا أنّ المفاجأة لم تكن كامنة فيما شعرتُ به من حنق، وإنّما لأنّ الحنق لم يكن مفهوما لابنيّ المجاورين لي، وكأنّ شعوري ينمُّ عن لا واقعية.. فهما يُسلمان تسليما قطعيا بأنّ كل الحضارات قائمة على العنف منذ الأزلية! وكأنّهما يستمدان فكرتهما من مقولة كارل ماركس: «العُنف مولد التاريخ».

لطالما قرأنا وجهات نظر الفلاسفة التي تشير إلى أننا في حالة صيرورة وتغيّر، لكن العنف هو العنصر الثابت والأبدي، مما يعني أننا لا نستطيع أن نقيس انحسار العنف بقوة العقل والتعليم والتنوير، وإلا فكيف تستشرس تلك الرغبة المحمومة، بل تطور أدوات إفناء الآخر وتعذيبه كما يتطور سوق التقنيات الحديثة!

تحت فوضى السحق العبثي، كان ثمّة ما هو عذب في الفيلم بجزأيه، وأظن لو سُئل أحدنا عمّا يتذكره من الجزء الأول الذي أنتج قبل أكثر من عقدين لأجاب: «ماكسيموس» ممررا يداه فوق محصول القمح، في رحلته إلى الآخرة، وكأنّ كل ما يتمناه الأبطال هو العودة إلى دفء البيت، وتلك الموسيقى التي تأخذنا إلى سماء شاهقة، فهو لم يحلم بمعركة يلتقي فيها بالخصوم بل حلم بالبيت.

وأكثر ما يشع في تجربة الجزء الثاني -حيث بقينا مشدودين لتلك اللوحة التي ترسم روما لساعتين ونصف الساعة- هو استعمال مقطع من ملحمة فيرجيل الشهيرة «الإنيادة»: «أبواب الجحيم مفتوحة ليلا ونهارا، سلاسة النزول، والطريق سهل، ولكن العودة ومشاهدة السماء المُبهجة، تكمن في هذه المهمة والعمل الجبار». إنّها قوة الشعر التي تخلقُ خلودا يربو على حياة المصارعين الذاهبين إلى الفناء والنسيان.

وبقدر إعجابي بتوظيف قصيدة فيرجيل التي كُتبت قبل مئات السنين، بجعلها أيقونة العمل التي تُلملم أطراف القصّة، فقد صدمني ابناي، فهما يعرفان فيريجل أيضا، لكن مصدر تلك المعرفة لم تكن الكُتب - التي أتخاصم معهما طوال الوقت ليقرآها- وإنّما عالم الألعاب.. إنّها المعرفة التي «تسيل» كما يرى زيجمونت باومان، فنحن في مرحلة تفكك المفاهيم بمعناها الصلب، ولذا فكل شيء يُسلع، الأمر لا يستثني العواطف والعلاقات الإنسانية والشعر!!

ولا أدري حقا إن كانت هذه «السيولة» الجذابة بهذا المعنى -والمتجاوزة لنا في آن- تصبُّ في خدمة الشُبان الجدد أم لا، إذ بقدر ما تطرح المعرفة الآن خيارات لامتناهية من أشكالها، فهي تسلبُ منا «العمق» كما أتصور، وأتمنى أن أكون على خطأ عندما أقول إنّه جيل يلمسُ سطح الأشياء ببراعة لكنه لا ينغمس فيها.. جيل يُسلم بأنّ العنف بدهي فلا يرغب بهز هذه اليقينيات أو دحضها وإنّما القفز عليها، لأنّ التقنية علّمته خاصية «التخطي»! ولذا فالعاطفة التي تُنمى على مهل، خدرة تحت أثقال النزعة الاستهلاكية المُطردة.

من المؤكد أنّ العنف مُحايث للتاريخ، وإلا لما انتقل من إنسان الكهف البدائي كعدوى لعينة ليُصاحب مصارعي الحلبة، وصولا للإنسان المتحضر في أبهى عصوره، ولكن ألا ينبغي أن تطرح الأجيال الجديدة الأسئلة وإن بدت بدهية: لماذا ينمو العنف كالعفن، ليقودنا للطرق الأكثر تطرفا ورعونة.. لماذا يبدو ككائن خرافي لا يُشبع نهمه شيء؟!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ندوة توعوية لموظفات وزارة العمل حول مناهضة العنف ضد المرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظمت الإدارة العامة لشئون المرأه والطفل بوزارة العمل، بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة،ندوة،بالتعاون مع "وحدة دعم المرأة ومناهضة العنف" بجامعة عين شمس،تستهدف توعية العاملات بديوان عام الوزارة ومسؤولي المرأه بمديريات العمل،وذلك في إطار حملة الـ16 يوم العالمية  لمناهضة العنف ضد المرأة..

حيث انعقدت "الندوة" تحت رعاية وزير العمل محمد جبران، والدكتور ضياء زين العابدين رئيس جامعة عين شمس، واستقبل الوزير جبران، فريق عمل الوحدة في مكتبه ،وأعرب عن سعادته بهذا التعاون المُثمر..

كما وجه بوضع خطة عمل،بالتعاون مع وحدة دعم المرأةه لقضايا العنف تستهدف جميع وزارات الدولة لأهمية ذلك الموضوع من أجل نشر الوعي للقضاء علي العنف ضد المرأة،كونه ضد حقوق الإنسان، كما شكر فريق العمل متنميًا لهم التوفيق.
و كانت قد افتتحت د. شيرين عبد الحي مدير عام  إدارة شئون المرأة والطفل هذا اللقاء التوعوي، وألقت الضوء علي الهدف من التعاون المثمر بين الوزارة وجامعة عين شمس المتمثل في زيادة الوعي حول قضايا العنف ضد النساء بكافة أشكاله وكيفية القضاء عليه وذلك لتحقيق المساواه بين الجنسين، مشيرًة إلى أن  هذا اللقاء بداية للتعاون المثمر .. 

كما رحبت بفريق عمل وحدة دعم المرأة والت ترأسها د. هند الهلالي، وفريق عملها،د.سعاد إبراهيم ،ود. نشوي عادل ،وفريق متطوعين من بنات الجامعة..

و ألقت د. هند الهلالي محاضرة بعنوان "مش عادي للعنف الرقمي" وهي عنوان المبادرة التي تبنتها الجامعة منذ عام ٢٠١٥...

وأشارت إلي أن الآليات والأنشطة التي تقوم بها الوحدة ،ومن محاورها : كيفية الحماية من وقوع المرأة للابتزاز والعنف الالكتروني بكل صوره، والتعامل الآمن والسليم للتغلبعلي ذلك..

كما ألقت د. سعاد ابراهيم محاضرة عن "الآليات والممارسات التي تستهدف حدة التوتر والضغوط التي تقع تحتها المرأة عند التعرض للعنف في بيئة العمل والأسرة والطرق الآمنهة لتلافيها".. كما قام فريق المتطوعين بتوصيل رسائل إيجابية للسادة الحضور .

مقالات مشابهة

  • الذي سيحدث للتمرد في مدني ليس مجرد هزيمة .. فلم رعب
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • ما الذي يحدث في المنطقة؟
  • آثار الدمار الذي خلفه نظام الأسد بمدينة حرستا بريف دمشق
  • أهم المعلومات حول جبل الشيخ الذي سيطر عليه الاحتلال (إنفوغراف)
  • ندوة توعوية لموظفات وزارة العمل حول مناهضة العنف ضد المرأة
  • هذا سبب الأصوات التي تُسمع في جرد رأس بعلبك
  • نجم البحر الهش.. أعجوبة الخلق الذي يملك قوى خارقة للطبيعة
  • حكم الصلاة بالوشم القديم الذي تتعذر إزالته
  • الأهلي المصري متخوف من حكم الكوارث الذي طرد أيمن حسين