"عاصمة الثورة السورية"، كما يسميها بعض أبناء سوريا، "حمص"، التي تعد كبرى المدن السورية من حيث عدد السكان، بعد دمشق وحماة، وتتوسط خريطة سوريا، فتربط بين مدنها الرئيسية من أقصى الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى ساحل الغرب.

كانت "حمص" إحدى المدن الأولى التي اندلعت فيها التظاهرات السلمية في بدايات الثورة السورية منتصف شهر مارس/آذار عام 2011.

حيث كان "الحماصنة" كما يطلق عليهم السوريون من الأكثر السكان حماسة لإسقاط حكم الأسد، وساهمت تظاهراتهم في إلهام  السوريين والمدن الكبرى بالخروج على نظامه.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا كانت فرحة السوريين غامرة بعد تحرير حماة؟list 2 of 2بالتهديد والوعيد والتجسس يواجه نتنياهو الجنائية الدولية ويتحدى العالمend of list

ظلت "حمص" لوقت طويل عصية أمام هجمات قوات الجيش السوري الذي استعمل معها أقصى درجات العنف المروع، بل عمد إلى طمس جزء من هويتها التاريخية والثقافية بقصفه ضريح الصحابي خالد بن الوليد، حتى استطاع استعادة السيطرة عليها عام 2014، وذلك بعد حصار طويل لقلب المدينة. أما ريفها فكان عصيا عليه حتى عام 2018.

وعلى الرغم من التهاوي السريع لريف إدلب ومدينة حلب وريفها؛ فإن المعركة الشرسة التي خاضتها قوات وفصائل المعارضة السورية في مدينة حمص، التي شهدت أقوى التمركزات الدفاعية لقوات الحكومة السورية منذ انطلاق العمليات الأخيرة، كانت اللحظة الأهم التي فتحت الطريق نحو دمشق خلال ساعات.

(الجزيرة)  حمص: أهمية إستراتيجية خاصة

أحد أهم جوانب أهمية حمص إستراتيجيا، هو كونها من أكبر معاقل المؤيدين لعائلة الأسد وأنصاره من العلويين. وهي بوابة دمشق الشمالية عبر طريق "إم-5″، كما تتصل حمص بمدينة تدمر شرقا، والتي تعتبر بوابة الصحاري الشرقية السورية.

إعلان

كذلك فإن السيطرة عليها تقطع بشكل كامل طرق الاتصال بين دمشق والمحافظات الساحلية في غرب سوريا (اللاذقية وطرطوس)، حيث القواعد العسكرية الروسية في حميميم وغيرها.

كما تُعد حمص بمثابة الرئة الاقتصادية لسوريا، وأحد أهم مراكزها اللوجستية. حيث يوجد بحمص واحدة من مصفاتَي النفط الرئيسيتين في البلاد، وتلعب دورًا حاسمًا في تكرير النفط الخام المعد للاستهلاك المحلي والتصدير، ومن ثم فإن السيطرة عليها تترك تأثيرا بالغا على إمدادات الوقود في باقي المحافظات المجاورة.

إضافة إلى ذلك كله، تعد حمص المركز الرئيس لشبكة السكك الحديدية والطرق السريعة في سوريا، مما يجعلها الممر الرئيسي والأسهل لحركة البضائع والأشخاص والقوات العسكرية في جميع أنحاء البلاد.

ربما جعلت هذه الأسباب دفاع النظام السوري عن حمص مختلفا نسبيا، إذ تدرك قوات الأسد أن خسارتها لحمص بمثابة خسارة ميدانية كبرى لا يمكن تداركها، وأن سيطرة المعارضة عليها تجعلها تتمتع بأفضلية إستراتيجية حاسمة.

سيطرة المعارضة على حمص فتحت الطريق خلال ساعات قليلة للسيطرة على مدينة القصير، واحدة من أهم المدن الحدودية مع لبنان. وفي وقت سابق، عام 2013، احتاجت قوات وزارة الدفاع السورية مدعومة بمقاتلين من حزب الله لمعارك ضارية استمرت 18 يوما لاستعادة السيطرة على القصير وحدها.

وتشير تقارير غربية إلى أن الطريق المارّ بمدينة القصير وصولا لمعبر القصير الحدودي مع لبنان يعد أحد أهم خطوط الإمداد اللوجستية الخاصة بحزب الله، وهو ما يكسب السيطرة على حمص أبعادا أخرى لا تتعلق فقط بموازين القوى الداخلية، بل ربما تتعلق بالتوازن الإقليمي في المنطقة.

وأبعاد أخرى تتعلق بروسيا

وبخلاف أهمية حمص البالغة لدمشق وطهران وحزب الله؛ فإن السيطرة عليها تهدد بقطع خطوط الاتصال بين نقاط التمركز الرئيسية للقوات الروسية في الساحل الغربي مع قواتها القليلة المنتشرة في وسط وجنوب سوريا. خاصة بعد أن رأت روسيا، بحسب "كييف بوست" كيف استولت فصائل المعارضة على العديد من المطارات والمخازن العسكرية الروسية التي تضم العديد من الأسلحة المصنعة في روسيا، مثل منظومة "بانتسير إس1″ (PantsirS1)، وهو نظام صاروخي ومدفعي مضاد للطائرات ذاتي الحركة روسي حديث، و"زد يو-23-4 شيلكا" (ZU-23-4 Shilka) وهي عربة قتالية مجنزرة مضادة للطائرات، إلى جانب أنظمة مضادات طيران محمولة مثل ستريلا-10 وستريلا-2.

إعلان

ولذا، فإن التطورات الأخيرة في سوريا تفتح التساؤل بشأن مستقبل النفوذ الروسي في البلاد، وهل ستستطيع روسيا الاحتفاظ بنقاط وجودها خاصة في منطقة الساحل، التي تعد أحد أهم مراكز عملياتها في الشرق الأوسط وأفريقيا، ومنفذها الإستراتيجي للمياه الدافئة والخطوط اللوجستية في العالم.

وتمتلك روسيا قاعدة بحرية في طرطوس على ساحل البحر المتوسط، وقاعدة جوية في حميميم، إلى الشمال منها. وقد أحدث التقدم المباغت لقوات المعارضة مع انهيار القوات الحكومية إرباكا ملحوظا لروسيا، فكانت مشاركاتها في دعم قوات الأسد خافتة للغاية ولم تبدأ إلا في اليوم الثالث من العمليات العسكرية.

الضرر الذي يمكن أن يتعرض له الوجود العسكري لموسكو داخل سوريا، من المحتمل أن يترك تأثيرا على نطاق أوسع يتعلق بمستقبل النفوذ الروسي في شمال أفريقيا، حيث كانت تطمح موسكو إلى توسيع حضورها البحري والعسكري في شرق ليبيا وبورتسودان على البحر الأحمر.

وبدلا من الالتفات لخطط التوسع، ربما تصبح روسيا مشغولة بالدفاع عن أهم قواعدها القائمة، والتي تمثل دورا حاسما في التفاف موسكو على محاولات حصار حلف الناتو لها شمالا. ويعتقد الإستراتيجيون الروس أن حضور بلادهم في البحر المتوسط يضمن لهم القدرة علي استهداف قواعد الناتو العسكرية إن أقدم الناتو على استهداف روسيا في أية سيناريوهات ولو كانت مستبعدة، مما يحدث نوعا من تبادل الردع وتوازن القوى.

هكذا كانت تلك المدينة التي لا يتجاوز عدد سكانها 1.5 مليون نسمة، عاملا مهما في حسم الصراع الداخلي في سوريا، وسيتردد صدى سيطرة المعارضة السورية عليها لوقت ليس بالقصير حتى تستقر المعادلة الإقليمية الجديدة في مرحلة ما بعد الأسد.

على جانب آخر: إسرائيل ترقب بقلق

تقع حمص على بعد حوالي 160 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية، مما يجعل السيطرة عليها أحد حوافز إثارة القلق الإسرائيلي أيضا. فكما أن المدينة تقع على خطوط الإمداد الرئيسية لحزب الله، كما يسود الاعتقاد بذلك، فإن سيطرة فصائل مسلحة ذات توجه إسلامي عليها تجعل إسرائيل أمام مشهد جديد غير مأمون العواقب.

إعلان

كانت نظرة إسرائيل للأسد معقدة ومزدوجة، فعلى الرغم من تحالف الأسد مع طهران وحزب الله، إلا أنه استمر في خدمة ذات السياسة المتعلقة بالجولان التي وضعها سلفه حافظ الأسد، حيث لا اتفاق صلح ولا تصعيد بالحرب، مما جعل جبهة الجولان هي الأكثر هدوءا بالنسبة لإسرائيل على مدى العقود الماضية.

تنظر إسرائيل الآن، كما يظهر على لسان قادتها، بقلق تجاه وضع جديد لا يزال يتشكل ولم تتضح بعد كافة أبعاده، كما لم تتضح على وجه الدقة نية الفصائل المسلحة بشأنها وبشأن منطقة الجولان، حتى وإن كان هذا ملفا مؤجلا الآن.

وسيضيف ذلك تعقيدا جديدا أمام إسرائيل التي تكافح لإعادة ترتيب قواتها وترميم عقيدتها العسكرية التي تلقت ضربة قاسية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لذا من المرجح أن تدفع إسرائيل إلى بناء دفاعات جديدة عبر تحالف محلي مع قوات سوريا الديمقراطية الذي تحظى بدعم عسكري وسياسي من الولايات المتحدة الأميركية.

وقد أشار تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان إلى وجود خطط لدى إسرائيل لما يسمى "ممر داود"، وهو مشروع يسعى للتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على كافة مناطق الجنوب السوري بدءا من القنيطرة غربا وصولا لمعبر البوكمال شرقا، ومع عدم وجود أدلة مؤكدة على أن إسرائيل تملك خططا فعلية لتنفيذ هذا المشروع فإنها بالفعل أمام اختبار أمني جاد، بدأ وتطور منذ أن سيطرت المعارضة السورية على مدينة "حمص".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد السیطرة علیها أحد أهم

إقرأ أيضاً:

لماذا قصفت إسرائيل 80% من أسلحة سوريا وتوغلت في أراضيها؟

كشف الجيش الإسرائيلي -أمس الثلاثاء- عن تنفيذه ضربات جوية ضد ما يقرب من 80% من القدرات العسكرية السورية، وذلك في عملية تعد من أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي.

في حين قالت مصادر أمنية إن توغل إسرائيل العسكري في جنوب سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق، وأظهرت خرائط خاصة بالجزيرة سيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ، وعدد من القرى والبلدات داخل المنطقة منزوعة السلاح، بعمق يصل إلى 18 كيلومترا داخل الأراضي السورية.

واستغلت إسرائيل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهاجمت أكثر من 250 هدفا داخل الأراضي السورية، في خطوة يراها الخبراء -الذين استطلعت الجزيرة نت آراءهم- محاولة لإعادة ترسيم خطوط فض الاشتباك التي وقعتها مع الدولة السورية عام 1974، والتي احتفظت بموجبها إسرائيل بجزء من هضبة الجولان المحتلة حتى اليوم.

وتسارع الأحداث على هذا النحو يثير العديد من الأسئلة بشأن حجم العمليات الإسرائيلية داخل سوريا، ومدى قانونية ذلك في أعراف القانون والمواثيق الدولية التي وقعت عليها تل أبيب، ومآلات هذه التطورات في ترسيخ واقع جديد يبدو أنه يتشكل في أجندات القوى الإقليمية والدولية. وتناقش السطور القادمة هذه الأسئلة وغيرها من قبل خبراء عسكريين ومحللين سياسيين وأساتذة قانون دولي.

إعلان

أسامة خالد: أسباب التدخل الإسرائيلي في سوريا إستراتيجية ومآلاتها خطيرة

وائل علوان: إسرائيل لم تعد واثقة في الاتفاقات الدولية لتحقق لها بيئة آمنة

تاج الدين الحسيني: القانون الدولي يقف عاجزا أمام تعدد صور العدوان الإسرائيلي

رائد أبو بدوية: الاعتداء الإسرائيلي على سوريا يمثل انتهاكا لمعاهدة فض الاشتباك بينهما

أسامة خالد: أسباب التدخل الإسرائيلي في سوريا إستراتيجية ومآلاتها خطيرة

يعدد الخبير العسكري والأمني أسامة خالد أسباب التدخل الإسرائيلي في سوريا على النحو التالي:

هناك قناعة لدى صناع القرار في إسرائيل بخطورة الموقف إستراتيجيا، خاصة بعد التحول الخطير في دولة من دول الطوق بمكانة وأهمية سوريا، وهو ما يعني تهديدا أكيدا على مفهوم الأمن القومي لدى الاحتلال الإسرائيلي. وهناك احتمالية لدخول سوريا في حالة فوضى كبيرة على أساس حدوث اقتتال داخلي من قبل الفصائل السورية المختلفة، خاصة المدعومة من أطراف إقليمية، وهذه الفوضى يراها الاحتلال بيئة خصبة لانطلاق عمليات عسكرية ضد الحدود مع الجولان وفلسطين المحتلة. عندما سقط النظام في سوريا ترك خلفه كميات كبيرة من صنوف الأسلحة المختلفة في عدة مواقع مراكز سيطرة، وهي تمثل أصولا عسكرية إستراتيجية لسوريا الجديدة، التي قد يراها الجيش الإسرائيلي تفوقا عسكريا كبيرا، خاصة مع وجود طائرات عسكرية وأنظمة دفاع جوي ودبابات يمكن أن تكون مصدر تهديد لاحقا. تكمن أهمية التوغل الإسرائيلي بالأراضي السورية في تأمين المواقع والمستوطنات المحاذية لسوريا في القنيطرة ودرعا، عبر إنشاء حزام أمني (منطقة عازلة) في المناطق السورية الإستراتيجية القريبة، التي تعطي إشرافا معلوماتيا عاليا، وتمنع أي خطر بري وناري قد يصل لها. يرى الساسة في إسرائيل أن الوجود العسكري داخل سوريا يساعد على التدخل والتوسع بأرضها إذا تطور الأمر وأصبح هناك توجه حقيقي لتقسيم سوريا، ولا بد من موطئ قدم تستثمر فيه إسرائيل. إتمام تدمير ما تبقى من الوجود العسكري لكل من إيران وحزب الله ومقدراتهما، خاصة في الجنوب السوري الذي يعني نقطة تحول في إبعاد الخطر الإيراني الداهم على حدودها.

المآلات التدخل المبكر الإسرائيلي برا وجوا وتدميره مقدرات الشعب السوري الإستراتيجية وبنيته التحتية، وإلغاء اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا، كلها مسببات تلهب مشاعر السوريين والعرب والمسلمين، وسيتعاملون معها على أساس أنها تدخل عسكري وقوة احتلال جديدة يجب قتالها وطردها، ناهيك عن رفضهم الظلم الواقع من إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لأكثر من عام. إستراتيجية إسرائيل الجديدة للتعامل مع سوريا الوليدة تجعل منها بلدا ضعيفا منزوعا من السلاح الفعّال والإستراتيجي القادر على الدفاع عن نفسه وحماية أمنه القومي، وبالتالي إضعاف مباشر ومقصود للسلطة الإدارية والقيادة الجديدة في سوريا، التي لا تريد قتالا أو عداء مع أحد في ظل ترتيبها للبيت الداخلي وتسيير المرحلة الانتقالية بهدوء واستقرار.  السلوك الإسرائيلي ربما يتسبب في تفلت كثير من الجماعات وحتى الأفراد السوريين للاجتهاد والتفاعل الفطري العفوي لشن هجمات فردية أو جماعية على القوات الإسرائيلية التي احتلت مدنا وقرى عديدة في القنيطرة وأصبحت على مقربة من دمشق، وهذا "الوجود الاحتلالي" يعني شرعية لكل سوري لقتال الوجود الإسرائيلي على أساس أنه قوة احتلال يجب طردها من الأرض السورية. ربما تسعى إسرائيل لتغيير الديموغرافيا في سوريا عبر اللعب على وتر الأقليات، خاصة بما تملكه من علاقات قوية مع الطائفة الدرزية في سوريا وغيرها، وكذلك المشروع الكردي في شرقي سوريا، وبالتالي تشجيع أطراف دولية وإقليمية أخرى على التدخل وتقاسم ما يمكن تقاسمه، خاصة أن السلطة الجديدة منشغلة في ترتيب أمورها وطمأنة المحيط الإقليمي والدولي. ازدياد عوامل تفجر الموقف السياسي الإقليمي جراء تدخل إسرائيل في الأراضي السورية، الذي لا يمكن ضبطه عندما يتسبب في حالة من الفوضى وغياب الاستقرار بالمنطقة بعد الهدوء الحذر على جبهة لبنان التي كادت أن تفجر الأوضاع بالمنطقة كلها. إعلان

وائل علوان: إسرائيل لم تعد واثقة في الاتفاقات الدولية لتحقق لها بيئة آمنة

ويرى المختص في الشؤون السورية وائل علوان أن الموقف الإستراتيجي الإسرائيلي تغير في ظل تسارع الأحداث الإقليمية، ويرى أن التدخل الإسرائيلي في سوريا يعود إلى التالي:

بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم تعد إسرائيل تثق بأن الاتفاقيات والتفاهمات الدولية والإقليمية ستحقق لها أمنها القومي، وأرادت الانتقال إلى شكل آخر من أجل ضبط أمنها وحدودها، حتى تكون حدود مستوطناتها مع دول الطوق محمية، ولذلك تلجأ إلى إنشاء منطقة فاصلة كافية غير قابلة للسكن، ولا يمكن أن يكون فيها أي نشاط عسكري أو أمني، ولا تحتوي على أي بنية تحتية عسكرية. تضاعفت المخاوف الإسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد، وأصبحت حاجتها أكبر من أجل تأمين مستوطناتها في الجهة الشمالية، خاصة أن الوجود الروسي كان يضمن -نسبيا- لإسرائيل منذ عام 2018 ألا تكون هناك قوات تابعة لحزب الله أو للحرس الثوري الإيراني في هذه المنطقة. تريد إسرائيل أن يكون الجيش السوري في المستقبل القريب بلا سلاح، بما في ذلك السلاح الثقيل التقليدي، وتريد أن يكون جيشا ضعيفا غير قادر على تشكيل أي تهديد للأمن القومي الإسرائيلي بما في ذلك الحروب التقليدية، فضلا عن أن تقع أسلحة مثل الصواريخ بعيدة المدى والطيران المسير والأسلحة الكيميائية التي كانت إسرائيل تخشاها لدى النظام أو لدى حلفائه مثل المجموعات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. من الممكن أن تلجأ إسرائيل في الأيام القليلة القادمة إلى تدمير أكبر في المنطقة المحاذية للجولان المحتل، خاصة أنه يتزامن مع حملة قصف واسعة جدا طالت العديد من الأهداف التقليدية من مقدرات الجيش السوري، مثل منظومات الدفاع الجوي والثكنات العسكرية وميناء اللاذقية الذي قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن إيران كانت تستخدمه لأغراض أمنية وعسكرية. إسرائيل كانت تستهدف أماكن تقليدية في سوريا حتى قبل سقوط الأسد، مثل مراكز البحوث العلمية والمختبرات التي يتم فيها تطوير الأسلحة، لا سيما الأسلحة الكيميائية وما يرتبط بها، لكن الملاحظ أن القصف بعد نظام الأسد كان أوسع وأكبر، وشمل مطار المزة العسكري وحواضن الطائرات حتى المروحية منها ومستودعات أسلحة لا تعد خطرة ولا فتاكة ولا بعيدة المدى، بل أسلحة تقليدية حتى أحد المستودعات في الريف الغربي لدمشق كان يحتوي على سلاح متوسط فقط تم قصفه وتدميره بشكل كامل. إذن، هذا القصف على ما يبدو أنه مختلف بسياساته وإستراتيجياته البعيدة، فهو يستهدف كل ما يشكل تهديدا للأمن الإسرائيلي، وكان واضحا أنه يستهدف الترسانة العسكرية حتى لا تكون الدولة القادمة في سوريا مسلحة، بصرف النظر عن البديل القادم من الفصائل المعارضة التي تحكم دمشق الآن أو عبر انتقال سياسي بتداول سلمي للسلطة. إعلان

تاج الدين الحسيني: القانون الدولي يقف عاجزا أمام تعدد صور العدوان الإسرائيلي

ويعبر عن موقف القانون الدولي من العدوان الإسرائيلي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط تاج الدين الحسيني ويقول:

للأسف الشديد، حتى الآن أصبح القانون الدولي عاجزا عن معالجة كل الإشكالات التي تنتج عن المواقف العدوانية والخطيرة التي تمارسها إسرائيل في هذه المنطقة من العالم، إذ وصل عدد الضحايا إلى ما يفوق 40 ألفا في غزة، وربما الآلاف في لبنان. نحن الآن أمام صورة جديدة لهذا العدوان، الذي لن يتمكن القانون الدولي الآن من معالجته، وهي الصورة التي تتمثل في استغلال تغيير النظام في سوريا لتقوم إسرائيل بأعمال عدوانية جديدة عبر اختراق المنطقة العازلة التي تفصل بين سوريا وإسرائيل، والتي يفترض أن تكون فيها قوات أمم المتحدة، ثم الهجوم على عدة قرى مجاورة في الشريط الفاصل بين الدولتين، ثم القيام بعمليات عدوانية عبر توجيه صواريخ إلى أماكن محددة حتى داخل العاصمة دمشق وعدة مناطق أخرى. وكل هذه الأفعال ترتكبها إسرائيل في إطار تبرير غير معقول وهو أن كل هذا له طبيعة دفاعية. وعندما نرجع إلى مقتضيات القانون الأساسي للعلاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة تشير المادة 51 إلى حق الدفاع الشرعي الذي لا يمارس إلا من قبل الدول التي تتعرض لنوع من العدوان باستعمال القوة المسلحة، والذي يكون في إطار الدفاع عن مكتسباتها وعن حدودها. الآن إسرائيل تتوسع في حدود البلدان المجاورة بهذه الطريقة، وتسوغ هذه المبررات من خلال المصادقة عليها من قبل دولة العظمى مثل الولايات المتحدة. كما أن مرتفعات الجولان تدخل كذلك ضمن الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، وما زالت تحتلها، ثم جاء الرئيس الأميركي المنتخب ليعترف بسيادة إسرائيل عليها إبان فترته الرئاسية الأولى. وهكذا تبدأ الأشياء عبر احتلال غير مشروع، ثم تبريره بشتى الوسائل، ثم إضفاء نوع من الشرعية المنفردة عليه من قبل إحدى الدول الكبرى. وبالتالي أعتقد أن ما يقع اليوم هو ذو طبيعة كارثية على مستقبل القانون الدولي وإمكانية استمرار هذا القانون في ضبط العلاقات بين الدول، لأن كل ضوابطه الآن يتم خرقها على نحو سافر من طرف إسرائيل من غير الخضوع لأي نوع من الجزاء أو العقاب الدولي. إعلان

رائد أبو بدوية: الاعتداء الإسرائيلي على سوريا يمثل انتهاكا لمعاهدة فض الاشتباك بينهما

رأي قانوني آخر يقدمه أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية، ويرى أن:

الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية عبر السيطرة على مناطق جديدة محاذية للجولان السوري المحتل تمثل انتهاكا واضحا لاتفاقية ما يسمى "فض الاشتباك" بين القيادة الإسرائيلية وسوريا التي تم توقيعها عام 1974. هذه الاتفاقية ليست معاهدة سلام، ولكن مضمونها عبارة عن هدنة عسكرية نوعا ما، اسمها الرسمي "فك الاشتباك"، بهدف ضمان عدم تقدم أي جانب من الدولتين إلى حدود الدولة الأخرى بعد خط فك الاشتباك. وهذه الاتفاقية تمت برعاية دولية في سويسرا وبوجود الاتحاد السوفياتي في هذا الوقت، وإثر هذه الاتفاقية أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء قوة دولية مراقبة على الحدود بين إسرائيل وسوريا، ومن جهة أخرى أبقت هذه الحدود المرسومة سيطرة إسرائيل على جزء كبير من الجولان، ولكن بعد انهيار النظام السوري زادت إسرائيل مساحات السيطرة من هذه الحدود مع الدولة السورية. هناك قرار دولي يدعو لتشكيل قوة أممية مراقبة، وهذه القوة موجودة حتى اليوم، وأنا أعتقد أنها رفعت تقارير إلى الأمم المتحدة على أساس أن هناك انتهاكات من قبل إسرائيل من أجل السيطرة على هذه المناطق. ولكن من الناحية القانونية، لا يفترض لإسرائيل أن تتعدى خطوط الاشتباك التي رسمتها اتفاقية عام 74. واضح أن انهيار النظام السوري وعدم قدرة النظام الموجود في سوريا حاليا أو وجود قوة تضمن هذه الحدود جعل إسرائيل تستخدم ذلك كذريعة من أجل زيادة احتلال الأراضي في الجولان المحتل أكثر مما كانت تحتله عام 67، وواضح أن إعلان نتنياهو أيضا انهيار هذه الاتفاقية والسيطرة على جبل الشيخ وعلى مناطق أخرى مؤشر على أن إسرائيل لن تعود إلى اتفاقية عام 74 مرة أخرى. هذه التوغلات الإسرائيلية غير قانونية، كما أن احتلال الجولان أصلا المستمر منذ عام 67 غير قانوني، وهو أرض سورية محتلة بموجب القانون الدولي ولا يفترض لإسرائيل ضمها كما فعلت عام 1981 ولا يفترض في إسرائيل توسيع سيطرتها حاليا. إسرائيل ستستغل فرص انهيار النظام والصراعات في العالم والإقليم، ووصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للحكم، وهو الذي اعترف في فترة حكمه الأولى بالجولان بوصفها أرضا إسرائيلية، وبالتالي أعتقد أن الظروف السياسية ستكون مهيأة حتى لا تعود إسرائيل إلى خطوط الاشتباك الأولى قبل انهيار النظام السوري. إعلان

مقالات مشابهة

  • تفاصيل خطة إسرائيل في سوريا بعد إحكام السيطرة على الجولان
  • تفاصيل خطة إسرائيل في سوريا بعد السيطرة الكاملة على الجولان
  • لماذا قصفت إسرائيل 80% من أسلحة سوريا وتوغلت في أراضيها؟
  • المعارضة السورية تعلن السيطرة على دير الزور.. ومصدر كردي يعلق
  • إدارة العمليات العسكرية السورية تعلن السيطرة على مدينة دير الزور
  • لماذا هاجمت إسرائيل سوريا في هذا التوقيت؟
  • تبعد 30 كم عن دمشق.. ما هي المنطقة الدفاعية المعقمة التي تسعى إسرائيل لإنشائها في سوريا؟
  • لماذا تضرب إسرائيل سوريا؟
  • سرّ شاهين.. المسيّرة التي حسمت معركة ثوار سوريا
  • لماذا لم يقاوم جنود الأسد قوات المعارضة السورية؟