بشار الأسد.. الابن البديل والوجه الآخر للطاغية
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
لم يكن بشار الأسد هو الخيار الأول لأبيه الرئيس الحديدي حافظ الأسد، لكن الأقدار تختار ما لا يعرفه البشر. فمصير بشار الابن كان مثل مصير مايكل كورليوني في فيلم العراب، الشاب المحشو بالمثاليات المفارق لنهج العائلة، لكن ما إن تولى السلطة وواجه ثورة عارمة حتى قلب الطاولة على الجميع، لقد تكشف عن وحشية لم تخطر ربما على بال أبيه وأجهزته الذين صنعوه على أعينهم.
ولكن بشار، على الرغم من كونه خيارا غير متوقع، أظهر براعة في البقاء بالسلطة وسط أمواج العاصفة. في البداية، لم يكن يُنظر إليه كقائد مهيب مثل أبيه، بل كطبيب عائد من لندن، يحمل ملامح الشاب الهادئ، فارع الطول، ذي العيون الملونة، والثرثار بلدغة مضحكة.
وكانت الصورة العامة لبشار هي الشاب الذي لا يملك الكاريزما اللازمة أو الحزم السياسي المطلوب لإدارة بلد معقد التركيب مثل سوريا. لكن الثورة التي اندلعت في عام 2011 كشفت وجها آخر تماما.
لقد تعامل مع الانتفاضة الشعبية بيد من حديد، حيث قمع الاحتجاجات السلمية بوحشية لم يكن العالم مستعدا لرؤيتها في هذا القرن. وتحولت الثورة إلى حرب أهلية طاحنة، ومعها أظهر الأسد مهارات البقاء عبر اللعب على أوتار الطائفية، والاستفادة من التحالفات الإقليمية والدولية. وكان دعمه من إيران وروسيا بمثابة شريان حياة لنظامه، ومكّنه من قلب موازين القوة لصالحه.
إعلان طاولة كورليونيومثل كورليوني في فيلم العراب، استغل بشار كل فرصة لقمع أعدائه والتخلص من خصومه. واستخدم أدوات النظام القمعي التي ورثها عن أبيه، لكن بطريقة أكثر تطورا وشراسة. فلم يتردد في استخدام السلاح الكيميائي، ولم يكترث للدمار الذي لحق بالمدن والبنية التحتية، كل ذلك في سبيل الحفاظ على قبضته الحديدية.
الرئيس الأب حافظ الأسد حطم السوريون تماثيله في جميع المدن السورية (الفرنسية)الطاولة التي قلبها بشار لم تشمل فقط المعارضة والشعب، بل أيضا المجتمع الدولي. فقد فرض الأسد معادلته الخاصة على اللاعبين الدوليين، حيث أثبت أن إسقاطه لن يكون مهمة سهلة. وبينما كان العالم يُدين ممارساته الوحشية، كان يبني شبكة معقدة من العلاقات والتحالفات التي جعلت منه جزءا لا يتجزأ من المعادلة الإقليمية.
ومع كل يوم يمضي، يبدو بشار الأسد أبعد ما يكون عن صورة الابن الهادئ الذي لم يكن الخيار الأول. لقد أصبح تجسيدا لمدى تحول الإنسان حين يجد نفسه في مواجهة مصير لا رجعة فيه. لكن يبقى السؤال: هل كان فعلا سيد مصيره، أم أنه مجرد لاعب في لعبة أكبر منه؟
في خطوة لم تكن متوقعة بعد سنوات من الحرب الطاحنة، وبعد أن استبسل النظام السوري في الدفاع عن العاصمة دمشق بكل ما يملك من أدوات القوة والقمع، جاءت اللحظة التي لم يتخيلها أحد: هروب بشار الأسد من دمشق. مشهد خروجه المباغت، وسط دخول المعارضة السورية إلى العاصمة، يُعيد رسم تاريخ سوريا الحديث ويُبرز حجم التحولات التي عاشها البلد منذ عام 2011.
بشار الأسد، الذي بدا لسنوات كأنه لا يمكن المساس به، وجد نفسه في موقف شبيه بنهايات الطغاة الذين حاولوا التشبث بالسلطة حتى اللحظة الأخيرة. ولم تنفعه التحالفات مع روسيا وإيران، ولا شبكات الولاء التي بناها داخل النظام. فالعاصمة التي كانت تُعتبر حصنه الأخير أصبحت اليوم مسرحا لقوات المعارضة، ومعها تلاشت كل وعود البقاء والانتصار التي روّج لها.
إعلان هروب صامتهرب بشار، وكأنه لم يكن يوما رئيسا، بصمت وبلا ضجيج، بل دون أن يطلق رصاصة واحدة. هرب بجلده، وترك خلفه كل مجده الموهوم، بالجيش الباسل والفرقة الرابعة التي تريد تجارة الكبتاغون، والأجهزة الأمنية التي تؤله الزعيم.
ولكن السؤال الأهم: إلى أين؟تشير التقارير إلى أن الطائرات الرئاسية أقلعت في ساعات الفجر الأولى إلى جهة غير معلومة، وربما إلى إحدى الدول التي لا تزال تقف إلى جانبه. لكن حتى هذه الملاذات تبدو غير آمنة، فقد أصبح رمزا لنظام انهار أمام أعين الجميع، ومصيره الآن في أيدي من ساعدوه على البقاء طوال هذه السنين.
من حاربهم بشار سنوات طويلة، وصلوا إليه أخيرا ودخلوا قصره (رويترز)أما دمشق، فهي الآن في لحظة تاريخية فارقة. ودخول المعارضة السورية إلى المدينة لا يعني فقط سقوط النظام، بل أيضا بداية فصل جديد من تاريخ هذا البلد المنهك، وتحديات ما بعد الانتصار ستكون جسيمة، فالدمار الذي خلفته الحرب لم يكن في البنية التحتية فقط، بل في النسيج الاجتماعي والسياسي الذي يحتاج إلى سنوات من العمل لإعادة ترميمه.
اليوم، يجد السوريون أنفسهم أمام مفترق طرق. هل ستكون هذه لحظة تحول حقيقي نحو بناء وطن جديد قائم على الحرية والعدالة والمواطنة، أم أن الفراغ الذي تركه الأسد سيُملأ بصراعات جديدة تعيد إنتاج المآسي؟
هرب الأسد، لكن سوريا لا تزال عالقة في مأزقها، بين ماض أثقل كاهلها ومستقبل يتطلب شجاعة غير عادية لصناعته.
الخطاب الذي أرسله الثوار الداخلون إلى المدن السورية يبدو تصالحيا، يطمئن الجميع. والعالم ينظر إلى وعود الأمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بشار الأسد لم یکن
إقرأ أيضاً:
إحداها لا تخطر على بال.. جرائم بشار الأسد قبل أن يصبح رئيساً
#سواليف
مع مرور الشهر الأول، على سقوط #بشار_الأسد الذي فرّ إلى #روسيا في الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر الفائت، وتهاوي سلطة عائلته التي حكمت #سوريا، نحواً من ستة عقود، بدأ سيل المعلومات بالانتشار ليكشف عن حقبة هي من أسوأ ما مرت على البلاد، طيلة تاريخها الحديث والمعاصر، بحسب المراقبين، وبحسب ما يرشح يوما بعد يوم، عن ما ارتكبته عائلة الأسد، خاصة بشار الأسد، ومن قبل أن يتم تنصيبه رئيساً.
وفيما يشار إلى #جرائم_بشار_الأسد، بصفته رئيساً للبلاد، قلّما يتم الحديث عن جرائمه، بصفته شخصا عاديا، ومن قبل أن يتولى منصب رئاسة الدولة السورية.
وأظهرت الحقائق التي بدأت بالتكشف بعد سقوط نظامه، أن بشار الأسد، قد ارتكب جرائم مختلفة، من قبل تنصيبه رئيساً، بحسب ما قاله بحوار لتلفزيون “سوريا” الدكتور مفلح الزعبي، نجل رئيس وزراء سوريا الأسبق، محمود الزعبي، والذي أعلن النظام عن وفاته منتحراً، عام 2000، فيما أحاطت الشبهات بدور النظام بتصفيته، وهو ما أكده الزعبي الابن، في حواره الذي أظهر فيه، أن بشار الأسد، ارتكب جرائم، من قبل أن يكون في سدة الحكم.
تدخّل بأدوية أبيه لزيادة حالته سوءاً
وأولى الجرائم التي ارتكبها بشار الأسد، كانت بحق أبيه حافظ الذي توفي عام 2000.
وبحسب الدكتور مفلح الزعبي، فإن حافظ الأسد، بين عامي 1998 و1999، بدأت “صحته بالتراجع” وكان يعاني من “مرض عصبي وزهايمر” اضطر بعدها لتناول أدوية “من أجل التوازن النفسي” كي يقدر على “التكلم” وكي يصبح قادراً على إدراك “ما يجري حوله”
وكشف نجل رئيس وزراء سوريا الأسبق، عن مكالمة هاتفية بين حافظ الأسد، وأبيه، سمعها عن غير قصد عندما قام برفع سماعة الهاتف في غرفة مجاورة، ليسمع حوارا يدور بين الأسد والزعبي، ظهر فيه الأسد في مرحلة متأخرة من حالته “العقلية” حيث بعدما تكلم مع رئيس وزرائه مطولاً، عن قضية ما، فاجأه بسؤاله: “مَن أنت؟” فقال له الزعبي: “سيدي، أنا محمود، أنا رئيس وزرائك!” فردّ حافظ: “مَن محمود؟” وأضاف سؤالا آخر: “أنا لِم اتصلت بك؟ أنا أتحدث مع مَن؟”
رئيس الوزراء يتهم بشار الأسد بأدوية أبيه
وفيما حالة حافظ، مستمرة بالتراجع، أكد مفلح، أنه في تلك الأثناء التي شهدت تراجع الحالة الصحية “العقلية” للأسد الأب “تواترت أنباء” حتى إنه “سمعها” من أبيه رئيس الوزراء الأسبق، تتحدث عن أن بشار الأسد كان “يتدخل حتى بمواعيد الأدوية وطريقة إعطاء الأدوية لأبيه!”
وكشف الدكتور مفلح، أن بشار الأسد كان يتدخل بمواعيد الأدوية وطريقة إعطائها لأبيه حافظ، كان بهدف “زيادة الحالة” الصحية تدهوراً، من أجل أن “يفسَح في المجال له” في التسلط على كل تفاصيل السلطة في سوريا، ذلك أن انقطاع التواصل الهاتفي، بين رئيس وزراء سوريا الأسبق، وحافظ الأسد، وبسبب تدهور صحة الأخير، كان يمكّن بشار الأسد من التدخل الشامل في التعيينات والصفقات التي وقف بوجهها، رئيس وزراء سوريا الأسبق، كما شرح نجله.
بشار كان “يكذب حتى على أبيه”
وأكد نجل رئيس وزراء سوريا الأسبق، أنه لا يلقي بهذا الاتهام بحق بشار، بالتدخل بمواعيد وطريقة إعطاء الأدوية لأبيه، لزيادة حالته الصحية تدهوراً “من أجل الانتقام” من الرئيس الفارّ، بل لأنه “شخص لا يقول إلا الحقيقة” وأنه انتظر 24 عاماً، كي يتمكن من الظهور على وسائل الإعلام، للتحدث عما جرى.
وعلى الرغم من أن جريمة بشار الأسد، بحق أبيه، تعتبر الأكبر، وقبل أن يصبح رئيساً، فإنه ارتكب جرائم أخرى، كالتدخل في “صفقات النفط” لمنحها لأناس قريبين منه، بحسب مفلح الزعبي.
ولفت الزعبي إلى أن بشار الأسد، كان شخصا لا يمكن التعامل معه، قائلا إنه “بدون وجود إعلام، يهدِّد دائماً” وبأن بشار كان “يكذب حتى على أبيه”.
صفقات النفط وتعيينات الوزراء
ويبرز الزعبي، الأسباب الحقيقية، للصراع بين أبيه رئيس الوزراء الأسبق، وبشار الأسد، قبل أن يتولى حكم البلاد. وقال إن قضية “النفط” و”تعيينات الوزراء” هي التي فجرت العلاقة بين الرجلين، إلى الدرجة التي أدت في النهاية إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، لا انتحاره، كما قال نجله.
وبحسب التفاصيل التي عرضها نجله، فإن رئيس الوزراء السوري الأسبق، قد تم اغتياله في منزله في منطقة “دمّر” بضواحي العاصمة السورية.
التخطيط للتخلص من رئيس الوزراء
وأكد الدكتور مفلح، أن ضابطاً كبيراً زارهم “متنكِّراً” إلى بيتهم، وأخبر والده بضرورة أن يغادر البلاد بالسرعة القصوى، قائلا لرئيس وزراء سوريا الأسبق: “بشَّار الأسد يخطط للتخلص منك! وأنصحك بالسفر ومغادرة سوريا” إلا أن الزعبي رفض المغادرة، مع أن بشار كان قد وجّه النظام السوري بأكمله، للانتقام منه، فعزلوه من رئاسة الوزراء، ثم فصلوه من قيادة حزب البعث، وتجلت أقسى أشكال الانتقام من الرجل، قبل اغتياله، بطرده من منزله الذي سبق وأعطاه إياه، حافظ الأسد!
شهر بين مقتل الزعبي ووفاة الأسد الأب
ومن الجدير بالذكر، أن إعلان نظام الأسد عن “انتحار” رئيس وزرائه عام 2000، لم يصدقه غالبية السوريين، في ذلك الوقت، ورجحوا مقتله اغتيالاً، خاصة وأن الراحل محمود الزعبي عمل رئيسا للوزراء لمدة 13 عاما متواصلة، ويعتبر من أقوى شخصيات نظام حافظ الأسد التي أطاح بها بشار الأسد، قبل أن يبدأ مهامه رئيسا للبلاد.
يذكر أن حافظ الأسد، مات بعد شهر واحد من مقتل رئيس وزرائه. وكان مقتل محمود الزعبي رئيس وزراء سوريا، في شهر أيار/ مايو عام 2000، وجاءت وفاة حافظ الأسد، في شهر حزيران/يونيو، من العام نفسه.