- الأسد يرحل.. هيئة تحرير الشام تسيطر.. إسرائيل تتواصل
- تفاصيل الاتفاق الذي سبق الرحيل.. وأين اختفى بشار؟
فى السابع والعشرين من نوفمبر الماضي بدأت المنظمات الإرهابية تنفيذ المخطط. وفى الثامن من ديسمبر سقطت العاصمة دمشق، وغادر الرئيس الأسد وبعض مرافقيه إلى خارج البلاد.. انهار الجيش وتفككت الكثير من وحداته.
كان كل شيء يمضى وفق المخطط، الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يخرج عن صمته ويعلن دعمه لهيئة تحرير الشام، ويؤكد أنها فى طريقها إلى دمشق، إيران تتخلى عن حليفها الاستراتيجي، ووزير الخارجية عراقجى يعلن أن مصير الأسد بات غير معلوم، أما روسيا فقد أعطت التعليمات للطيران الروسى بتوجيه ضربات محددة دون التورط فى الحرب بشكل كامل. الجامعة العربية تؤجل اجتماعها الوزارى بناء على طلب سوريا، بعد أن أدركت أن هناك خلافًا عربيًا حول ما يجرى على أرض سوريا.
لقد تداعت الأحداث خلال الساعات القليلة التى سبقت سقوط النظام السورى ومغادرة الرئيس بشار وبعض معاونيه إلى وجهة غير معلومة فجر الأحد الثامن من ديسمبر 2024، لقد زحفت ميليشيات «هيئة تحرير الشام» من حلب إلى إدلب إلى حماه، ثم إلى حمص وأخيرًا إلى دمشق، بينما تحركت العديد من الخلايا النائمة ومعارضو النظام فى العديد من المحافظات الأخرى وتحديدًا فى محافظة درعا الجنوبية وغيرها، لتمهيد الطريق أمام الميليشيات للسيطرة على مقاليد الحكم فى البلاد.
كان السؤال المطروح: لماذا يترك الجيش العربى السورى مواقعه، ويرفض الاشتباك مع عناصر الميليشيات التى تخترق المحافظات الواحدة تلو الأخرى؟ يبدو من الواضح أن وزير الدفاع السورى اتخذ قرارًا، وأقنع به الرئيس الأسد يقضى بانسحاب الجيش والاستعداد لمعركة حمص الكبرى، إلا أن سيناريو الأحداث قد أفضى إلى نتيجة مختلفة، فالجيش الذى احتشد حول حمص ترك مواقعه وانسحب قبل مغادرة الرئيس الأسد بساعات قليلة، وهو أمر يضع كثيرًا من علامات الاستفهام.
ووفقًا للمعلومات التى حصلت عليها «الأسبوع»، من مصادر عليمة، فإن الاتفاق الذى جرى بحضور مصر والسعودية والعراق وقطر وإيران وتركيا وروسيا والذى عقد فى قطر لبحث الأوضاع السورية جرى الاتفاق على الآتي:
- الاتفاق على تنحى الرئيس السورى بشار الأسد عن السلطة فى البلاد ومغادرة سوريا فى أسرع وقت.
- الاتفاق على تولى رئيس الوزراء السورى الحالى مهام السلطة فى البلاد، والتنسيق مع تنظيم «هيئة تحرير الشام».
- أن يظل رئيس الوزراء يدير شئون الفترة الانتقالية وإدارة شئون البلاد لحين تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب.
- السماح بانتقال عناصر حزب الله الموجودة فى سوريا إلى لبنان، وكذلك الحال بالنسبة لقيادات التنظيمات الفلسطينية.
- انسحاب جميع الفصائل المسلحة خارج المدن مع بقاء الشرطة المدنية لإدارة الأوضاع فى الفترة الانتقالية.
- لا مذابح ولا استهداف للعلويين (الشيعة) فى مناطقهم أو خارجها، وحماية الأقليات العرقية الطائفية والمسيحية.
- حماية مراقد وبيوت ومساجد آل البيت (السيدة زينب رضى الله عنها) وغيرها.
السيناريو يتكرر:
فى العاشر من يونيو 2014 فوجئ الرأى العام فى داخل العراق وخارجها بالانتصارات «الصادمة» التى حققها تنظيم داعش على الأرض العراقية، ففى ساعات محدودة سقطت محافظة «نينوي» ثانية كُبريات المحافظات العراقية، حيث اجتاح داعش والقوى المتحالفة معه أرض المحافظة بعد أن طوقتها من اتجاهات محددة، ولم يكن من خيار أمام قوات الجيش أو الأمن العراقية إلا الهروب من ميدان المعركة وترك أسلحتهم الثقيلة لتسقط فى أيدى المقاتلين ذوى البأس الشديد، المدربين تدريبًا جيدًا على فنون الحرب المختلفة.
وقد نجحت الفصائل الإرهابية المسلحة بعد يوم واحد فقط فى أن تصل بقواتها العسكرية إلى بلدة «العظيم» ومن بعدها «الضلوعية» على مشارف بغداد الشمالية.
فى هذا الوقت أشاد الكثير من القيادات المحلية بممارسات تنظيم داعش والتنسيق مع الأهالي، تلك كانت البداية، ولكن الأحداث التالية كشفت عن الوجه الحقيقى لتنظيم داعش، حيث القتل والإرهاب وعبودية النساء، فى هذا الوقت لم تسقط بغداد تحت جحافل عناصر داعش، وإنما صمدت وبدأت حرب المواجهة التى أدت فى النهاية إلى حصار الجماعة الإرهابية وطردها من غالبية المحافظات.
الأمر يختلف هنا، فالميليشيات التى تلقت دعمًا غير محدود من قوى إقليمية ودولية استطاعت أن تسقط النظام وأن تدخل دمشق، وتبدأ فرض سيطرتها على الأماكن المختلفة، ووضع الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة المختلفة تحت سيطرتها - كما هو متفق عليه -.
وقد طلب الإرهابى أبو محمد الجولانى من رئيس الوزراء السورى محمد غازى الجلالى تسيير أعمال الحكومة إلى حين، وتم بث لقاء تليفزيونى لرئيس الوزراء يعلن فيه استعداده لإدارة الأمور لحين تسليم السلطة إلى من يختارهم الشعب لتولى السلطة فى البلاد.
وفى السادسة من صباح الأحد 8 من ديسمبر، أعلن مصدر بهيئة تحرير الشام أنه سيتم بث أول بيان إلى الشعب السورى على شاشة التليفزيون الرسمي، وقد جاء البيان ليؤكد أن هيئة تحرير الشام هى صاحبة القرار فى سياق الأحداث التى نشهدها فى سوريا.
مغادرة الأسد:
قبيل فجر الأحد بقليل، كانت الأمور تتداعى، تم إبلاغ الرئيس بشار منذ قليل، أن قوات الجيش انسحبت من حمص، وأن الميليشيات العسكرية الإرهابية على بعد كيلو مترات محدودة من دمشق، وأن هناك كتائب مسلحة قادمة من جنوب سوريا بعد سقوط محافظة درعا فى أيديهم، وأن قوات من ريف دمشق انضمت إليهم وأنهم على بعد كيلو مترات محدودة من العاصمة السورية.
كانت النصيحة للرئيس بأن يغادر القصر الرئاسي، وبالفعل على الفور جرى اتخاذ القرار، خاصة أن الاستعدادات كانت قد اكتملت فى مطار قريب من دمشق.
غادر الرئيس القصر الرئاسي، وعندما سئل رئيس الوزراء السورى عن مكان اختفاء الرئيس قال: ليس لدى معلومات عن مكان الأسد ولا متى غادر!!
الترجيحات تقول: إن الأسد كان أمامه إحدى وجهتين: إما روسيا وإما طهران. تشير المعلومات إلى أن الخلافات التى جرت مؤخرًا بين بوتين والأسد خلال زيارته الأخيرة عندما رفض عرض بوتين بترتيب لقاء بينه وبين أردوغان ترجح عدم توجه الأسد إلى موسكو، ومن هنا تشير المعلومات إلى احتمال توجهه إلى طهران، خاصة أن إيران لن تنسى للرئيس السورى دوره فى السماح بإقامة خط يربط طهران بلبنان لإمداد حزب الله بالسلاح والمال.
السيناريوهات المتوقعة:
منذ الإعلان عن سقوط الحكم فى سوريا انتشرت الفصائل العسكرية فى جميع أنحاء العاصمة السورية، وتحركت الحشود الجماهيرية لإسقاط تماثيل الرئيس السابق حافظ الأسد والرئيس بشار الأسد، وبدا أن هناك مرحلة جديدة وسيناريوهات متوقعة لمرحلة ما بعد سقوط حكم الرئيس بشار. وتشير جميع التوقعات إلى أن هناك اتفاقًا دوليًا وإقليميًا على عدم الاعتراض على شخص أو محمد الجولانى المعروف بانتماءاته المتطرفة، فهو كان ضمن تنظيم أبو مصعب الزرقاوى فى العراق، ثم انضم إلى تنظيم داعش بقيادة أبو بكر البغدادي، ثم أعلن انفصاله عنه وأسس إمارة لتنظيم القاعدة فى الرقة فى سوريا، وأعلن مبايعته لأيمن الظواهري، وأسس تنظيم «النصرة» الإرهابى الذى ارتكب جرائم قتل وإرهاب فى حق الآمنين فى سوريا..
وكانت واشنطن قد غضت النظر عن اتهام الجولانى بالإرهاب وتحديد جائزة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تساعد الأجهزة الأمريكية على الوصول إليه، وقد سمحت القوات الأمريكية الموجودة فى العراق لشبكة تليفزيون (C.N.N) بإجراء حوار تليفزيونى معه فى مكانه المعروف فى إدلب.
وهكذا أصبحت سوريا الآن أمام سيناريوهات متعددة قد تفضى إلى أزمات ومشكلات تقود إلى الفوضى والانتقام والحروب الأهلية والانقسام.
أولًا- يحتمل الإعلان عن خارطة طريق تتضمن فترة انتقالية ترسخ فيها التنظيمات الإرهابية قواعدها، وتستمر فيها العمليات الانتقامية ومحاكمة رموز النظام السابق محاكمات صورية.
ثانيًا- استمرار حالة الفوضى واقتحام المقار الأمنية والسياسية والحكومية، مع انتشار عمليات السرقة والنهب كما حدث بالأمس فى القصر الجمهورى وإدارة الجمارك والسفارة الإيرانية وغيرها.
ثالثًا- دمج العناصر الإرهابية فى إطار الجيش العربى السوري، مع تولى أمور القيادة، وصولًا إلى تغيير عقيدة هذا الجيش.
رابعًا- تزايد حدة الخلافات بين المعارضة السياسية والعناصر الإرهابية التى ستصر على احتكار المناصب الرئيسية للدولة.
خامسًا- المشاركة فى حصار حزب الله وقطع طريق طهران - لبنان استجابة لمطالب إسرائيل.
سادسًا- فتح المعسكرات لتدريب الإرهابيين الذين ينتمون إلى عدد من الدول العربية وإيوائهم وتحديدًا الدول المجاورة.
سابعًا- إشعال الفتن المذهبية والطائفية مما يهدد بنشوب حروب أهلية قد تؤدى إلى تقسيم البلاد.
التطورات خطيرة، والأحداث متلاحقة، والزمن سيكشف الكثير من الحقائق الصادمة.. سوريا لن تكون الأخيرة، بل سيمتد الأمر إلى بلدان أخرى.. من هنا كان حرص الرئيس السيسى مبكرًا على بناء جيش قوي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، واستخدام الحكمة فى إدارة الأمور، واستخلاص العظات والعبر، ورفض التصالح مع الجماعات الإرهابية التى تحاول بكل السبل نشر الشائعات والأكاذيب والتآمر ضد الوطن ومصالحه، من هنا كان بيان وزارة الخارجية مؤكدا على ذات ثوابت الدولة المصرية عندما أكدت وقوفها إلى جانب الدولة والشعب السورى حيث طالبت بضرورة إنهاء معاناة الشعب السورى والتوصل للاستقرار وبدأ عملية سياسية شاملة ومتكاملة وتؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلى واستعادة وضع سوريا الإقليمى والدولى.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: سوريا مصطفى بكري تركيا أردوغان ايران بشار الاسد سقوط سوريا هیئة تحریر الشام رئیس الوزراء الرئیس بشار تنظیم داعش بشار الأسد فى البلاد فى سوریا أن هناک
إقرأ أيضاً:
على الغرب أن يرفع عقوبات سوريا الآن
ترجمة: أحمد شافعي -
لم تحظ خطط البنتاجون غير المعلنة مسبقا بسحب القوات الأمريكية البالغ عددها ألفي فردا من شرقي سوريا إلا باهتمام ضئيل الأسبوع الماضي، بعد أن طغى عليها عرض البانتومايم السريالي الذي قام به دونالد ترامب بشأن غزة. ومن المعروف أن هذه القوات الأمريكية تساعد القوات الكردية السورية في احتواء بقايا الخطر الذي يمثله الجهاديون التابعون للدولة الإسلامية المعتقل منهم تسعة آلاف فرد في معسكرات اعتقال. والخوف في حالة رحيل الولايات المتحدة يتمثل في أن يحدث هروب جماعي يؤدي بمرور الوقت إلى تجدد خطر الدولة الإسلامية الإرهابي على أوروبا وبريطانيا والغرب.
يمثل الانسحاب الأمريكي المقترح قطعة واحدة من قطع أحجية الصورة السورية المعقدة التي تتحدى الأصدقاء والخصوم على السواء في أعقاب ما جرى في ديسمبر من إطاحة بدكتاتورية بشار الأسد. خلافا لترامب، تريد تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ـ المتنافسة جميعا على النفوذ ـ زيادة انخراطها في سوريا وليس تقليله. وتريد أوروبا دولة ديمقراطية مستقرة يمكن أن يرجع إليها اللاجئون آمنين. ولا ترى إسرائيل ـ التي تعاني من جنون عظمة عدواني ـ إلا أخطارا محتملة، في حين تسعى روسيا وإيران المهزومتان إلى استعادة موطئ قدم.
ووسط كل ذلك ثمة أحمد الشرع، مقاتل القاعدة السابق وزعيم هيئة تحرير الشام الإسلامية التي أطاحت بالأسد، والمعين حديثا رئيسا مؤقتا لسوريا. ويتوقف عليه ـ بدرجة غير مريحة ـ مستقبل هذا البلد المقسم الخرب. ومن حوله تعاد صياغة جغرافيا الشرق الأوسط السياسية وتوازن القوى على نحو جذري.
وثمة سؤال واحد يهيمن الآن. لقد كان سقوط الأسد خبرا سعيدا في منطقة يعز فيها الأمل. فهل الفرصة التي تسنح بسبب هذه الثورة الشعبية معرضة الآن لخطر الزوال؟
في لقاءين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوجان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قال الشرع إن أولوياته هي حماية سلامة الأراضي السورية، وتوحيد الفصائل المتنافسة في جيش وطني، وتكوين إدارة شاملة منتخبة، وإعادة البناء بعد ثلاثة عشر عاما من الحرب الأهلية. وهذه مهمة هائلة الضخامة، والشرع يفتقر إلى الخبرة. ويتشكك البعض في تخليه عن جذوره. غير أن مساعدته ـ في ظل غياب أي بدائل جيدة ـ مقامرة يجب أن يقبلها قادة المنطقة.
وإردوجان ـ الذي ساعد هيئة تحرير الشام في قاعدة إدلب ـ له أولوياته الأنانية. فهو يرجو أن يفرض نفوذا بعيد الأمد على ممتلكاته العثمانية السابقة. ويريد للملايين الثلاثة من النازحين السوريين إلى تركيا أن يرجعوا إلى وطنهم، فضلا عن عقود إعادة الإعمار المربحة. وفوق ذلك كله يريد إنهاء ما يراه خطرا إرهابيا كرديا.
ويأتي اقتراح الشرع بدمج المقاتلين الأكراد السوريين ـ المجتمعين في (القوات الديمقراطية السورية) المدعومة أمريكيا ـ في جيشه الوطني الجيد ملائما لتركيا. ولا يميز إردوجان بين (القوات الديمقراطية السورية) وحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا في جنوب شرق تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتحتل قوات تركية مناطق من شمالي سوريا. وترعى أنقرة الجيش الوطني السوري ـ وهو عبارة عن ميلشيات عربية متفرقة تتصادم بين الحين والآخر مع (القوات الديمقراطية السورية).
تزعم تركيا أنها قادرة على قيادة القتال ضد الدولة الإسلامية، ولذلك فلا حاجة لمواصلة قوات أمريكية التعاون مع أكراد سوريا، وذلك طرح مشكوك فيه. ولكن هذا الغرور [التركي] يروق لترامب الذي سعى ولم ينجح في سحب القوات الأمريكية خلال ولايته الأولى. ويقول ترامب الآن ـ بقصر نظر ـ إن سوريا "ليست معركتنا". وصحيح أن قرار الولايات المتحدة بالتخلي عن حلفائها الأكراد يزيل مصدر إزعاج رئيسيا في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.
ولكن هناك عقبة ــ بل عدة عقبات في واقع الأمر. فأكراد سوريا يفضلون ـ على نحو مفهوم ـ الاحتفاظ بالحكم الذاتي الذي اكتسبوه بشق الأنفس في روج آفا. ولا يريدون استيعابهم في جيش تديره ميليشيات الشرع، التي كان بينهم وبينها قتال ذات يوم. وليست لهم أي مصلحة في مساعدة تركيا على سحق الحلم البعيد العزيز القديم بتقرير المصير الوطني في المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا والعراق وإيران وتركياـ حتى لو كان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان مستعدا للاستسلام كما تردد.
مرة أخرى، تواجه القضية الكردية نقطة تحول ــ وتخاطر بتصادم مع دمشق وأنقرة في آن واحد.
وقد يسعد لاعبون إقليميون آخرون برؤية الشرع فاشلا. فقد استغلت إسرائيل الفوضى المحيطة بسقوط الأسد في تدمير القوات المسلحة السورية. كما رسخت احتلالها لمرتفعات الجولان. وبرغم دعوات الشرع إلى التعايش السلمي، تظل إسرائيل مستريبة فيه بشدة وحليفه أردوجان الداعم لحماس الذي يعد خصما محتملا في المستقبل. والواقع أن سوريا، الضعيفة، وإن لم تكن فوضوية، تناسب أغراض إسرائيل.
ولا تزال روسيا وإيران، داعمتا الأسد السابقتان، كامنتين تتربصان. فبعد انسحابها في ديسمبر، تتحدث طهران عن إعادة بناء النفوذ عبر الباب الخلفي، باستخدام "خلايا المقاومة" والشبكات السرية. وفي الوقت نفسه، تتفاوض روسيا بلا خجل من أجل الاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين. وفي محادثات جرت الشهر الماضي مع الشرع، الذي أمضى فلاديمير بوتن عقدا من الزمان وهو يحاول قتله، قيل للدبلوماسيين الروس إن موسكو "يجب أن تعالج أخطاء الماضي". وطالب الشرع أيضا بإعادة الأسد من موسكو لمواجهة العدالة. لكنه كان حريصا على ألا يحرق جسوره مع روسيا. والواقع أن القوى الغربية تنبهت لذلك.
يواجه الشرع مشاكل أخرى لا حصر لها، منها كيفية المضي قدما في "الحوار الوطني" والتحرك نحو الانتخابات الموعودة، وضمان حماية حقوق الأقليات ضمانا فعليا، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية في أرض ممزقة لا يسيطر على معظمها سيطرة ملموسة. وذلك بحق أمر شاق. ومهما يكن سجل الشرع السابق، فإنه والشعب السوري بحاجة إلى المساعدة في الوقت الحاضر، لأن تكلفة الفشل، إذا ما قيست بتجدد الفوضى وسوء التحالفات، قد تكون باهظة.
ولهذا السبب فإن مشكلة رئيسية أخرى ـ هي التأخر غير المبرر في رفع العقوبات الغربية المفروضة في عهد الأسد ـ تعد ضارة للغاية ومدمرة للذات. فعلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بل وأميركا في عهد ترامب، أن تتوقف عن المراوغة، وعن حساب المزايا، وأن تفتح بالكامل منافذ المساعدات المالية والتجارية والأمنية وإعادة الإعمار، بالتعاون مع الشركاء المحليين والدول العربية. فالفرصة نادرة لتحويل الأخبار الجيدة إلى قصة نجاح دائمة وخدمة للمصالح الغربية من خلال بناء سوريا صديقة ومزدهرة ومتسامحة وديمقراطية.
هي فرصة لا تتكرر إلا مرة في كل جيل. ولن تسنح مرة أخرى. ويمكن بسهولة أن تضيع.
• سيمون تيسدال معلق في الشؤون الخارجية بصحيفة أوبزرفر.
** عن ذي جارديان البريطانية