سقوط نظام بشار الأسد.. تجسيد للعدالة الإلهية ودور الإيمان في نصرة الشعوب
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
في ظل الأحداث التي شهدتها سوريا مؤخرًا، والتي انتهت بسقوط نظام بشار الأسد، تُعلق الشعوب العربية على الحادث ليس فقط من حيث كونه انتصارًا سياسيًا أو عسكريًا، ولكن من خلال منظورهم الإيماني والتاريخي المرتبط بالعدالة الإلهية، ودور الإيمان في التحولات الكبرى التي تشهدها الشعوب.
النصر والعدالة الإلهية: تجسيد للحق ضد الباطل
في الإسلام، يُعد النصر على الظلم من أسمى القيم التي يتم التشديد عليها، تقول الآية الكريمة: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" (الإسراء: 81)، وتُعتبر هذه الآية مصدرًا للإيمان بأن الحق سيظل قائمًا مهما طال الزمان، المسلمون الذين عايشوا معاناة الشعب السوري خلال سنوات من القمع والظلم تحت حكم بشار الأسد، يرون في سقوط النظام هزيمة للبَاطِل وانتصارًا للعدالة الإلهية، تلك العدالة التي تكفل للمظلومين في النهاية حقهم في الحياة الكريمة.
النظام السوري كان يُعتبر تجسيدًا للظلم الذي استمر لفترات طويلة، وتذكّرنا السورة الكريمة: "وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" (الأنعام: 131)، وهو تأكيد على أن الله لن يغفل عن ظلم الناس، وأنه سينصف المظلومين في النهاية، وكثيرون من السوريين في الداخل والخارج يرون أن هذا السقوط هو نتيجة حتمية للظلم الذي مارسه النظام على شعبه، وأنه جاء في الوقت الذي أذن الله فيه بالتحول، فكان بمثابة انتقام إلهي للمظلومين الذين كانوا يتعرضون للقتل والتعذيب دون رحمة.
الشكر لله: التواضع وامتثال المؤمن للهأما بالنسبة للمسلمين الذين شهدوا هذه اللحظة، فإن الاحتفال بالنصر لا يجب أن يقتصر على الفرح فقط، بل يجب أن يترافق مع الشكر لله على هذه النعمة.
في الحديث النبوي الشريف: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" (رواه الترمذي)، وهو تذكير بأن الفضل لله أولًا وآخرًا، وأن النصر لا يأتي من العوامل السياسية أو العسكرية فقط، بل هو جزء من تدبير الله الذي لا يُردّ. لذلك، يولي المسلمون أهمية كبرى في أن يتوجهوا بالدعاء والشكر لله على كل تحول إيجابي في حياتهم، مع الاعتراف بالمساعدات التي تلقوها من الآخرين.
التسامح والإصلاح: الدعوة للمصالحة بعد النصر
وفي مرحلة ما بعد النزاع، يدعو الإسلام إلى التسامح والإصلاح، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: "فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" (الشورى: 40).
في الوقت الذي يعيش فيه السوريون فرحة النصر، يوجه علماء الدين المسلمون الدعوة إلى التصالح والعفو، وعدم الاستمرار في إشعال نار الانتقام، فعلى الرغم من عمق الجراح التي مر بها الشعب السوري، فإن المرحلة المقبلة تقتضي أن يكون التركيز على إعادة بناء البلاد بروح من التسامح، بهدف المضي قدمًا نحو مجتمع متماسك.
العودة إلى الوطن: لحظة تكامل الروح والجسدالعودة إلى الوطن بعد سنوات من المعاناة قد تكون لحظة مليئة بالمشاعر المتضاربة، لكن من الناحية الدينية، يُعتبر العودة إلى الوطن بداية جديدة تُحتسب عند الله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتلى الله عبده بالبلاء ثم صبر عليه، كان له أجر عظيم" (رواه البخاري).
لذلك، يجب أن تكون هذه العودة مترافقة مع العمل على بناء الوطن وإصلاحه، مع الحرص على أن تكون أفعالهم بعد العودة انعكاسًا لإيمانهم العميق بأن هذه الفرصة هي بداية مرحلة جديدة من النماء الشخصي والاجتماعي.
إن سقوط النظام السوري لم يكن مجرد حدث سياسي، بل كان تحولًا روحيًا ووجوديًا بالنسبة للعديد من السوريين الذين عاشوا سنوات من الظلم والدمار، ومن خلال منظور ديني، يظهر أن هذه اللحظة تمثل تجسيدًا للعدالة الإلهية والتأكيد على أن الحق لا يضيع مهما طال الزمن. وفي نفس الوقت، تظل الدعوة الدينية موجهة نحو البناء والتسامح، حيث أن النصر ليس سوى بداية جديدة تتطلب توجيه الشكر لله، والعمل على إصلاح النفس والمجتمع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سقوط النظام السوري سقوط النظام السوري سوريا بشار الأسد نظام بشار الأسد
إقرأ أيضاً:
السوريون والبحث عن تعايش سلمي متكافئ
يحتكم الوضع السوري الراهن منذ سقوط نظام بشار الأسد، لثنائية متناقضة بين الحرية والاستبداد، وهذه الثنائية تتسم بالتناقض البنيوي الذي ينسحب على كل المستويات والأشكال؛ في نمط الحكم الجديد، وشكل الممارسة السياسية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية، بمعنى أن كلا طرفي هذه الثنائية يشكل نقيضا للآخر في بلدٍ خرج للتو من عملية طحن تاريخي لكل ما يشير للسياسة والأمن والاقتصاد، ثم التفسخ الاجتماعي والطائفي الذي حاول نظام الأسد أن يبني أبده المديد في عقود حكم الأب والابن. ومع انهيار هذا الأبد أصبح الصراع الراهن فيما شهدته البلاد من تطورات مؤسفة خلال الأيام الماضية في مدن الساحل السوري، وقبلها في ضواحي العاصمة دمشق، يمثل نوعا معينا من الصراع تنفخ في ناره ورماده فلول النظام البائد، وبعض أيتامه من قوى وحركات ومليشيات، هُزمت مشاريعها مع سقوط الأسد، لتقدم بروفة حزينة "للثورة المضادة" لإسقاط منجز السوريين في الحرية والتحرر من الاستبداد.
اشتداد الصراع في أشكاله الطائفية، والانتقامية، يؤدي إلى معطى جديد وهو استخدام السلاح، واللجوء إلى عمليات الإعدام الميداني للمدنيين ولقوات الأمن للحكومة السورية الجديدة، في محاولة لتثبيت قاعدة الرعب المتوازن بين السلطة الجديدة وفلول النظام من جهة، وبين الشارع السوري من جهة ثانية في مكونه الطائفي، المنكشف في أحداث الساحل السوري قبل أيام، من يفهم هذه المعادلة هم من خبروا ألاعيب نظام الاستبداد السوري، والشعب السوري لطالما اشتكى ونبه وحذر من الوقوع في هذا الفخ المنصوب لهم منذ الأيام الأولى لثورتهم قبل 14 عام، والتي حاول نظام بشار الأسد الهارب التجييش لها دوما باسم الطائفية واستجلب لأجلها مليشيا عابرة للحدود والجغرافيا لتثبيت هذه المعادلةفي حين يقول واقع السوريين وخطاب السلطة وبياناتها الى خطاب ومناشدات سورية صرفة: أن دمار الخصم وفناءه يعني دمارا للذات في الوقت نفسه، وهذه سياسة انتهت بنظام الديكتاتور الأسدي للدمار.
من يفهم هذه المعادلة هم من خبروا ألاعيب نظام الاستبداد السوري، والشعب السوري لطالما اشتكى ونبه وحذر من الوقوع في هذا الفخ المنصوب لهم منذ الأيام الأولى لثورتهم قبل 14 عام، والذي حاول نظام بشار الأسد الهارب التجييش له دوما باسم الطائفية واستجلب لأجلها مليشيا عابرة للحدود والجغرافيا لتثبيت هذه المعادلة، ومع ذلك يجب أن نشير الى أمر مهم يتعلق بشكل التعايش الذي روج له النظام البائد عن "سوريا الأنحف والأنظف"، وما تبعها من تدمير وتطهير عرقي طال معظم مكونات المجتمع المدني السوري.
لا ينكر أحد حجم الإخفاقات التي ترافق انتصار السوريين على طاغيتهم، ولا يجب التنكر للأخطاء القاتلة التي تقع فيها السلطة الجديدة للقبول بفكرة التعايش، وهو خطأ يقتسمه معها من قبل الوضع الجديد مكرها، لا معترفا بواقع نهاية نظام الاستبداد وأنه على جهوزية تامة من القوة والليونة للتعامل مع السلطة الناشئة التي تفتقر أيضا لمنهجية واضحة في رسم خارطة اطمئنان شاملة للسوريين. فكل الخطاب والسياسة والبرامج المعدة منذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وقت فرار الأسد، محاطة بضبابية كثيفة وبأن هناك فهما واستعمالا لا متكافئا لمفهوم دولة المواطنة والدستور والقانون التي يتطلع اليها السوريين على مختلف مشاربهم، غير أن عدم إنكار حجم التركة الثقيلة لنظام الاستبداد لا تعني مطلقا النظر لبعض المفاهيم الأساسية من منظور زئبقي وصعب التحديد في مسائل جوهرية تشير لشكل ومستقبل سوريا على أسس الدستور والمواطنة والحقوق وغيرها.
طبيعة المرحلة السورية الجديدة، بمركباتها المختلفة تتطلب تعايشا لا ينظر إليه من نظارات إنسانية محضة فقط، بل من شعار نضالي دفع ثمنه السوريون غاليا موالين ومعارضين، وما ينبغي تطبيقه بشكل متكافئ على جهتي المنتصرين للثورة وللحاضنة السورية الكبيرة، أنه لا مفر من التعايش المشترك للجميع كمواطنين تحت سقف الدستور والقانون والمحاسبة والمواطنة المعززة بالحرية
لذلك مما ريب فيه، أن طبيعة المرحلة السورية الجديدة، بمركباتها المختلفة تتطلب تعايشا لا ينظر إليه من نظارات إنسانية محضة فقط، بل من شعار نضالي دفع ثمنه السوريون غاليا موالين ومعارضين، وما ينبغي تطبيقه بشكل متكافئ على جهتي المنتصرين للثورة وللحاضنة السورية الكبيرة، أنه لا مفر من التعايش المشترك للجميع كمواطنين تحت سقف الدستور والقانون والمحاسبة والمواطنة المعززة بالحرية.
الاعتراف بأنك تعيش مواطنا في بلدك، في كنف دولة تخضع للشروط والقوانين التي تضعها لك، هو أمر حاسم لبناء وتوثيق العقد الاجتماعي في سوريا الجديدة، والتزام الدولة بنفس واجبات حماية مواطنيها الذين من الواجب تمتعهم بالمساواة والعدل، كمشترك عام لكل السوريين للتمتع بنعمة السلام والطمأنينة، ومن السخف القول من جديد عن دونية السوريين في معرفة حكم أنفسهم، وفي بناء دولتهم من دون طاغية وسفاح، والنفخ في متاريس طائفية استعمارية لحماية الذات.
فالهدف الأكبر بلغه الشعب السوري بالخلاص من الطاغية، ودخولهم لمجتمعهم الجديد يبدأ بخصامهم السليم والآمن لبنائه، والمحافظة عليه وعلى كل فرد فيه. وهو هدف ممكن أيضا، وإن أقدس الروابط لا تعفي مسؤولية الدولة عن هذه المهام، ولا تعفي أي فرد من أفراد المجتمع من تقييم أداء السلطة ونقدها وتصويبها، والتعايش السوري السلمي هو أقصر الطرق لبناء المواطنة والعدالة بسمات إنسانية وأخلاقية، بمقدورها حصار كل ثغرات الغدر بمنجزات السوريين وردمها، وتشكل حائط صد لكل جبهات الاستبداد والاحتلال التي تحاول العثور على منفذ منها لإعادة بسط القهر والذل.
x.com/nizar_sahli