إسقاط حكم الأسد.. عودة الروح للربيع العربي
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
لم يكن أحد يحلم أن تنتصر السورة السورية بهذه الطريقة المفاجئة والدراماتيكية، 14 عاما من القتل والتدمير والبراميل المتفجرة، وقوات ومليشيات دولية من كل حدب وصوب تقاتل الشعب السوري، لكنه لم يفقد الأمل، وظل متمسكا بالحلم، إذ لم يكن مقبولا أن تذهب دماء مئات آلاف الشهداء هباء.
أخيرا فعلها السوريون، وأطاحوا بحكم عائلة الأسد التي حكمت سوريا نصف قرن، ولم تكن تتصور أن أحدا غيرها يمكن أن يحكم الشام، ورغم أن سوريا دولة جمهورية بالأساس إلا أنها تحولت إلى دولة "جملوكية"، أي جمهورية ملكية (والتعبير لأستاذ علم الاجتماع المصري الراحل سعد الدين إبراهيم).
عجيبة هي الثورة السورية، بدأت سلمية مثل غيرها في موجة الربيع العربي الأولى، ثم دفعها النظام دفعا للتسلح لمواجهة القتل والتدمير والبراميل المتفجرة، والجيوش الأجنبية التي استعان بها، ثم كان مشهد النهاية غير دموي إلى حد كبير رغم أنه اعتمد على الحسم العسكري، فلم تحدث اشتباكات ذات بال، ولا سقطت دماء كتلك التي كانت تسقط في يوم واحد في أيام المواجهة مع النظام
عجيبة هي الثورة السورية، بدأت سلمية مثل غيرها في موجة الربيع العربي الأولى، ثم دفعها النظام دفعا للتسلح لمواجهة القتل والتدمير والبراميل المتفجرة، والجيوش الأجنبية التي استعان بها، ثم كان مشهد النهاية غير دموي إلى حد كبير رغم أنه اعتمد على الحسم العسكري، فلم تحدث اشتباكات ذات بال، ولا سقطت دماء كتلك التي كانت تسقط في يوم واحد في أيام المواجهة مع النظام، بل استسلمت قوات النظام تباعا، ويمكننا أن نقول إن الثورة نصرت بالرعب.
يظل درس الوحدة من الدروس المهمة، ففي الثورة السورية ظلت المعارضة المسلحة منقسمة، لكل منها أمير ومليشيا، وهو ما سمح لبعض القوى الأجنبية بتحريك بعضها، ولكن ضمن الاستعدادات لساعة الحسم تحركت تلك المعارضة نحو الوحدة، فانضوى الكثير من الفصائل تحت لواء هيئة العمليات العسكرية الموحد، التي قادتها هيئة تحرير الشام التي طورت كثيرا فكرها وممارساتها، وذلك إلى جانب الجيش الوطني السوري الحر، وتناسقت جهود كل الفصائل في عملية التحرير الأخيرة بين الشمال والجنوب، فكان النصر حليفهم.
هذا النصر هو انتصار لأطول وأصعب ثورة عربية، وهو فاتحة خير لباقي الثورات المغدورة، وإيذان بعودة الروح للربيع العربي الذي تعرض لضربات كبرى من الثورات المضادة التي قادتها حكومات وأجهزة مخابرات عربية وإسرائيلية وعالمية، لكنه لم يرفع الراية البيضاء في أي مكان، رغم جراحه، ورغم التنكيل الذي تعرض، ولا يزال يتعرض له منتسبوه، في مصر وليبيا واليمن وتونس.. إلخ، والعيون الآن على المحطة التالية لهذا الربيع ومن تكون؟
ينتقل الآن الثوار السوريون من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، المقصد هو إدارة الدولة سواء في المرحلة الانتقالية أو المرحلة الدائمة، ومن المفترض أن قادة الثورة أصبح لديهم الخبرة الكافية، وأمامهم التجارب المختلفة التي تفيدهم في إدارة مرحلة انتقالية ناجحة تقطع الطريق على الثورة المضادة التي لن تقف مكتوفة الأيدي نحوهم، خاصة العدو الملاصق وهو الكيان الصهيوني، كان خطاب أحمد الشرع (الجولاني) قائد هيئة تحرير الشام؛ صاحبة الدور الأكبر في الانتصارات الأخيرة، خطابا عاقلا، فاجأ أقرب الناس، وقد شرح الرجل سر هذا التطور بأنه خبرات الحياة، والمراحل العمرية من مرحلة المراهقة إلى مرحلة النضج.
سوريا دولة مركزية في الوطن العربي، وستكون سوريا الحرة أكثر فائدة وفعالية لأمتها، بعد أن ظلت سياساتها منصبة على حماية حكم أسرة الأسد، ورهن إرادة سوريا لقوى إقليمية وفرت الحماية لهذا الحكم الطائفي، على حساب حرية الشعب وكرامته
ورغم أن الجولاني لا يزال مصنفا إرهابيا هو وجماعته، وقد رصدت واشنطن الملايين لمن يدلي بمعلومات تسهم في اعتقاله، إلا أن واشنطن الآن في موقف صعب، وعلى الأرجح ستراجع موقفها وقرارها، وكان التمهيد لذلك بظهوره على شاشة أكبر قناة أمريكية (cnn) ثم صحيفة نيويورك تايمز، وهو ما أسهم في تعديل الصورة لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي عنه.
ليس صحيحا أن انتصار الثورة السورية هو خصم من الثورة الفلسطينية، وخصم من حالة المقاومة الفلسطينية، كما يدعي الذين فقدوا نفوذهم في سوريا، بل الصحيح أن تحرر إرادة أي شعب عربي هو إضافة حقيقية للقضية الفلسطينية التي حرمت من دعم الشعوب العربية خلال طوفان الأقصى، بسبب قمع الحكام لهذه الشعوب، ولم تكن القضية الفلسطينية بعيدة عن وعي ثوار سوريا الذين رفعوا علم فلسطين فوق قلعة حلب كرسالة رمزية؛ تبعتها رسائل أخرى من قلب الميادين على لسان سوريين دعما للمقاومة الفلسطينية ودعما لغزة، بل حاول بعض الثوار التحرش مبكرا بالعدو الصهيوني عقب تحرير القنيطرة مباشرة وهو ما أعلنه الكيان الصهيوني نفسه.
سوريا دولة مركزية في الوطن العربي، وستكون سوريا الحرة أكثر فائدة وفعالية لأمتها، بعد أن ظلت سياساتها منصبة على حماية حكم أسرة الأسد، ورهن إرادة سوريا لقوى إقليمية وفرت الحماية لهذا الحكم الطائفي، على حساب حرية الشعب وكرامته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد سوريا الثورة حرية سوريا الأسد حرية الثورة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورة السوریة
إقرأ أيضاً:
منتدى الأمن العالمي بالدوحة يبحث مستقبل سوريا والعدالة الانتقالية
الدوحة- أكد عدد من الخبراء والنشطاء الدوليين أنه مع اشتداد الجدل حول مستقبل سوريا بعد سنوات من الصراع، تبرز قضية العدالة الانتقالية كأحد المفاتيح الحاسمة في مسار إعادة بناء الدولة، إلى جانب تساؤلات متنامية حول شكل الحياة السياسية المقبلة، مؤكدين أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي لمساعدة سوريا لأنها لن تستطيع الخروج من الوضع الحالي دون عون وسند.
وِشددوا، خلال جلسة بعنوان "مستقبل سوريا بعد سنوات من الصراع" بمنتدى الأمن العالمي الذي اختتم أعماله اليوم الأربعاء في الدوحة، على أنه مع التغيرات السياسية في سوريا، يبقى التحدي الأكبر هو إعادة بناء الثقة، وتحقيق عدالة حقيقية للضحايا، وتمهيد الطريق لحياة سياسية جديدة.
وضمت الجلسة عددا من الخبراء في الشأن السوري، من ضمنهم الصحفي والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسيم ناصر، والباحثة السورية سيلين قاسم، والدبلوماسية الأممية جينيفر فون، وأكاديميون بارزون، أكدوا أن العدالة الانتقالية ليست فقط محاسبة، بل أيضا مصالحة واعتراف وضمانات بعدم تكرار الانتهاكات والجرائم، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون توافق وطني وإرادة دولية جادة.
وأكدت الناشطة سيلين قاسم أن العدالة الانتقالية في الحالة السورية لا يمكن أن تُدار كما في حالات أخرى نظرا لتفرّد الوضع السوري وتعقيداته، مشيرة إلى أنه لا يمكن محاكمة الجميع، وأن الحل يكمن في إنشاء آلية مستقلة تُمنح صلاحيات حقيقية بإشراف خبراء محليين ودوليين لتحديد ما يُعد عدالة حقيقية لضحايا الانتهاكات.
وأضافت أن هذه الآلية يجب أن تراعي تطلعات المجتمعات المحلية، خصوصا فئات النازحين والمعتقلين وذوي المختفين قسرا، لافتة إلى أن هذا الملف يجب أن يكون له التركيز الأكبر خلال الفترة المقبلة وتوقعت أن يستغرق حله وقتا طويلا.
ورغم إقرار الحكومة السورية الجديدة بوجود جهود نحو هذا الاتجاه، فإن العديد من النشطاء يعتبرون أن العدالة لم تأخذ موقعها الحقيقي بعدُ ضمن أولويات إعادة الإعمار، وفق قاسم.
إعلانمن جهته، أشار الصحفي وسيم ناصر إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع يقدم مقاربة غير تقليدية يمكن وصفها بـالطريق الثالث، تتجاوز ثنائية النظام والجماعات الجهادية.
وقال إن الشرع لم يغيّر خطابه ولا إستراتيجيته منذ لقائه الأول به في 2023 وحتى بعد توليه السلطة في 2024، مما يعكس التزاما بخطة سياسية طويلة الأمد، تقوم على دمج الخصوم السابقين، وحتى عناصر من النظام السابق، ضمن رؤية وطنية شاملة.
بنية تشاركيةأما أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، بن كونابل، فشدد على أن استقرار سوريا لا يمكن أن يتم دون بنية سياسية جديدة تشاركية وشفافة، ودعا إلى إنشاء "هيئة دولية وسيطة" تجمع بين الحكومة السورية والدول المانحة لتكون آلية بناءِ ثقة تُعزز من فرص الاستقرار، وتدير القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية بشكل منسق، موضحا أن دمشق في حاجة إلى عون وسند دوليين للخروج من وضعها الحالي.
ووفقا له، لا تزال التهديدات الأمنية قائمة خاصة من تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأجانب المنتشرين في الشمال والشرق السوريين، محذرا من أن عدم وجود آلية فعالة للتعامل مع هذه الجماعات، ولا سيما في ظل العقوبات الدولية، قد يعيد المنطقة إلى دوامة العنف.
من ناحيتها، تطرقت كارولين روز، مديرة العلاقة بين الجريمة والصراع والانسحابات العسكرية في معهد نيولاينز، إلى صعوبة إزالة بعض الجماعات من قوائم الإرهاب، حتى بعد تغير سلوكها أو تحوّلها، وأن العقوبات تبقى أداة سياسية شائكة ما لم يتم التفكير في سبل قانونية مرنة ومبنية على وقائع جديدة.
كما أشارت إلى بعض الممارسات الاقتصادية غير الشرعية التي كانت تتم خلال حكم النظام السوري السابق ومنها إنتاج وتهريب مخدر الكبتاغون، موضحة أنه بعد سقوط النظام هناك مؤشر إيجابي على انخفاض إنتاج وتهريب هذا المخدر إلى الدول المجاورة.
إعلانوقالت روز "كان النظام السابق وأجهزته الأمنية وأعوانه وأقارب الرئيس المخلوع بشار الأسد متورطين بشكل كبير في رعاية الإنتاج الصناعي للكبتاغون، بالإضافة إلى أنشطة اقتصادية غير مشروعة أخرى كالأسلحة الصغيرة والتبغ والسجائر والعملات المزيفة".
ووفقا لها، اختفى العديد من المسؤولين عن هذه التجارة وغادروا إلى العراق، وتوجه بعضهم إلى لبنان والبعض الآخر إلى تركيا وأوروبا.
احتياجات كثيرةوحول دور الأمم المتحدة والتزاماتها السياسية تجاه دمشق، قالت جينيفر فون، المستشارة الإعلامية والمتحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا "مرت بضعة أشهر قليلة على سقوط النظام في سوريا وهناك إرث واضح لسوء الحكم والانتهاكات والفقر الذي تحاول دمشق الخروج منه في الوقت الحالي وهو الأصعب في التاريخ الحديث".
وفسرت ذلك بأن هناك احتياجات كثيرة للشعب السوري، حيث يوجد 16 مليونا، أي نحو 3 أرباع إجمالي السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فضلا عن النازحين والمختفين قسرا وغيرها من القضايا المعقدة. موضحة أن الأمم المتحدة تأثرت ببعض مشاكل التمويل؛ ففي عام 2024، تم توفير 35% فقط من 4 مليارات دولار مطلوبة لتنفيذ خطة إغاثية عاجلة.
وتابعت فون أن هناك مخاوف متعلقة بحماية العائدين والنازحين السابقين الذين يحاولون الرجوع إلى ديارهم، و"هم من الواضح مجموعات ضعيفة، بالإضافة إلى خطر الإقصاء والاحتجاز والأشخاص المفقودين، كلها قضايا لا تزال تحتاج للعمل ووضع الحلول الناجعة لها".