بوابة الوفد:
2025-03-15@21:24:41 GMT

استراتيجيات الصمود الاقتصادي

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

مع اقتراب عام 2025، يتصاعد النقاش بين الخبراء وصناع السياسات حول استراتيجيات الصمود الاقتصادي في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد العالمي. فمع نهاية عام 2024، تباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى حوالي 2.4%، وهي أدنى نسبة تُسجل منذ عقود، ويعكس الانكماش الملحوظ في الأنشطة الاقتصادية وزيادة في هشاشة الاقتصاديات الوطنية، خاصة في الدول النامية التي لم تحقق سوى نمو قدره 3.

9%. تضع هذه المؤشرات في مجملها تحديات ضخمة أمام الحكومات للتعامل مع التغيرات المتسارعة.
وتشير التقارير إلى أن الدول ذات الدخل المنخفض كانت الأكثر تأثراً في عام 2024، إذ انخفضت معدلات نموها إلى 5.5%، مقابل توقعات أكثر إيجابية سابقة. ووفقًا للبنك الدولي، تسببت الأزمات المتلاحقة، بدءاً من الجائحة ووصولاً إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية، في تدهور الظروف المعيشية لنحو 70 مليون شخص. هذه التحولات فاقمت من الفجوة والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والفقر والتهميش، ووضع مستقبل العديد من الدول على المحك.
وتواجه الدول النامية صعوبة بالغة في مواجهة الأزمات المالية والاجتماعية المتنامية، على الرغم من تبنيها لسياسات اقتصادية أكثر شموليةً وتوجيهاً نحو تطوير الموارد البشرية والبنية التحتية. ولكن الإشكالية تكمن في النسبة الضئيلة من المخصصات الحكومية لهذه الاستراتيجيات. التقارير الاقتصادية تنوه إلى أن زيادة الإنفاق على القطاعات الأساسية كالتعليم والصحة لا يجب أن يقل عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق انتعاش اقتصادي بإمكانه تحسين مستويات المعيشة وتدعيم قدرة الدول على مقاومة الصدمات الاقتصادية.
وما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية هي الاضطرابات الجيوسياسية، حيث لم تعد الصراعات تقتصر على تعطيل طرق التجارة فقط، بل غدت تمتد لزعزعة استقرار الأسواق ورفع أسعار السلع الأساسية مثل الطاقة والغذاء. ويُقدّر صندوق النقد الدولي أن التوترات الأخيرة تسببت في رفع أسعار السلع الأساسية بنسبة تتراوح بين 15% و25%، وشكل ذلك ضغطاً إضافياً على الدول الهشة اقتصادياً، مع تراجع القدرة الشرائية وتزايد تكاليف المعيشة في الدول النامية ومعاناة الأسر التي تكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية. 
تؤكد هذه المعطيات على ضرورة إيجاد أرضية جديدة للتعاون التجاري والتكامل الاقتصادي بين الدول لتجاوز الأزمات الاقتصادية العالمية. هذه الأرضية يجب أن توفر منحى جديد، كتخفيض الحواجز التجارية وتشجيع الشراكات الاقتصادية لتنفيذ مشاريع مُشتركة وتحقيق منافع متبادلة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. تُشير تقديرات التقارير العالمية إلى أن خفض الرسوم الجمركية بنسبة 10% يمكن أن يدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية بنسبة تصل إلى 1.5%. هذا النوع من الاستراتيجيات قد يكون خطوة مُهمة نحو تدعيم القدرات الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة في الأسواق الوطنية. وفي ذات السياق، لا بد أن تعمل الدول على تأمين وحماية أسواقها المحلية بالتوازي مع تسهيل حركة السلع والخدمات عبر الحدود لتقليل تأثير التوترات العالمية على الاقتصاد المحلي.
ومن المهم أن نعي بأنه لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام دون الاستثمار في الرقمنة وتطوير البنية التحتية التكنولوجية. التحول الرقمي هو ضرورة مُلحّة في مواجهة التغيرات الاقتصادية السريعة. تؤكد الدراسات على أن الدول التي تستثمر في الرقمنة يمكنها تحقيق معدلات نمو تصل إلى 2% أعلى من نظيراتها. هذا الاستثمار ينمي قدرة الاقتصادات الوطنية على الصمود أمام الصدمات ويمنحها ميزة تنافسية على الصعيد العالمي، ويتيح للأفراد والمؤسسات فرصاً جديدة للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية.
في ختام هذا التحليل المُوجز، يتضح أن الاقتصاد العالمي سيستمر في مواجهة تحديات غير مسبوقة، وهو ما يتطلب من صناع القرار تبني استراتيجيات تجمع بين السياسات والتدابير الطارئة والرؤية الاستراتيجية للمبادرات الهيكلية طويلة الأمد. هذه الرؤية يجب أن ترتكز على تحقيق توازن دقيق بين السياسات القصيرة الأجل التي تهدف لتخفيف الأزمات الحالية، وبين المبادرات الهيكلية التي تسعى لتأسيس اقتصاد أكثر استدامة ومرونة. هذا التوازن سيكون حجر الزاوية لبناء مقومات الصمود الاقتصادي، وإرساء قواعد اقتصادية جديدة تعزز من قدرة الدول على مواجهة التحديات العالمية المتسارعة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الدول على

إقرأ أيضاً:

صانع السلام.. كيف أصبحت السعودية وقطر مفتاح حل الأزمات في المنطقة؟

تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة، ومع هذه التحولات برزت السعودية وقطر كفاعلين رئيسيين في جهود الوساطة وإبرام اتفاقيات السلام.

وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تسعى كل من الرياض والدوحة إلى تعزيز نفوذهما الإقليمي والدولي من خلال لعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة، لكن دوافع كل دولة وأسلوبها في الوساطة يختلفان بناءً على عوامل سياسية واقتصادية وتاريخية.

السعودية: من المواجهة إلى الوساطة
تستضيف السعودية لقاء بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا، وهو امتداد لدورها المتنامي كوسيط دولي.

ويتمتع ولي العهد محمد بن سلمان بعلاقات قوية مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإدارة الأمريكية، ما يضع المملكة في موقع مؤهل لقيادة هذه الجهود.


في السنوات الأولي لظهور بن سلمان لم يكن هذا النهج هو السمة الدائمة للدبلوماسية السعودية، إذ أن المملكة اتسمت خلال العقد الماضي بسياسات توصف أحيانًا بالتصادمية.

بداية من انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، التي دخلت خلالها الرياض بشكل مباشر في الحرب اليمنية لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين، ما أدى إلى صراع طويل الأمد ألقى بظلاله على سمعة المملكة الدولية.

وزير الحرس الوطني أثناء زيارته لواء الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول الآلي بعد إنتهاء مشاركتهم في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل.
.#الحرس_الوطني #عاصفة_الحزم
. pic.twitter.com/Apdq7AzG0S — أخبار السعودية (@SaudiNews50) March 27, 2019
كما شهدت السنوات اللاحقة سلسلة من الأحداث التي أثارت انتقادات دولية، مثل أزمة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عام 2017، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

أثرت تلك الوقائع على صورة السعودية، مما دفع القيادة السعودية إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية، والبحث عن دور أكثر دبلوماسية يُبرزها كصانعة سلام بدلاً من طرف في النزاعات.

ومن جانبه قال الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن بول سالم لـ"بي بي سي" إن "الأعوام الأولى من قيادة محمد بن سلمان اتسمت بالتوتر، لكن القيادة السعودية أدركت لاحقًا أن بإمكانها تحقيق مكاسب أكبر عبر لعب دور الوسيط في السلام بدلاً من الانخراط في الصراعات."

قطر: دبلوماسية الوساطة كخيار استراتيجي
وفي الجانب الأخر، لم يكن دور قطر كوسيط للسلام وليد اللحظة، بل هو جزء من سياستها الخارجية منذ أكثر من عقدين، وقد لعبت الدوحة دورًا رئيسيًا في التوسط لاتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في غزة، كما ساهمت في اتفاقات سابقة بين الفصائل الفلسطينية.

التوسط في اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة لم يكن البداية حيث شهد عام 2020، نجاح قطر في التوسط بين حركة طالبان والولايات المتحدة، مما أسهم في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد حرب استمرت نحو 18 عامًا.

بعد 19 عاماً من الحرب الداميه ومقتل عشرات آلاف المدنيين الأفغان وآلاف الجنود الأمريكان.#طالبان وأمريكا يوقعان إتفاقية سلام في #قطر تقضي بإنسحاب القوات الامريكيه من #أفغانستان خلال 14 شهرا.

وسقط الشعار الأمريكي
(لا نفاوض إرهابيين )#Taliban #AfghanPeaceProcess pic.twitter.com/olDvN4nqTm — ضياء بن سعيد | DHIYA (@msafr2002) February 29, 2020
وساعدت في إبرام اتفاقات سلام في إفريقيا، مثل اتفاق وقف إطلاق النار في تشاد عام 2022، واتفاق سلام دارفور عام 2010.

وفقًا للمحلل السياسي إتش أيه هيلير، فإن السبب يعود جزئيًا إلى موقع قطر الجغرافي ومواردها الطبيعية، خصوصًا حقل غاز الشمال المشترك مع إيران.

هذا الحقل العملاق جعل قطر بحاجة إلى استقرار علاقاتها مع جيرانها، بما في ذلك إيران، ما دفعها إلى تبني سياسة خارجية مرنة تعتمد على بناء علاقات مع جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات التي تُعتبر "غير تقليدية" في المشهد السياسي الدولي، مثل طالبان وحماس والإخوان المسلمين.


الاختلاف بين الرياض والدوحة
ورغم أن كلا الدولتين الخليجيتين تسعيان لدور الوسيط، فإن هناك اختلافات جوهرية في أسلوب الوساطة بينهما، حيث تركز السعودية على التعامل مع الحكومات والجهات الرسمية، بينما تبني قطر علاقاتها مع الأطراف غير التقليدية، مثل الجماعات المسلحة أو الحركات الإسلامية.

يقول بول سالم: "السعودية تفضل التعامل مع اللاعبين التقليديين، بينما قطر تتميز بعلاقاتها مع الأطراف غير التقليدية، وهو ما يمنحها قدرة على التفاوض في أزمات معقدة مثل ملف طالبان أو الصراع الفلسطيني."

تسبب هذا الاختلاف في التوتر بين البلدين، خصوصا خلال ما يعرف بـ"أزمة الخليج" عام 2017، حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر متهمة إياها بدعم جماعات متطرفة.

وساطة لتعزيز النفوذ
تبذل كل من السعودية وقطر جهودا كبيرة من خلال تلك الوساطات وذلك لتحقيق طموحاتهما الإقليمية والدولية، حيث تسعى السعودية، إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط من خلال "رؤية 2030"، تدرك أن تحسين صورتها كقوة دبلوماسية فاعلة سيجذب الاستثمارات ويعزز مكانتها العالمية.

من جانيها تسعي قطر، إلى تعزيز أمنها الإقليمي في ظل الجغرافيا السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، فترى في دبلوماسية الوساطة وسيلة لحماية نفسها وضمان استقرارها، إضافة إلى تعزيز نفوذها في الملفات الدولية.

مقالات مشابهة

  • بينها اليمن.. قائمة الجنسيات التي ستفرض عليها إدارة ترامب حظر سفر
  • مختصون لـ"الرؤية": تحسين مستوى التحصيل الدراسي للطلبة يتطلب تطبيق استراتيجيات تعليمية تفاعلية تجعل التعلّم أكثر متعة
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • شاهد بالصور.. الإفطار الرمضاني لقيادة حركة العدل والمساواة السودانية بالفاشر الصمود
  • أمسيات رمضانية في حجة لتعزيز الصمود والثبات في مواجهة الأعداء
  • لتعويض النقص بـ«جنود الاحتياط».. الجيش الإسرائيلي ينفّذ استراتيجيات «غير مسبوقة»
  • السعودية تتفوّق على مصر وإسرائيل.. الدول التي تمتلك أقوى «مقاتلات عسكرية»!
  • المجهلي يكمل عقد المتأهلين لربع نهائي بطولة الصمود الرمضانية بصنعاء
  • فانوس أبو عبيدة أيقونة الصمود.. مصطفى بكري يعلق على ظهور أبو عبيدة في الشوارع المصرية
  • صانع السلام.. كيف أصبحت السعودية وقطر مفتاح حل الأزمات في المنطقة؟