#وراء_الحدث
د. #هاشم_غرايبه
الحمد لله الذي نصر عباده المظلومين أبناء الشعب السوري، وبأقل الخسائر، فكفى بلادهم الدمار والخراب، فانهزم الظالم سريعا قبل أن يتمكن أعوانه الشبيحة من الانتقام، كونهم كانوا يرفعون شعار: “يبقى الأسد أو ندمر البلد”.
دخول المقاومة دمشق، وإعطاؤها الأمان لمن لا يحمل سلاحا، وإبقاء الإدارة المدنية على رأس عملها حتى لا تتضرر معيشة المواطنين، كل ذلك ذكرنا بفتح مكة، فدخول المسلمين بقعة منتصرين، مختلف كليا عن دخول الغزاة المحتلين، فأولئك هم مغترون بقوتهم فرحون بتحقيق أطماعهم، لا يردعهم عن اتباع شهواتهم رادع، فلا يرقبون في أعدائهم إلاً ولا ذمة.
أما المؤمن فيدخل بعزة نصر الله له، وليس مغترا بقوته ولا جبروته، فهو يخاف الله ويلتزم بشرعه، فلا يؤذي ولا ينهب ولا يخرق حرمات البيوت، كما أنه يراعي مرضاة الله فلا ينتقم ولا يتجبر، بل يكون مسبحا بحمد الله ومستغفرا لأنه موقن بأن من نصره هو الله.
هنالك من يشكك في أن هذا الانتصار السريع للثوار مرده أنه مدعوم من الشيطان الأكبر، وأنا أعتقد أن تدخله الوحيد كان هو قراره بعدم التدخل لانقاذ النظام مرة أخرى كما تدخل عام 2011 فأنقذه، فكما بينت سابقا، أن الثورة عندما عمت كل مدن وقرى سوريا، فذلك يدل عن أنه لا أحد يؤيد النظام، لذلك فلو لم تتدخل تلك الأصابع القذرة، كان سيسقط آنذاك، بالسرعة ذاتها التي سقط فيها اليوم.
سأبين فيما يلي ما أعتقد أنه الأسباب الحقيقية للسقوط السريع لهذا النظام الذي لم يعرف السوريون لظلمه مثيلا:
1 – النقمة الشعبية على النظام كانت عارمة وشاملة، ما كان يحجبها غير الخوف من القمع البوليسي، فقد أنشأ النظام أجهزة مخابراتية متعددة، ومنفصلة عن بعضها، لذلك كان من يعتقل لا يرى الشمس مرة أخرى، ولا يمكن معرفة مكانه، وكانت نسبة المخبرين تقارب ثلث عدد السكان، فلم تسلم عائلة من فقدان أحد منها أو أكثر.
لذلك كنا نرى أن سكان كل بلدة يدخلها الثوار، كانوا يستقبلونهم بحفاوة محتفلين بهم.
2 – بعد فشل الهبة الأولى عام 2011 تم تهجير عائلات الثوار الى مخيمات في الشمال، وكانت ظروفهم المعيشية قاسية، مما دعا كل القادرين منهم على حمل السلاح الى الالتحاق بالثوار.
عرف الثوار أن أهم أسباب فشلهم كان في تعدد الفصائل، وفي دخول الدواعش بينهم، وهم الذين زرعتهم الأنظمة العربية ليفسدوا ويؤلبوا المواطنين على الثائرين، بهدف تبرير البطش بالمجاهدين إبان الحرب الصليبية المسماة (الحرب على الإرهاب).
فكانت خطوتهم الأولى تنقية صفوفهم من هؤلاء المندسين، ثم توحدهم في غرفة عمليات واحدة أطلقت عليها: “إدارة العمليات العسكرية”، وتضم كبرى الفصائل في إدلب، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” و “جيش العزة” و “حركة أحرار الشام” إضافة إلى الجبهة الوطنية لتحرير إدلب.
كما ضمت الغرفة عددا من فصائل الجيش الحر التي كانت تقاتل ضد القوات الكردية المدعومة من قبل الامريكان (قسد)، التي كانت تسيطر على مساحات واسعة من ريف حلب الشمالي والشرقي، ومن هذه الفصائل “الجبهة الشامية” وفصائل “الحمزات والعمشات” و”السلطان مراد”.
3 – عرف الثوار – مثلما عرف المقاومون في القطاع – أنه ما حك جلدك مثل ظفرك، فبادروا الى بناء قوتهم ذاتيا، وبلا شك أنهم نالوا دعما وخبرات تركية، فهم الوحيدون القادرون على التصدي لقوات (قسد) المدعومة من الشيطان الأكبر، والتي توسعت لتغطي أغلب شمال سوريا المحاذية لتركيا، ولم يتمكن جيش الأسد من التصدي لهم.
لذلك عملوا بجد طوال السنوات العشر الماضية تدريبا وتصنيعا حتى كونوا جيشا قوامه مائة ألف، وكانوا على أهبة الاستعداد منذ سنتين، لكن الأحداث التي عصفت بالمنطقة من بعد معركة الطوفان دفعتهم لتأجيل عمليتهم، لذلك وما أن توقف العدوان على لبنان حتى بدأوا العملية.
4 – كما كان للظروف الدولية دور هام، فحلفاء النظام منشغلون بالتعافي من جراحهم، والشيطان لم يعد بحاجة لبقاء نظام بشار، ولا يقلقه قيام نظام بديل اسلامي التوجه، فكل خيوط الأقطار المحيطة به بيده، وقادر على محاصرته عند اللزوم كما فعل في القطاع.
لهذا كله رأينا سقوط الصنم كان سريعا، لكن الشيطان واهم في اطمئنانه، فذلك إيذان بسقوط أصنام كثيرة في ديار الاسلام. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
الدماء الفقيرة.. ما وراء إصابة ثلث المصريين بالأنيميا
القاهرة – تشير معطيات رسمية مصرية إلى ارتفاع معدلات الإصابة بفقر الدم (الأنيميا) بين المصريين لنسب اعتبرها مراقبون مقلقة على صعيدي الصحة المجتمعية والطاقة الإنتاجية.
وكشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري (جهة رسمية) عن ارتفاع معدل الإصابة بفقر الدم بين المواطنين إلى نحو 40%، وحذَّر في تقرير له من أن هذا المرض يمثل عبئا اقتصاديا على الدولة، إذ يتسبب في خفض الطاقة الإنتاجية للأفراد.
ومن زاوية المخاوف نفسها، علَّق وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار على الموضوع، وأبدى قلقه من تداعيات سوء التغذية قائلا "لا تقتصر على الصحة العامة، بل تمتد لتؤثر على الاقتصاد والمجتمع كله".
وقال الوزير عبد الغفار خلال احتفالية إطلاق البرنامج الوطني لدعم رغيف الخبز بالمغذيات الأساسية، إن "الحكومة تحركت لدعم رغيف الخبز بالمغذيات الأساسية ومنها الحديد"، مبينا مخاطر فقر الدم على الأطفال حيث يؤثر سلبا على الإدراك.
ووفق منظمة الصحة العالمية، يعد فقر الدم حالة صحية يقل فيها عدد خلايا الدم الحمراء عن المعدل الطبيعي، وقد تنتج عن عدة عوامل منها النظم الغذائية غير الملائمة أو الأمراض المزمنة أو الالتهابات.
وحسب وزارة الصحة المصرية، ينتج فقر الدم لنقص في كمية الطعام المتناولة بفعل الفقر أو عدم تناول وجبات غذائية غنية بالحديد أو سوء امتصاصه أو فقده داخل الجسم بسبب أمراض معينة.
إعلانومن أعراض الأنيميا الصداع والشعور بالتعب والإعياء وضيق التنفس وزيادة معدل ضربات القلب، كما أنها تؤدي لضعف النمو وضعف التركيز لدى الأطفال.
مرضى فقر الدم، وبخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، يرهقهم التنقل بين أروقة الجهات الصحية سواء المملوكة للدولة أو الخاصة للحصول على أكياس الدم أو الأدوية المعالجة.
معاناة العلاجويقوم المواطن "رضا" برحلة مرهقة شهريا للحصول على حقن "إيبوتين" من هيئة التأمين الصحي (جهة حكومية تصرف الأدوية مجانا للمواطنين المنتسبين لها) أو كيس دم من المستشفيات القريبة من محل سكنه.
يعاني رضا -وهو موظف حكومي- من مرض قصور الكلى الذي يسبب له انخفاضا دائما بمستوى الهيموغلوبين في الدم حيث يتراوح بين 7 إلى 9، وطبقا للبرنامج العلاجي المقر لحالته الصحية فهو "يحتاج شهريا للحقن بـ12 أمبولة من عقار إيبوتين".
ويقول رضا للجزيرة نت "في ظل أزمة الأدوية الأخيرة، صار تحصيل الدواء من التأمين الصحي شاقا، فإما العقار غير متوفر وإما تُعقّد الإجراءات بشكل يصعب على المرضى إنهاؤها، كالخضوع لتحليل مخبري شهري لإثبات تراجع مستوى الهيموغلوبين والحصول على موافقة أكثر من جهة ومسؤول".
ويضيف "لا أستطيع شراء الحقن من الصيدليات، إذ يبلغ سعر الحقنة الواحدة 200 جنيه (الدولار يساوي 51.76 جنيها)، لذا أحتاج 2400 جنيه لشراء نوع دوائي واحد رغم أن راتبي لا يتعدى 6 آلاف جنيه".
وكذلك ارتفع سعر كيس الدم ببنوك الدم في المستشفيات من 300 جنيه قبل عامين إلى نحو 900 جنيه، ويشترط البنك -إضافة لدفع ثمن الدم- توفير متبرع.
ومع ذلك، يصف رضا نفسه بـ"المحظوظ" لأنه يأخذ الدواء بالمجان، في حين أن من هم خارج مظلة التأمين الصحي أو منظومة العلاج على نفقة الدولة تتضاعف معاناتهم.
ولا يبدو ارتفاع فقر الدم بين المصريين مستغربا بالنظر لمعدلات الفقر بالبلد، التي وصلت -وفق آخر إحصاء رسمي- إلى 29.7% عام 2020، في حين ارتفعت إلى 32.5% في 2022، وفق تقرير للبنك الدولي.
إعلانويؤدي سوء التغذية، وفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، لمخاطر عديدة منها أنيميا نقص الحديد (فقر الدم)، وتؤثر على كثير من الأطفال والمراهقات والنساء بمصر.
كما أن ضعف الحصول على نظام غذائي متوازن لدى الشرائح الأفقر من المجتمع أو انعدام الأمن الغذائي ضمن أسباب سوء التغذية بمصر.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قالت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي، خلال كلمتها أمام مجلس النواب، إن "نحو 12 مليون أسرة تقع تحت خط الفقر".
وفي 20 مارس/آذار الماضي، نشر مركز بصيرة (جهة رصد إحصائي) تقريرا أظهر انخفاض استهلاك المصريين للحوم إلى النصف خلال أربع سنوات، حيث تراجع استهلاك اللحوم من 18 طنا لكل ألف مواطن عام 2018 إلى 9 أطنان فقط عام 2022.
كما كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أن 74% من الأسر المصرية خفضت استهلاكها من السلع الغذائية، في حين قللت 93% من الأسر استهلاك اللحوم والدواجن.
ورغم إعلان الحكومة البرنامج الوطني لدعم رغيف الخبز بالمغذيات الأساسية، فإن شعبة المخابز بغرفة القاهرة التجارية تتوقع زيادة سعر رغيف الخبز خلال الأيام القادمة بنحو 30% أو تخفيض وزنه بنحو 20 غراما نتيجة لزيادة أسعار المحروقات نهاية الأسبوع الماضي.
رأس المالمن جهته، يرى مدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف أن الحكومة المصرية تفتقد للاهتمام بالاستثمار في رأس المال البشري رغم الكثافة السكانية العالية.
ويقول يوسف للجزيرة نت إن "الاهتمام بقطاعي الصحة والتعليم ينعكس على بناء رأس مال بشري مبدع وقادر على العمل"، ويضيف "لا تنتظر من إنسان جائع أو مرهق بسبب سوء نظامه الغذائي أن يعمل جيدا أو يقدم أفكارا إبداعية".
ويُحذر من تداعيات ارتفاع فقر الدم بين المصريين من الناحية الاقتصادية، حيث تقل إنتاجية المصابين، فضلا عن إنفاق مبالغ طائلة لعلاجهم.
إعلانويشير الخبير التنموي إلى انخراط الحكومة المصرية في العمران كتشييد الجسور والمقار الرسمية وتنشغل عن بناء الإنسان، إذ لم تضع خطة للوقاية من سوء التغذية بتوفير البروتين الحيواني أو النباتي بأسعار مناسبة للمواطنين مقارنة بمداخلهم.
ويلفت الخبير في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) نادر نور الدين محمد إلى حصول الفقراء على البروتين من مصادر نباتية غير حيوانية مثل البقوليات كالفول والعدس، التي ارتفع سعرها خلال السنوات الأخيرة وأصبح توفيرها يشكل عبئا على منخفضي الدخل.
ويرى بمقال له بعنوان "التصدي للأنيميا وتراجع استهلاك اللحوم"، أن ارتفاع نسب فقر الدم والسمنة بين الأطفال "يُنذر بجيل قادم ضعيف وقصير العمر ومتعدد الأمراض تغير التوزيعة السكانية بحيث تكون السيادة لكبار السن الذين تربوا في زمن الغذاء الرخيص".
ويطرح محمد حلولا لمواجهة فقر الدم بمصر، منها الاهتمام بوجبات الطعام بجميع المدارس لتكون غنية بالعناصر الغذائية المتكاملة، ومضاعفة الحصص التموينية للأسر بالمناطق الأكثر فقرا كمحافظات الصعيد، وصرف وزارة التموين "زيت الصويا" الذي يحوي نسبة مرتفعة من البروتين تتراوح بين 40% و44% بدلا من زيت "عباد الشمس".
كما دعا الحكومة للنظر في تأجيل أو تعديل بعض القرارات الاقتصادية التي تمس الطبقات الفقيرة والمتوسطة حتى تتحسن صحة العامة.