فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
و قد قادت الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و الآمال العراض و ”حسن الظن“ بالآخرين الصحافي الأستاذ عثمان ميرغني إلى تنبؤات ”خيالية علمية“ ، من عنده و من طرف الفريق البرهان رئيس مجلس سيادة الأمر الواقع ، تبشر بحوارٍ سياسي سوداني جامع يشمل جميع تحالف قوى الشعوب السودانية العاملة!!! ، و لا يستثني أحداً ، كوزاً أو موزاً!!! ، و ذلك لبحث بنداً أوحداً هو تشكيل مجلس تشريعي يحدد هياكل الدولة و يعين مجلس وزرآء و هيئة عليا للسلام!!!.
أما تنبؤات صاحبنا الخيالية الشبه علمية ، فقد أتت غير متفآئلة و على غير غرار النهج العثماني الميرغني ، حيث يتنبأ صاحبنا بمآلات و مخرجات دولية/خارجية تخطط لها جهات غير سودانية ، الهدف منها فرض حل للأزمة السودانية على الطريقة الأممية ، و بما يخدم في المقام الأول مصالح عدة دول ليس من بينها جمهورية السودان!!!...
و يبدو/الغالب أن صاحبنا قد إستند في تنبؤاته إلى مجريات الأحداث و تاريخ بلاد السودان المعاصر و القريب و تدخلات عسكرية لدول دآئمة العضوية في مجلس الأمن في شؤون بعض من الدول لأسباب فيها إِنَّ و لَكِنَّ ، كما يبدو أنه قد تنبه إلى أن شرح هذه التنبؤات الخيالية الشبه علمية يتطلب مقدمات منطقية تمهد لها ، و حتى لا يُظنُ:
أن الدنيا بِقِت مهدية!!!...
أو يقال أن بعض من الناس/الدول:
عاملاها مهدية و جهادية!!!...
و هاتان العبارتان أو نحوهما كانت ترددهما كثيراً حَبُوبَات (جدات) من الأهل و الأقارب و الجيران عاصرهن صاحبنا ، و تُقَالُ العبارتان في سياق إستنكار الجور و الظلم و الفوضى و عدم الإلتزام بالنظام و القوانين!!! ، و المهدية المقصودة هنا هي الثورة المهدية التي حدثت في بلاد السودان في القرن التاسع عشر الميلادي ، أما الجهادية فهو لقبٌ أُطلِقَ على جنود الدولة المهدية...
و كانت الحبوبات و آخرون قد عاصروا ثورة محمد أحمد عبدالله الفحل الذي حمل السلاح ثآئراً/رافضاً الظلم الإجتماعي و الإقتصادي و الإنحراف في العقيدة و البدعة في الدين التي مارسها المستعمر (المحتل) التركي و وكيله المصري في بلاد السودان ، و كان محمد أحمد قد أعلن لاحقاً أنه (المهدي المنتظر) الذي يأتي آخر الزمان لينقذ الإسلام و يعيد بيضة الدين و يقهر الظلم و الجور و يقيم دولة العدل ، و تشآء الأقدار و القضآء أن يموت القآئد محمد أحمد (المهدي المنتظر) عقب الإنتصار الكبير و فتح الخرطوم ليخلفه عَبدُاللَّاهِي (عبدُاللهِ) التَّعَايشِي و لقبه (تُور شِين)...
و قد قصت الحبوبات و آخرون على صاحبنا و آخرين ، روايات عن قساوة و بطش جنود الدولة المهدية (الجهادية) و ما أحدثوه من فوضي ، و تكرر كثيراً ذكر كَتلَة ود سعد التي قادها محمود ود أحمد ضد الجعليين في المَتَمَّة ، و ما حدث فيها من قتل و قهر الرجال و إنتهاكات مثل بقر بطون الحوامل و إغراق/غرق النسآء في نهر النيل كرهاً أو خوفاً من العار!!! ، و رويت حكايات متنوعة عن الهروب/النزوح الجماعي لجماعات كبيرة من السودانيين فراراً من تجبر الخليفة و بطش الجهادية ، و كيف أن قريب إسمه فلان بن علان قد قطعت أطرافه من خلاف بتهمة الإفساد في الأرض!!! ، و قد ذكرت روايات أن الناس كانت تحلف و تقسم بِـ:
وَ حَاة المهدي و خليفته!!!...
خوفاً من غضب الخليفة و بطش الجهادية ، و وثق كثيرون تفاصيل أيام الجوع و بعض من مشاهد مجاعة سنة ستة (١٣٠٦ هجرية الموافق ١٨٨٨/١٨٨٩ ميلادية) ، و كيف أن جموع الناس قد قاسمت أقوام النمل أكل الحبوب المدخرة في الجحور ، و أن جموع الجوعى قد طاردت/إصطادت الكَدَايس (القطط) في الطرقات و الفئران من المخابيء و الجحور و إلتهمت لحومها ، و أن الناس لجأوا إلى أكل القِدْ ، و القِدُّ هو خيوط تصنع من جلد الحيوان ، و تنسج به العَنَاقرِيب (الأسرة الخشبية)...
و كانت سياسات و طموحات و غزوات الخليفة عبدالله التعايشي ، المختلف حولها ، و خلافاته مع جماعة ”الأشراف“ و أقارب محمد أحمد الفحل (المهدي المنتظر) و ناس (دار صباح) و (أولاد البحر) قاطني ضفاف نهر النيل و حروباته الداخلية والخارجية المتعددة و إنشغال الناس بالحروبات و إنصرافهم عن الزراعة و الإنتاج في تزامن مع موجات الجفاف و تقلبات الطقس و المناخ قد ساقت بلاد السودان إلى فترات عصيبة من الشدة تفشى فيها القتل و النزوح و المجاعات و الأمراض و الموت...
و قد قادت الحسابات و الأطماع الإستعمارية آنذاك دولة بريطانيا العظمى إلى حشد الجيوش بغرض غزو و إحتلال بلاد السودان و إنتشالها من حالة ”الهمجية“ و ”البربرية“ و (الدَّروَشَة المهدية) و إدخالها إلى رحاب ”المدنية“ و العالم الحديث ”المتحضر“!!! ، و قد كان قوام الجيوش الغازية من: المجندين السودانيين و الجنود البريطانيين و جماعات من المرتزقة الأوروبيين و جنود من دولة مصر الخديوية الحليف/الوكيل الإقليمي ، و كانت المحصلة النهآئية هي الإحتلال البريطاني لبلاد السودان عقب عدة معارك/مجازر أزهقت فيها مدافع المكسيم السريعة الطلقات ، التي تم تجريبها لأول مرة ، أنفس الألاف من جنود (دراويش) الجيوش المهدية المتواضعة التسليح ، كما تمت مطاردة و قتل الخليفة عبدالله التعايشي في أم دِبِيكرَات...
ثم كان ما كان من الإستعمار (الإحتلال) البريطاني لبلاد السودان و إنشآء الإدارات و نظم الحكم و المشاريع الزراعية و الإقتصادية التي تخدم المطامع و المصالح البريطانية ، و بعد عقود من الإحتلال و الإستغلال الإقتصادي أتى إستقلال بلاد السودان من الإحتلال البريطاني ، و قد سبق الحكم الوطني تدريب و تجهيز بعض من الكفآءات السودانية بغرض (فك الخط) و الإحلال و الإبدال مكان الموظفين البريطانيين و أتباعه من الأجانب و ذلك فيما عرف بعمليات (السَّودَنَة) ، و التي إستمرت إلى فترة ما بعد الإستقلال...
و تشآء الأقدار و المشيئة الإلهية لصاحبنا معاصرة هجمات مليشيات الجَنجَوِيد الهمجية/الوحشية بقيادة محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدتِي) المنتمي إلى قبيلة الرزيقات ، و الذي ينتمي جهوياً و إثنياً لذات المجموعات التي أنتجت الخليفة عبدالله التعايشي ، على المدن و القرى ، و قد إستهدفت مليشيات الجَنجَوِيد أنفس المواطنين و أعراضهم و ممتلكاتهم خصوصاً تجمعات (ناس البحر) السكانية و الكثير من مؤسسات الدولة في (دار صباح) و أقاليم بلاد السودان المختلفة إثر خلافه مع جماعة الكيزان و الفريق عبدالفتاح البرهان قآئد الجيش و رئيس المجلسين العسكري و السيادي الإنتقاليين حول إمتلاك السلطة و الإستئثار بالموارد و الثروات...
و كان حِمِيدتِي و شريكه الفريق البرهان ، و من ورآءهم الكيزان ، قد أفلحا في إمتطآء ظهر ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية التي خلعت الطاغية عمر البشير ، و قمعا و قتلا الثوار بالرصاص و الحرق و الإغراق في نهر النيل ، و تمكنا من إقصآء الشريك المدني في الحكم ، مجموعة قوى الحرية و التغيير (قحت) ، و التربع على سدة الحكم في المجلسين العسكري و السيادي الإنتقاليين ، و كان حِمِيدتِي في بداية تمرده على شريكه قآئد الجيش و خروجه على جماعة (الكيزان) التي إستوطنت/تغلغلت في مفاصل الدولة السودانية و مؤسساتها العسكرية و الأمنية و المدنية عن طريق سياسات الإقصآء و التمكين التي مارستها الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان)...
و قد إدعى حِمِيدتِي أنه يمتلك بَلِف بلاد السودان!!! ، و أن ما يقوم به من أعمال و أفعال هو ”أمر رباني“ ، و أنه يساند الثورة و التغيير و إقامة الدولة المدنية!!! ، و قد إتسع/إمتد ذلك الأمر/الهدف الرباني لاحقاً ليشمل: نصرة المهمشين و تفكيك دولة ستة و خمسين (٥٦) الفاشلة!!! ، و إنتشالها من جور/ظلم/هيمنة (دولة الجَلَّابَة) ، و القضآء على هيمنة الفلول (الكيزان) ، و إدخال/نقل بلاد السودان إلى عالمي ”الكونفدرالية“ و ”المدنية“ العادلين!!! ، و من ثم إنشآء الجمهورية السودانية الثانية أو ربما الأمارة الدَّقلَوِيَة/دولة العَطَاوَة الأولى!!!...
و في محاولتهما تسجيل الإنتصارات الميدانية أحدث الطرفان المتصارعان على السلطة و النفوذ ، مليشيات الجَنجَوِيد من جهة و الجيش و كتآئب الكيزان بجميع بمسمياتها و الحلفآء في القوات المشتركة/الحركات المسلحة (الحركات المتمردة سابقاً) من الجهة الأخرى ، من القتل و الدمار و الخراب و الإرهاب و الفوضى ما أجبر جموع المواطنين على الفرار و النزوح/اللجوء و ترك الديار و الممتلكات و هجر الزراعة و التجارة و الأشغال و عمليات الإنتاج ، و قد أفضى ذلك إلى نقص حآد في المواد الغذآئية و العلاج و الدوآء ، حتى لجأت الناس إلى أكل البَلِيلَة العدسية و العلاج بالأعشاب و الأدوية البلدية ، مما أدى إلى إنتشار الأمراض و الجوع و نحول الأجسام و شيوع الموت ، كما تناسلت و تكاثرت الكَدَايس و الكلاب الضآلة التي إلتهمت الجثث النافقة في الطرقات و سكنت العمارات في أحيآء العاصمة الخرطوم تحقيقاً لتهديدات/لنبوءات حِمِيدتِي في خطابٍ جماهيري شهير!!!...
و تنبؤات صاحبنا هي أنه و كما حدث و كان إبان فترة الإستعمار (الإحتلال) البريطاني القديم لبلاد السودان ، و الذي تم بمساعدة مصر ، الوكيل/الحليف الإقليمي الدآئم ، فإن بلاد السودان موعودة بقدوم الإستعمار (الإحتلال) الجديد الذي سوف يخدم المصالح الإقتصادية و الإستراتيجية لدول دآئمة العضوية في مجلس الأمن و حلفآءها في الشام و شمال وادي النيل و الساحل و الصحرآء و القارة الأفريقية و شبه الجزيرة الأعرابية و ساحل عمان المطل على الخليج الفارسي ، و لكن التدخل/الإحتلال ، هذه المرة ، سوف يتم في صورة أممية حديثة أكثر مدنية و تحضراً من سابقاتها!!!...
و تشير الشواهد إلى أن الجيوش الأممية سوف تكون هجين من أصحاب القبعات الزرقآء من الجنود الأفارقة و يشرف عليهم جنرالات/خبرآء من أصحاب العيون الزرقآء و البشرات البيضآء ، و سوف يأتي التدخل/الإحتلال بموجب قرارت من مجلس الأمن تدعي أنها تهدف إلى وقف الحرب و منع الإبادات الجماعية و حماية المدنيين و خلق ممرات آمنة تضمن وصول المساعدات الإنسانية من الغذآء و الكسآء و الإيوآء و الدوآء للمواطنين المتضررين ، و كذلك إنسياب المعادن و المنتجات السودانية في سلاسة و يسر إلى شمال وادي النيل و بقية الأسواق الإقليمية و العالمية...
و سوف تأتي الإدارات الأممية بتفويضات من ذات المجلس مهمتها: فرض الأمن و ضبط الجيوش المتعددة و إعادة الإعمار و بنآء السلطة المدنية و تحقيق العدالة و إدارة البلاد لفترة إنتقالية متفق عليها ، و ذلك حتى يتم إنشآء/تكوين المؤسسات و الأليات التي تهيئ البلاد/البلدان إلى قيام ”إنتخابات حرة و نزيهة“ أو إقتراعات تقرر مصير شعوب أقاليم السودان ”المهمشة“ ، و أنه و خلال هذه الفترة الإنتقالية سوف يتم تدريب و تجهيز ثم تعيين الكفآءات المحلية التي سوف تحل مكان الموظفين الأمميين في إدارة شئون البلاد و العباد إلخ... إلخ... إلخ... ، لكن الجديد هذه المرة هو أنه لن يطلق على عمليات الإحلال و الإبدال مسمى (السودنة) ، و لكن سوف تكون هنالك مسميات جديدة هي: (البَحرَنَة) و (النَهرَنَة) و هي مشتقة من دولة البحر و النهر ، و (الفَورَنَة) و هي إشتقاق من دولة دارفور ، و (النَوبَنَة) و هي إستعارة من دولة جبال النوبة ، و (القَسنَنَة) و هي مفردة مستنبطة من دولة الإِنقَسَنَا ، و ربما تقود العملية إلى (الجَزرَنَة) و (المَدنَنَة) و ذلك إذا ما قررت الجماهير في الجزيرة و مدينة ود مدني السني على التوالي ممارسة حقها في تقرير المصير و إختيار/ركوب موجة/موضة الإنفصال!!!...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بلاد السودان ة المهدیة محمد أحمد ح م یدت ی من دولة بعض من
إقرأ أيضاً:
حماس تعلق على إعدام قوات الإحتلال شابين في نابلس وقلقيلية
أكد القيادي في حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) محمود مرداوي أن استمرار عدوان الاحتلال الإرهابي على محافظات الضفة الغربية وما تم مشاهدته الليلة الماضية وصباح اليوم من إعدام شابين في نابلس وقلقيلية لن يفلح في كسر إرادة شعب فلسطين وعزم المقاومة الممتدة والمتصاعدة.
وقال في تصريحات له " جرائم الاحتلال ستشعل الأرض لهيبًا تحت أقدام جيشه المذعور وستبقى المقاومة الباسلة حاضرة رغم ما تواجهه من ملاحقة وتضييق من العدو وأعوانه.
واضاف : أشدد على أن المقاومة ستبقى على عهد الشهداء، وأن دماءهم نور لمن خلفهم من الثوار والأحرار الذين سيسيرون على دربهم ويحملون السلاح من بعدهم.
وتابع : أشيد بتصدي المقاومة لقوات الاحتلال الليلة الماضية لاقتحام مدينة نابلس ومخيماتها وأؤكد أن الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدينة رسالة للاحتلال بأن نابلس باقية على عهد المقاومة مهما اغتال أو اعتقل أو لاحق وأن الكلمة العليا على هذه الأرض ستظل للمقاومة.
واردف : أشيد بعملية النفق البطولية بين القدس وبيت لحم مساء أمس والتي أدت لمقتل مستوطن وإصابة ثلاثة آخرين.
وواصل : وأمام تصعيد الاحتلال لعدوانه على محافظات الضفة الغربية أؤكد أن الاحتلال أمام مزيد من الخيبات فالضفة وكل الساحات المنخرطة في معركة طوفان الأقصى ستواصل ضرباتها النوعية التي ستهز كيان الاحتلال وتفشل مخططاته العدوانية.
وختم : أدعو أبناء شعبنا البطل في الضفة الغربية لمزيد من الوحدة والتلاحم تحت خيار المقاومة وتكثيف الزخم الجماهيري والمواجهة الميدانية مع الاحتلال ومستوطنيه.