لعنة اليمن …ولحظة حميدتى (3/2)
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: رائد مهندس محمد احمد ادريس جبارة
ganaboo@gmail.com
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الإيمانُ يمانٍ والحِكمةُ يمانِيَة، وأَجد نَفَسَ الرحمن من قِبَل اليمن، أَلَا إنَّ الكفرَ والفسوقَ وقسوةَ القلب في الفَدَّادين أصحاب المَعِز والوَبَر))
- [صحيح] - [رواه أحمد والطبراني]
لعنة اليمن المراد بها هنا مانال ثلاث جيوش تدخلت فى الشان اليمنى وهى على التوالى :-
- الجيش الحبشى بقيادة ابرهة وارياط ومن وراءه النجاشى كالب إل أصبحه.
- الجيش المصرى بقيادة ناصر وعامر والسادات
- الجيش السودانى بقيادة البشير ومن بعده البرهان وحميدتى
- ونحاول استطلاع ما ينتظر الجيشان السعودى والاماراتى ..بقيادة محمدبن سلمان ومحمد بن زايد.
فى هذه الحلقة :-
- كيف استقل شمال اليمن من الدولة العثمانية وتأسيس الإمام يحيى حميد الدين للمملكة المتوكلية اليمنية..واهم الاحداث ما بين1918 وحتى سبتمبر1962.
- كيف تطور الصراع بين الجمهوريين والملكيين وكيف تمدد ودور الدكتور عبدالرحمن البيضانى.
- كيف كان التدخل المصرى واهم تفاصيله.وكيف صور هيكل ذلك.
- كيف عكست المراسلات بين الرئيسيين كنيدى وناصر الازمة اليمنية.
- لجوء طيارين سعوديون واردنيين الى مصر كيف كان فى اول الازمة اليمنية وماذا يعكس؟
- كيف ساهم المازق اليمنى فى نكسة 1967.
- كيف انتهى الصراع بين ناصر وفيصل فى قمة الخرطوم...بحل الازمة اليمنية.
- صراع ناصر والمشير عامر ينتهى بمقتل الاخير.
- الملك فيصل والرئيس السادات ...نهايات متشابهة !!
(1)
اهم الاحداث ما بين1918 وحتى سبتمبر1962
استقلال شمال اليمن من الدولة العثمانية وتأسيس الإمام يحيى حميد الدين للمملكة المتوكلية اليمنية عام 1918 بقيادة الإمام يحيى حميد الدين. كانت مملكة منغلقة على العالم وتبنى الإمام سياسة انعزالية خوفاً من أن تسقط بلاده لسلطة القوى الاستعمارية المتحاربة عقب الحرب العالمية الأولى وبالذات إيطاليا وبريطانيا وكذلك لإبعاد المملكة عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية تلك الفترة وساعده في ذلك أن جل المجتمع اليمني على أيامه كانوا من المزارعين يعيشون في قرى مكتفية ذاتيًا. منع الإمام يحيى السفارات والبعثات الدبلوماسية من دخول البلاد وأي زائر أجنبي كان بحاجة إلى إذن شخصي منه. أسّس الإمام يحيى حميد الدين حكماً ثيوقراطيًا زيدياً تجاهل أبناء المذاهب الأخرى مثل الشافعية والإسماعيلية واعتبر يهود اليمن ذميين. ظهرت حركات معارضة للمملكة بعضها نتيجة احتكاك تيارات فكرية معينة بالخارج مثل محمد محمود الزبيري وبعضها اعتراضا على نية الإمام يحيى توريث ابنه أحمد بن يحيى، وكان عبد الله الوزير من أبرز معارضي التوريث وانتخب إمامًا دستوريًا ليقود ثورة الدستور عام 1948. قُتل الإمام يحيى خلالها وتمكّن ابنه أحمد من إنقاذ المملكة.
1948 قيام ثورة الدستور واغتيال الإمام يحيى حميد الدين، وتولي نجله أحمد الحكم وقمع الثورة وإعدام قادتها.
قيام انقلاب 1955 بقيادة المقدم أحمد الثلايا ضد الإمام أحمد ومحاصرة قصره في تعز، والقبائل تهاجم المدينة وفشل الانقلاب وإعدام الثلايا وضباط الانقلاب.وفى هذا الانقلاب قام المقدم أحمد بقيادة فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام أحمد في قصره في مدينة تعز، وطالبوا الإمام تسليم نفسه وهو ما حدث. وقد اختلف قادة الانقلاب فيما بينهم على مصير الإمام. فبعضهم اقترح قتله. والبعض الآخر اقترح أن يستبدل به أخيه الأمير سيف الله عبد الله. وفي أثناء ذلك قام الإمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود الثلايا. كما قامت سيدات الأسرة المالكة بقص شعورهن ووضعوها في أظرف وأرسلوها إلى القبائل وكتبوا لهم «يا غارة الله بنات النبي». فهجمت القبائل على تعز وفشل الانقلاب.
وفي صيف عام 1959، سافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج من التهاب المفاصل الرثياني. فاعتقد البدر أنها نهاية أبوه. فقام بإنشاء مجلس نيابي برئاسة القاضي أحمد السياغي. كما قام بإلقاء خطاب ضد الإمام في احتفال للجيش اليمني. فثار أفراد الأسرة الحاكمة ضد البدر مما دفعه للاستعانة بالقبائل لإخماد ثورتهم. ورغم أن عيون البدر في روما تخبره أن أبوه يحتضر. إلا أن الإمام أحمد أفاق من مرضه ورجع إلى اليمن وقام بإلغاء كل ما قام به البدر من إصلاحات. كما أمر باسترجاع الأموال والسلاح التي أعطاها البدر للقبائل التي أيّدته في الإصلاحات. وهرب شيوخ القبائل إلى السعودية ولكن الملك سعود بن عبد العزيز ضمنهم عند الإمام أحمد. ولما رجعوا، أعطاهم الإمام لابنه البدر فقام بذبحهم ترضية لأبيه. وكانت هذه الحادثة دليلاً للذين عقدوا الآمال على البدر أنه لا يختلف كثيراً عمن سبقوه.
1961محاولة اغتيال الإمام أحمد في مستشفى الحديدة يقوم بها الضباط الأحرار «العلفي - اللقية - الهندوانة».
وفاة الإمام أحمد بن يحيى متاثرا بجراحه التي أصيب بها في محاولة اغتيال 1961، وتولى ابنه محمد البدر الحكم.
تفجير ثورة 26 سبتمبر على أيدي الضباط الأحرار ضد الحكم الملكي وقيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة عبد الله السلال.و اشتعال حرب أهلية بين الجمهوريين الذين تساندهم مصر والملكيين الذين تساندهم السعودية.
(2)
العقل المدبر للانقلاب كان مدنياً وهو الدكتور عبد الرحمن البيضاني الذي كان يعتقد بضرورة وجود خمسة ركائز أساسية للقيام بثورة في اليمن وهي:
- الجيش الذي سيقوم بالانقلاب.
- بناء ميناء الحديدة لاستيراد الأسلحة الثقيلة التي تختلف عن الأسلحة الموجودة في أيدي القبائل.
- إنشاء طريق بين الحديدة وصنعاء لضمان الوصول للعاصمة سريعاً لحمايتها.
- دولة تساند الثورة.
- إعلام قادر على التبشير بمبادئ الثورة.
في سنة 1962، كانت هناك نواة للجيش كما تم بناء ميناء الحديدة وشُق الطريق بين الميناء وصنعاء وبُنيت الإذاعة في الأخيرة وبقي فقط الدعم الدولي.
وُضِعَت خطة الانقلاب في مدينة غارميش بارتِنْكِيرشِن بألمانيا (بالألمانية: Garmisch-Partenkirchen) عندما اجتمع البيضاني وعبد الغني مطهر.
ثم بعد ذلك سافر البيضاني إلى القاهرة لعرض الخطة على المسؤولين المصريين هناك وكان من ضمنهم أنور السادات، صلاح نصر مدير المخابرات العامة ونائبه علي سليمان والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وكان يصاحب البيضاني في بعض هذه اللقاءات محمد قائد سيف الذي شارك في انقلاب سنة 1948 الذي قاده عبد الله الوزير. ورغم تردد عبد الناصر في بداية الأمر، إلا أنه وافق على دعم الأحرار اليمنيين.
وكانت خطة الثورة مقسمة على ثلاثة خلايا: الأولى في تعز حيث يقيم الإمام أحمد والثانية في العاصمة صنعاء والثالثة في الحديدة حيث يوجد الميناء. وكانت بداية الخطة من تعز حيث يوجد 800 جندي منهم 530 مجندين لصالح الأحرار وكان من ضمن قادة أفرع الجيش المجندين أيضاً قائد المدرعات وقائد المدفعية.
وكانت تنقص خلية تعز بعض الأسلحة فقام عبد الغني مطهر بنقلها لهم من صنعاء. وكانت على خلية تعز القيام باغتيال الإمام أحمد داخل قصره وهو ما حدث على يد محمد العلفي وعبد الله اللقية.وبعد أن تنتهي مهمة تعز تبدأ مهمة صنعاء، وكانت الخطة تقتضي بأن يعلن قادة الخلية هناك إدانتهم للانقلاب في تعز ثم يستدرجون البدر ولي العهد والشخصيات الهامة خارج مقارهم للتخلص منهم أو التحفظ عليهم بدون مشقة القتال مع حرسهم الخاص مستغلين صفاتهم الرسمية فعلى سبيل المثال كان عبد الله السلال قائد الحرس الإمامي. وكانت حادثة اغتيال يحيى محمد عباس رئيس الاستئناف خير مثال.وكان من ضمن مهام خلية صنعاء أيضاً احتلال الإذاعة وكانت هذه المهمة بقيادة العقيد حسن العمري نائب وزير المواصلات ومدير اللاسلكي. وكان يجب عليهم إما احتلالها أو تدميرها لأنه كان يوجد هناك إذاعة أخرى في أسوان. فإذا بقت إذاعة صنعاء تحت سيطرة الملكيين أصبح هناك محطتين للإذاعة.
ثم تبدأ بعد ذلك مهمة الحديدة التي يقودها العميد حمود الجايفي وكان عليهم تأمين الميناء لوصول القوات المصرية.
عندما قُتل الإمام أحمد في 19 سبتمبر عام 1962 على أيدي الثوار، خلفه ابنه الإمام البدر. وفي هذه الأثناء، تناقش ضباط الجيش إذا كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بالثورة أو الانتظار حتى عودة أخيه الأمير الحسن من الخارج للقبض عليهما معاً في وقت واحد.
ولكن العقيد عبد الله السلال قرر التحرك وأمر بإعلان حالة التأهب القصوى في الكلية الحربية بصنعاء وفتح جميع مستودعات الأسلحة وتوزيعها على كل الضباط الصغار والجنود. وفي مساء 25 سبتمبر، جمع عبد الله السلال القادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا في محاولة انقلاب الثلايا عام 1955.
وكان كل ضابط وكل خلية بانتظار تلقّي الأوامر وبدء التحرك بمجرد بدء قصف قصر الإمام بدر. وتضمنت الأماكن الهامة التي يجب تأمينها قصر البشائر (قصر الإمام)؛ قصر الوصول (قصر استقبال الشخصيات الهامة)؛ الإذاعة؛ الاتصالات التليفونية؛ قصر السلاح (مخزن السلاح الرئيسي)؛ ومقرات الأمن الداخلي والمخابرات. وتم تنفيذ الثورة بواسطة 13 دبابة من اللواء بدر، 6 عربات مصفحة، مدفعين متحركين، ومدفعين مضادين للطائرات. وكانت الكلية الحربية هي مقر القيادة والسيطرة على القوات التي تقوم بالانقلاب.
توجهت وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابات إلى قصر البشائر. وقاموا باستخدام مكبرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي وتسليم الإمام البدر الذي تقرر إرساله للمنفى بسلام. ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام وفتح النار على وحدة الضباط، مما دفع الثوريين إلى الرد بقذائف المدافع والدبابات. حيث كانوا قد قرروا استخدام الدبابات والمدفعية منذ البداية.
وقد استمرت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي. وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة. أما مخزن السلاح فكان أسهلها، فكان يكفي أمر مكتوب من العقيد السلال لفتح المنشأة ثم تنحية الملكيين منها وتأمين البنادق، المدفعية والذخيرة. وقد سقطت الاتصالات التليفونية أيضاً بدون أي مقاومة. وفي قصر الوصول، فقد ظلت الوحدات الثورية آمنه تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات الهامة التي جاءت لتبارك لولي العهد الجديد.
وفي صباح 26 سبتمبر، تم تأمين كل المناطق في صنعاء وأعلنت الإذاعة أنه قد تمت الإطاحة بالإمام البدر وحلّت محله حكومة ثورية جديدة. ثم بدأت الوحدات الثورية في مدن تعز، حجة، وميناء الحديدة تأمين ترسانات السفن، المطارات ومنشآت الميناء. وكان عهد الإمام أحمد عهد معارضة وثورات، وقد تعرض الإمام إلى 12 محاولة اغتيال، منها محاولة فاشلة لاغتياله وهو على فراش الموت. وما كانت الثورة التي قام بها الضباط عبد الله السلال وعبد الرحمن البيضاني والدكتور محسن العيني إلا تركيز النشاطات الثورية في جهد منظم واحد للإطاحة بحكم الإمام. وقد كان قائد المجموعة، السلال، متأثراً بقراءاته عن الثورة الفرنسية وكتاب عبد الناصر «فلسفة الثورة».
وفي 28 سبتمبر، أعلنت الإذاعة موت الإمام بدر على الرغم من أنه كان لا يزال على قيد الحياة. وفي هذه الأثناء، غادر الإمام العاصمة صنعاء وهرب إلى مدينة حجة في الشمال وكان ينوي أن يفعل ما فعله أجداده من قبل: الاستنجاد بالقبائل في الشمال وفي جبال حضرموت وشن حرب لاستعادة العاصمة. وفي 30 سبتمبر، وصل العميد المصري علي عبد الخبير على متن الطائرة لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني. وعلى الفور تقرر إرسال كتيبة قوات الصاعقة المصرية، وكانت مهمتها العمل على حراسة العقيد عبد الله السلال، ووصلت هذه الكتيبة إلى مدينة الحديدة في 5 أكتوبر.
وكان أنور السادات يعتقد أن لواء مدعوم بالطائرات يمكنه تأمين السلال ومجموعة الضباط الأحرار اليمنيين.
ولكن تسارعت الأحداث وقامت السعودية - التي كانت تخشى المد الناصري - بإرسال قوات إلى الحدود اليمنية. وأرسل ملك الأردن رئيس أركان جيشه إلى الأمير حسن لإجراء مباحثات. وفي الأيام الممتدة بين 2 و 8 أكتوبر، غادرت أربع طائرات شحن سعودية محملة بالسلاح لإرساله إلى القبائل اليمنية الموالية للإمام. ولكن الطيارون اتجهوا إلى مدينة أسوان المصرية. وقد أعلن سفراء ألمانيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، والأردن، دعمهم لنظام الإمام بينما أعلنت مصر، إيطاليا، وتشكوسلوفاكيا، دعمها للثورة الجمهورية.
)3)
هيكل فى كتابه (عبد الناصر وكينيدى الآفاق الضائعة)كتب هيكل التالى: (وبينما كان الاهتمام العالمى يتحول عن كوبا : اندلعت من صحارى اليمن الوعرة أزمة أخرى واندفعت إلى وسط المسرح العالمي تستقطب الانتباه العام لغموضها ، وكانت هذه الأزمة واحدة من الأزمات التى عالجها عبد الناصر وكنيدى في علاقتهما. "فقد توفي أحمد إمام اليمن العجوز يوم 9 سبتمبر ( إيلول) بعد أن تعرض أربع مرات لإطلاق النار عليه. كان رجلا خارقا غير عادى أشبه بشخصية خرافية خرجت من صفحات أساطير القرون الوسطى.وقد سحق يد عبد الناصر عندما صافحه في أول لقاء بينهما ، ربما لأنه أراد أن يعامل عبد الناصر كواحد من رؤساء القبائل الذين درج على أن يهيمن عليهم بإشعاره بقوة قبضته وبأنه ما زال في صحة تمكنه من فرض سيطرته. وكان حكمه في اليمن أوتوقراطيا وفي غاية الاستبداد . ولم يكن يسمح بحرية الصحافة فى بلاده بينما كان مدمنا قراءة المجلات الفنية المصرية. وكان أول سؤال وجهه إلى الرئيس عبد الناصر في لقائهما الأول
هل تزوجت فاتن حمامة من عمر الشريف ؟ "
وقد دهش عبد الناصر من السؤال وربما كان آخر ما توقعه من إمام اليمن .
وكان الإمام أحمد في الواقع مخلوقا عجيبا غريبا . يتزين بالمسابح والعقود وأحزمة الرصاص و الخناجر وكان الكحل يزين حدقتيه. أما وجهه فكانت كل عضلة فيه تتحرك وتختلج مستقلة عن الأخرى بمفعول القات الذى اعتاد مضغه
وروى الإمام أحمد لعبد الناصر قصة انقلاب أحبطه . وخلاصة القصة أنه كان محاصراً في قصره حينما شاهد حارسا يفتش إحدى جواريه فصاح:
" والله لن تفتش النساء ما دام أحمد حيا "
وقفز على صهوة حصان واندفع يخب به نحو الخفراء وأمسك بمدفع رشاش وأخذ يطلق عياراته في الهواء من برج القصر . ولما شاهده الناس أخذوا يهتفون :
" إنتصر الإمام .. إنتصر الإمام "
وهكذا أخفق الانقلاب .
وقد قطع الإمام أحمد رؤوس زعماء الانقلاب وقال إنه علق تلك الرؤوس على شجرة " كالثمار اليانعة ".
كان هو واليمن- التى يمثلها- شيئاً ينأقض التاريخ ...
وقد اعتاد عبد الناصر بهذه المناسبة أن يروى النادرة الآتية :
هبط الله من السماء مع كبير الملائكة جبريل ليرى كيف تطور العالم منذ أن خلقه . وجالا حول العالم فوق إحدى السحب وتطلع الإله من عليائه وقال :
- لم أعرف هذا المكان .
فأجابه جبريل :
- هذه بريطانيا .
- لكم تغيرت.. لم أستطع تبينها .
وتوجها بعد ذلك إلى القارة الأمريكية فقال الإله :
- وماهذه؟ .
فأجابه جبريل :
- هل نسيت ؟ .. انهما الجزيرتان الكبيرتان اللتان خلقتهما فى النهاية ".
- ولكنهما تغيرتا كثيرا..
وتكرر الحوار ذاته فوق مصر عندما شاهد الإله الأهرامات .
وبعد ذلك وصلا إلى بلد عرفه الإله فورا وقال :
- هذه هى اليمن.. فقد بقيت تماما على نفس الحال منذ اليوم الذي خلقتها فيه.
وعندما أوفد رالف بانش من قبل الأمم المتحدة إلى اليمن مر بالقاهرة فى طريق عودته وقال لى : " يا إلهى.. عندما رأيت الكونجو رأيت جريمة الاستعمار.. ولكن عندما وصلت إلى اليمن آمنت بأن من سوء الحظ أنها لم تعرف ولو قدرا ضئيلا من الاستعمار " .
وبعد وفاة الإمام أحمد ، خلفه ابنه الأمير محمد البدر الذى كان أبوه يستخدمه دائما في البعثات التي يوفدها إلى مصر. وكان عبد الناصر محتارا في أمر البدر وكان يتساءل ما إذا كان في وسع البدر أن ينقل اليمن إلى العالم الحديث. وظل يتعجب ويتساءل إلى أن طلب الأمير البدر ذات يوم- وكان لايزال وليا للعهد- أن يزور حديقة الحيوان في القاهرة .
وذهب البدر يرافقه وفد رسمى إلى حديقة الحيوان حيث سار كل شيء على مايرام إلى أن اكتشف البدر شجرة قات لم يتبينها أحد غيره . فهرع وصعد إليها وجلس على غصن منها وأخذ يمضغ أوراق القات .
وبعد أن سمع عبد الناصر بهذه الواقعة لم يعد يتساءل عن طاقات البدر أو قدراته.
حكم البدر لمدة أسبوع انتهى بقلبه عن الحكم على يد العقيد عبذ الله السلال- قائد الحرس الملكى .
وكان السلال قد عين في منصبه ذاك برغم أن الإمام السابق زجه في السجن خمس سنوات، أمضاها مقيدا في زنزانته حيث كان الطعام يلقى إليه وحيث كان لا يستطيع أن يقضى حاجته في مكان أبعد من مدى السلسلة التى قيد بها.
وسرعان ما جاءت إلى مصر جماعة من رجال السلال ليطلبوا من الرئيس عبد الناصر تأييده وعونه في إقامة نظام جمهوري وقابلوا أنور السادات الذى كان وقتئذ رئيس مجلس الأمة. وكتب السادات مذكرة بصدد اجتماعه مع اليمنيين وتقرر بالاستناد إليها الاعتراف بحكومة السلال وتزويدها ببعض المستشارين وبكميات من الأسلحة الخفيفة.
أما البدر فقد استطاع الهرب بطريقة مسرحية هزلية.
ذلك أن السلال كان قد أمر رجاله بمحاصرة القصر، ولكنه عندما حان وقت الغذاء ترك الجميع مراكزهم ليأكلوا ويمضغوا القات. فانتهز البدر الفرصة وخرج من باب خلفى راكبا حمارا واختفى قبل أن يعود جنود السلال إلى اتخاذ مراكزهم .
وساد الهرج والمرج ولم يعرف أحد- ذلك الحين- ما جرى للبدر وهل هو حى أم ميت- ولم يعرف أحد بمكانه حيا أو ميتا.
وفي ذلك الحين كذلك كان عمه الأمير الحسن في الأمم المتحدة حيث كان يشغل منصب رئيس وفد اليمن الدائم . وقد طار الأمير الحسن فورا إلى المملكة العربية السعودية وطلب المساعدة من الملك سعود برغم العداوة القديمة بين عائلتيهما.
وكان الملك سعود يشعر- وقتئذ- باليأس . ذلك أن الرجال الذين وضعهم فى الحكم فى سوريا كانوا قد سقطوا. وها هى ثورة جمهورية تقوم على أبوابه ، وهكذا سارع إلى إعانة العائلة المالكة اليمنية.
وبينما جمع السعوديون السلاح : أخذ الأمـير الحسن يثير القبائل وبدأ سعود يشترى ولاء تلك القبائل بأمواله التي يدرها عليه البترول . و لم يلبث أن ظهر البدر وخرج من مخبئه ليحارب الحكومة الجمهورية.
على أن السعوديين لم يكونوا جميعا راغبين في إعادة الملكيين . إلى الحكم في اليمن . فقد انطلق ثلاثة من طياري سلاح الجو السعودى بطائراتهم إلى مصر طالبين حق اللجوء السياسى [ في 2 اكتوبر 1962 ]. وكانت الطائرات الثلاث من طائرات النقل طراز فيرتشايلد ، محملة بالسلاح والذخيرة في صناديق عليها صورة اليدين المتضافحتين : شعار برنامج المساعدات الأمريكية واحتج عبد الناصر للسفير الأمريكى قائلاً ، إن هذه ليست بالطريقة السليمة للمساعدة : وإن هذا النوع من المساعدات ينطوى على تقديم الموت وليس الصداقة .
بعد التجاء الطيارين السعوديين الثلاثة إلى مصرشل سعود حركة سلاحه الجوي ومنع تحليق طائراته واستأجر سلاح طيران الملك حسين لتزويد الملكيين بالمساعدات ..
لكن الشيء ذاته حدث للأردنيين . ففى ظرف اسبوع وصلت إلى مصر طائرات هوكرهنتر الثلاث التابعة لسلاح الطيران الأردني والمرابطة في مطار جدة . وكان يقودها طياروها وعلى رأسهم قائد سلاح الجو الملكي الأردني نفسه .
ولما ازداد عدد الطيارين السعوديين والاردنيين الذين لجأوا بطائراتهم إلى مصر. دأب السفير الأمريكى- بادو- على سؤال عبد الناصر كلما رآه في تلك الفترة :
" كم بلغ عدد الحمائم اليوم ؟ "
غير أن الملكيين استجمعوا قواهم واحتلوا سبأ وصعدة وأقضوا مضاجع الجمهوريين في صنعاء إذ أعطوا القبائل الإذن عبر إذاعتهم بنهب العاصمة ، والنهب طريقة تقليدية لتسديد الفواتير للقبائل .
وبعث عبد الناصر ببعض القوات إلى اليمن لمساندة الحكومة الجمهورية واضطر أن يرسل المزيد منها نظرا إلى أن الفيافي اليمنية كانت تستوعب فوراً المزيد والمزيد وكان عبد الناصر يقول أحيانا :" لقد أرسلت كتيبة لمواجهة التهديد على صنعاء ثم عززت الكتيبة بفرقة " .
ومالبثت أن بدأت تؤثر في الموقف عدة من تيارات النفوذ المختلفة . فقد عم الاستياء في المملكة العربية السعودية بسبب المبالغ الهائلة التي كان الملك سعود ينفقها على الحرب في اليمن . وأصبحت شركات البترول تخشى أن يزحف الجيش المصري على آبار البترول السعودية . وقلقت بريطانيا على عدن .
لكن سعود ظل يدعم الملكيين وتقرر في يوم من الأيام إشعاره بأنه لايستطيع أن يفرض الخطر على الناس ويظن انه هو نفسه بمأمن منه ، وهكذا أرسلت قاذفة قنابل من طراز ايليوشين لتحلق فوق قصره . وتطلق مشاعل ضوئية هدفها تحذير الملك .
ومن سخريات القدر أن ذلك القصر كان القصر الملكي الجديد الذي كان عبد الناصر قد زاره كأول ضيف رسمي فسمي تيمناً به " قصر الناصرية " . وعندما جاء سعود الى مصر – في أواخر حياته لاجئا سياسيا – وصف للرئيس عبد الناصر مدى الذعر الذي أحس به ، وكم كره المصريين يومها .
وبسبب هذه الغارة سافر الأمير فيصل- الذى كان قد أصبح صاحب السلطة الحقيقية في المملكة العربية السعودية-- إلى واشنطن وطلب من الأمريكيين تزويده بغطاء جوى لحماية السعودية من سلاح الطيران المصري .
وسرعان ما كتب الرئيس كنيدى في 17 نوفمبر ( تشرين الثاني). الرسالة الأولى من سلسلة من الرسائل إلى عبد الناصر حول الحرب اليمنية . وقد بسط في الرسالة الأولى خططه لإنهاء الحرب وأرسل كتابين مماثلين في هـذا الصدد إلى كل من الملك حسين والأمير فيصل (الملك فيصل فيما بعد).وفي رسالته تلك قال كنيدى بالنص :
عزيزى الرئيس :
إن العناصر الأساسية للخطة التي نقترحها لتسوية النزاع في اليمن كما يلى:
ا- الإجلاء المرحلى والسريع للقوات الأجنبية من اليمن .
ب-إنهاء العون الخارجى للملكيين .
ج- الإجلاء المرحلى والسريع للقوات الى أدخلت- بعد الثورة فى اليمن- إلى منطقة الحدود السعودية- اليمنية.
وبينما تتم عملية الإجلاء فإننى أتصور إجراء اتصالات مباشرة بين الفريقين المعنيين تدعمها المساعى الحميدة من فريق ثالث أو وضع عملية فك الاشتباك تحت رقابة أو إشراف الأمم المتحدة ، وسيكون ممثلو حكومتي مستعدين للبحث فى أية تفاصيل أخرى تتعلق بهذه الوسائل .
وأقترح كذلك أن يتم اتخاذ الخطوات المبدئية الآتية بسرعة :
1- إصدار بيان من قبل الجمهورية العربية المتحدة تعلن فيه عن استعدادها للقيام بفك اشتباكها على أساس المقابلة بالمثل ولسحب قواتها بسرعة و على مراحل إذا ( أ ) سحبت القوات السعودية والأردنية من الحدود وإذا (ب) أوقف العون السعودى والأردني عن الملكيين اليمنيين .
2- أن تؤكد جمهورية اليمن العربية علنا عزمها على احترام التعهدات والالتزامات الدولية وبالسعى لإعادة العلاقات الودية مع جيرانها إلى مجراها الطبيعى وبصرف جهودها إلى الشئون الداخلية والتركيز عليها بالاضافة إلى إصدار نداء من جمهورية اليمن العربية إلى اليمنيين فى المناطق المجاورة بأن يكونوا من المواطنين الذى يعيشون في ظل احترام القانون .
3- وبعد أن تصدر البيانات المناسبة وفق ما هو وارد أعلاه وعند إيجاد ظروف طبيعية لعمل بعثة المساعدة الأمريكية فى اليمن فإن الولايات المتحدة ستصدر فوراً اعترافها بجمهورية اليمن العربية.
وبينما يجري تنفيذ فك الاشتباك المذكور فإننا نرجو بالطبع أن لا يزج أحد من الأطراف نفسه في نشاطات تخالف روح هذا التفاهم .
إننى أدعو إلى تعاونكم العاجل والفورى في هذه المهمة الحيوية وذلك قبل أن يدخل النزاع على اليمن في مرحلة أكثر خطورة .
وليمنحنا الله كل القوة ويلهمنا الحكمة للمضى في هذه المجهودات المهمة وإيصالها إلى خاتمتها الناجحة".
المخلص
جون. ف. كنيدى
عبد الناصر عبد الناصر و كنيدى الآفاق الضائعة -3 بقلم محمد حسنين هيكل
عبد الناصر والعالم 16 - محمد حسنين هيكل
عبد الناصرو كنيدى
الآفاق الضائعة
إقتباس:
عبد الناصر والعالم 16 - محمد حسنين هيكل
عبد الناصر و كيندي - 3
لكن خطوة كنيدي هذه تحطمت بدورها على صخور الأحداث المتلاحقة بسرعة فائقة . إذ أنه بعد شهر من هذه الرسالة اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية وتفجرت في عالم مذعور ، فنسى العالم الشرق الأوسط
بينما كان خروشوف وكنيدى يخوضان مبارزتهما الرهيبة وبينما كان الكل يتساءل عما إذا كان العالم يقترب من نهايته .
على أن كنيدى كان حريصا على أن يعرف الجميع نوع الإجراء الذى سوف يتخذه ودافعه إلى ذلك فكتب في 22 أكتوبر ( تشرين الأول ) إلى عبد الناصر وكانت رسالته مقتضبه ومركزة وواضحة جدا وقد جاء فيها بالنص :
عزيزى الرئيس :
إن القرائن على أن قواعد صواريخ نووية هجومية قد أنشأتها الحكومة السوفييتية بصورة سرية في كوبا هى قرائن صحيحة بما لا يقبل الشك . فضلا عن أن العمل يجرى حثيثا من أجل إنشاء قواعد إضافية. وسوف تتاح لسفيركم هنا أن يطلع على التفصيلات ، والواقع أن هذا الإجراء الروسي يعتبر خرقا مباشراً لبيان الرئيس خروشوف الذى أكده لى شخصيا منذ أيام قليلة وزيرالخارجية جروميكو، والتي تقطع بأنه لا يجري تزويد كوبا إلا بأسلحة دفاعية.
وتذكرون أننى صرحت علنا منذ شهر بأنه إذا تبين في أى وقت أن تكديس السلاح الشيوعى في كوبا سيتجه إلى أن يصبح قاعدة عسكرية هجومية ذات خطر لمصلحة الاتحاد السوفييتى فان بلادنا هذه ستفعل ما تجد أنه ضرورى لحماية سلامتها وسلامة حلفائها.
ولذا فانه من الضرورى أن نقوم بفرض حجر نووى فورى للحيلولة دون تركيب مزيد من الصواريخ الهجومية من قبل الحكومة السوفييتية في كوبا . وأنا واثق من أن هذا الإجراء سيؤدي إلى إزالة الصواريخ الهجومية المنصوبة هناك.
ولقد أبلغت الرئيس خروشوف أننى أرجو أن نستطيع استئناف سبيل المفاوضات السلمية.
هذا وقد طلبت عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما طلبت من السفير ستيفنسون أن يقدم- بالنيابة عن الولايات المتحدة- مشروع قرار يدعو إلى سحب قاعدة الصواريخ وغيرها من الأسلحة الهجومية من كوبا تحت اشراف مراقبى الأمم المتحدة .
ومن شأن ذلك أن يمكن الولايات المتحدة من أن ترفع حجرها النووى . وامل ان تصدروا تعليماتكم إلى ممثلكم فى نيويورك لأن يتعاون معنا وليعلن صراحة تأييده فى الأمم المتحدة ، للبرنامج الآنف الذكر.
وقد طلب إلى وزارة الخارجية أن تعمل على تزويد سفيركم بجميع التطورات .
توقيع : جون . ف . كنيدى
ورد الرئيس عبد الناصر على هذه الرسالة فى 31 أكتوبر (تشرين الأول) لكن الأحداث كانت قد سارت بسرعة جارفة بحيث زال الخطر وعاد العالم يتنفس الصعداء . وقد عبر الرد عن تحفظات الرئيس عبد الناصر بشأن الحصار الأمريكى لكوبا كما أنه لم يترك لكنيدى مجالا للشك- مرة أخرى- حول وجهة نظره في المسئولية الهائلة الى تتحملها الولايات المتحدة حيال الجنس البشري أجمع .
قال عبد الناصر في رسالته :
المستر جون . ف. كنيدى
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
عزيزى الرئيس
تلقيت باهتمام كبير خطابكم الى بتاريخ 22 اكتوبر المرفق ببيانكم الرسمى إلى الأمة الأمريكية عن الموقف فى كوبا. وإني لشديد العرفان لجهدكم في توضيح خط السياسة الأمريكية أمام الذين تعنيهم تطورات الأمور في العالم وتشغل بالهم قضايا السلام .
وفى رأيي أنه لم يعد هناك الآن مجال لمناقشة وجهات النظر المختلفة عن طبيعة القواعد التى كانت موجودة فى كوبا والتى أثارت الشكوك لديكم .
كذلك لم يعد هناك مجال الآن لمناقشة الإجراءات الآمريكية ترتيبا على ذلك .
فلم يعد هناك مجال لذلك كله . ولا عادت هناك منه فائدة ، إنه من حسن الحظ فإن حرص شعوب العالم على السلام ، وإرادتها الواضحة فى صيانته ، وجهدها داخل الأمم المتحدة وخارجها، كذلك الحكمة وسلامة التقدير والوفاء بالمسئولية التى تجلت في تصرفات الأطراف التى شاركت فى النزاع ، كل ذلك يجعل التطلع إلى الأمام الآن أجدى وأنفع من الوقوف عند الماضى .
ولا بد لى هنا أن أسجل عذة ملاحظات :
أولها- أننا نقدر استجابتكم لنداء السكرتير العام المؤقت للأمم المتحدة المستر يوثانت ، ولتعاون وفد الولايات المتحدة الأمريكية فى الأمم المتحدة معه، فإننا مازلنا نؤمن - وتشاركنا في ذلك شعوب كثيرة محبة للسلام- أن التعاون الصادق في اطار الأمم المتحدة هو خير ضمانات الوصول إلى حلول ناجعة للمشاكل ..
ثانيها- أننا نقدر كل التقدير أن الإجراءات الأمريكية الى اتخذت - بصرف النظر عن أى رأى لنا فيها- قد جرت ممارستها بطريقة خالية من التحرش العدواني .
ثالثها- أننا نقدر تعهدكم الذى قطعتموه بعدم غزو كوبا عسكريا ، ونرى أن هذا التعهد كان مساهمة جدية في تخفيف حدة التوتر .
واننا نضيف إلى ذلك - مؤمنين- اعتقادنا أن الولايات المتحدة- بكل قوتها وهيبتها- تقدر على دعم السلم كما لا يقدر عليه أحد، كما أنها تتحمل مسئولية تاريخية أمام البشرية كلها في هذا الصدد، حيث السلام القائم على العدل مطلب انساني يتقدم جميع المطالب الأخرى ، فهو لا يصون الحياة فقط ، انما هو أيضا يكرمها.
وتقبلوا- ياعزيزى الرئيس- تحيتي وأماني الطيبة.
توقيع
جمال عبد الناصر
القاهرة في 31 أكتوبر سنة 1962
كانت تلك أزمة لم ينسها خروشوف مطلقا. وعندما جاء إلى مصر ظل يعود إليها ويتحدث عنها مرة بعد أخرى . فقد تركت أثرأ عميقا في نفسه.
وكان كنيدى قد قتل آنذاك وقد قال خروشوف ، حينما كان بتحدث عنه مع عبد الناصر، إنه كان لدى كنيدى الكثير مما يعطيه ولكن كان لديه الكثير مما يجب أن يتعلمه.
وأضاف خروشوف أنه كان يعلق في البداية الكثير من الآمال على كنيدي وقد ذكر ذلك برغم أنه قال في معرض روايته لمجابهتهما الأولى في فيينا : " إن كنيدى دخل إلى الاجتماع كطاووس وخرج منه كعصفور غريق مبلل ".
وكان خروشوف يشعر بالمرارة لأن الناس يظنون أن كنيدي أجبره على التراجع فى أزمة الصواريخ الكوبية وقال لعبد الناصر:
" ليس ذلك صحيحا.. إنما أردنا أن نقرب الخطر إلى الولايات المتحدة بحيث ننتزع منها تعهدا بعدم غزو كوبا. ولم نخطط لإبقاء الصواريخ هناك . لقد كان لنا هدف وحققناه . فقد وعد الأمريكيون بعدم غزو كوبا ولذلك فإن كل الدعاية الأمريكية عن الصواريخ غير صحيحة.
ومع ذلك فالواقع أن الطريقة التى ظل دائماً يعود بها إلى طرق موضوع كنيدى وكوبا كانت تجعل المرء يشعر بأن أزمة كوبا تركت أثرا لايندمل على روحه .
برغم ملابسات الأزمة الكوبية فقد ظل خروشوف يحتفظ بتقديره لكنيدى وكان أحد الجوانب التي سرته من قبل حكومة الرئيس كنيدي هي كيف حمل المعاونون الشبان المحيطون بالرئيس كنيدي حقائق مخاطرة القوة النووية الى البيت الابيض .
وكان خروشوف يرى أن أيزنهاور لم يدرك قط حقائق القوة النووية. وأن القنبلة الذرية لم تكن في نظر الجنرال العجوز أكثر من مدافع أضخم وأحسن من شأنها أن تمده بالمزيد والمزيد من القوة التدميرية . كما ان خروشوف كان متأكدا من أنه لو فهم أيزنهاور معنى القوة النووية لما سمح لدالاس أن يصل إلى كل تلك المرات إلى حافة الهاوية ، بتهديداته بالرد الثأرى الشامل .
وبينما كان الاهتمام العالمى يتحول عن كوبا : اندلعت من صحارى اليمن الوعرة أزمة أخرى واندفعت إلى وسط المسرح العالمي تستقطب الانتباه العام لغموضها ، وكانت هذه الأزمة واحدة من الأزمات التى عالجها عبد الناصر وكنيدى في علاقتهما. "
فقد توفي أحمد إمام اليمن العجوز يوم 9 سبتمبر ( إيلول) بعد أن تعرض أربع مرات لإطلاق النار عليه. كان رجلا خارقا غير عادى أشبه بشخصية خرافية خرجت من صفحات أساطير القرون الوسطى.
وقد سحق يد عبد الناصر عندما صافحه في أول لقاء بينهما ، ربما لأنه أراد أن يعامل عبد الناصر كواحد من رؤساء القبائل الذين درج على أن يهيمن عليهم بإشعاره بقوة قبضته وبأنه ما زال في صحة تمكنه من فرض سيطرته. وكان حكمه في اليمن أوتوقراطيا وفي غاية الاستبداد . ولم يكن يسمح بحرية الصحافة فى بلاده بينما كان مدمنا قراءة المجلات الفنية المصرية. وكان أول سؤال وجهه إلى الرئيس عبد الناصر في لقائهما الأول :
"هل تزوجت فاتن حمامة من عمر الشريف ؟ "
وقد دهش عبد الناصر من السؤال وربما كان آخر ما توقعه من إمام اليمن .
وكان الإمام أحمد في الواقع مخلوقا عجيبا غريبا . يتزين بالمسابح والعقود وأحزمة الرصاص و الخناجر وكان الكحل يزين حدقتيه. أما وجهه فكانت كل عضلة فيه تتحرك وتختلج مستقلة عن الأخرى بمفعول القات الذى اعتاد مضغه.
وروى الإمام أحمد لعبد الناصر قصة انقلاب أحبطه . وخلاصة القصة أنه كان محاصراً في قصره حينما شاهد حارسا يفتش إحدى جواريه فصاح :
" والله لن تفتش النساء ما دام أحمد حيا "
وقفز على صهوة حصان واندفع يخب به نحو الخفراء وأمسك بمدفع رشاش وأخذ يطلق عياراته في الهواء من برج القصر . ولما شاهده الناس أخذوا يهتفون :
" إنتصر الإمام .. إنتصر الإمام "
وهكذا أخفق الانقلاب .
وقد قطع الإمام أحمد رؤوس زعماء الانقلاب وقال إنه علق تلك الرؤوس على شجرة " كالثمار اليانعة ".
كان هو واليمن- التى يمثلها- شيئاً ينأقض التاريخ ...
وقد اعتاد عبد الناصر بهذه المناسبة أن يروى النادرة الآتية :
هبط الله من السماء مع كبير الملائكة جبريل ليرى كيف تطور العالم منذ أن خلقه . وجالا حول العالم فوق إحدى السحب وتطلع الإله من عليائه وقال :
- لم أعرف هذا المكان .
فأجابه جبريل :
- هذه بريطانيا .
- لكم تغيرت.. لم أستطع تبينها .
وتوجها بعد ذلك إلى القارة الأمريكية فقال الإله :
- وماهذه؟ .
فأجابه جبريل :
- هل نسيت ؟ .. انهما الجزيرتان الكبيرتان اللتان خلقتهما فى النهاية ".
- ولكنهما تغيرتا كثيرا..
وتكرر الحوار ذاته فوق مصر عندما شاهد الإله الأهرامات .
وبعد ذلك وصلا إلى بلد عرفه الإله فورا وقال :
- هذه هى اليمن.. فقد بقيت تماما على نفس الحال منذ اليوم الذي خلقتها فيه.
وعندما أوفد رالف بانش من قبل الأمم المتحدة إلى اليمن مر بالقاهرة فى طريق عودته وقال لى : " يا إلهى.. عندما رأيت الكونجو رأيت جريمة الاستعمار.. ولكن عندما وصلت إلى اليمن آمنت بأن من سوء الحظ أنها لم تعرف ولو قدرا ضئيلا من الاستعمار " .
وبعد وفاة الإمام أحمد ، خلفه ابنه الأمير محمد البدر الذى كان أبوه يستخدمه دائما في البعثات التي يوفدها إلى مصر. وكان عبد الناصر محتارا في أمر البدر وكان يتساءل ما إذا كان في وسع البدر أن ينقل اليمن إلى العالم الحديث. وظل يتعجب ويتساءل إلى أن طلب الأمير البدر ذات يوم- وكان لايزال وليا للعهد- أن يزور حديقة الحيوان في القاهرة .
وذهب البدر يرافقه وفد رسمى إلى حديقة الحيوان حيث سار كل شيء على مايرام إلى أن اكتشف البدر شجرة قات لم يتبينها أحد غيره . فهرع وصعد إليها وجلس على غصن منها وأخذ يمضغ أوراق القات .
وبعد أن سمع عبد الناصر بهذه الواقعة لم يعد يتساءل عن طاقات البدر أو قدراته.
حكم البدر لمدة أسبوع انتهى بقلبه عن الحكم على يد العقيد عبذ الله السلال- قائد الحرس الملكى .
وكان السلال قد عين في منصبه ذاك برغم أن الإمام السابق زجه في السجن خمس سنوات، أمضاها مقيدا في زنزانته حيث كان الطعام يلقى إليه وحيث كان لا يستطيع أن يقضى حاجته في مكان أبعد من مدى السلسلة التى قيد بها.
وسرعان ما جاءت إلى مصر جماعة من رجال السلال ليطلبوا من الرئيس عبد الناصر تأييده وعونه في إقامة نظام جمهوري وقابلوا أنور السادات الذى كان وقتئذ رئيس مجلس الأمة. وكتب السادات مذكرة بصدد اجتماعه مع اليمنيين وتقرر بالاستناد إليها الاعتراف بحكومة السلال وتزويدها ببعض المستشارين وبكميات من الأسلحة الخفيفة.
أما البدر فقد استطاع الهرب بطريقة مسرحية هزلية.
ذلك أن السلال كان قد أمر رجاله بمحاصرة القصر، ولكنه عندما حان وقت الغذاء ترك الجميع مراكزهم ليأكلوا ويمضغوا القات. فانتهز البدر الفرصة وخرج من باب خلفى راكبا حمارا واختفى قبل أن يعود جنود السلال إلى اتخاذ مراكزهم .
وساد الهرج والمرج ولم يعرف أحد- ذلك الحين- ما جرى للبدر وهل هو حى أم ميت- ولم يعرف أحد بمكانه حيا أو ميتا.
وفي ذلك الحين كذلك كان عمه الأمير الحسن في الأمم المتحدة حيث كان يشغل منصب رئيس وفد اليمن الدائم . وقد طار الأمير الحسن فورا إلى المملكة العربية السعودية وطلب المساعدة من الملك سعود برغم العداوة القديمة بين عائلتيهما.
وكان الملك سعود يشعر- وقتئذ- باليأس . ذلك أن الرجال الذين وضعهم فى الحكم فى سوريا كانوا قد سقطوا. وها هى ثورة جمهورية تقوم على أبوابه ، وهكذا سارع إلى إعانة العائلة المالكة اليمنية.
وبينما جمع السعوديون السلاح : أخذ الأمـير الحسن يثير القبائل وبدأ سعود يشترى ولاء تلك القبائل بأمواله التي يدرها عليه البترول . و لم يلبث أن ظهر البدر وخرج من مخبئه ليحارب الحكومة الجمهورية.
على أن السعوديين لم يكونوا جميعا راغبين في إعادة الملكيين . إلى الحكم في اليمن . فقد انطلق ثلاثة من طياري سلاح الجو السعودى بطائراتهم إلى مصر طالبين حق اللجوء السياسى [ في 2 اكتوبر 1962 ]. وكانت الطائرات الثلاث من طائرات النقل طراز فيرتشايلد ، محملة بالسلاح والذخيرة في صناديق عليها صورة اليدين المتضافحتين : شعار برنامج المساعدات الأمريكية.
واحتج عبد الناصر للسفير الأمريكى قائلاً ، إن هذه ليست بالطريقة السليمة للمساعدة : وإن هذا النوع من المساعدات ينطوى على تقديم الموت وليس الصداقة .
بعد التجاء الطيارين السعوديين الثلاثة إلى مصرشل سعود حركة سلاحه الجوي ومنع تحليق طائراته واستأجر سلاح طيران الملك حسين لتزويد الملكيين بالمساعدات .
لكن الشيء ذاته حدث للأردنيين . ففى ظرف اسبوع وصلت إلى مصر طائرات الهوكرهنتر الثلاث التابعة لسلاح الطيران الأردني والمرابطة في مطار جدة . وكان يقودها طياروها وعلى رأسهم قائد سلاح الجو الملكي الأردني نفسه .
ولما ازداد عدد الطيارين السعوديين والاردنيين الذين لجأوا بطائراتهم إلى مصر. دأب السفير الأمريكى- بادو- على سؤال عبد الناصر كلما رآه في تلك الفترة :
" كم بلغ عدد الحمائم اليوم ؟ "
غير أن الملكيين استجمعوا قواهم واحتلوا سبأ وصعدة وأقضوا مضاجع الجمهوريين في صنعاء إذ أعطوا القبائل الإذن عبر إذاعتهم بنهب العاصمة ، والنهب طريقة تقليدية لتسديد الفواتير للقبائل .
وبعث عبد الناصر ببعض القوات إلى اليمن لمساندة الحكومة الجمهورية واضطر أن يرسل المزيد منها نظرا إلى أن الفيافي اليمنية كانت تستوعب فوراً المزيد والمزيد وكان عبد الناصر يقول أحيانا :
" لقد أرسلت كتيبة لمواجهة التهديد على صنعاء ثم عززت الكتيبة بفرقة " .
ومالبثت أن بدأت تؤثر في الموقف عدة من تيارات النفوذ المختلفة . فقد عم الاستياء في المملكة العربية السعودية بسبب المبالغ الهائلة التي كان الملك سعود ينفقها على الحرب في اليمن . وأصبحت شركات البترول تخشى أن يزحف الجيش المصري على آبار البترول السعودية . وقلقت بريطانيا على عدن .
لكن سعود ظل يدعم الملكيين وتقرر في يوم من الأيام إشعاره بأنه لايستطيع أن يفرض الخطر على الناس ويظن انه هو نفسه بمأمن منه ، وهكذا أرسلت قاذفة قنابل من طراز ايليوشين لتحلق فوق قصره . وتطلق مشاعل ضوئية هدفها تحذير الملك .
ومن سخريات القدر أن ذلك القصر كان القصر الملكي الجديد الذي كان عبد الناصر قد زاره كأول ضيف رسمي فسمي تيمناً به " قصر الناصرية " . وعندما جاء سعود الى مصر – في أواخر حياته لاجئا سياسيا – وصف للرئيس عبد الناصر مدى الذعر الذي أحس به ، وكم كره المصريين يومها .
وبسبب هذه الغارة سافر الأمير فيصل- الذى كان قد أصبح صاحب السلطة الحقيقية في المملكة العربية السعودية-- إلى واشنطن وطلب من الأمريكيين تزويده بغطاء جوى لحماية السعودية من سلاح الطيران المصري .
وسرعان ما كتب الرئيس كنيدى في 17 نوفمبر ( تشرين الثاني). الرسالة الأولى من سلسلة من الرسائل إلى عبد الناصر حول الحرب اليمنية . وقد بسط في الرسالة الأولى خططه لإنهاء الحرب وأرسل كتابين مماثلين في هـذا الصدد إلى كل من الملك حسين والأمير فيصل (الملك فيصل فيما بعد).
وفي رسالته تلك قال كنيدى بالنص :
عزيزى الرئيس :
إن العناصر الأساسية للخطة التي نقترحها لتسوية النزاع في اليمن كما يلى:
ا- الإجلاء المرحلى والسريع للقوات الأجنبية من اليمن .
2- إنهاء العون الخارجى للملكيين .
3- الإجلاء المرحلى والسريع للقوات الى أدخلت- بعد الثورة فى اليمن- إلى منطقة الحدود السعودية- اليمنية.
وبينما تتم عملية الإجلاء فإننى أتصور إجراء اتصالات مباشرة بين الفريقين المعنيين تدعمها المساعى الحميدة من فريق ثالث أو وضع عملية فك الاشتباك تحت رقابة أو إشراف الأمم المتحدة ، وسيكون ممثلو حكومتي مستعدين للبحث فى أية تفاصيل أخرى تتعلق بهذه الوسائل .
وأقترح كذلك أن يتم اتخاذ الخطوات المبدئية الآتية بسرعة :
1- إصدار بيان من قبل الجمهورية العربية المتحدة تعلن فيه عن استعدادها للقيام بفك اشتباكها على أساس المقابلة بالمثل ولسحب قواتها بسرعة و على مراحل إذا ( أ ) سحبت القوات السعودية والأردنية من الحدود وإذا (ب) أوقف العون السعودى والأردني عن الملكيين اليمنيين .
2- أن تؤكد جمهورية اليمن العربية علنا عزمها على احترام التعهدات والالتزامات الدولية وبالسعى لإعادة العلاقات الودية مع جيرانها إلى مجراها الطبيعى وبصرف جهودها إلى الشئون الداخلية والتركيز عليها بالاضافة إلى إصدار نداء من جمهورية اليمن العربية إلى اليمنيين فى المناطق المجاورة بأن يكونوا من المواطنين الذى يعيشون في ظل احترام القانون .
3- وبعد أن تصدر البيانات المناسبة وفق ما هو وارد أعلاه وعند إيجاد ظروف طبيعية لعمل بعثة المساعدة الأمريكية فى اليمن فإن الولايات المتحدة ستصدر فوراً اعترافها بجمهورية اليمن العربية.
وبينما يجري تنفيذ فك الاشتباك المذكور فإننا نرجو بالطبع أن لا يزج أحد من الأطراف نفسه في نشاطات تخالف روح هذا التفاهم .
إننى أدعو إلى تعاونكم العاجل والفورى في هذه المهمة الحيوية وذلك قبل أن يدخل النزاع على اليمن في مرحلة أكثر خطورة .
وليمنحنا الله كل القوة ويلهمنا الحكمة للمضى في هذه المجهودات المهمة وإيصالها إلى خاتمتها الناجحة".
المخلص
جون. ف. كنيدى
ورد عبد الناصر على هذا الكتاب بالرسالة الآتية :
" صاحب الفخامة الرئيس " جون . ف. كنيدى
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
إني شاكر لكم خطابكم بتاريخ 17 نوفمبر، وما فيه من دلائل على اهـتمامكم بسير الحوادث في العالم العربي .
على أنه لابد لى أن ألاحظ هنا . أن هذه أول مرة أسمح لنفسي فيها أن أناقش مشاكل العالم العربى، خارح حدوده ، فلقد آثرت دائما أن تبقى الخلافات الداخلية للعالم العربي في نطاقها المحلى ، برغم المحاولات المتكررة من جانب غيرنا لإخراجها عن هـذا الإطار ، وأضرب مثلا على ذلك ما كان في الامم المتحدة ، حين أتيح لى شرف الحديث في دورة انعقاد الجمعية العامة في سبتمبرمن سنة 1960. فلقد كان تصميمى قاطعا على أن أبتعد بمشاكل العالم العربي الداخلية عن هذا المنبر الدولي . برغم أن هذا المنبر اتخذ بوقا من جانب آخرين - وبتشجيع غيرهم- للهجوم على سياسة الجمهورية العربية المتحدة.
على أني في المشكلة التى طرأت أخيرا بعد الثورة اليمنية- وما نتج عنها من آثارعلى الحدود بين الجمهورية العربية اليمنية والمملكة العربية السعودية- وجدت أنه لابد لى من الاستجابة لاهتمامكم الكبير. نظرا إلى ما أعرفه ، وما أكده لي السفير الأمريكي فى القاهرة الدكتور جون بادو، من ارتباطاتكم الوثيقة بالمملكة العربية السعودية .
وأحب آن أؤكد لكم - على الفور- أني قبلت من غير ما تردد اقتراحك البناء بتفادي الاصطدامات على حدود اليمن، ولقد كان ذلك أصلا وأساسا هـو الهدف الذى من أجله ذهبت قوات من الجمهورية العربية المتحدة إلى اليمن .
ولقد حاولنا ذلك سلما بمختلف البيانات التى صدرت عن الجمهورية العربية المتحدة . وعبرت عن سياستها تجاه الثورة الوطنية فى اليمن ، وأبرزها البيان الذى أذيع من القاهرة في الساعات الأولى من يوم 27 سبتمبر. بضرورة عدم التدخل الخارجى فى شئون اليمن ، وترك الشعب العربي اليمنى حرا فى إعمال إرادته ، وصياغتها نهائيا على النحو الذي يريده .
و من سوء الحظ ، أن صاحب الجلالة الملك سعود أخذ الأمر على غير وجهته الصحيحة ، فلقد تصور الثورة في اليمن معركة بين النظامين ، الملكى والجمهورى ، ومن ثم فإنه- بهذا التصور غير الصحيح- أندفع بكل طاقته وامكانياته في محاولة لغزو اليمن من الخارج . ولعلكم علمتم أن عددا من الطيارين السعوديين الأحرار الذين كلفوا بأعمال عدوانية ضد ثورة اليمن ، قد قادوا طائراتهم إلى القاهرة ، بدافع من ضميرهم القومي ، وكانت هذه الطائرات أمريكية الصنع ، كما أن حمولتها من الأسلحة كانت مازالت في صناديق المعونة الامريكية .
ولقد كان ذلك بالنسبة إلينا- فضلا عما تنطوى عليه من نيات عدوانية- دليلا على أن نداءنا إلى الجميع بالابتعاد عن حدود اليمن وعدم التدخل في شئونه الداخلية، وتجنب فرض الحرب عليه من وراء الحدود لتعويق إرادته وضربها لم يجد آذانا صاغية فى الرياض . ومن ثم كانت الاستجابة الضرورية لطلب حكومة الجمهورية العربية اليمنية ، بوضع بعض قواتنا تحت تصرفها لتشترك معها في الدفاع ضد الهجمات العنيفة التى تتعرض لها حدودها الشمالية فى منطقة صعدة في ذلك الوقت والتى اتخذت من منطقة نجران السعودية قاعدة لها .
وأؤكد لك أن الجمهورية العربية المتحدة ، تملك الوثائق التي تثبت أن بعض الطيارين الأمريكيين اشتركوا فى عمليات نقل العتاد والجنود ما بين الأردن والسعودية ، إلى حدود اليمن . على أننا نعرف أن هؤلاء الطيارين ، وقد كانوا في خدمة الخطوط الجوية السعودية ، كائوا يعملون تحت عقود ملزمة ، وفي إطار ظروف فرضت عليهم ما قاموا به ، وربما لم تكن أبعاد المسئولية فيه واضحة أمامهم .
ومرة أخرى ، فلقد كان الهدف نفسه أمام الجمهورية العربية . لقد حاولت بالوسائل الدبلوماسية تحقيق ابتعاد خارجى عن حدود اليمن ، ولما فشلت الوسائل الديبلوماسية ، وتصور الذين اتجهوا إلى العدوان أن أهدافهم قريبة المنال ، كان تدخل الجمهورية العربية المتحدة- بناء على طلب حكومة اليمن- ببعض القوات العسكرية يستهدف الغاية نفسها .
إن الجمهورية العربية المتحدة لم تكن تريد حربا مع السعودية على حدود اليمن ، فان الخلاف التاريخي بين حكومة المملكة العربية السعودية و الجمهورية العربية المتحدة ، ليس خلافا من نوع يحسمه الصدام المسلح، إنما الخلاف أعمق من ذلك ، فإن جنوره ضاربة في أعماق الأوضاع الاجتماعية السائدة في العالم العربي ، ومحاولة آمال المستقبل أن تنزع نفسها من بقايا الماضى ورواسبه لتضع مستقبلا كريما، للإنسان العربى، صاحب أرضه وسيدها.
ولقد كان في استجابتنا لمقترحاتكم- كذلك في استجابة الحكومة اليمنية- نشعر بواجب الشكر أن تمكنتم من إقناع حكومة المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية ، بما حاولنا بمختلف الأساليب أن نضعه أمامهما، وهو عدم التدخل في اليمن وترك شعبه حرا، ينسج بيده آمال غده.
لقد حاولنا ذلك بالنداءات الديبلوماسية، لكنها لم تصل إلى هدفها.
وحاولنا بعد ذلك تدعيم هذه النداءات بالقوة وكنا- يعلم الله- حريصين على كل نقطة دم عربية ، على أننا كنا نؤمن نظرية الردع ، وأن الذين يفكرون في العدوان سوف يترددون فيه ويحسبون حسابه مقدما، إذا ما عرفوا بوضوح أن عدوانهم لا يمكن أن يمضي بغير عقاب . لكن العدوان على حدود اليمن، ظل يندفع موجة بعد موجة ، لتتكسر الموجات على حدود اليمن الثائر الصلبة.
ومن ناحية أخرى ، نحن نعتقد أن القوات المسلحة فى السعودية والأردن بذلت من جانبها- وتحت الإيمان بوحدة النضال العربي والمصير العربي- جهدها لتحذير الذين يستهدفون العدوان ، وتجلى ذلك في مجيء طلائع من الطيارين الأردنيين إلى القاهرة ، حيث لحقوا بزملائهم السعوديين . وكان يتقدمهم القاند العام لسلاح الطيران الملكى الأردني .
ومن سوء الحظ أن ذلك التحذير الواضح لم ينتج أثره .
حتى كان تدخلكم ، الذى وافقنا عليه منذ الدقيقة الأولى . وتمنينا له أن ينجح . حيث لم تنجح محاولاتنا المختلفة.
سيادة الرئيس
إني أحب أن أؤكد لكم عدة حقائق خاصة بسياسة الجمهورية العربية المتحدة .
أولا- أن الجمهورية العربية المتحدة ، فى إيمانها بالثورة طريقاً إلى تحقيق آهداف شعبها وأمتها العربية ، لا تعتبر أن رسالتها هى توزيع الثورة كيفما اتفق على بقية شعوب الأمة العربية .
إنه يمكن أن نفرض على شعب آخر انقلابا من الخارج ، لكننا من الخارج لا نستطيع أن نفرض عليه الثورة، فإن الثورة طاقة داخلية تفجرها الشعوب في أعماقها ، لتصحح بها خلل التوازن بين الآمال التى تحول بينها وبين آمالها .
وفي رأينا أن خير ما تستطيعه الجمهورية العربية المتحدة- حتى لرسالتها الثورية تجاه الأمة العربية- هو أن تكون نموذجاً عملياً لقدرة الإنسان العربي على تطوير حياته إلى المستقبل الأفضل .
ثانياً- أن الجمهورية العربية المتحدة تؤمن أن العنف ليس خطراً ملازما للثورة باعتبارها تغييراً أساسياً في ظروف الحياة ، بل إن العنف في ظرف الحرب الباردة قد يعرض الشعوب الثائرة من أجل أهدافها، لمناورات لا حدود لها تبعد بها عن أهدافها. ومن هنا فإن الجمهورية العربية المتحدة حرصت دائماً على فتح الطريق أمام التطور الطبيعى من غير عوائق أو عقبات ، حرصاً على سلامة النضال العربي ، بل لقد وصلت في ذلك إلى قبولها في بعض الأحيان- بهدنة مع عناصر تعتبرها في أي مقياس عناصر معادية للتقدم بحكم مصالحها.
ثالثاً- أن الجمهورية العربية المتحدة- في جهودها لإعادة بناء نفسها اقتصادياً واجتماعياً ، من أجل القوة الذاتية لشعبها. ومن أجل النموذج الصالح أمام أمتها- لا تملك الوقت أو الجهد الذى تضيعه في مغامرات عقيمة ، أو في علافات لا جدوى منها . ولو تفضلتم بمراجعة تعاقب التطورات ، لتبين لكم أن الجمهورية العربية المتحدة كانت دائماً في جانب الدفاع ضد هجمات ضارية عليها من جانب الذين لا يؤمنون بحتمية شروق الشمس بعد ظلام الليل الطويل .
على أننى أدرك - من سوء الحظ- أن كل نياتنا الطيبة لا تكفى لتحقيق السلام الدائم في الشرق العربي .
إن الأمر لا يتعلق بإرادتنا وحدها، إنما هناك متناقضات خارج إرادتنا تؤثر على سلام الشرق العربي .
1- في منطقتنا تناقض مع التاريخ .
2- وفي منطقتنا فى الوقت نفسه تناقض مع الطبيعة.... حتى بصورتها الجغرافية .
تناقض التاريخ يتمثل فى أن ظروفاً خارجة عن إرادة شعوبنا أخرت تقدمنا الاجتماعي والاقتصادى والسياسي ، ومن ثم فإن بعض شعوب الأمة العربية - في عصرالانطلاق إلى غزو الفضاء- تجد نفسها تعيش في أغلال رجعية تمنعها من أن تخطو على الأرض خطوة واحدة إلى حقها فى الحياة . وتناقض طبيعى جغرافي يتمثل في أن ظروفاً خارجة عن إرادة شعوبنا اقتطعت- دون ما حق أو منطق- جزءاً من أراضى الأمة العربية ، واقعاً في قلبها. وأعطته لشعب قد يكون له الحق في وطن . لكن ذلك لا يعطيه حقاً في وطن أحد شعوب الأمة العربية ، ولقد كان محتما إن تحدث عملية الاغتصاب شعوراً عدوانياً لدى المغتصبين ، فلقد أدركوا أنهم- في غيبة حق يعزز دعواهم على فلسطين- لابد من الاستمرار فى العدوان ، خصوصاً أن السياسات الاستعمارية التى تعرضت لها بلادنا كانت تمنحهم ظروفأ مواتية للعدوان .
ومهما يكن من أمر- يا سيادة الرئيس- فليس ذلك ما قصدت أن أتحدث إليكم فيه عن اليمن ، إنما أردت لكم- لمناسبة اهتمامكم بالسلام في بلادنا- أن نردد لمحة من الأخطار التى تهدده بصرف النظر عن النيات الطيبة للرجال ، وعن الآمال العظيمة التي تملأ قلوب الشعوب ، في عصر تتفتح فيه احتمالات للتقدم لا حدود تصدها .
على أن ذلك لا يقلل في حال من الأحوال من تقديرى لكل جهد بذلتموه ، أو تبذلونه في المستقبل ، من أجل السلام، فإن الأمل الأكبر لشعوب الأمة العربية هو : سلام قائم على العدل.
وتقبلوا فائق التحية والتقدير.
القاهرة في 17 نوفمبر 1962
توقيع
جمال عبد الناصر
ومالبث الأمريكيون أن اعترفوا بجمهورية اليمن وأغضبوا كلا من الملك سعود والملك حسين اللذين شعرا بأنهما خذلا وبيعا للجمهوريين . أما بريطانيا فلم تعترف باليمن على أساس أن حكومتها لم تثبت أهليتها.
وشكل كنيدى مجموعة طواريء- أو قوة واجب كما يسمونها- فى البيت الأبيض برئاسة روبرت كومر ، ضابط المخابرات السابق ، لمعالجة الوضع اليمنى ، وهو وضع كان قد بدأ يدعى باسم " حرب كومر" فقد كان كومر هو الذى رتب إرسال سرب الطائرات المقأتلة كحماية للمملكة العربية السعودية.
كذلك أوفد كنيدى سفيره إيلسوورث بنكر إلى القاهرة للتشاور مع عبد الناصر . وقد طلب منه الرئيس المصري أن يبلغ الرئيس الامريكي أن الإشاعات القائلة إنه سيزحف على آبار البترول هى سخف وهراء . وأضاف : " قل للرئيس كنيدى إننى لست هتلر وإنه ليس عندى رومل فى اليمن " . وقال عبد الناصر :
" إن مثل هذه الإشاعات هى إطراء لنا، ولكنها تتجاوز طاقتنا. فقد ذهبنا إلى اليمن من أجل غرض معين ، وإنا لمستعدون لفك اشتباكنا، فإذا أوقف السعوديون مساعداتهم للملكيين فإننا سننسحب فوراً. فإننى لا أريد الإبقاء على أية قوات في اليمن " .
واستمرت المراسلات بين كنيدى وعبد الناصر بشأن اليمن لمدة أطول من عام . وكان جوهر هذه المراسلات يكمن في أن كنيدى كان يحث عبد الناصر على الانسحاب من اليمن ، وأن عبد الناصر كان يرفض ذلك على أساس أن السعوديين يواصلون عونهم للملكيين .
وفي 19 يناير (كانون الثاني) 1963، كتب كنيدي حول الشكوك المصرية في سلوك أمريكا وتصرفاتها حيال اليمن وأنكر أن تكون الولايات المتحدة تتبع سياسة مزدوجة. ثم مضى يقول فى خطابه بالنص :
" ولعل الأخطر هو أن يخيل إلى الجمهورية العربية المتحدة أنه يجب أن نكون قادرين على إجبار السعوديين على فك الاشتباك في اليمن . ومرة أخرى دعوني أقول إننا نحث فيصل أن يفعل ذلك بالتحديد، لأن ذلك فى مصلحته. وعلى كل فأنتم تعلمون جيداً أنه ليس من شيمة الولايات المتحدة أن توجه ضغطاً قهرياً ، إلى أى زعيم عربي يكون من أصدقائنا . كما أنه ليس من شأن فيصل أن يستجيب. فهو في هذه اللحظة ، يعتبر سياسته حيال اليمن جوهرية من أجل الحفاظ على سلامة المملكة العربية السعودية بالذات . وأخشى أن تكون أقوال الجمهورية العربية المتحدة ، وجمهورية اليمن العربية وأفعالهما، هى التي ساعدت في إقناعه بذلك . والواقع أننا في كل مرة شعرنا بأننا نحقق بعض التقدم نحو فك الاشتباك كانت ترجعنا إلى الخلف أفعال مماثلة للغارات الجوية على نجران .
وبالمثل فإن تردد المملكة المتحدة (بريطانيا) فى الاعتراف بجمهورية اليمن العربية ينبثق بوضوح من قلقها على عدن . فالتهديدات المتكررة التي يعلنها الرئيس السلال لا تفعل سوى تصعيد تلك المخاوف... إننى راغب حقا فى اعتراف المملكة المتحدة بجمهورية اليمن العربية ، لكننى لست في وضع يخولنى الضغط على المملكة المتحدة للاعتراف في غمرة بيانات غير حكيمة تصدر عن صنعاء.
أرجو أن يساعد هذا الكتاب فى تنقية الجو بيننا ، إن الكثيرين في كل من بلدينا ، يشكون في إمكان قيام علاقات طيبة بيننا . وإذ أعتقد أنهم مخطئون في ذلك ، فإنه ينبغى علينا أن نقيم الدليل على أنهم مخطئون".
وفي 3 مارس ( آذار) 1963، رد عبد الناصر على هذا الكتاب موضحا وجهة النظر فقال:
" لقد كانت هناك شكوك حول مسعى الولايات المتحدة في مشكلة اليمن . وكانت هذه الشكوك تشغل بال عناصر وطنية عربية عديدة فى المنطقة ... ومع أني شخصياً أتفق مع هذه العناصر الوطنية العربية في بعض ما تذهب إليه نتيجة لتجارب طويله سبقت ... فقد كنت مطمئناً إلى سلامة مقاصدكم ، ولأن منطقي فى ذلك - ولقد شرحته بنفسى لكثيرين من زملائي- يستند إلى إحساسى بأن صدور المسعى الأمريكى عنكم شخصياً ، يستبعد تماماً من فكرنا كل شيء فى أن تكون المحاولة كلها مجرد مناورة سياسية ... "
والحقيقة أن الشك في الدوافع الأمريكية كان ينمو ويتصاعد في ذهن الرئيس عبد الناصر، فقد بدت سياسة الولايات المتحدة مرة أخرى متناقضة. إذ بينما كان السوورث بنكر فى القاهرة يتحدث عن السلام وينادى به. كانت " حرب كومر " تشن بواسطة الجيوش المرتزقة الذين جرى نقلهم من الكونجو.
وفي اليوم التالى قام بادو بزيارة عبد الناصر وعقد معه اجتماعاً مطولا .
وطبقأ لما رواه بادو في " مذكرته عن المقابلة "- وقد بعث بنسخة منها إلى الرئيس في اليوم التالى ليضمن أنه ينقل آراءه دون تحريف- فقد لفت بادو الرئيس عبد الناصر إلى التورط العسكرى المصرى المتزايد في اليمن أن ذلك قد يؤدى إلى أن يتخذ الكونجرس الأمريكى إجراء غير مناسب حيال برنامج المساعدة الأمريكية.
وجاء فى المذكرة أن " الرئيس عبد الناصر استمع بانتباه وصبر إلى الشرح الطويل " ثم أخذ الرئيس يوضح أن الجمهورية العربية المتحدة انتظرت صابرة لمدة خمسة أشهر نجاح جهود فك الاشتباك التى اقترحها الأمريكيون ، وقال إن الإجراءات العسكرية التى يتخذها لا تهدف إلا إلى " وقف المساعدة التى يقدمها فيصل للقبائل المتمردة أو إبطال فاعليتها " وأصر الرئيس على أن " الغاية من الحملة ليس التمهيد لمهاجمة المملكة العربية السعودية أو التمهيد لحملة لقلب حكومة فيصل " .
وعند ذلك حث بادو الرئيس جمال عبد الناصر على التوقف عن مهاجمة الأراضى السعودية وخاصة أثناء عمل لجنتى السوورث بنكر ورالف بانش .
يروى بادو في مذكرته أن " الرئيس عبد الناصر قال بعد برهة من التفكير الصامت انه يوافق على وقف الهجمات في المستقبل القريب أثناء عمل لجنتى بنكر وبانش وأنه سيصدر التعليمات بذلك إلى المشير عامر " . ومن أجل قطع الطريق على أى سوء تفاهم أجابه السفير الأمريكى قائلا:
" إذاً : هل لى أن أبلغ حكومتى أنكم ستأمرون بوقف أية عمليات قرب الحدود السعودية؟ ".
ومضى بادو يروى في مذكرته:
" ورد الرئيس عبد الناصر بالإيجاب لكنه أشار إلى أن ذلك لا يعنى أن الجمهورية العربية المتحدة لن تفكر في استئناف الهجمات في حال إخفاق المساعى الراهنة لفكك الاشتباك ".
وفي نهاية مارس (آذار) رفع السوورث بنكر- بعد أن زار فيصل- أسس مشروع فك الاشتباك إلى عبد الناصر . وكان يشتمل على استخدام مراقبي الأمم المتحدة ولما كان يبدو أنه ينطوى على فرص طيبة للنجاح فقد وافق كل من عبد الناصر وفيصل عليه . ومع ذلك فشل بسبب استمرار المساعدة السعودية للملكيين . مما استلزم بقاء قوات الجمهورية العربية في الميدان .
وخيمت خيبة الأمل أئناء صيف وخريف 1963. وبدأ يخيل إلى عبد الناصر أن كنيدى خدعه. بل إنه أخذ يشعر بأن جزءاً من المخطط الأمريكى كان يهدف إلى زيادة تورطه في اليمن لإبقاء الجيش المصرى منشغلا في الفيافي الصحراوية اليمنية .
وقد سر ذلك كله الإسرائيليين نظراً إلى أن كثيرين من الجنود المصريين كانوا بعيدين عنهم .وقد دفعت هذه المزية التى أتيحت للإسرائيليين- بالإضافة إلى استخدام الجنود المرتزقة وإخفاق الأمريكيين في حمل أصدقائهم السعوديين على وقف تسليح الملكييين- إلى جعل عبد الناصر يرتاب في كنيدى.
وكانت شكوك عبد الناصر ترجع إلى الأيام الأولى من رئاسة كنيدى عندما بدأ يسمع أخبار وعود كنيدى بتزويد إسرائيل بالأسلحة. ثم تأكدت صحة تلك الأخبار بواقعة جرت في سبتمبر (أيلول) 1962. عندما ذهب بادو لمقابلة عبد الناصر ، حاملاً رسالة شفهية من كنيدى . كان مفادها أن الإسرائيليين يشعرون بأنهم مهددون وأنه من أجل إزالة مخاوفهم أجاز لهم شراء بعض بطاريات صواريخ الهوك المضادة للطائرات . واعترض الرئيس على ما نقله السفير بادو وقال محتجاً :
كيف تستطيعون التحدث عن وقف سباق التسلح بينما تفعلون هذا؟
لكن بادو أجابه : ما على الرسول إلا البلاغ وأنه ينقل فقط رسالة من كنيدى الذى أراده أن يعرف بأمر صواريخ الهوك .
وقد أعلنت الحكومة الأمريكية رسمياً عن صفقة الهوك يوم 27 سبتمبر ( أيلول) ، وظهرت في صحف آمريكية مختلفة أنباء تقول إن الرئيس عبد الناصر أستشير في أمرها وبالتالى فإنه لا مبرر لشكواه .
وأحس عبد الناصر حينئذ بأنه إنما أخبر بقضية الصواريخ الهوك لغل يديه فقط وأحس بأنها كانت مناورة تنطوى على الخديعة.
وبالطبع لم تساعد هذه الشكوك على تسوية مشكلة اليمن ولم تساعد كثيراً على وقف سباق التسلح . وكان كنيدى قد اقترح موافقة مصر على تفتيش مفاعلها النووى لكن عبد الناصر رفض ذلك قائل ا: إن هذا المفاعل غير قادر على إنتاج القنابل الذرية.
وأحس عبد الناصر بأنه برغم أن كنيدى جاء بأفكار جديدة " فإن الرئيس الأمريكي الشاب يحاول فرضها بوسائل تخلو من الليونة وأحياناً تخلو من أى هدف .
وعشية اغتيال الرئيس كنيدى كانت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بدأت تنزلق من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة العنف .
وتظهر رسالة كنيدى الأخيرة إلى عبد الناصر ضيقه إزاء رفض عبد الناصر الخضوع لرغباته. فقد قال فيها:
" يجب على أن أبلغك قلقى الشخصى من عدم قيام الجمهورية العربية المتحدة حتى يومنا هذا، بتنفيذ الجانب الخاص بها في اتفاق فك الاشتباك فى اليمن .
" وأعتقد أنه من الإنصاف أن نقول إن السعوديين ينفذون التزاماتهم بموجب تلك الصفقة . والواقع أننى فهمت أن الجمهورية العربية المتحدة تشاطر مخابراتنا رأيها فى أن إمدادات السلاح السعودية عبر الحدود قد توقفت تقريباً إن لم يكن كلياً .
" إننا مطمئنون إلى أن حكومة المملكة المتحدة وحكومة المملكة السعودية تبديان تأكيداتهما لنا بأنهما لا تساعدان الملكيين .
" لذلك فإنه ليس لى من وسيلة للضغط على فيصل، لأنه بعد أن نفذ جانبه فى الصفقة فما زال يرى الجنود المصريين في اليمن ويسمع من القاهرة التصريحات العدائية الصادرة عن الجمهورية العربية المتحدة .
" ومن جهة أخرى لم تقم الجمهورية العربية المتحدة بعمليات الانسحاب على مراحل طبقاً لجدول يتفق وتفهمنا لروح الاتفاق . وبينما نعتقد أننا نفهم بعض الأسباب فإننا لا نستطيع أن نتغاضى عن حقيقة أصبحت معروفة لدي الجميع : ألا وهى أن الجمهورية العربية المتحدة لا تنفذ تعاقداً أبرمته الأمم المتحدة وأيدته بالفعل الولايات المتحدة ، وكفلته باعتبارها صديقة كل من الطرفين .
" وبسب دورى الشخصى فى القضية أظن أنكم ستفهمون سبب إحساسى بأن الأمر يعنينى شخصياً إزاء تعرض الولايات المتحدة للنقد فى الداخل والخارج على حد سواء .. "
كانت هذه كلمات كنيدى الأخيرة إلى عبد الناصر ونهاية مراسلات استمرت عملياً منذ تنصيبه رئيساً حتى وفاته... وتكشف هذه المراسلات عن الريبة المتزايدة بين الرجلين . فقد كان كنيدى يرتاب في رغبة عبد الناصر في الابتعاد عن اليمن ، وكان عبد الناصر قد بدأ يرتاب في كل سياسات كنيدى المتعلقة بالشرق الأوسط .
وأوى الرئيس عبد الناصر إلى فراشه مبكراً ليلة الجمعة 22 نوفمبر، قائلا إنه يريد أن يقرأ قليلا. وجاء أول نبأ عن إطلاق النار على كنيدى فى برقية عاجلة فى الساعة التاسعة والنصف بتوقيت القاهرة. واتصلت بالرئيس عبد الناصر تليفونياً وأبلغته بالنبأ فصعق وظل يعاود الاتصال بالتليفون يستفسر عن المزيد من الأخبار. وعندما حملت الأنباء فى النهاية وفاة كنيدى كان حزنه واضحاً .
ونهض من فراشه وارتدى ملابسه و نزل إلى مكتبه ولما وصل وجد أنه ليس في وسعه أن يفعل شيئاً وقال يخاطب نفسه :
- ... لماذا ارتديت ملابسى ، ولم نزلت إلى المكتب ؟ ... ليس هناك ما يستطيع أن يفعله أي منا "...
وكان تأثر الشعب المصرى صادقاً وعرض التليفزيون المصرى فيلما كاملا لجنازة كنيدي أربع مرات متوالية إشباعاً للهفة الناس ... وخيم الحزن شاملا على الرئيس الشاب ، الذي كان يبشر بالشيء الكثير، ومن الصعب أن نقول : ماذا كان يمكن أن يحدث لو ظل حياً ، فقد اندفعت الأحداث بسرعة إلى فترة العنف أيام حكم ليندون جونسون لأمريكا بعد كنيدى)
" انتهى كلام هيكل عن التدخل المصرى فى اليمن ومراسلات ناصر وكنيدى ..وفيه نلحظ التالى:-
1- السخرية بنكته تعد كفرا ..عن اليمن وناقل الكفر ليس بكافر.
2- هذه المراسلات كانت فى اول سنين التدخل وظل التدخل بعده لمدة سبع سنوات .
3- الطيارين السعوديين والاردنيين الذى لجو لمصر هل كان نتيجة لعمل استخبارى مصرى ا؟ ام يعكس روحا قومية عمت الوطن العربى تعكس الولاء لمصر ناصر؟.
4- هيكل تجنب ذكر دور المدنيين امثال البيضانى وغيره.
5- المراسلات بين كنيدى وناصر تعكس ايمان ناصر الشديد بالقومية العربية وفهم عميق للمفهوم الثورة وتصديرها .
6- الملك سعود عزل فى 2 نوفمبر 1964...اى بعد نحو من عامين على فتنة اليمن ...فهل اصابته لعنتها؟.
7- روايات هيكل بعد سماع روايته عن منقة الامام الهادى المسمومة اضحت عندى دوما موضع شك مالم يصدقها مصدر اخر .
(4)
ذكر السير أنتوني نتنغ ( Sir Anthony Nutting) في كتاباته عن سيرة حياة عبد الناصر عوامل عديدة دفعت الرئيس المصري لإرسال قوات مصرية إلى اليمن. ومن بين هذه الأسباب كان انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 مما يعني أن هذه الجمهورية التي قامت عام 1958 لم تدم سوى 43 شهراً فقط. وكان عبد الناصر يريد استرجاع هيبته بعد انفصال سوريا. وكان انتصار عسكري سريع وحاسم يمكن أن يرجع له قيادته للعالم العربي. وكانت لعبد الناصر سمعته المعروفة كمعادي للاستعمار وكان يريد طرد البريطانيين من جنوب اليمن ومن ميناء عدن الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب. ويظهر كتاب دانا آدمز شميدت (بالإنجليزية: Dana Adams Schmidt) - «اليمن، الحرب المجهولة» - أن عبد الناصر كان ينوي في البداية انتظار سقوط الإمام أحمد والعمل مع الإمام بدر. ولكن كانت العلاقات العدائية بين عبد الناصر والإمام العجوز واضحة في شعر كتب بواسطة الإمام هاجم فيه الاشتراكيةعام 1961. ورد عبد الناصر عليه بواسطة إذاعة صوت العرب. ولكن الكتاب الذي يمكن أن يكون قد وضح الأسباب والدوافع التي جعلت عبد الناصر يرسل القوات المصرية إلى اليمن هو كتاب اللواء محمود عادل أحمد الذي نُشر عام 1992 واسمه «ذكريات حرب اليمن 1962-1967». ويوضح الكاتب أنه في 29 سبتمبر تم مناقشة القرار في مجلس قيادة الثورة. وقد اعتقد المجلس أنه من الضروري إرسال قوات مصرية لردع الممالك العربية التي تحاول إجهاض الانقلاب اليمني، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.وكتب المؤرخ السياسي والصديق المقرب من عبد الناصر - محمد حسنين هيكل - في كتاب «لمصر لا لعبد الناصر»، أنه قد تناقش مع عبد الناصر في موضوع دعم الثورة في اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التي سترسل إلى اليمن لدعم نظامه. وإنه من الأفضل التفكير في إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربي للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية. وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق في اليمن. ولكن عبد الناصر رفض وجهة نظره وكان مصراً على ضرورة حماية الحركة القومية العربية. وكان عبد الناصر يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباً بسرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمي الجمهوريين في اليمن. وكان جمال عبد الناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمني منذ سنة 1957، وفي يناير من عام 1962 وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب.
ومن بين الأسباب التي أدت بعبد الناصر إلى إرسال القوات المصرية إلى اليمن:
تأثير دعمه لحرب تحرير الجزائر من سنة 1954 إلى سنة 1962.
انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961.
تدهور علاقاته من بريطانيا وفرنسا بسبب دعمه للجزائريين وكذلك على الأخص بسبب جهوده لتقويض حلف بغداد الذي أدى سقوطه إلى سقوط الملكية في العراق عام 1958.
كان عبد الناصر يعتقد أن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار.
نُسب إلى وزير الدفاع المصري حينها - المشير عبد الحكيم عامر. قوله أن وجود جمهورية على أرض اليمن هو أمر حيوي بالنسبة لمصر لضمان السيطرة على البحر الأحمر من قناة السويس إلى مضيق باب المندب.كان ينظر للحرب في اليمن على أنها وسيلة لكسب النقاط في صراعه مع النظام الملكي السعودي الذي آمن عبد الناصر أنه سعى إلى فك الوحدة بين مصر وسوريا.
- (5)
أثناء الحرب، قامت المملكة العربية السعودية والأردن بعقد اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون العسكري عُرفت باتفاقية الطائف. وبسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر بسبب رفضهم قصف المواقع المصرية في اليمن،
التجأ السعوديون إلى الأردن للقيام بالغارات الجوية. وبالفعل ذهب وفد عسكري أردني إلى السعودية يرأسه قائد الجيش حابس المجالي ومعه قائد سلاح الجو سهل حمزة للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي سيقوم بها طيارون أردنيون. وكانت الأهداف التي يجب ضربها مطارات صنعاء، الحديدة، وتعز، وتدمير الطائرات والمعدات الموجودة، السفن المصرية في البحر الأحمر المتجهة والعائدة من اليمن، إذاعة صنعاء، محطة الاتصالات اللاسلكية، قلعة حجة، إذاعة تعز، وميناء الصليف شمال مدينة الحديدة.
وبسبب طول المسافة وصغر سعة خزان وقود الطائرات، فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات وفي طريق العودة يتم ضرب أهداف أخرى.
وفي أثناء زيارة الوفد العسكري غادر قائد سلاح الجو الأردني - سهل حمزة - السعودية إلى عمان بدون إبداء الأسباب وكان في نيته مقابلة العاهل الأردني لمناقشته في جدوى الأمر. وعندما لم يستطع مقابلته. قرر التوجه بطائرته إلى القاهرة لمقابلة عبد الناصر. وقد ذكر سهل حمزة في إحدى الأحاديث الصحفية أنه فكر في الأمر وتوصل إلى أنه إذا رفض القيام به فسيقوم غيره بالمهمة، وإذا امتثل فهو «عار له ولبلده».
(6)
1- الكلام عن حرب اليمن وتدخل مصر فيها يطول وقد كتبت فيه كتب ...وكان سببا رئيسيا فى نكبة 1967 التى حلت بالجيش المصرى .
2- تمتلك مصر ثلاثة جيوش فى ذلك الوقت عددها نحو 210 الف ...كان عدد الجيش المصرى فى اليمن نحو 70 الف .
3- كتب المؤرخ المصري حسنين هيكل أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الملكيين في اليمن. وقامت إسرائيل بإنشاء جسر جوي سري بين جيبوتي وشمال اليمن. وأعطت الحرب الفرصة للإسرائيليين لمراقبة وتقييم التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكييف مع ظروف المعارك. بعد ثلاثة عقود من الحرب، أكد الإسرائيليون كلام هيكل.
4- كان القادة الميدانيون المصريون يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبّب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب. فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية. وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة. ولأن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ سنة 1961، فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكي في اليمن ولكن كل ما أرسله في تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني.(كيف تطلب من دول فى حكم العدو مساعدة مثل هذه!!!)
وكان نقص الخرائط الكافية وعدم معرفة المصريين بأرض المعركة يؤدي إلى استمرار بقاء القوات المصرية في مستنقع اليمن. وكان من بين القواد الذين أُرسلوا لتنفيذ «العملية 9000» - وهو الاسم الذي أطلقه قادة الجيش المصري على حرب اليمن - لواء مصري واحد من أصل يمني من قبيلة بني سند اسمه طلعت حسن علي. وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي يمكن أن يكون له معرفة باليمن.
ولم يعاني السعوديون والملكيون من هذه المشكلة بسبب الارتباط والتزاوج بين القبائل السعودية واليمنية على جانبي الحدود. وبالإضافة إلى ذلك فقد أرسلت السعودية آلاف العمال اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية لمساعدة الإمام بدر. وكانت الزيادة في أعداد القوات المصرية نتيجة مباشرة للتصعيد السعودي البريطاني ولم يكن نتيجة الواقع على أرض المعركة أو حاجات عسكرية صرفة. وقد أرسل العراق أيضاً العديد من البعثيين اليمنيين على متن الطائرات لزعزعة استقرار نظام الضباط الأحرار اليمني الموالي للمصريين.
5- أرسل السفير أحمد أبو زيد - الذي كان سفير مصر إلى المملكة اليمنية من سنة 1957 إلى سنة 1961 - العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو أنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية. فقد حذر السفير المسؤولين في مصر - بمن فيهم المشير عبد الحكيم عامر - أن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي إحساس بالولاء أو الانتماء للوطن. وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح. وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة.
لم يتفهم عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة المصريون أن تمركز قوات مصرية في اليمن - على أبواب المملكة العربية السعودية - سينظر إليه على أنه مسألة حياة أو موت لعائلة آل سعود،وكذلك فأنه سيعتبر زيادة التهديد على القوات البريطانية الموجودة في محمية عدن. ولم تُأخذ هذه العوامل في الاعتبار عندما تم اتخاذ القرار النهائي بإرسال القوات المصرية إلى اليمن. وكان هناك بعد آخر خفي في هذا الصراع ألا وهو رغبة السعودية في أن تصبح القوة المؤثرة في شبه الجزيرة العربية. وقد شكلت القوات المصرية تهديداً لهذا النفوذ التقليدي التي كانت تمارسه السعودية على اليمن وعلى دول الخليج الأخرى.
6-بحلول عام 1965، كان الدين الخارجي المصري قد بلغ 400 مليون جنيه مصري. وقد قام عبد الناصر بتلخيص الوضع الاقتصادي في الخطبة التي ألقاها بمناسبة عيد النصر في بورسعيد بتاريخ 21 ديسمبر من نفس العام. فصارح الشعب بأنه يحتاج إلى 3 مليارات جنيه مصري للصرف على الخطة الخمسية الجديدة 1965-1970 وبأنه قام برفع أسعار بعض السلع مثل السيارات، الثلاجات، التليفزيونات، وأجهزة تكييف الهواء وبعض الكماليات الأخرى. وزادت أسعار بعض الأدوية التكميلية مثل الفيتامينات بنسبة 10%. وقال أن رفع الأسعار يوفر 100 مليون جنيه سنوياً. كما اتخذ إجراءات لرفع معدل الإدخار تدريجياً من 15% عام 1965 إلى 25% بحلول عام 1970.وقد حدث الكثير من التذمر والاعتراض في صفوف الشعب المصري من هذه الزيادات في الأسعار، ولامَ البعض السياسة الخارجية المصرية ومساندتها لحركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا وكانت الحرب في اليمن لها النصيب الأكبر من هذه الاعتراضات لأنها كانت لا تزال تجري على الأرض. واستغلت الصحافة الغربية الوضع الاقتصادي للهجوم على عبد الناصر. ولكن المدافعون عن سياسة رفع الأسعار نفوا أن تكون السياسة الخارجية أو التدخل في اليمن له تأثير على الوضع الاقتصادي الداخلي وقد كتب محمد حسنين هيكل عام 1965 تعليقًا على خطاب الرئيس أن حرب اليمن لم تكلف مصر 200 مليون جنيه.ولكن الوضع الاقتصادي كان قد وصل لمرحلة سيئة فعلاً بعد حرب سنة 1967. فقد تضاعف الإنفاق العسكري، وتم وقف العديد من المشاريع الصناعية الكبرى، ورفعت أسعار الكثير من السلع خصوصًا السلع التكميلية والسجائر وتذاكر دور المسرح والسينما. كما خسرت مصر الكثير جراء قرار إغلاق قناة السويس، بالإضافة إلى آبار النفط في سيناء.
7-يقال انه من اقنع الرئيس ناصر بالتدخل فى اليمن كل من المشير عامر والرئيس السادات .
الرئيس ناصر ...ا لكثير من الروايات التي تحدثت عن تسميم الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن أكثر ما أثار الجدل هو تصريح القيادي الفلسطيني عاطف أبو بكر المنشق عن تنظيم فتح المجلس الثوري جماعة صبري البنا، عندما صرح لقناة العربية ببرنامج الذاكرة السياسية مع الصحفي طاهر بركة أن الرئيس عبد الناصر تعرض للتسميم خلال زيارته الخرطوم يوم 2 يناير 1970 لافتتاح معرض الثورة الفلسطينية وأن صبري البنا مع جعفر النميري كانا وراء تسميم الرئيس جمال عبد الناصر. وقد عُرض في البرنامج صورة لمجموعة من ضباط الموساد على رأسهم مايك هراري متنكرين بوصفهما صحافيين، في مؤتمر قمة اللاءات الثلاثة الذي عُقد في الخرطوم عام 1967.
المشير عامر... مات في 13 سبتمبر 1967 مسموما أثناء وضعه تحت الإقامة الجبرية وحجزه في استراحة تابعة للمخابرات المصرية في المريوطية بالجيزة. وقيل حينها إنه انتحر بسبب تأثره بهزيمة حرب 1967، بينما تقول عائلته وآخرون إنّ السم قد دُسّ له من قبل أجهزة أمنية تابعة للدولة. ودفن في قريته أسطال...وعامر كان له صلة قوية بالسودان وقد درس ابنه بطب الخرطوم وكان يعمل فى خدمته الخاصة سودانيون وقد حكى المرحوم الواء عباس كنه وغيره عن ذلك الكثير ..وفى مرة زاره سيداحمد الحاردلو فى بيته فتنباء له بمستقبل جيد.
الرئيس السادات ...قتل فى 6اكتوبر وسط عرض عسكرى يوم نصره .
من الجانب الاخر :-
المللك سعود ...خلع فى نوفمبر 1964 ومات فبراير 1969
الملك فيصل ...قتله ابن اخيه في صباح يوم الثلاثاء 25 مارس 1975،
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی المملکة العربیة السعودیة المملکة العربیة السعودیة جمهوریة الیمن العربیة شعوب الأمة العربیة الحکومة الجمهوریة الرئیس عبد الناصر الولایات المتحدة المملکة المتحدة الوضع الاقتصادی حکومة الجمهوریة جمال عبد الناصر عبد الله السلال وکان عبد الناصر محمد حسنین هیکل القوات المصریة الرسالة الأولى الإمام أحمد فی قائد سلاح الجو عبد الناصر على کان الملک سعود کان عبد الناصر إلى عبد الناصر على حدود الیمن الأمم المتحدة حکومة المملکة حدیقة الحیوان العالم العربی مع عبد الناصر عبد الناصر فی الجیش المصرى الأمیر الحسن أنور السادات أن السعودیین سلاح الطیران عبد الناصر لعبد الناصر إلى القاهرة المشیر عامر الأمیر فیصل من سوء الحظ الملک فیصل من الأسلحة الإمام بدر المصریة فی إمام الیمن الملک حسین فی العالم المزید من حرب الیمن من الخارج الأولى من بینما کان ذلک الحین وکانت هذه إلى الیمن کانت هذه الیمن لم الذى کان مرة أخرى التی کان فی الیمن الذی کان الیمن من من الیمن عن الیمن وصلت إلى من الملک ولقد کان فى الیمن على أساس من جانب على أنه أن تکون أن یکون برغم أن إذا کان لقد کان وکان من أنه کان بعد ذلک وبعد أن ذلک إلى
إقرأ أيضاً:
اليمن يطالب الأمم المتحدة بالدعوة لعقد مؤتمر مانحين لدعم خطة الاستجابة الإنسانية
شمسان بوست / نيويورك
جددت الجمهورية اليمنية، الدعوة للأمم المتحدة للمبادرة بالدعوة لعقد مؤتمر المانحين لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بالشكل الذي يفي بحجم الاحتياجات الإنسانية القائمة في مختلف القطاعات، وشددت على ضرورة الامم المتحدة والمجتمع الدولي، إبقاء الوضع الإنساني في اليمن على قائمة أولوياته للتخفيف من المعاناة الإنسانية.
كما جددت اليمن في بيان لها أمام الجلسة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول البند 72: (تعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الكوارث التي تقدمها الأمم المتحدة، بما في ذلك المساعدة الاقتصادية الخاصة) والذي القاه مندوب اليمن الدائم لدى الامم المتحدة، السفير عبدالله السعدي، دعوتها للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين والمعتقلين، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وحذرت الجمهورية اليمنية، من مخاطر التغاضي عن الانتهاكات والتي تسعى المليشيات الحوثية الارهابية من خلالها إلى خدمة أجندتها السياسية وتسخير المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها الأمنية والعسكرية وتحويل المناطق تحت سيطرتها إلى سجن لكل من يعارض سياساتها.
وفي ضوء استمرار الانتهاكات واعاقة العمل الإنساني وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الى مستحقيها، جددت اليمن مطالبتها بنقل المقرات الرئيسية لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في اليمن إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان امن وسلامة العاملين في المجال الإنساني وتوفير بيئة ملائمة وسليمة لممارسة مهامهم بعيداً عن التدخلات، بما يعزز حضور وتدخلاتها الإنسانية في مختلف المحافظات اليمنية دون قيود، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفئات المحتاجة والأكثر ضعفاً دون تمييز.
وقال السعدي ” تحتفل شعوب العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان بينما تستمر المليشيات الحوثية الارهابية في ارتكاب جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة بحق ابناء شعبنا في مناطق سيطرتها، بمن فيهم العاملين في المجال الإنساني، حيث يتعرضون لتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة وإجبارهم على الإدلاء باعترافات قسرية، وصولاً إلى إصدار أحكام إعدام بحق بعضهم والتي تزامنت هذه الجرائم مع حملات إعلامية مضللة تقودها هذه المليشيات في محاولة لتشويه صورة العمل الإنساني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الانساني ولقانون حقوق الإنسان والتشريعات الوطنية”.
واضاف “تعرضت عدد من المحافظات اليمنية خلال هذا العام لفيضانات وسيول جارفة أدت إلى أضرار جسيمة في البنى التحتية وألحقت دماراً هائلاً في الممتلكات العامة والخاصة وأسفرت عن وفاة العشرات من المواطنين وتشريد السكان والدفع بهم الى مخيمات النزوح الداخلي”.
واشار الى إن تراكم اَثار الحرب والكوارث المرتبطة بالتغير المناخي أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في اليمن مما يجعل جهود الحكومة اليمنية لمواجهة هذه التحديات أكثر صعوبة والتي تتطلب دعم المجتمع الدولي لمواجهة هذه التحديات وتلبية الاحتياجات الإنسانية الطارئة”.
وعبرت الجمهورية اليمنية عن دعمها وتضامنها الكامل مع مجتمع العمل الإنساني والاغاثي ضد الاجراءات التعسفية والانتهاكات التي ترتكبها المليشيات الحوثية الارهابية في مناطق سيطرتها، وآخرها اختطاف واحتجاز العشرات من موظفي وكالات الامم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية العاملة في اليمن من النساء والرجال حيث تم اقتيادهم من منازلهم بعد نهب ممتلكاتهم وترويع أسرهم والاخفاء قسراً دون الكشف عن مصيرهم حتى الآن، رغم مرور أكثر من 120 يوماً على اختفائهم، واقتحام هذه المليشيات لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في صنعاء ومصادرة ممتلكاته واعتقال 8 من موظفيه كتهديد مباشر لحياة واَمن وسلامة هؤلاء الموظفين و حياة الشهود والضحايا للخطر في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
كما جددت الجمهورية اليمنية دعمها الكامل لوكالة “الأونروا” ودورها الإنساني المحوري التي تعتبر العمود الفقري لملايين اللاجئين الفلسطينيين حيث تتعرض اليوم إلى هجوم مستمر من قبل إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لتقويض عملها والغاء عملياتها في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، وعبرت عن ادانتها لاعتماد الكيان الاسرائيلي قانونين لحظر عمل الوكالة والذي يعد انتهاكاً صارخاً للأعراف والمواثيق الدولية..مجددة الدعوة إلى المجتمع الدولي لتوحيد الجهود لدعم الأونروا والوقوف خلفها وضمان استمرار عملها، وممارسة دورها الانساني الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو أستبداله في تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني.