عادت فكرة حكومة المنفى للظهور من جديد، من خلال نقاش داخل مجموعات القوى المدنية ومعارضي حكومة بورتسودان، من خلال مداخل مختلفة، وانتقل النقاش لداخل اجتماع هيئة قيادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، الذي أنهى أعماله في كمبالا قبل يومين.
الفكرة، كما يطرحها المؤيدون لها، هي أن تشكل القوى المعارضة حكومة منفى تنزع الشرعية عن حكومة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتقوم بتمثيل كل المجموعات الرافضة للحرب، والداعية للعودة للمسار الديمقراطي.
الفكرة ليست جديدة تماماً في السياق الحالي، فقد بدأت تظهر منذ فترة، وتتردد في بعض الخطابات السياسية والكتابات، وإن كانت جديدة على تاريخ الصراع السياسي في السودان.
خاض السودانيون معارك طويلة ضد النظم العسكرية والديكتاتورية التي حكمت البلاد لأكثر من 55 عاماً، ونجحوا في كل مرة، في إقامة تنظيم تحالفي يقود حركة المعارضة. فعلوا ذلك عبر «مؤتمر الخريجين»، الذي كان المهد الأول للحركة الوطنية الحديثة في السودان، ثم جبهة الهيئات التي أسقطت نظام الفريق إبراهيم عبود في عام 1964، ثم «التجمع الوطني لإنقاذ البلاد»، الذي أسقط النميري في عام 1985.
ثم انتقلت حركة المعارضة ضد نظام البشير نقلة كبيرة، بتشكيل «التجمع الوطني الديمقراطي» في بداية التسعينات، وكان هذا التجمع أكثر تنظيماً وتطوراً من سابقيه، ثم استفاد من وجود الحركة الشعبية لتحرير السودان داخله، واتجه لتكوين فصائل مسلحة. رغم كل هذا الوجود السياسي والعسكري المميز، ووجود أراضٍ تحت سيطرة فصائل قوات التجمع، والعزلة التي أحاطت بنظام البشير نتيجة احتضانه المجموعات الجهادية، فإن فكرة حكومة المنفى لم تُطرح مطلقاً... فلماذا يتم طرحُها الآن؟
الحقيقة الماثلة الآن أن مؤيدي الفكرة لم يستطيعوا أن يقدموا حيثيات مقنعة تجعل الفكرة مقبولة، كما أن مراجعة النتائج المتوقعة تجعل منها مغامرة قد تؤدي لنتائج كارثية. أخطر هذه النتائج هو الإعلان الرسمي عن تقسيم البلاد، وهو شرٌّ يحاول العقلاء، قلوا أم كثروا، أن يجنبوه البلاد. والناظر للتجارب التي حدثت من حولنا سيجد أن هذه الفكرة لم تؤدِّ لأي تطور إيجابي في البلاد التي خضعت لها، بل تمت قوننة التقسيم؛ بحيث صار صعباً تجاوزه، كما يحدث في ليبيا وسوريا واليمن، حيث هناك أكثر من حكومة في تلك البلاد عقّدت عملية الحوار والتفاوض لحل المشكلات التي أدت للحروب والأزمات السياسية.
قد يقول قائل إن السودان حالياً مقسم بين الحكومة الموجودة في بورتسودان، و«قوات الدعم السريع»، التي تسيطر على مناطق كثيرة، وهذا صحيح، لكنه واقع مفروض بقوة السلاح، ولا يجب بالضرورة أن يخضع له الناس ويقروه بإرادتهم.
أقامت «قوات الدعم السريع» إدارات مدنية محلية في هذه المناطق، وباستثناء بعض ولايات دارفور، فليس هناك من وجود حقيقي أو سلطات لهذه الإدارات، وهي مجرد ظل باهت لبندقية «الدعم السريع»، ولا تبدو من فرصة لحكومة المنفى هذه إلا أن تكون هي أيضاً مجرد ظل باهت للبندقية نفسها. ولو تم تشكيل الحكومة وأرادت أن تمارس نفوذاً على الأرض فلن تجده إلا في الأراضي التي تحتلها «قوات الدعم السريع»، ولا يظنن أحد أن من حملوا البندقية وقاتلوا، بغض النظر عن الجانب الذي يقفون فيه، سيسلمون أنفسهم وبندقيتهم لإدارة مدنية من سياسيين لم يقاتلوا معهم، بل الظن الغالب أنهم سيستغلون هذه المجموعات السياسية غطاءً لتمرير أجندتهم، ولفترة قصيرة. والأسوأ والأغرب من كل ذلك أن تتبرع مجموعة سياسية مدنية بأن تحمل على عاتقها كل أوزار وجرائم «قوات الدعم السريع» التي ارتكبتها في كل المناطق التي تقع تحت سيطرتها.
السؤال الأهم والأكبر هو: هل هناك أي دولة أو منظمة دولية ستعترف بحكومة المنفى هذه؟ لا يبدو حتى الآن أن هناك استعداداً لأي طرف دولي أن يفعل ذلك، وليس من سبب أن يكرروا تجارب فاشلة في كل الإقليم. ومن السذاجة الظن بأن من يعترف بك كقوى مدنية ذات وزن وصوت في الشأن السوداني، ويمنحك الاهتمام ويستمع إليك ويستشيرك، سيكون لديه الاستعداد للاعتراف بك كحكومة منفى. هذا أمر مختلف جداً وسيخضع لحسابات طويلة ومعقدة لن تكون في النهاية في صالح حكومة المنفى.
فيصل محمد صالح
وزير الإعلام السوداني السابق
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع حکومة المنفى
إقرأ أيضاً:
حكومة الإنقاذ السورية تشكر الدول التي استأنفت عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق
أعربت إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ السورية اليوم الخميس، عن امتنانها لـ8 دول أعلنت عن استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في العاصمة السورية دمشق.
مكتب نتنياهو: التوغل العسكري في المنطقة العازلة مع سوريا مؤقت رئيس أركان الجيش العراقي: الوضع في سوريا غير مستقر ولن نسمح بتهديد حدودنا
وبحسب"روسيا اليوم"، قالت إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ السورية، في بيان، "نتقدم بالشكر والامتنان لكل من من جمهورية مصر العربية، جمهورية العراق، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، المملكة الأردنية الهاشمية، مملكة البحرين، سلطنة عمان والجمهورية الإيطالية على استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق".
وأضافت: "نؤكد أننا تلقينا وعودا مباشرة من دولة قطر والجمهورية التركية لإعادة افتتاح سفارتهما في سوريا، وأن الشعب السوري لن ينسى هذه المواقف المشرفة وكلنا أمل في بناء علاقات طيبة مع كل الدول التي تحترم إرادة الشعب وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.
وكان ممثلو المعارضة السورية المسلحة قد أعلنوا في 8 ديسمبر الجاري سيطرتهم على البلاد، فيما أفادت الخارجية الروسية بأن بشار الأسد، وبعد مفاوضات مع عدد من المشاركين في الصراع، قرر التنحي عن منصبه وغادر البلاد.
وقررت إدارة العمليات العسكرية في سوريا تكليف محمد البشير، رئيس "حكومة الإنقاذ" العاملة في إدلب، بتشكيل حكومة تدير المرحلة الانتقالية في البلاد حتى 1 مارس 2025.
وأصدرت إدارة العمليات العسكرية في سوريا أمس الأربعاء بلاغا أعلنت فيه رفع حظر التجوال عن محافظتي دمشق وريف دمشق، مهيبة بالمواطنين كافة العودة إلى أعمالهـم ومؤسساتهم.
وبعد إسقاط نظام بشار الأسد يوم الأحد الماضي، دعت وزارات ومؤسسات سورية جميع العاملين إلى العودة إلى مواقع العمل والإنتاج، بما في ذلك الحقول ومعامل الغاز ومصافي التكرير وشركات الصرافة والمؤسسات الصحية.