الجزيرة:
2025-01-11@09:57:11 GMT

مكاسب تركيا عقب الإطاحة بالأسد

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

مكاسب تركيا عقب الإطاحة بالأسد

"تركيا قد تتأخّر في فعل اللازم لكنها تفعله بالنهاية"، هذه العبارة لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وهي تشرح الكثير في طريقة عمل الدولة التركية تجاه الأزمات التي تواجهها، والأزمة السورية خير مثال على ذلك.

فما بين عامي 2016 و2020 أطلقت تركيا أربع عمليات عسكرية داخل سوريا لتطهير منطقة الحدود من المنظمات الانفصالية المصنفة على قوائم الإرهاب داخل تركيا، والتي تعد فروعًا للتنظيم الأمّ في تركيا، حزب العمال الكردستاني PKK.

وعلى مدار أربع سنوات، عمدت تركيا إلى تجميد الأوضاع في سوريا، مع الاستمرار في مكافحة الإرهاب عبر اعتماد أساليب أخرى متنوعة، كما أن المتابع للملف السوري، كان يلحظ بسهولة الجهود التركية لإعادة تأهيل فصائل المعارضة السورية المسلحة، لتتحول إلى كيانات أكثر انضباطًا واحترافية.

لذا فمع انطلاق عملية ردع العدوان في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتجهت الأنظار صوب تركيا، باعتبارها الدولة الداعمة لفصائل المعارضة السورية بأشكال متنوعة.

والآن مع نجاح المعارضة في الإطاحة بالرئيس السوري، بشار الأسد، فإن المكاسب الإستراتيجية لتركيا على الصعيدين الخارجي والداخلي تعاظمت بشكل واضح، لكننا سنكتفي في هذا المقال برصد تأثيرات ذلك، على الداخل التركي.

إعلان جدل سياسي حاد

أحدثت التطورات العسكرية في سوريا منذ بدايتها، حالة من الجدل بين الأحزاب السياسية، وصلت إلى حد التراشق الكلامي، على خلفية الأيديولوجيات المتضادة.

فزعيم حزب الحركة القومية MHP "يميني"، دولت بهتشلي، أبدى فرحته الشديدة بتحرير مدينة حلب، معتبرًا ذلك شعور كل تركي، ومعللًا إياه بأن حلب "تركية ومسلمة حتى النخاع"، مطالبًا الجميع بالعودة إلى حقائق التاريخ والجغرافيا.

وحتى يتم فهم كلام بهتشلي، ووضعه في سياقه الصحيح، لابد من التذكير بأن ولاية حلب زمن الدولة العثمانية، كانت تعد الولاية الأهم والكبرى، وتمتد جغرافيًا من حلب الحالية لتضم مساحات واسعة من شمال سوريا، إضافة إلى ولايات الجنوب الشرقي الحالي في تركيا، وصولًا إلى مدينة مرعش.

فهذه المساحة الجغرافية الكبيرة، خلفت دونما شك إرثًا حضاريًا وثقافيًا وديمغرافيًا مشتركًا ومتنوعًا، لم يستطع التقسيم التالي للولاية ما بين دولتي تركيا وسوريا أن يمحوه.

لكن في مقابل بهتشلي، كان هناك انزعاج واضح من حزب الديمقراطية والمشاركة الشعبية DEM "يساري كردي" حيث طالبت الرئيسة المشاركة للحزب، تولاي أوغولاري، أطرافًا لم تسمّها، وإن كان معروفًا أنها تقصد الحكومة وحلفاءها، بعدم الوقوع " فريسة الحماس والانتهازية لتدمير مكتسبات الكرد في سوريا وروج آفا ( تشير إلى شمال سوريا وتعني غرب كردستان)".

كما نددت تولاي باستهداف التنظيمات التابعة لتنظيم حزب العمال PKK في سوريا، معتبرة أنه "من المستحيل تسديد الرمح للأكراد الذين يعيشون في روج آفا، ومد غصن الزيتون للأكراد في تركيا!".

لم يكتفِ الحزب بذلك بل صعد من هجومه، حيث اتهمت نائبة رئيس المجموعة البرلمانية للحزب، غولستان كيليتش، الدولة بمحاولة "غزو سوريا واحتلال حلب"، وذلك على خلفية رفع العلم التركي فوق قلعة حلب.

الرد على غولستان، جاء من رئيس حزب الاتحاد الكبير BBP "يميني"، مصطفى ديستجي، معتبرًا أن مناطق سوريّة مثل عين العرب "كوباني" والحسكة وغيرها ليست مناطق تابعة لحزب العمال، حتى يقوم باحتلالها، وقال: إن " تركيا لن تنحني أمام الإرهاب وامتدادات المنظمات الإرهابية والقوى الإمبريالية التي تجعل من الإرهاب مشكلة لأمتنا!".

إعلان

كما أن الإطاحة بنظام بشار الأسد، ستحرم المعارضة التركية وخاصة حزبي الشعب الجمهوري CHP "يساري أتاتوركي"، وحزب السعادة SP "إسلامي"، من ورقة كانا يستخدمانها ضد أردوغان، في إطار الصراع الحزبي.

انحسار الإرهاب

هذا الجدل العنيف بين الأحزاب التركية الذي أشرنا إليه على وقع تطورات الملف السوري، لا يمكن فهمه إلا ضمن نقاش أوسع بشأن مشكلة الإرهاب الذي تعاني منه تركيا منذ عقود.

فخلال الأسابيع القليلة الماضية، تفاجأ الرأي العام التركي بمبادرة رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، والتي دعا من خلالها، زعيم حزب العمال، المسجون حاليًا، عبدالله أوجلان، للقدوم إلى البرلمان، والتحدث إلى أعضاء الكتلة النيابية لحزب المشاركة الشعبية والديمقراطية، والإعلان عن حل التنظيم وإلقاء السلاح، مقابل إمكانية العفو عنه.

هذا العرض غير المسبوق من زعيم قومي له مكانته وتأثيره مثل بهتشلي، لاقى ردودًا إيجابية من الرئيس، رجب طيب أردوغان حتى الآن.

لكن في موازاة ذلك لم يكن الحل الأمني غائبًا، فقد عمدت الدولة إلى اتخاذ عدد من التدابير الاستثنائية، فعزلت بعض رؤساء البلديات، وأحالتهم على جهات التحقيق بتهمة التعاون مع الإرهاب.

فيما لم يكن الحديث متوقفًا عن إمكانية شن عملية عسكرية في شمال سوريا لطرد التنظيمات السورية التابعة لحزب العمال الكردستاني من منطقة غرب الفرات.

لكن الإطاحة ببشار، ستمنح تركيا قوة إضافية في هذا الملف، خاصة مع نجاح قوات الجيش الوطني في طرد تنظيم وحدات الحماية الكردية YPG من مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، وهو ذات المصير المرتقب حدوثه في أي وقت لقوات التنظيم في مدينة منبج.

أضف إلى ذلك، ما أعلنه وزير الدفاع، يشار غولار، يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي قبل انطلاق عملية ردع العدوان، بيوم واحد فقط، بشأن تطهير منطقة الزاب شمال العراق من تنظيم حزب العمال.

إعلان

كل هذا سيمثل ضغطًا على شديدًا على الداعمين السياسيين للتنظيم داخل تركيا، وفي مقدمتهم حزب المشاركة الشعبية والديمقراطية، وأيضًا على أوجلان نفسه، الأمر الذي قد يزيد من قناعاتهم بعدم جدوى استمرار التنظيم المسلح، وعبثية ديمومة المواجهات الدموية المستمرة منذ أكثر من 40 عامًا، وأن الأفضل للحالة الكردية، الانخراط الكامل في العملية السياسية، خاصة مع اختفاء نظام البعث السوري أحد أهم الداعمين التاريخيين لحزب العمال.

حل أزمة اللاجئين

يترقّب الجميع داخل تركيا أن تقود تلك التطورات إلى حل أزمة اللاجئين، الذين تقدر أعدادهم وفق الإحصائيات الرسمية قرابة 3 ملايين لاجئ.

هذه الأزمة الإنسانية بالغة التعقيد والحساسية، تم تسييسها على مدار السنوات الماضية، ولعبت دورًا في خسائر حزب العدالة والتنمية الحاكم، على مستوى البرلمان والبلديات.

كما أنه وعلى أكتافها، صعدت أحزاب يمينية متطرفة، أحدثت جلبة وصخبًا، وقادت بعض الشرائح إلى ارتكاب انتهاكات في حق اللاجئين السوريين.

لكن استعادة الثورة السورية سيطرتها على العديد من المدن، وفي مقدمتها حلب ثم كامل الأراضي الآن، ستتيح الفرصة لعودة المزيد من اللاجئين مستقبلًا، ما يعني تخفيف الضغط على الداخل التركي.

فبحسب وزير الداخلية، علي يرليكايا، فإن أكثر من 1.2 مليون لاجئ ينحدرون من حلب فقط، أي أن استتباب الأوضاع هناك، سيمكن قرابة 42% من اللاجئين داخل تركيا من مغادرتها طوعًا، إضافة إلى قرابة 190 ألفًا آخرين منحدرين من إدلب التي تمت السيطرة عليها كاملة.

هذه الأرقام ستتضاعف حال تمت تهيئة الأمور في بقية الأنحاء السورية، بما يسمح بعودة اللاجئين من تركيا، إضافة إلى النازحين على حدودها.

هذه العودة حال إتمامها، ستفقد الأحزاب العنصرية ورقة ضغط كانوا يستخدمونها ضد الحكومة، ورئة كانوا يتنفسون منها، تعويضًا لضعف حضورهم الشعبي.

إعلان

ولا ننسى أن حل أزمة اللاجئين السوريين، سيساعد الحزب الحاكم على تعويض بعض خسائره السياسية، التي مني بها على مدار السنوات الأخيرة.

الطريق إلى 2028

لا نبالغ إذ نقول إن تأثير الإطاحة ببشار ونظام حزب البعث، خاصة إذا اتجهت صوب الاستقرار وإعادة بناء نظام سياسي جديد، سيعيد تشكيل المشهد السياسي التركي استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية عام 2028 من خلال عدد من المتغيرات أهمها:

إلغاء بعض القوى السياسية "خاصة الكردية" رهانها على حزب العمال الكردستاني وقدرته على تأسيس كيان انفصالي في شمال سوريا، ومن ثم اختيار الانخراط الكامل في العملية السياسية.

ومن ثم ازدياد قناعة تلك القوى بالمشاركة الإيجابية في وضع دستور جديد للبلاد، ما قد يفتح الباب أمام أردوغان للترشح مجددًا إذا ما أراد ذلك.

استعادة حزب العدالة والتنمية زخمه السابق، واستمراره في موقع الصدارة الحزبية بفارق مريح، خاصة إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية وانخفضت نسب التضخم.

والخلاصة، أن انتهاء حقبة البعث السوري وحكم "آل الأسد"، هو بمثابة "تسونامي" سياسي، سيترك أثره ليس على الداخل التركي فقط، بل على المنطقة كلها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات شمال سوریا حزب العمال داخل ترکیا فی سوریا

إقرأ أيضاً:

كاتب تركي: أنقرة تبدأ العد التنازلي لتنفيذ عملية عسكرية في سوريا

شدد الصحفي المقرب من الحكومة التركية عبد القادر سيلفي، في مقال نشرته صحيفة "حرييت"، على أن العد التنازلي لبدء العملية العسكرية في سوريا ضد المسلحين الأكراد قد بدأ بالفعل.

وأشار سيلفي إلى تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال "قد نأتي فجأة في إحدى الليالي"، موضحا أن التحذيرات من القيام بعمل عسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمودها الفقري في سوريا تزايدت مؤخرا، حيث أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تصريحات له أن تركيا لا ترى أي نية لدى هذه الجماعات لمغادرة البلاد.

وتعتبر تركيا التنظيم المشار إليه امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل شمالي العراق مقرا له، وتدرجه أنقرة وعدد من الدول الغربية على قوائم "الإرهاب". 


وبحسب مقال سيلفي، فإن فيدان أوضح أن تركيا لن تمنح فرصة لهذه الجماعات لاستغلال الفترة الحالية بعد سقوط نظام البعث في سوريا. وأكد أن الأولويتين الرئيسيتين لتركيا في سوريا هما القضاء على "حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم".

وفيما يتعلق بالحلول السلمية، لفت سيلفي إلى أن تركيا قدمت الفرصة اللازمة لـ"انتقال بلا دماء"، لكن مسألة تسليم السلاح من قبل حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب تظل خطا أحمر بالنسبة لأنقرة. وأضاف الصحفي التركي أن تركيا قد وضعت خريطة طريق بالتعاون مع الإدارة السورية الجديدة لتحقيق هذه الأهداف.

وقال في مقاله إن الإدارة السورية الجديدة عازمة على "إجبار حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب على إلقاء سلاحه، وهو ما عبرت عنه الإدارة السورية الجديدة بشكل واضح خلال اجتماعها مع ممثلي الحزب الكردي".

وأشار الكاتب إلى أن الجماعات المسلحة الأخرى في سوريا وافقت على إلقاء السلاح والانضمام إلى الجيش السوري الرسمي.

لكن حزب العمال الكردستاني لا يزال يسعى إلى التفاوض، في وقت أكدت فيه الإدارة السورية الجديدة وتركيا عدم انفتاحهما على إجراء أي مفاوضات إلا بعد أن يعلن المسلحون الأكراد إلقاء السلاح، وفقا للكاتب.

وقال سيلفي إنه "بمجرد أن يعلن الحزب الكردي عن تسليم أسلحته، ستبدأ الإجراءات التي بموجبها يغادر الإرهابيون غير السوريين البلاد".

وحول تأثير القوى الأوروبية في هذا الصراع، لفت سيلفي إلى أن محاولات حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب في إشراك أصدقائهم الأوروبيين لا تعني شيئًا. وأكد أن الدعم الأوروبي لهذه الجماعات لا يملك تأثيرًا يذكر في الملف السوري، مشيرًا إلى أن تأثير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أصبح ضئيلا.


وأضاف سيلفي أن "توازن القوى في سوريا قد تغير بشكل كبير بعد انهيار نظام البعث"، وأن "تركيا أصبحت أكثر قوة الآن"، مشيرا إلى تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قال إن “المفتاح إلى سوريا في أيدي تركيا”.

كما أكد سيلفي أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان شدد على أنه إذا كانت الدول الأخرى لا ترغب في عملية عسكرية، فإن تركيا والسلطات السورية الجديدة أصبح لديهما موقف واضح: "إما أن يفعلوا ما يلزم ويلقوا أسلحتهم، وإما أن يدفنوا في تلك الأراضي مع أسلحتهم".

وختم سيلفي مقاله بالتأكيد على أنه قد تم منح الوقت الكافي للدبلوماسية، ولكن الساعة الرملية بدأت تمتلئ، وبعد ذلك سيبدأ العد التنازلي للعملية العسكرية في سوريا.

مقالات مشابهة

  • الجيش التركي يقصف سد تشرين بريف حلب شمال سوريا .. شاهد
  • تركيا تعتقل رئيس بلدية بسبب تأييده للأكراد
  • كاتب تركي: أنقرة تبدأ العد التنازلي لتنفيذ عملية عسكرية في سوريا
  • مشروع ‘اللاجئين الأوائل’ يساهم في عودة السوريين.. وتعليق عاجل من وزير الداخلية التركي
  • تركيا عازمة على تجديد عملياتها العسكرية في سورية
  • حرييت: تركيا تبدأ «العد التنازلي» لتنفيذ العملية العسكرية في سوريا
  • المتحف الوطني في دمشق يعيد فتح أبوابه بعد الإطاحة بالأسد
  • صحيفة: تركيا تبدأ العد التنازلي لتنفيذ العملية العسكرية في سوريا
  • في الاستـيلاء التركـي على سوريا
  • البرلمان التركي وحزب العمال الكردستاني يمهدان الطريق نحو السلام