الجزيرة:
2025-02-12@08:51:53 GMT

دمشق الفيحاء في عيون الشعراء

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

دمشق الفيحاء في عيون الشعراء

في هذه الزاوية الثقافية "نصوص في الذاكرة" تفتح الجزيرة نت مساحة لتذوق النصوص العربية والمترجمة، لتتحدث الكلمات بألسنتها بلا وسطاء، إيمانا منها بأولوية النص (الشفهي والكتابي) لبناء القيم والأفكار وتشكيل الوعي والوجدان والذوق والسلوك، حتى في عصر هيمنة الصورة.

تختار هذه النافذة مجموعة منتقاة من نصوص الأدب والفكر والتاريخ، التراثية والمعاصرة، في مجالات ثقافية متنوعة، وتكتفي بمقدمة قصيرة تفتح الباب بعدها للنصوص ذاتها لتشرق معانيها بلا حجاب، وقد أضاف المحرر إليها -أحيانا- هوامش شارحة موجزة.

هذه المجموعة تضم مختارات شعرية عن دمشق.

تشير الأدلة التاريخية إلى أن تاريخ دمشق، الفيحاء، يعود إلى ما قبل الميلاد بأكثر من 3 آلاف عام، إذ التقت على أرضها حقب الزمان والمكان لتشكل حضارة إنسانية مجيدة.

على أرض دمشق دارت رحى الحروب، ومرت كل الحضارات، وظهرت بدايات النبوات. دخلها الإسلام في سنة 14هـ/636م، ومع قيام الخلافة الأموية، أصبحت دمشق حاضرة العالم وفخر المدائن، تشع أنوارها من البرتغال إلى الصين، ومن سيبيريا إلى قلب أفريقيا.

يكفي أن نعلم أن كتابًا واحدًا فقط وضعه محدث الشام ابن عساكر (499-571هـ)، يستعرض جزءًا من تاريخ دمشق، وقد شغل ذلك العمل الضخم 80 مجلدًا، ليعتبره المؤرخون أحد أعظم المؤلفات في تاريخ الإسلام.

يصف البحتري، الشاعر العربي، حين دخل الخليفة المتوكل دمشق من باب "داريا"، بهاء المدينة وروعتها بقوله:

العيش في ليل "داريا" إذا بردا
والراح تمزجها بالراح من (بردى)

ويتابع مادحًا:

أما دمشق، فقد أبدت محاسنها
وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت، ملأت العين من بلد
مستحسنٍ، وزمان يشبه البلدا

أما أبو اليمن الكندي، فقد وصف عمران دمشق في عهد نور الدين محمود زنكي (1174م)، حين بنى قصر الفقراء بجوار قصور الأغنياء:

إن نور الدين لما أن رأى
في البساتين قصور الأغنياء
عَمَر الربوة قصرًا شامخًا
نزهة مطلقةً للفقــراء

إعلان

وعندما دخلها العثمانيون فاتحين، ظلت دمشق كما كانت، عاصمةً للعلم والعلماء. ذكر عبد القادر النعيمي الدمشقي (المتوفى 927هـ) في كتابه "الدارس في تاريخ المدارس"، أن دمشق في القرن الخامس الهجري ضجت بالعلم. واحتوت على 7 دور للقرآن الكريم، و18 دارًا للحديث، و57 مدرسة للشافعية، و51 مدرسة للحنفية، و4 مدارس للطب، ومدرسة للهندسة.

وصف الأمير سديد الملك ابن منقذ الكناني هذا العمران قائلاً:

ومدارس لم تأتها في مشكلٍ
إلا وجدت فتى يحلُّ المشكلا
وبها وقوفٌ لا يزال مَغَلُّها
يستنقذ الأسرى ويغني العيّلا
وأئمة تلقي الدروس وسادة
تشفي النفوس، وداؤها قد أعضلا

وأضاف:

إذا عنان اللحظ أطلقه الفتى
لم يلق إلا جنة أو جدولا
أو روضة أو غيضة أو قبّة
أو بركة أو ربوة أو هيكلا
أو واديًا أو ناديًا أو ملعبًا
أو مِذبنا، أو مجدلاً أو موئلا

دمشق.. أيقونة الجمال والتاريخ

ومن الأبيات التي تغنى بها المغنون، وأطربت بها القلوب، ما قاله طردار بن علي الدمشقي، المعروف بالبديع:

يا نسيما هبَّ مسكًا عبقا
هذه أنفاس ريّا جلّقـــا
كفّ عني، والهوى ما زادني
برد أنفاسك إلا حرقـــا
ليت شعري، نقصوا أحبابنا
يا حبيب النفس ذاك الموثقا
يا رياح الشوق، سوقي نحوهم
عارضًا من سحب عيني غدقا
وانثري عقد دموع طالما
كان منظوما بأيام اللقــا

ظلت دمشق تتأرجح بين عبق العطور وزهو الزهور، متألقة بمائها العذب ونمائها الدائم، مستلهمة روح البقاء عبر العصور. ورغم الزحوف المغولية، والغزوات الصليبية، والاحتلالات المتكررة، كانت دمشق السر الكامن، المحتفظ دائمًا بمادة الحياة وأنفاس البقاء. أرسلت أسرارها وأنوارها إلى العالم، تضخ فيه الدماء والعافية، متجاوزة البغي والدمار، وتعيد ترميم مجدها مهما طالها من حصار.

في خضم هذا التاريخ العريق، خلّد أمير الشعراء أحمد شوقي في أبياته معاني المجد والحزن حين ألمت بها العوادي، وقال:

إعلان

نصيحةً ملؤها الإخلاص صادقة
والنصح خالصهُ دينٌ وإيمان
والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمة، فهو تقطيع وأوزان

ثم أكمل في وصف دمشق، روح الحضارة ومصدر الإلهام:

آمنت بالله، واستثنيت جنته
دمشق روح وجنّات وريحان
لولا (دمشق) لما كانت (طليطلة)
ولا زهت ببني العباس بغدان
جرى وصفق يلقانا بها (بردى)
كما تلقّاك دون الخلد رضوان
ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم
ونحن في الجرح والآلام إخوان

وفي لحظة ألم تفجرت من وجدانه صدحة أكثر تفجعًا:

سلام من صبا بردى أرقُّ
ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي
جلال الرزء عن وصفٍ يدق
وكل حضارة في الأرض طالت
لها من سرحك العلوي عرق
سماؤك من حلي الماضي كتاب
وأرضك من حلي التاريخ رق
بنيت الدولة الكبرى وملكًا
غبار حضارتيه لا يشق
له بالشام أعلام وعرس
بشائره بأندلسٍ تـــدق

دمشق.. نبض الشعر وحكاية العروبة

ومن الوطنيات الرائقة للشاعر صقر القاسمي، ما جاء في ديوانه صحوة المارد في خاطرة إلى دمشق، ربّة السحر والشعر:

كم في هواك أرى الشقاء سعادة
واللوم حين تمر بي ذكراك
طلبوا بأن أسلو هواك وهل أرى
دنيا تلد بغير جرح هواك
عشقتك روحي مذ عرفتك وانبرى
بالسحر تهني بالهدى عيناك
وتعد لي كأس السنا بعطورها
دنيا تفتق زهرها لشذاك
فخر الأبوة، من كماة أميّة
خلدت بمجدهم العتيد رباك
ما أنّ في دنيا العروبة موجع
إلا وجلّق ذاب قلب بــاك

ثم يترنم صالح جودت، في ديوانه ألحان مصرية، بهذا اللحن الدمشقي الخلاب، ليعزف على أوتار الوحدة والعروبة التي خلّدها في زيارته لدمشق عام 1966م:

هنا دمشق وما أحلاه من نغم
أنشودة في فمي، أم نشوة بدمي
هذي دمشق تناديني فأبلغها
سعيًا على نغماتي لا على قدمي
دمشق يا معبد الأشواق في حلمي
يا كعبة الروح بعد القدس والحرم
يا عزّ قوميتي، يا أخت قاهرتي
يا نجمة يزدهي من نورها علمي
فوق الجراح سمونا في عروبتنا
فما نفى حدثٌ، أنا ذوو رحم
ما زال حبك منقوشا على قدري
فوق الزمان، وحبي غير متهم
ما أجمل النيل، إذ يصغي إلى بردى
وقاسيون يناجي قمة الهرم
هذي فلسطـيـنُ تدعـونـا إلى قسمٍ
وآن مـنّا أوانُ الـبِرِّ بالقسم
فيا دمشقُ دعـاكِ النصرُ فـانـتفضي
ويا عـروبةُ نادى الثأرُ فانـتقـمي

إعلان

وفي برقية عاطفية أرسلها جودت "إلى ليلى أمية"، نظمها أثناء تحليقه فوق أجواء دمشق عام 1964م، والمرارة من الانفصال بين مصر وسوريا تلون المشهد، كتب:

بلغوها إذا بلغتم حماها
أنني المستهام رغم جفاها
منعتني عن أرضها فتسامى
بي حبي بلغت سماهــا
أقليــل عليّ أن تتبدّى
لعيوني، ولا أقبّل فاها
ليتها وهي تمنع الود عني
نفحتني بحفنةٍ من ثراها
بلغوها أني على العهد باقٍ
فعساها تئوب يومًا عساها

ثم يفتح لنا نزار قباني، العاشق الدمشقي الكبير، مفكرته، فتنبعث قصيدة عاتبة كعتاب الأحباب، ألقاها في مهرجان الشعر العربي في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 1971م، وسط غيوم نكسة 1967م الثقيلة:

يا شام أين هما عينا معاوية
وأين من زاحموا بالمنكب الشهبا
فلا خيول بني حمدان راقصة
زهوا، ولا المتنبي مالئ حلبا
وقبر خالد في حمص تلامسه
فيرجف القبر من زواره غضبا
يا ربُّ حيٍّ، رخام القبر مسكنه
ورب ميتٍ، على أقدامه انتصبا
يا ابن الوليد، ألا سيف نؤجره
فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا
دمشق.. يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا

ويبقى السؤال الذي طرحه نزار، سؤالًا يصدح بالألم والدهشة: أشكو العروبة أم أشكو لكِ العربا؟

سلامًا يا دمشق، دار الفقهاء والعلماء والشعراء والأدباء. ودمت شامخة، نجمة الشام، وقاطرة الحضارة، وباب الأقصى الشريف، رمز العزة والعروبة.

المراجع:

– صالح جودت: ألحان مصرية، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، ص144.
– صقر القاسمي: الأعمال الشعرية الكاملة، الجزء الأول، القاهرة، 1982م، ص202.,
– نزار قباني: الأعمال السياسية، منشورات نزار قباني، بيروت، ص 82.
– التاريخ الكبير: ابن عساكر، مطبعة روضة الشام، 1329هـ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

المدينة الثقافية في عيون الكُتّاب والأكاديميين: فضاء إنساني للتنوع والإبداع

محمد عبدالسميع

أكد عدد من الكتّاب والأكاديميين والفنانين والأدباء أهميّة مفهوم المدينة الثقافية، والتي يجب أن تتغلغل بسببها الثقافة في كلّ مفاصل الحياة وأعمالها، انطلاقاً من ربط الماضي بالحاضر والتوجّه الواثق نحو المستقبل. واقترحوا لذلك شمول المدينة والدولة ككل، بالأعمال الثقافية الفنية والأدبية والتراثية، وعدم إنكار التقدم العلمي والتكنولوجي القادم والذي نعيش، نحو انفتاح كبير لمدينة الثقافة على أفكار وثقافات العالم. ورأى المتحدثون في حديث إلى (الاتحاد) أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة تعدّ أنموذجاً حياً في خلق أبعاد ثقافية محلية وعربية وعالمية ومواكبة للعالم. تالياً أفكار وآراء حول المفهوم والتطبيق وعدد من تحديات المشروع.


يرى الشاعر والناقد والفنان التشكيلي علي العبدان، أنّ المدينة الثقافية تتمتع بثقافة غنية ومتنوعة، وتحتضن مجموعة واسعة من الفعاليات الثقافية والفنية، مثل المعارض والمهرجانات والعروض المسرحية والسينمائية. وهي مدينة تتطلع إلى أن تكون مركزاً للفنون، والتراث، والتعليم، والابتكار، وتعزز من تبادل الأفكار والممارسات الثقافية بين سكانها والزوار. ويشترط العبدان لذلك أن تكون المدينة الثقافية مشهورة بمؤسساتها الثقافية مثل المتاحف، والمعارض الفنية، والمسارح، وكذلك بحفاظها على التراث التاريخي المحلي.
ويقول العبدان، إنّ إعادة تشكيل المدينة الثقافية بالتزامن مع طبيعة المدن الحالية يتطلب مزيجاً من الابتكار والاحترام للهوية الثقافية والاجتماعية في السياق المعاصر، ويمكن تحقيق ذلك من خلال بعض الإجراءات الأساسية، ومنها مثلاً دمج التكنولوجيا مع الثقافة، حيث يمكن استعمال التكنولوجيا لتعزيز التجربة الثقافية، مثل إنشاء منصات رقمية للفعاليات الثقافية أو تطبيقات تفاعلية تربط الزوار بالمعالم الثقافية، كما يجب أن تكون المشاريع الثقافية جزءاً من التخطيط العمراني المستدام.
ويرى الكاتب والباحث البحريني، الدكتور فهد حسين أنّ ظاهرة المدينة الثقافية ليست جديدة في العالم العربي، ففي كل مراحل الحضارة العربية والإسلامية ظهرت لنا مدينة لا تحمل الصفة السياسية أو الدينية فحسب، بل كان الطابع الثقافي عنوانها، ويضيف الدكتور حسين أننا حينما نقول مدينة ثقافية، فهذا يعني قبل كل شيء إيمان رجالاتها المسؤولين بدور الثقافة وتحصيل المعرفة، لما لهما من دور في رقي المجتمع ووضع البلد في مصاف الدول المتقدمة، ولنا شاهد بارز في منطقة الخليج في وقتنا الحاضر، وهي الشارقة التي تحتضن على مدار العالم المهرجانات الفنية (التشكيلية - المسرحية - السينمائية - التراثية)، ومعارض الكتب، والملتقيات الأدبية المتنوعة، والمؤتمرات والجوائز والإصدارات المختلفة السنوية، وغيرها، بهذا الإيمان والرؤية الثقافية يمكن أن تتشكل المدينة الثقافية كما في الشارقة.


التراث والحداثة
يؤكد الكاتب والباحث الإماراتي محمد حمدان بن جرش أنّ المدينة الثقافية ليست مجرد مكان جغرافي، بل هي روح نابضة بالحياة تجمع بين التراث والحداثة، كما أنها فضاء لتناغم الفنون والممارسات الثقافية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية. وفي هذه المدن، يتحول التنوع الثقافي إلى مصدر قوة، وتصبح الشوارع معارض مفتوحة، والمباني القديمة حاضنات للإبداع، مما يخلق تجربة فريدة تعزز الهوية الوطنية وتدعم الابتكار. ويتحدث ابن جرش عن هذا المفهوم الذي يتجاوز كونه احتفاءً بالماضي، إذ تتناغم فيه روح الأصالة مع رؤى المستقبل، لتخلق تجربة ثقافية متفردة.

ويقول الكاتب والناقد المصري د. محمد محمد عيسى، إنّ الذاكرة العربية تحتفظ بعدد كبير من المدن والحواضر العربية التي شكّلت مدناً ثقافية كان له الفضل في تأسيس المكانة العربية والثقافة العربية في العالم. وحول إعادة تشكيل المدينة الثقافية، يرى عيسى أهمية بناء المدينة الثقافية أولاً، بالإصرار والعزيمة وأيضاً عشق التراث والحضارة واستعداد للتجاوب والتناغم مع العالم، ويؤكد ما تشهده حالياً مدينة الشارقة بكل ما تمتلكه اليوم من تظاهرة ثقافية عالمية تمتد إلى أعماق التراث وبما تعمل على حفظه وإعادة تصديره بشكل يتلاءم مع العصر، وبما تحمل على عاتقها من تنفيذ كثير من المشاريع في شتى الفنون والعلوم، إذ تحرص الإمارات العربية المتحدة على إحياء وإعادة الحواضر والمدن الثقافية بما تسعى إليه من استقطاب الفنانين والمبدعين والعلماء والمفكرين، وما تقوم به من إنشاء البنى التحتية التي تخدم إحياء النشاط الثقافي المبدع.

قيم التعايش
من جهته، يرى الكاتب والإعلامي السوداني عمرو منير دهب ضرورة أن تقدّم المدينة الثقافية أدوات الثقافة لتصبح مدخلات إنتاج ضمن ما يشار إليه عادة بالاقتصاد الإبداعي، وتحديداً الإسقاطات التقليدية لمفهوم الثقافة والإبداع بما يندرج تحت الأشكال المختلفة للتراث والفنون البصرية والموسيقى والأدب المكتوب. 
ويرى الكاتب والناقد المصري الأمير كمال فرج أنّ المدن الثقافية هي تلك المدن التي تكون الثقافة فيها المرتكز الأساسي، فيُؤمِن المسؤولون عنها بأنّ التنمية الثقافية أحد مفاتيح التنمية الاقتصادية، لذلك فهي في الغالب تضم العديد من المتاحف والهيئات والمسارح والمعالم الثقافية، وتعمل على تنمية هذا الجانب بشكل مستمر، وتُسخِّر إمكاناتها في الاستثمار في القطاع الثقافي والإبداعي. وترى الدكتورة أميرة مسعد رئيسة نادي الكتاب بالإمارات، أنّه لا يمكن الفصل بين المدينة والثقافة، فهما متلازمتان، إذ تلبي الثقافة الاحتياجات الاجتماعية للبشر، كما أن للمبدعين والمفكرين دوراً كبيراً في طرح الرؤى وشغل فضاءات الإبداع التي تحمل روحًا جديدة، لما يحملونه في عقولهم ووجدانهم من أفكار وتأملات تمنح الروح للمدن.


التخطيط العمراني
وتؤكد كاتبة القصة والشاعرة الإماراتية فاطمة المزروعي، أهمية إعادة تشكيل المدينة الثقافية بالتزامن مع طبيعة المدن الحالية، متوقعةً مجموعة من الاستراتيجيات المتكاملة التي تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الثقافية والاجتماعية والبيئية، كما يجب أن يتم التخطيط العمراني بطريقة تعزز من التفاعل الثقافي، من خلال إنشاء مساحات عامة مثل الحدائق والساحات التي تستضيف الفعاليات الثقافية والفنية وأن تعكس المباني والمعالم الثقافية تاريخ وثقافة المدينة.
 
السياحة الثقافية
ترى سارة الشامسي، الكاتبة والباحثة الإماراتية بوزارة التربية والتعليم الإماراتية، أنّ المدن الثقافية تسهم في تحسين الاقتصاد المحلي من خلال استقطاب السياحة الثقافية وتشجيع الصناعات الإبداعية.
كما تؤكد الباحثة والأديبة الإماراتية شيخة الراشدي دور المدن الثقافية في تعزيز التماسك الاجتماعي عبر توفير مساحات تعزز الحوار بين مختلف الفئات الثقافية والاجتماعية.
وترى صفاء البريكي، الباحثة بجامعة العين، أنّ تصور المدينة الثقافية يختلف بحسب اهتمامات وتخصصات المفكرين والأدباء والفنانين، ولكنهم يتفقون على أهمية أن تكون المدينة مساحة تعكس التنوع والتفاعل الإنساني.
وتقول جمانة الخراز، الباحثة بوزارة التربية والتعليم الإماراتية، إنّ المدينة الثقافية يجب أن تكون بمثابة منصة تُبرز الأصوات غير المسموعة وتشجع على الابتكار. كما تدعو الدكتورة عائدة الشامسي، الكاتبة والباحثة بمؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، إلى ضرورة أن تكون المدينة مستوحاة من الطبيعة ومتجددة باستمرار، مما يسمح بتفاعل أعمق بين الإنسان وبيئته المحيطة.

أخبار ذات صلة المطيوعي يهدي الإمارات «ذهبية» في «آسيوية الدراجات» طرق دبي تنجز تحسينات مرورية في 50 موقعاً بالإمارة خلال 2024


جودة الحياة

ترى الدكتورة مريم الهاشمي، أنّ المدن الثقافية بمفهومها الحديثة أنموذج رائد في بعث السلام وتوحيد الجهود من أجل الحريات الأدبية والفكرية والفنية ووسيلة لحفظ الإرث الإنساني المادي وغير المادي من الاندثار، خاصة في عصر أصبحت فيه الثقافة متأثرة التأثر الكبير بإشكالية سوسيوثقافية، وهي إشكالية تتأثر بها كل القطاعات المجتمعية الحيوية، والتي جاءت نتيجة لما بعد الحداثة، فأصبحت المجتمعات المتعددة هي الأنموذج الشائع في كل الحضارات، وهو ما حمل معه الكثير من التحديات المرتبطة بثقافات الشعوب وميراثها الثقافي.
وتقول الدكتورة شيرين صالح العدوان، الأستاذة بجامعة العين، إنّ المدينة الثقافية هي تلك التي تُبرز الهوية الثقافية لمجتمعها وتجمع بين البنية المادية المتمثلة في الأماكن الثقافية مثل المسارح والمتاحف والمكتبات، والأنشطة والممارسات الثقافية التي تُعزِّز من الانتماء والتفاعل المجتمعي.
ويقول الدكتور محمد عبد السلام، الأستاذ بالجامعة الأميركية الدولية بدبي، إنّ المدينة الثقافية ليست مجرد مساحة جغرافية بل فضاء يتفاعل فيه الناس مع الفن والفكر والإبداع.
ويقول الدكتور محمد أبو الفضل بدران، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة والأستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، إنّ إعادة تشكيل المدينة الثقافية تتطلب مراعاة التطورات التكنولوجية والاحتياجات المجتمعية المتغيرة. كما يرى الدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة السابق والأستاذ بجامعة محمد بن زايد، أنّ تطوير بنية تحتية رقمية متكاملة يُمكن أن يُعزز من انتشار الثقافة وجعلها متاحة للجميع، مشيرًا أيضا إلى أهمية دمج الثقافة في التخطيط العمراني من خلال تخصيص مساحات عامة تُحفز على الإبداع والتفاعل، مع مراعاة استدامة هذه المساحات لتكون جزءاً لا يتجزأ من حياة السكان اليومية.
ويقول الدكتور عبد القادر موسى البلوشي، الباحث بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، إنه بالإضافة إلى كون المدن الثقافية منصات للبحث والإبداع، تستطيع المدينة الثقافية أن تُسهم أيضاً في تعزيز جودة الحياة وزيادة الترابط الاجتماعي.

 
مصدر إشعاع معرفي


 إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تهتم بالبحث الثقافي، وإجراء الدراسات الميدانية، وأرشفة التراث، وخلق مساحات كبيرة ونوعية وشاملة وتفصيلية قبل إجراء النشاط المهرجاني أو تأسيس الهيئة أو الجمعية أو المؤسسة الثقافية، إنما تسير في اتجاه يفي حقاً بواجب حضور المدينة الثقافية، كنقطة في الإشعاع الفكري والثقافي والفن العربي والعالمي، فباتت أبوظبي ودبي والشارقة وجهات ثقافية مميزة، وكذلك بقية أرجاء الدولة، بما في كل إمارة من ميزة نسبية تاريخية أو طبيعية تنهض بالعمل الثقافي وتتهيّأ له سريعاً، بناءً على هذه المقومات.
 ولم تقف الإمارات عند العمل على ثقافة المدينة، أو مدينة الثقافة، وإنما ذهبت تستضيف أيضاً منتديات ومسميات وعناوين مهمة في هذا الموضوع، مثل منتدى المدن الثقافية العالمي في دبي، والاهتمام بصيغة فكر المستقبل الشبابي، فكانت قمة المدن الثقافية العالمية ذات توصيات ونقاشات وحضور عالمي نخبوي وإنساني في أفكار مبتكرة وملهمة وحلول تركز على استثمار الخبرات والممارسات الثقافية والإبداعية في التطوير الحضري للمدن، وفتح آفاق للشباب المبدعين، وحفزهم على مواصلة طريقهم، إذ مثلت القمة العالمية فرصة استثنائية للتعريف بهوية دبي الأصيلة وتاريخها العريق، وتنوعها الثقافي وتراثها الفني وقيمتها الجمالية، كجسر بين الثقافات المختلفة.

مقالات مشابهة

  • نواويس مصرية.. نزار صبور يخلّد رموز الفن في فن القاهرة
  • خورفكان يعيد تسجيل عمر جمعة ربيع
  • قصيدة حب بلا حدود للشاعر نزار قباني
  • أشعار نزار قباني عن الصباح الباكر
  • رحلة أوزان الشعر العربي
  • عيون ساهرة..وزارة الداخلية 24 ساعة تفاعل مع جرائم مواقع التواصل
  • أمير الشعراء عبد الرحمن الحميري لـ24:الفرحة مضاعفة لأني تقلدت اللقب بمسقط رأسي أبوظبي
  • نزار العقيلي: (العدو المستتر)
  • أستاذ قانون: العروبة جزء أساسي في الهوية المصرية
  • المدينة الثقافية في عيون الكُتّاب والأكاديميين: فضاء إنساني للتنوع والإبداع