الخليج وأزمة لبنان.. صفقة كبرى لكوينسي برعاية السعودية وقطر
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
سلط محلل الشؤون الدولية، ألكسندر لانجلوا، الضوء على دور دول الخليج في الأزمة السياسية والاقتصادية الطاحنة في لبنان، مشيرا إلى أن دولتين رئيسيتين في مجلس التعاون الخليجي يقودان جهدًا مشتركًا داخل "لجنة كوينسي"، وهما السعودية وقطر، إلى جانب مصر وفرنسا والولايات المتحدة.
وذكر لانجلوا، في تحليل نشره موقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن اللجنة تعد "صفقة كبرى" من شأنها أن تحل الفراغ الرئاسي في بيروت، إضافة إلى إسناد الإصلاح الاقتصادي والتعيينات السياسية مثل محافظ البنك المركزي.
وحال تمرير الصفقة، سيكون للرياض والدوحة دور جوهري فيها، وكذلك إيران، الأمر الذي قد يضع العلاقة المتجددة بين طهران والرياض في أول اختبار جاد لها، بحسب لانجلوا.
والتقى أعضاء كوينسي في 17 يوليو/تموز الماضي بالدوحة لمناقشة المأزق السياسي المستمر في لبنان بعد زيارة المبعوث الفرنسي الخاص، جان إيف لودريان، إلى البلاد في أوائل الشهر ذاته، وناقشوا ملف اختيار الرئيس اللبناني ورئيس البنك المركزي اللبناني والاصلاح الاقتصادي والقضائي.
وشملت مباحثات أعضاء اللجنة الحديث عن "إجراءات" محتملة ضد الكيانات التي "تعرقل" الانتخابات الرئاسية في لبنان، قد تشمل عقوبات سبق أن هدد بها الاتحاد الأوروبي، لكنه فشل إلى حد كبير في تنفيذها.
وأطلع لودريان وفود كل دولة على مشاوراته مع القادة السياسيين اللبنانيين، وسط شائعات عن مؤتمر للحوار الوطني في الرياض بمختلف وسائل الإعلام اللبنانية، ما يشير إلى اهتمام قطر والسعودية القوي بالانخراط في الشأن اللبناني.
وزادت قطر مشاركتها في الشأن اللبناني خلال السنوات الأخيرة، لملء الفراغ الذي خلفه فك الارتباط النسبي للسعودية عن البلاد خلال نفس الفترة.
وكان التحول الذي شهدته الرياض، في وقت سابق من عام 2021، بسبب عجز البلاد عن منافسة خصمها اللدود (إيران) ووكيلها، حزب الله في لبنان.
أزمات لبنان
ويرى لانجلوا أن السبب الجذري لأزمات لبنان المتشابكة يكمن في "طبقة سياسية رسّخت الفساد ونظام المحسوبية لمنع الإصلاح وإثراء نفسها".
وفي هذا الإطار، يختار نواب بيروت حماية مصالحهم من خلال إلقاء اللوم على بعضهم البعض في مشاكل البلاد.
ومنذ ترك آخر رئيس للبنان، ميشال عون، منصبه، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي دون خلف، صوت البرلمان 12 مرة متتالية لملء المنصب الشاغر، دون جدوى، بسبب التناحر الداخلي.
وسمحت هذه الديناميكية بسيناريو فريد ولكنه استقطابي بالتصويت الأخير، في 14 يونيو/حزيران، الذي شهد تكاتف كل من الأحزاب المسيحية الرئيسية لانتخاب وزير المالية السابق والمسؤول في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، وكان التصويت غير مسبوق بالنظر إلى الطبيعة المتصدعة للكتلة المسيحية، لكن حزب الله وحلفائه، الذين يدعمون النائب المردة الموالي لسوريا، سليمان فرنجية، منع التصويت.
وأثر عدم قدرة بيروت على انتخاب رئيس جديد بشكل مباشر على قدرة لبنان على الحكم القانوني وشغل الأدوار الحاسمة، إذ أن الرئيس هو الذي سيفوض حكومة جديدة ورئيس وزراء جديد.
وأثار الوضع جدلاً حادًا بين السياسيين اللبنانيين حول دور الحكومة المؤقتة الحالية بقيادة رئيس الوزراء بالإنابة، نجيب ميقاتي.
اقرأ أيضاً
انتخاب رئيس لبنان.. جهود فرنسية قطرية وخلوة مسيحية لحلحلة الأزمة
وتعمل هذه الأزمة الدستورية على توسيع حدود الحكومة في أسوأ وقت ممكن، وهو الوقت الذي يتطلب تعيين محافظ جديد للبنك المركزي.
وانتهت ولاية محافظ البنك المركزي السابق، رياض سلامة، في 31 يوليو/تموز، ما ترك حالة من الارتباك تحيط بدور نوابه الأربعة وإدارة البنك.
وسلامة متورط في تحقيقات فساد في عدة دول، بما في ذلك لبنان، ما قلل الثقة في النظام المصرفي اللبناني وزاد من التدهور الاقتصادي في البلاد.
ويركز القادة اللبنانيون والمجتمع الدولي بشكل خاص على ضمان الاستقرار في البنك، بالنظر إلى أهميته لأي مظهر من مظاهر الاستقرار النقدي.
ويرجح لانجلوا أن يكون هذا القلق هو سبب قبول النائب الأول للمحافظ، وسيم منصوري، على مضض دور المحافظ المؤقت في اليوم الذي انتهت فيه ولاية سلامة.
دور الخليج
غير أن لانجلوا يشير إلى أن حل مشاكل لبنان أكثر تعقيدًا من مجرد عرض المشاركة الدولية في حل أزماته، مؤكدا أن قطر والسعودية في وضع فريد للعب دور قوي في معالجة هذا التعقيد.
لكن حل العدد الأكبر من القضايا المطروحة وسط مجموعة من الدائنين الدوليين الذين سئموا منح الطبقة الحاكمة الفاسدة في لبنان خطة إنقاذ أخرى، سيتطلب درجة عالية من الصبر، وهو أمر يفتقر إليه لبنان بوضوح.
لكن في نهاية المطاف، سيجد أصحاب المصلحة السياسيين في بيروت أنفسهم مضطرين لقبول أن التغيير ضروري لإنقاذ بلدهم، كما أوضح كل عضو من أعضاء كوينسي في بيانات مشتركة.
وتركز اللجنة بشكل أساسي على ملف الرئاسة اللبنانية، بالنظر إلى الدور القانوني للمنصب في تشكيل حكومة يمكنها شغل المناصب الوزارية الحاسمة.
ومن المحتمل أن يظل هذا محور تركيز كوينسي، خاصة بعد أن أصدر نواب محافظي البنك المركزي خطة نقدية يمكن تنفيذها في غضون انتخاب الرئيس الجديد.
ويمكن لمقترحات مثل إنهاء التمويل "المجاني" للحكومة، في ظل غياب ميزانية حكومية للعام المالي 2023-2024، اتخاذ موقف أكثر صرامة من خلال اقتراح قانون يحد من اقتراض الخزانة، بيمكن أن يساعد في حل العجز المتزايد في لبنان، ما أدى إلى نزيف بقيمة 25.5 مليار دولار في 4 سنوات.
ومن شأن هكذا الخطة أن تمنح لبنان مزيدا من الوقت وأن تضغط على النواب لحل القضايا السياسية التي تمنع تشكيل الحكومة.
اقرأ أيضاً
وزير خارجية لبنان: العلاقات مع الخليج تحسنت إلى حد بعيد
من هنا، يؤكد لانجلوا أن الإصلاحات الاقتصادية اللاحقة، التي يطالب بها صندوق النقد الدولي قبل أي خطة إنقاذ مالي، مهمة جبارة، مشيرا إلى أن كل عضو من أعضاء كوينسي يتمتع بنفوذ في هذا الصدد، حيث تلعب السعودية وقطر دورًا مهمًا بلما لهما من موارد اقتصادية كبيرة.
وكانت الرياض قد خسرت نفوذا في لبنان خلال كارثة عام 2021 بعد انسحاب حليفها الرئيسي، تيار المستقبل، من السياسة، ومع ذلك أدت عودتها إلى المشهد السياسي اللبناني في أوائل عام 2022 إلى إنشاء صندوق تنمية مشترك جديد مع فرنسا بقيمة 30 مليون دولار.
ومنذ ذلك الحين، أعادت الرياض الانخراط في الشأن اللبناني، وإن كان بدرجة أقل مما كانت عليه في الماضي، وهو اتجاه شهدته المنطقة في الوقت الذي شددت فيه المملكة مواردها المالية.
دور قطر
وفي هذه الأثناء، كانت قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي تجنبت انتقاد بيروت في عام 2021، واختارت بدلاً من ذلك شراء حصة 30% في حقول الغاز البحرية اللبنانية والتبرع بـ 60 مليون دولار للجيش اللبناني. وفي هذا السياق، كانت الدوحة داعماً قوياً للحياد في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما في لبنان.
ولعبت قطر دوراً رئيسياً في استقرار لبنان عبر تاريخه، وساعدت في إعادة بناء عدة بلدات في جنوب لبنان بعد حرب حزب الله مع إسرائيل عام 2006 ورعت مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في عام 2008، ما أسفر عن اتفاق الدوحة، الذي أنهى أزمة سياسية مماثلة، لكن عنيفة، استمرت 18 شهرًا في البلاد.
ودعت الحكومة القطرية إلى إشراك إيران في المحادثات الخاصة بلبنان في وقت مبكر من فبراير/شباط الماضي، وهو أمر ضروري لحل المشاكل السياسية في البلاد.
ولهذه الأسباب، يرى لانجلوا ان الدوحة مناسبة بشكل خاص للجمع بين الفصائل اللبنانية المتنافسة للتوصل إلى اتفاق، ففي حين أن أعضاء كوينسي الآخرين يتمتعون بنفوذ على مجموعات محددة مطلوبة للتوصل إلى هذا الاتفاق، يمكن لقطر أن تلعب دورًا حاسمًا كوسيط محايد أكثر فاعلية بكثير من أي من أصحاب المصلحة الآخرين.
كما يرجح لانجلوا أن تلعب السعودية دورًا رئيسيًا في التوصل لحل بلبنان، رغم تراجع دورها في التأثير على كتل البرلمان اللبناني، استندا إلى قدرتها على العمل مع إيران، في ضوء الانفراج الأخير في العلاقات بين البلدين، ما يؤشر إلى إمكانية الحصول على تأييد الأخيرة ودفع حزب الله بعيدًا عن موقعه الحالي أيضًا.
ويعتبر لانجلوا أن مثل هذه النتيجة ستكون نجاحًا هائلاً للصفقة السعودية الإيرانية التي توسط فيها الصينيون، وترسيخ لتجاوز حزب الله حدوده، بعدما اختار إبقاء الدولة اللبنانية في حالة اضطراب، بينما اختارت الجهات الدولية الفاعلة إنقاذ البلاد مرة أخرى دون أي إصلاحات جادة.
وبحسب لانجلوا فإن الصعوبة في حل الأزمة اللبنانية تكمن في إبرام صفقة تحمل روابط إقليمية مع مناطق المنافسة الأخرى بين إيران والسعودية، مثل اليمن أو سوريا، مع زعزعة النظام اللبناني الحالي، دون إبعاد للأحزاب التقليدية، في الوقت نفسه.
اقرأ أيضاً
ميقاتي: لبنان ملتزم بعدم الإساءة إلي دول الخليج
المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الخليج لبنان فيصل بن فرحان البنک المرکزی حزب الله فی لبنان
إقرأ أيضاً:
السيد علي الأمين: نتطلّع إلى اليوم الذي تصبح فيه الدّولة هي وحدها المسؤولة
وجه العلامة السيد علي الأمين رسالة إلى اللبنانيين "في هذه الظروف التي يمر بها لبنان" وقال: "منذ عهود مضت ولبنان كان واحة للحرية في العالم العربي وقد شكل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الانفتاح والتّسامح بين مختلف الطوائف اللبنانية وأعطى بذلك مثالاً على تجربة إنسانية ناجحة في احترام الآخر والقبول به ونبذ التّعصب الذي يشكل سمة من سمات الجهل والتخلف، وقد بقي رباط العيش المشترك يجمع اللبنانيين المتمسّكين بوطنهم لبنان على الرّغم من كل ما حصل على أرضه من حروب ونزاعات لا يتحمل الشّعب اللبناني المسؤوليّة عنها، إنّما كانت حروب الآخرين على أرضه الّذين استفادوا من ضعف الدّولة اللبنانية في تلك المرحلة ليقيموا دويلات الشّوارع و الزواريب و المناطق"
اضاف:"اللبنانيون اليوم كما في الأمس كانوا وما زالوا متمسّكين بلبنان الواحد ومشروع الدّولة الواحدة التّي تشكّل مرجعيّة لجميع اللبنانيين في مختلف الحقول والميادين من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد والمذاهب والأديان من دون أن يكون هناك امتيازات في الحقوق بين المواطنين بسبب الانتماء الديني والحزبي، بل يجب أن يكون الجميع متساوين أمام القانون في الحقوق و الواجبات. إن صيغة العيش المشترك التي قام عليها وطننا لبنان منذ الإعلان عنه في دولة لبنان الكبير الذي جمع اللبنانيين بكل طوائفهم تعتبر نموذجاً راقياً وحضارياً في عالم العلاقات الوطنية والانسانية لأنها تقوم على مبادئ التسالم والمحبّة والتعارف والعدل والمساواة بين البشر ونبذ الفوارق في الأعراق والمذاهب والأديان، وهي من المبادئ التي تسالم العقلاء في العالم على رفعة شأنها وسموّ قدرها، وهي من القيم التي لا تزال الميزان والمعيار في صحة الأفكار والمنظومات الأخلاقية في العلاقات الاجتماعية بين الناس. وقد حمل لبنان هذه الصيغة على أرضه وفي المنطقة، لذلك كان لبنان بهذه الصيغة التي بني عليها أكبر من وطن، إنه رسالة للعالم كما وصفه قداسة الراحل البابا يوحنا عندما زار لبنان في أواخر القرن الماضي· نعم، هذه رسالة لبنان وصورته التي عشناها صغاراً وعاشها الآباء والأجداد، وعنها قلت : معاً عشنا بأرضِ الشرقِ دهراً نصارى إخوةً للمسلمينا ونحنُ على خُطى الأجدادِ نمضي بإيمانٍ وعزمٍ لن يلينا ونبقى الأوفياءَ لِمَا وَرِثْنَا بِسِلْمٍ وَاعْتِدالٍ مؤمنينا نصونُ بذاك عهدَ العيشِ أهلاً- ولن نرضى بغيرِ الحبّ دينا" .
تابع:"من صور هذا العيش أهلاً والحب بين اللبنانيين ما نراه من احتضان لأهلنا النازحين من ديارهم إلى المناطق اللبنانية الأخرى في هذه الأيام العصيبة التي تمر على وطننا لبنان بسبب الحرب المفروضة عليه. ونعود لنقول بأن هذه الرسالة التي يمثلها لبنان تحتاج إلى الرسل والمبشرين كما كانت عليه حال الرسالات السماوية فإنها وصلت إلينا من خلال الرسل والمبشرين الذين جسدوا في سلوكياتهم تعاليم رسالاتهم. وأنتم أيها الناشطون والإخوة والأبناء والطلاب رسل هذه الرسالة اللبنانية الذين تعقد عليكم الآمال والذين نتطلع إليهم في الحفاظ على لبنان الوطن بالاستمرار بالتمسك بهذه القيم الإنسانية التي قام عليها البنيان. إنها المهمة التي تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى علينا نحن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، مسؤولين ومواطنين، علينا أن نعيد الألق لتلك الصورة المثالية،إلى تلك الصّيغة الإنسانية والوطنية للعيش والتعايش وأن نكون نحن لها النموذج الأمثل في منطقتنا والعالم بكل ما تعنيه تلك الصورة الرسالة من شراكة حقيقية في الآمال والآلام والمودة والاحترام وفي المشاريع السياسية الجامعة لكل مكونات الوطن ومن قبول كل منا بالآخر كما هو ،ومن تعاون وطيد على صيانة الوطن وبناء الدّولة المدنيّة التي تحقق العدالة للجميع في إطار حفظ وصون الحريات السياسية والدينية".
أضاف: " لذلك نقول اليوم ما قلناه في الماضي للأحزاب والقيادات المتصارعة على السلطة والنفوذ يجب علينا مسلمين ومسيحيين ألا نفكر مسيحياً أو إسلامياً وإنما يجب أن نفكر وطنياً وإنسانياً في عملية بناء الدولة الحاضنة للجميع والممثلة لهم بحيث تكون هي المسؤولة وحدها عن الجميع ومسؤولة أمام الجميع من خلال مؤسساتها القانونية والدستورية ويجب أن تكون علاقات الطوائف في الداخل والخارج من خلال الدولة ومؤسساتها".
ختم:" نتطلّع إلى اليوم الذي تصبح فيه الدّولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن الأمن والدّفاع عن الأرض والشعب وعن السياسة الخارجية والمحلية،وعن الإقتصاد والتعليم وعن سائر المهام الّتي تقوم بها الدّول ذات السيادة في شعوبها وأوطانها،وأن تكون الدّولة هي الّتي ينخرط فيها الجميع وينضوي تحت لوائها الجميع وأن تكون وحدها من خلال مؤسساتها صاحبة القرار ومرجعية الحلول عند حصول الاختلاف بحيث يقبل الجميع بأحكامها وتنفيذ قراراتها بدون استثناء على قاعدة أن يكون الولاء للوطن والحكم لدولة المؤسسات والقانون، وبذلك نعزز حالة الانصهار الوطني والتنافس الديمقراطي في عملية إعادة بناء لبنان الذي نريد، لبنان الاستقرار والازدهار ليعود لبنان لؤلؤة الشرق ونموذجاً حضارياً في أرقى وأسمى العلاقات الإنسانية في المنطقة والعالم.عشتم وعاش لبنان".