سعيد ذياب سليم
كانت المرأة قديمًا رمز قداسة، ومازالت في الشرق لها مكانتها واحترامها، بما تمثله الأنوثة من رقة وجمال، يرقص لها القلب ويحتار لها الفؤاد وتدور حولها الأحلام. تراها في العروض الفنية في أجواء ساحرة، ربما يأتي بها المخرج أو مصمم الرقصات من أجواء ألف ليلة وليلة بما فيها من خيال قد يتجنى فيه على المرأة ليعرضها كسلعة جميلة.
تُقدَّم المرأة في الإعلام المرئي غالبًا بطريقة تبرز مظهرها وتُستخدم كموضوع جنسي، مما يتعارض مع مبدأ المساواة بين الجنسين. هذا النوع من التصوير لا يُعمّق المفاهيم الخاطئة فحسب، بل يُلحق أذى كبيرًا بالمرأة من خلال تقليص هويتها إلى مجرد جسد. عرض المرأة بهذه الصورة النمطية والإصرار على تقديمها بهذه الطريقة يُغير نظرتنا لها ويزيد من تقبلنا للإباحية، مما يؤثر على سلوكياتنا تجاهها تحت شعار الحرية الشخصية والانفتاح.
تأثير الإعلام على صورة المرأة
تسليع المرأة في وسائل الإعلام لا يُعمّق فقط الصور النمطية السلبية، بل يؤدي إلى تقليص هويتها الإنسانية وتحجيم دورها في المجتمع. هذا التصوير ينعكس على المرأة نفسها، حيث تبدأ برؤية ذاتها من خلال هذا المنظور الضيق، مما يؤثر سلبًا على ثقتها بنفسها ودورها في الحياة.
المرأة في الرياضة
نُحب الرياضة ونمارس منها ما تقوى عليه أجسادنا، ونتابع مواسمها بشغف. ومع ذلك، يثير تصوير المرأة في الرياضة تساؤلات حول القيم التي تُسوقها وسائل الإعلام. هل هو تقدير للرشاقة وقوة الأداء أم استخدام للمظهر الخارجي؟ على سبيل المثال، تُبرز تغطية الإعلام للاعبات التنس مثل سيرينا ويليامز مهاراتهن أحيانًا، لكنها في أحيان أخرى تركز على مظهرهن الجسدي.
في دورة طوكيو 2021، لبست لاعبات الفريق الألماني للجمباز لباسًا يغطي كامل أجسادهن اعتراضًا ورفضًا لتسليع أجسادهن. لاحقًا، قامت لاعبات فريق اليد الشاطئي النرويجيات في البطولة الأوروبية باستبدال البكيني بالسروال القصير، مما أثار الجدل حول القوانين التي تُلزم المرأة بزي معين بينما يُترك للرجل حرية الاختيار. أثارت هذه الخطوات حراكًا يمكن أن يؤدي إلى تغيير القوانين لصالح المرأة.
تسليع المرأة في الإعلانات
تعرض وسائل الإعلام دعايات تُسوِّق سلعًا مختلفة. ربما لا يُثير العجب أن ترى سيدة جميلة في دعاية عطر نسائي تتوازى فيها عناصر الجمال، لكن أن تظهر سيدة في إعلان لسيارة حديثة تبرز أجزاء من جسدها كعنصر جذب جنسي فقط، فإن هذا التصوير يُعمِّق الفجوة بين الجنسين ويُعزز القيم الاستهلاكية التي تربط قيمة الإنسان بمظهره الخارجي.
السينما والصور النمطية
في عالم السينما، توجد أفلام هادفة وأخرى للإثارة والتسلية. لنأخذ فيلم The Ugly Truth (الحقيقة البشعة) كمثال، الذي يدور بشكل كبير حول الجاذبية الجنسية والصور النمطية بين الجنسين، مع حوار صريح حول العلاقات وما “يريده” الرجال والنساء، وكأن المرأة وُجدت لتلبية رغبات الرجل!
الأغاني وتسليع المرأة
تكاد لا تمضي ساعة دون أن نسمع أغنية، سواء اخترنا ذلك أو سمعناها قسرًا في الطريق. ربما نهتز مع الإيقاع دون التفكير في الكلمات، لكن عند التدقيق نجد في بعضها العجب. على سبيل المثال، أغنية Beautiful Red Dress (فستان أحمر جميل) للوري أندرسون تتناول تسليع المرأة من خلال نقد ساخر للجوانب السطحية التي تُقيَّم بها النساء، مع التركيز على قوة المرأة الداخلية. في المقابل، أغنية Blurred Lines (خطوط غير واضحة) لروبن ثيك تعرض مفهومًا مختلفًا، حيث واجهت انتقادات واسعة لتقديمها صورًا تُعزز تسليع المرأة وتعزيز السلوكيات الجنسية القسرية.
الأغاني العربية وصورة المرأة
تُقدم الأغاني العربية المرأة تارة بصورتها التقليدية، حيث تتمثل سعادتها في ظل الرجل، لكن بعض الأغنيات تحاول كسر هذا النمط. مثال على ذلك أغنية رانيا العدوي “جسد للفرح” من كلمات ضحى جبر، التي تُعد صوتًا قويًا في مواجهة تسليع المرأة، حيث تدعو لتمكين المرأة وتُقدّم صرخة في وجه من يعتبر المرأة جسدًا للفرح.
المنصات الاجتماعية وتسليع المرأة
في العصر الرقمي، لم تعد وسائل الإعلام التقليدية وحدها تُسهم في تسليع المرأة. أصبحت المنصات الاجتماعية مثل إنستغرام وتيك توك شريكًا أساسيًا في هذه الظاهرة. المؤثرون على هذه المنصات يُكرّسون مفهوم أن قيمة المرأة تُقاس بمظهرها وعدد متابعيها، مع التركيز على منتجات التجميل والموضة. بعضهن استُخدمن كوسيط تسويقي للشركات، مما يعزز القيم الاستهلاكية.
أمثلة من الواقع
على سبيل المثال، تستخدم الفنانة شارون ستون منصتها للتعبير عن آرائها حول قضايا اجتماعية وإنسانية، بما في ذلك حقوق المرأة، وتعبر عن رفضها لاستخدام صورتها في الإعلانات التي تستغل جمالها. في المقابل، تُقدم المؤثرة “مس س” لقطات جريئة يراها البعض خليعة، مما يعكس صراعًا بين ما يُسمح به وما لا يُسمح، مع بقاء الجمال سيد الموقف.
أثر تسليع المرأة على الشباب والفتيات
تلك الفتاة المراهقة التي تواجه تغيرات في جسدها، مثل ظهور حب الشباب، قد تجد نفسها في مقارنة قاسية مع صانعة محتوى تظهر بصورة مثالية. هذه الصورة، المُحسنة بالفلاتر والإضاءة، تُشعر الفتاة بالإحباط وعدم الرضا عن ذاتها. من جهة أخرى، تُصمم هذه الصور لتثير فضول الشباب، مما يعزز معايير سطحية للجمال ويُضعف فهمهم للعلاقات الحقيقية.
التوعية بالدور الحقيقي للإعلام، ودعم الثقة بالنفس لدى الفتيات، وتثقيف الشباب حول القيم الحقيقية للجمال، يمكن أن تكون خطوات مهمة لتخفيف هذا التأثير.
التصدي لتسليع المرأة
تبذل الجمعيات والتعاونيات النسوية جهودًا كبيرة للتصدي لما يُلحق بالمرأة من أذى وتشويه لشخصيتها ودورها الإيجابي في المجتمع. تسعى بمساعدة الدوائر القانونية الحكومية والأممية لاستصدار تشريعات تمنع الظلم وتنصف المرأة كعضو إنساني يمثل نصف المجتمع. تُثار من وقت لآخر مبادرات تحمل شعار “امرأة ولست شيئًا”، تُسهم في نشر الوعي ومقاومة النظرة التقليدية للمرأة.
على كل منا أن يتحمل دوره في التصدي لتسليع المرأة. وليس هذا فحسب؛ فالرجل أيضًا لا ينجو من التسليع، بل أصبحت القيم ذاتها تُباع وتُشترى، مما يستوجب مراجعة أوسع لقيمنا ومبادئنا.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: وسائل الإعلام المرأة من المرأة فی التی ت
إقرأ أيضاً:
وزارة الأوقاف تعقد لقاءات توعوية بمراكز الثقافة الإسلامية لتعزيز القيم الوطنية
عقدت وزارة الأوقاف سلسلة لقاءات توعوية بمراكز الثقافة الإسلامية في مختلف محافظات الجمهورية، أطلقها الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية (يحفظه الله)، ضمن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان".
استهدفت هذه اللقاءات غرس القيم النبيلة وتعزيز روح الانتماء الوطني من خلال تناول موضوعات تمس القضايا الأسرية والشبابية ذات الأولوية، وناقش المحاضرون موضوعات متنوعة أبرزها: «التربية البدنية للشباب»، مستشهدين بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ»؛ كما تناولوا «حقوق وواجبات الزوجين»، مسترشدين بقول الله تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
وقد أُقيمت اللقاءات بمراكز الثقافة الإسلامية في مختلف المحافظات، منها: القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، والشرقية، وشمال سيناء، وجنوب سيناء، وبني سويف، وأسوان، بالإضافة إلى عدد من المحافظات الأخرى.
استهدفت اللقاءات -كذلك- رفع مستوى الوعي لدى المشاركين، إذ حرصت الوزارة على اختيار نخبة من أساتذة الجامعات وأئمة الأوقاف لإدارة الحوار مع الحاضرين، وأشاد المشاركون بأجواء اللقاءات التي امتازت بالتنظيم الجيد والموضوعات الهادفة التي تؤكد رؤية الوزارة في تحقيق التكامل بين الدين والمجتمع.
و أكدت اللقاءات أهمية دور مراكز الثقافة الإسلامية بوصفها منارات علم ومعرفة تعمل على نشر قيم التسامح والمحبة والحوار؛ ما يعزز الوحدة الوطنية ويغرس الانتماء للوطن في نفوس الشباب والأسر، كما ثمّن الحاضرون جهود الوزارة في تنظيم هذه اللقاءات التي تسهم في إعداد أجيال واعية قادرة على مواجهة تحديات العصر.
وأشارت وزارة الأوقاف إلى أن هذه اللقاءات تأتي استمرارًا لرسالتها الدعوية والتثقيفية، وحرصها على تحقيق رؤية الدولة المصرية في بناء الإنسان ورفع مستوى الوعي المجتمعي، تحقيقًا لدور الدين في إثراء القيم الإيجابية وتعزيز روح التعايش السلمي.