ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (صليت الوتر بعد صلاة العشاء في أول الليل، ثم استيقظت من ليلتي، وأردت أن أصلي شيئًا من قيام الليل، فهل يجوز ذلك بعد أن صلَّيت الوتر؟ وإن جاز، فهل يلزمني أن أشفع هذا الوتر بركعة وأوتر في آخر صلاتي؟ أو ماذا أفعل؟

صلاة الوتر

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إن صلاة الوتر سنةٌ مؤكدةٌ عند جمهور الفقهاء، وسمِّيت بـ"الوتر" لأنها تصلَّى بعددٍ وتر -أي: فردي- ركعةً واحدةً، أو ثلاثًا، أو أكثر، وتؤدى بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.

ويرى جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعية في المشهور عندهم، والحنابلة، والظاهرية، أنَّ مَن صلى الوتر، ثم أراد أن يصلي مِن ليلته ما كُتب له، أنَّه يجوز له ذلك، مِن غير حاجة إلى أن يأتي بركعة منفردة يشفع بها وتره، وهو المروي عن جماعة من الصحابة؛ منهم: أبو بكر الصّديق، وأم المؤمنين عائشة، وابن عباس في المشهور عنه، وسعد بن وقاص، وعمّار بن ياسر، وعائذ بن عمرو رضوان الله عليهم أجمعين، وجماعة من التابعين؛ منهم: الأزواعيّ، والنخعيّ، وعلقمة، وطاووس، وأبو ثور.

فعَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: زَارَنَا أَبِي فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ، وَقَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى بَقِيَ الْوِتْرُ، ثُمَّ قَدَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» أخرجه الأئمة: أبو داود والترمذي والنسائي في "السنن".

وعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَ: ذُكِرَ لَهَا الرَّجُلُ يُوتِرُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَيَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ، قَالَتْ: "ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ" أخرجه البيهقي في "سننه"، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما".

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".

إعادة صلاة الوتر

وقد تواردت نصوص الفقهاء على عدم مطلوبية إعادة الوتر لمن أوتر ثمَّ أراد أن يصلي من ليلته بعد ذلك، قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 369، ط. دار الفكر): [(قوله: فإن فاق إلخ) أي: إذا أوتر قبل النوم، ثم استيقظ: يصلي ما كُتب له، ولا كراهة فيه، بل هو مندوب، ولا يعيد الوتر] اهـ.

وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 120، ط. مكتبة القاهرة): [ومَن أوتر مِن الليل، ثم قام للتهجد؛ فالمستحب: أن يصلي مثنى مثنى، ولا ينقض وتره. روي ذلك عن: أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وعائذ بن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وكان علقمة لا يرى نقض الوتر. وبه قال: طاوس، وأبو مجلز. وبه قال: النخعي، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور] اهـ.

وذهب الشافعية في وجه إلى أن مَن صلَّى الوتر، ثم أراد أن يصلي مِن ليلته ما كُتب له، فإنه يأتي بركعة منفردة يشفع بها وتره، ثم يصلي بعد ذلك ما شاء من الصلوات، ثم يوتر ثانيًا حتى تكون آخر صلاته من ليله وترًا، وعبروا عن ذلك بـ"نقض الوتر".

وأوضحت أن المختار للفتوى ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن مَن صلَّى الوتر في أول ليله ثم أراد أن يتنفل بعده؛ فإنه يصلي ما شاء من الصلوات من غير أن يأتي بركعة أخرى مع هذا الوتر يشفعه بها، وليس عليه أن يأتي في نهاية صلاته بوتر آخر؛ لكونه قد أداه سابقًا، ولأن نقضه مفضٍ لتعدد الأوتار وهو منهيٌّ عنه، فضلًا عن أن الوتر الأول قد مضى على الصحة فلا يتوجه إبطاله بعد تمامه صحيحًا، وهذا القول فيه جمع بين النصوص، والمقرر أن "الجمع أولى من الترجيح"، و"الإعمال أولى من الإهمال" كلٌّ عند الإمكان؛ كما في "إرشاد الفحول" للإمام الشوكاني (1/ 401، ط. دار الكتاب العربي)، و"الأشباه والنظائر" لتاج الدين السبكي (1/ 174، ط. دار الكتب العلمية)، و"بداية المجتهد" للإمام ابن رشد (1/ 214، ط. دار الحديث بالقاهرة)، و"فتح الباري" للإمام ابن رجب (9/ 172، ط. مكتبة الغرباء الأثرية):

وذكرت دار الإفتاء أنه لا تعارض بين هذا وبين ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» متفقٌ عليه؛ حيث إنَّ هذا الحديث جاء في بيان ما في التأخير مِن الاستحباب لا الإيجاب؛ فلا تُمنع الصلاة بعد الإتيان بالوتر.

فقد جاء عَنْ أمِّ المؤمنين السيدةِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَهُوَ جَالِسٌ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" واللفظ له، والبيهقي في "السنن" عن عائشة، والطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة.

وَعَنْ أمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» أخرجه مسلم في "صحيحه".

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمتى استيقظت من ليلتك وأردتَ أن تُصلِّي شيئًا من قيام الليل بعدما نمت على وترٍ: فإنه يجوز لك ذلك من غير حاجة إلى أن تشفع الوتر الذي أتيت به أول الليل بركعة، ولا يلزمك أن تأتي بوترٍ آخر بعد انتهاءك من صلاتك.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: قيام الليل دار الإفتاء الوتر صلاة الوتر العشاء المزيد المزيد دار الإفتاء أن یصلی م رضی الله أراد أن الله ع

إقرأ أيضاً:

متى يجوز الصلاة بالحذاء.. اعرف الضوابط الشرعية

الصلاة هي عماد الدين ولها شروط وأركان ينبغي على كل مسلم الالتزام بها لتكون صحيحة. ومن بين شروط صحة الصلاة طهارة البدن والثوب والمكان. ولذا يجب أن يكون المصلِّي على طهارة كاملة، سواء من الحدث الأصغر أو الأكبر، مع ارتداء ملابس نظيفة، وأداء الصلاة في مكان طاهر.

أما عن حكم الصلاة بالحذاء، فقد أوضح الدكتور شوقي علام، المفتي السابق، أن الصلاة بالنعلين جائزة شرعًا بشرط خلوهما من النجاسة.

 وأكد أن هذه الرخصة جاءت تيسيرًا على المسلمين، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر: فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما".

وأضاف علام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أحيانًا في نعليه، وقد أفرد الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا حول مشروعية الصلاة في النعال. وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سُئل: "أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟"، فقال: "نعم".

هل تجوز الصدقة من فوائد البنوك؟.. الإفتاء: جائز بشرط واحدهل يجوز صيام يوم واحد من الأيام البيض؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي

لكن المفتي أوضح أن هذه الرخصة كانت متعلقة بوقت كان المسلمون يصلون فيه على الرمال والحصى، حيث يصعب عليهم خلع النعال. أما في عصرنا الحالي، فقد أصبحت المساجد مغطاة بالسجاد، مما يجعل الصلاة بالأحذية داخلها غير مقبولة شرعًا بسبب ما قد يعلق بالأحذية من تراب أو أوساخ تتنافى مع قدسية المسجد وتؤذي المصلين.

وشدد على ضرورة تفقد الحذاء قبل الصلاة به، فإذا كان نظيفًا وطاهرًا فلا حرج في الصلاة به خارج المساجد المفروشة، أما داخلها فيجب خلعه للحفاظ على نظافتها وتعظيم قدسيتها. واختتم بالإشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور".

مقالات مشابهة

  • هل يجوز صيام نصف رجب اليوم الأربعاء فقط؟.. انتبه لـ11 حقيقة
  • متى يجوز الصلاة بالحذاء.. اعرف الضوابط الشرعية
  • حكم التسبب في جرح الميت عن طريق الخطأ .. دار الإفتاء تجيب
  • هل يؤثر النعاس على الوضوء والصلاة؟ دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز صيام يوم واحد من الأيام البيض؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي
  • هل صلاة العشاء بعد الساعة 12 تعتبر قضاء؟.. انتبه لـ7 حقائق
  • أمين الفتوى بـ«الإفتاء»: يجوز الإنفاق على الأعمال الخيرية من فوائد البنوك
  • هل يجوز تأخير صلاة المغرب إلى ما قبل أذان العشاء في حال وجود عذر؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز تكرار العمرة عن الميت؟ دار الإفتاء تجيب
  • المراد بالأيام البيض وأصل تسميتها بذلك.. الإفتاء تجيب