اختتمت بمدينة عنتيبي في أوغندا اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية، برئاسة عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، والمعروفة بـ(تقدم)، والتي بدأت يوم الثلاثاء الماضي، الثالث من ديسمبر/كانون الأول، واستمرت مداولاتها حتى الجمعة، حيث أصدرت الهيئة القيادية بيانها الختامي.

وكان عبدالله حمدوك، رئيس التنسيقية، قد صرح للصحفيين قبيل بدء انعقاد اجتماعات التنسيقية بأن نزع الشرعية عن حكومة بورتسودان – على حد تعبيره – مطروح على طاولة اجتماعات (تقدم) ضمن آليات أخرى مقترحة.

بجانب ذلك، كانت بعض التنظيمات السياسية المنضوية تحت لواء (تقدم) والمشاركة في الاجتماعات قد طالبت بتحقيق نزع الشرعية عن الحكومة في السودان عبر الإعلان عن حكومة منفى، إلا أن هذا الاتجاه لم يحظَ برواج في أوساط المكونات المختلفة لـ(تقدم).

وجاء البيان الختامي للتنسيقية خاليًا بالفعل من أي إشارة إلى تشكيل حكومة منفى بديلة للحكومة القائمة حاليًا في السودان، وهو ما يعني غلبة التيار الرافض لهذه الخطوة داخل (تقدم). وتُعد هذه الملاحظة الأولى على محتوى البيان الختامي.

والملاحظة الثانية، وهي الأكثر أهمية، أن البيان أدان صراحة مليشيا الدعم السريع، التي تمثل الذراع العسكرية لـ(تقدم). وتُعد هذه أول إدانة صريحة تصدر عن (تقدم) بحق حليفها العسكري، الدعم السريع. ومع ذلك، جاءت الإدانة في البيان مقرونة بالقوات المسلحة السودانية والقوات المتحالفة معها، حيث ورد في البيان: "أدان الاجتماع الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة والقوات المتحالفة معهما ضد المدنيين". وسمى البيان هذه الانتهاكات بالجرائم، وضرورة محاسبة المجرمين.

إعلان

ويُعتبر هذا تطورًا لافتًا في هذا الاتجاه، وتكييفًا جديدًا لموقف (تقدم) من الحرب، حيث ظلت التنسيقية، طوال فترة الحرب التي دخلت شهرها العشرين، تتجنب توجيه أي شكل من أشكال الإدانة لمليشيا الدعم السريع. بل، على العكس من ذلك، ظهر رئيس تنسيقية (تقدم)، عبدالله حمدوك، في عدة مناسبات إلى جانب قائد مليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، وشاركه في منصة اجتماع خاص بـ(تقدم)، أعقبه مؤتمر صحفي مشترك بين الرجلين في أديس أبابا في يناير/كانون الثاني من هذا العام. وخلال ذلك المؤتمر، أعلن حمدوك عن استعداد مليشيا الدعم السريع لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين لديها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

ويثير هذا التغير عدة أسئلة، منها: لماذا تأخرت الإدانة لمليشيا الدعم السريع كل تلك الفترة، رغم الانتهاكات الفظيعة والمروعة التي ارتكبتها ووثقتها هي بنفسها، وشاهدها العالم عبر مختلف الوسائط؟

ولماذا جاءت هذه الإدانة في هذا التوقيت بالذات، الذي يشهد تقدمًا ملحوظًا للجيش السوداني والقوات المتحالفة معه على الأرض في جبهات القتال بوسط السودان، ودارفور، وولاية الجزيرة؟ وهي المناطق التي أصبحت فيها مليشيا الدعم السريع مطوّقة من كل الاتجاهات، ويضيق عليها الخناق، وتتوالى عليها الهزائم، مما جعلها تدرك أنها على مشارف الانهيار، فآثرت أن تشيّعه إلى مثواه الأخير، وتستعيض عنه بخطاب سياسي يفتح لها الطريق نحو العودة إلى المشهد السياسي السوداني مرة أخرى.

أم أن الأمر له صلة بتواتر الإدانات الدولية التي صدرت مؤخرًا من قبل دول وجهات ومؤسسات دولية، خاصة عقب قيام المليشيا بقصف متعمد، يومي الأحد والاثنين الماضيين، لمعسكر (زمزم) للنازحين بشمال دارفور، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 مدنيًا بالمعسكر. وقبل ذلك، وصف مجلس النواب الأميركي انتهاكات الدعم السريع بأنها تمثل إبادة جماعية.

إعلان

هل أدركت تنسيقية (تقدم) أن الصمت عن إدانة حليفها العسكري لم يعد مجديًا، وأن عليها أن تلتحق بركب الإدانة خشية فقدان مصداقيتها أمام الرأي العام؟

أم أن الأمر يتعلق بانتهاء صلاحية مليشيا الدعم السريع وفقدانها لأي دور مستقبلي يمكن أن تقوم به في الشأن السوداني، بسبب انتهاكاتها وجرائمها؟ هل هذه بداية للتخلص من أوزار وأثقال المليشيا التي حملتها على ظهرها طوال أشهر الحرب، على أمل أن يشفع لها ذلك عند الشعب السوداني، الذي أصبح – بسبب انتهاكات مليشيا الدعم السريع – ما بين قتيل ومعاق ومشرد ولاجئ ونازح ومعتقل ومنتهك العرض؟

هل هذا تدشين من (تقدم) لحقبة جديدة في مسارها السياسي بعد خسارة رهانها على مليشيا الدعم السريع لتصدّر المشهد السياسي وتسنّم السلطة والحكم عبر بندقيتها؟

وتثور الكثير من الأسئلة التي ستجيب عنها الأيام، والتي يبدو أنها ستكون حبلى بالكثير من التغيرات والمفاجآت. أسئلة حيرى، هل سينسى الشعب السوداني تجربته مع فظائع مليشيا الدعم السريع؟ وهل سيغفر لـ(تقدم) موقفها المنحاز للمليشيا؟ وهل يستطيع قادة (تقدم) العودة إلى السودان من منافيهم لقيادة العمل السياسي فيه، أو حتى العيش فيه كمواطنين عاديين؟ وهل بإمكان أي صيغة تصالحية أن تذهب غيظ وغضب السودانيين الذين تضرروا من هذه الحرب، وما ارتكبته مليشيا الدعم السريع من جرائم وانتهاكات، بحيث يقولون: "عفا الله عما سلف"؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ملیشیا الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ارتفاع ضحايا قصف الدعم السريع على مناطق أم درمان

وزارة الصحة بالخرطوم أكدت ارتفاع عدد الضحايا بعد وصول 43 مصاباً إلى عدد من مستشفيات أم درمان جراء قصف الدعم السريع.

الخرطوم: التغيير

أعلنت السلطات بالعاصمة السودانية الخرطوم، ارتفاع عدد ضحايا القصف الذي نفذته قوات الدعم السريع مساء الأحد، والذي وصفته بـ”الممنهج” على غرب الحارات بمحلية كرري شمالي أم درمان إلى 50 قتيلاً وجريحاً بينهم أطفال.

وتوجه اتهامات لقوات الدعم السريع بتعمد قصف المناطق المدنية في مدينة أم درمان منذ اندلاع حربها ضد الجيش السوداني في منتصف ابريل 2023م، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

وقال تقرير صادر عن وزارة الصحة ولاية الخرطوم اليوم الاثنين، إن عدد الضحايا بلغ (7 شهداء و43 جريح من المواطنين المدنيين العزل) وفقاً للتقرير المبني على ترصد الأحداث.

وأشار التقرير إلى أن الدعم السريع كثفت من قصفها المدفعي أثناء أداء صلاة التراويح واكتظاظ الميادين بالأطفال والشباب الذين يمارسون كرة القدم على الأحياء السكنية بالحارتين 29 و43.

وأضاف: “أدى القصف الذي شهدته المنطقة مساء الأحد بالمدفعية الثقيلة على المواطنين إلى استشهاد 7 مواطنين بينهم طفلين وإصابة 43 آخرين بينهم 18 طفل تتراوح أعمارهم بين 4 و12 سنة”.

وأوضح أنه تم إسعاف 37 منهم إلى مستشفى النو التعليمي و5 مصابين لمستشفى أم درمان ومصاب واحد لمستشفى سواعد لتلقي العلاج جراء تعرضهم لإصابات متفاوتة، فيما ارتقت أرواح 7 منهم إلى بارئها خلال إسعافهم إلى مستشفى النو.

وكان والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة يرافقه عدد من المسؤولين، وقفوا على عمليات إسعاف المصابين، وأدان “استهداف المليشيا للمواطنين”.

من جانبه، أدان مدير عام وزارة الصحة، الوزير المكلف د. فتح الرحمن محمد الأمين استهداف المليشيا الممنهج والمستمر للمدنيين العزل بالمناطق  السكنية الآمنة بمحلية كرري المكتظة بالسكان من الفئات العمرية المختلفة، وسلوكها الذي وصفه بالشنيع في قصف المدنيين خلال شهر رمضان الكريم الذي يشهد حركة كثيفة للمواطنين خلال الفترة المسائية بمحلية كرري.

الوسومأحمد عثمان حمزة أم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان حرب 15 ابريل 2023م قصف مدفعي وزارة الصحة

مقالات مشابهة

  • تزن 100 ألف طن.. ماذا تعرف عن حاملة الطائرات الأمريكية التي استهدفتها الحوثي؟
  • مليشيا الحوثي تعلن تشييع 10 قيادات ميدانية في صنعاء (أسماء)
  • وسط الخرطوم – أكتبوا وصاياكم يا مليشيا الدعم السريع
  • ???? أحد أفراد مليشيا الدعم السريع حرق عتاد قوة كاملة للجنجويد
  • مليشيا الدعم السريع تهاجم معسكراً للاجئين السودانيين فى منطقة أدري بتشاد
  • مليشيا الدعم السريع تستخدم سكان الديوم الشرقية كدروع بشرية في محاولات هروبها من المنطقة
  • اشتباكات بالأسلحة الخفيفة بين عناصر مليشيا الدعم السريع بحي “مايو” جنوب الخرطوم
  • بعد هزائم الدعم السريع.. هل ينجح البرهان في فرض سيطرته؟
  • ارتفاع ضحايا قصف الدعم السريع على مناطق أم درمان
  • ماذا تقدم سيارة شاومي SU7 الخارقة وكم سعرها في الإمارات؟