خبيران: المعارضة اقتربت من النصر والأسد لا يمكنه إملاء شروط
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
لم يعد الساسة الذين يحاولون إيجاد مخرج للوضع المتصاعد في سوريا قادرين على ملاحقة تطورات الميدان، التي تزيد الخناق على الرئيس بشار الأسد، الذي أصبح في موقف لا يسمح له بفرض الإملاءات، حسبما يقول خبراء.
ففي الوقت الذي تجتمع فيه بعض الدول في العاصمة القطرية الدوحة بحثا عن مبادرة سياسية تحول دون وقوع سوريا في فخ الفوضى مجددا، تقترب المعارضة السورية من دخول العاصمة دمشق.
وفي حين تتضارب الأنباء بشأن بقاء الأسد في دمشق، خاضت المعارضة السورية معارك عنيفة خلال الـ24 ساعة الأخيرة في ريف حمص، ونجحت في السيطرة على نقاط مهمة، منها حاجز المملوك ومركز قيادة الفرقة 26، حسب ما أكده مراسل الجزيرة عمر الحاج.
بحث مصير الأسدومع هذه التطورات المتسارعة على الأرض، أصبح من الواضح أن الساسة لم يعودوا قادرين على اللحاق بالمقاتلين الذين يحققون انتصارات تجعلهم غير مجبرين على القبول بشروط المهزوم، حسب قول الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي.
كما أن النقاشات الجارية في الدوحة، أو التي جرت في العراق، تدور كلها بين أطراف خارجية، وكلها لا تبحث عن حل سياسي بين المعارضة والنظام، وإنما تبحث شكل سوريا ما بعد الأسد.
وحتى حديث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن استعداد بلاده للتعامل مع المعارضة السورية أو المبادرات، التي يجري الحديث عنها أو تسريبها لوسائل الإعلام الغربية بشأن قبول الأسد بسن دستور جديد أو التوصل لاتفاق معين، كلها لا تعدو كونها محاولات في الوقت الضائع، برأي مكي.
إعلانلذلك، فإن السؤال المهم حاليا قد يكون هو مصير الأسد الذي لن يتمكن من فرض شروطه على المعارضة التي حققت انتصارات كبيرة على الأرض، وفق مكي، الذي يرى أن الرئيس السوري "قد يقاتل وربما يُقتل خلال المعارك بعدما تخلى حلفاؤه كلهم عنه".
الرأي نفسه ذهب إليه الخبير العسكري العميد إلياس حنا بقوله إن المعركة في سوريا أصبحت تقود السياسة، وإن ما يجري من اجتماعات سياسية يمكن القول إنه سابق معرفة من الذي سيجلس على طاولة التفاوض في نهاية الأمر.
وأشار حنا إلى أن هيئة تحرير الشام -التي يبدو أنها ستكون صاحبة اليد العليا في حسم المعركة- "غير معترف بها دوليا ولا من بعض الأطراف في الداخل، فضلا عن أن المعارضة لم تربح كل شيء حتى الآن والنظام أيضا لم يخسر كل شيء".
وإلى جانب ذلك -يضيف الخبير العسكري- فإن العاصمة هي مركز ثقل النظام الذي يمتلك قوة كبيرة فيها على رأسها الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد.
ويرى حنا أن الرئيس الأسد "قد يحافظ على الريف الشمالي الذي يصل دمشق بالساحل من أجل التفاوض على سن دستور جديد قد يضمن له حصة في مستقبل سوريا".
ومع ذلك، فإن تقدم المعارضة نحو ريف دمشق والتثبت فيه سيكون مهما -كما يقول الخبير العسكري- لأنها ستفصل العاصمة عن الساحل حتى لو لم تسيطر على مدينة حمص كاملة، كما يقول المتحدث.
وعن المتوقع من اجتماعات الدوحة، قال مكي إن الدول المجتمعة تمتلك أجندات مختلفة وهو ما يجعل التوصل لاتفاق أمرا صعبا، معربا عن اعتقاده بأن هذه اللقاءات ستنتهي بالاتفاق على عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري.
وخلص مكي إلى أن القوى المؤثرة حاليا في الساحة السورية هي تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، بينما خسرت روسيا وإيران نفوذهما على نحو لم يجعل لأي منهما نفوذا يمكن التعويل عليه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق
دمشق- بجوار تجمّع الذيابية -حيث يقيم سوريون من أبناء الجولان المحتل- يتقاسم أبناء فلسطين اللاجئون المعاناة والمصير المشترك ذاته، فيقيمون في مخيم الحسينية الذي يعد حاليا أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد السكان في سوريا، وقد أنشئ عام 1982.
وكان مخيم اليرموك في دمشق أكبر المخيمات الفلسطينية بسوريا، ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تعرّض لدمار كبير وتهجير على يد النظام المخلوع وداعميه، وهو الآن شبه خالٍ.
ويقع تجمّع الذيابية (يطلق اسم التجمع على المناطق التي نزح إليها أبناء الجولان داخل سوريا) على بعد 15 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، ويقيم فيه أبناء الجولان المحتل الذين نزحوا عام 1967 بسبب الحرب التي نشبت بين إسرائيل وسوريا، إذ طلب الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من أهالي مرتفعات الجولان الخروج من القرى بحجة محاربة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووعدهم بأنهم سيعودون بعد أسبوع.
لكن انقضى أسبوع تلو الآخر، وانقضت الأشهر والسنوات، وكانت تلك الوعود "مواعيد عرقوب"، فلا تحررت مرتفعات الجولان، ولا عاد إليها أبناؤها حتى هذه اللحظة، فصار لسان حالهم يقول "وما مواعيده إلا الأباطيل".
لا يلحظ الزائر لمخيم الحسينية وتجمّع الذيابية أي فروق ثقافية أو اجتماعية أو خدمية بينهما، إذ ينتمي أبناء المخيم والتجمع إلى بيئة جغرافية متجاورة متشابهة في العادات والتقاليد، ولا يفصل بين مرتفعات الجولان وفلسطين إلا حدود رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.
هذا التجاور وهذا التشابه انتقلا مع النازحين من الجولان واللاجئين من فلسطين الذين نزلوا أحياء في أطراف دمشق وسكنوا إلى جوار بعضهم مثلما حدث بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وتجمّع الحجر الأسود لأبناء الجولان، فكانت معاناة النزوح واللجوء واحدة، وكانت ممارسات نظام الأسد المخلوع نحوهما متشابهة، وبالتالي كان مصير المخيم والتجمع مصيرا مشتركا.
تعرضت تجمعات أبناء الجولان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق للتهميش من قبل النظام المخلوع، مما أنتج واقعا معيشيا صعبا زاد معاناة النازحين واللاجئين الذي أُخرجوا من ديارهم.
بدوره، أشار الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد في حديث للجزيرة نت عن الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه أهالي الذيابية والحسينية إلى أن 95% من الأهالي تحت خط الفقر.
إعلانويقول الباحث إن التجمع والمخيم بحاجة إلى مؤسسات تنموية وصحية وإغاثية ومراكز لمكافحة المخدرات وتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء.
ويؤكد محمد على ضرورة المحافظة على "الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم بحكم السوريين من أجل الحفاظ على حق العودة وإعطائهم حق التملك الذي حرمهم منه النظام البائد".
بدورها، تشتكي فرح (20 عاما) -وهي طالبة في كلية الحقوق- في حديثها للجزيرة نت من المعاناة التي كان يعيشها ويعيشها حاليا طلاب التجمع والمخيم بسبب الظروف الدراسية الصعبة، فلا كهرباء متوفرة (حصة البلدة والمخيم من الكهرباء ساعة في النهار وساعة في الليل)، وفي الشتاء تزداد المعاناة بسبب البرد الشديد الذي لم تكن تتوفر له مادة المازوت، وإذا توفرت فأسعارها خيالية.
وإذا قرر أحدهم استخدام الغاز للتدفئة -تواصل الطالبة- فسيضيع راتبه كله (ما يقارب 30 دولارا) مقابل أسطوانة غاز لا تدوم أكثر من شهر، وللحصول عليها يتطلب الأمر انتظار الدور عبر البطاقة الذكية التي أصدرتها حكومة النظام المخلوع.
ورغم عدم توفر إمكانيات جيدة لدراسة الطلاب فإن فرح استطاعت تجاوز المرحلة الثانوية، ثم التحقت بكلية الحقوق، ونالت المركز الأول في السنتين الأولى والثانية.
نزوح متكرر
يقف الشاب حارث (33 عاما) على سطح منزل عائلته مستذكرا كلمات جده الراحل قبل 20 سنة (قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011).
كان الجد يقف في المكان ذاته، ويخبره أن هناك خلف ذلك الجبل (جبل الشيخ) "قريتنا في الجولان على حدود فلسطين، بدي (أريد) إياك تصير طيارا وتحرر الجولان".
ويقول حارث "بعد اندلاع الثورة السورية هاجمتنا مليشيات طائفية اتخذت من البلدة المجاورة "السيدة زينب" مقرا لها.
اضطر حارث إلى النزوح مع جده عام 2012 الذي كان قد حكى له عن نزوح 1967، وكيف أوقفهم الجيش الإسرائيلي ليطلق عليهم النار، ولكنهم نجوا.
إعلانويتابع أنه نزح إلى بلدة تطل على الذيابية، فكان يخرج مع جده إلى سطح البناء، فيشير له إلى بيت نزوحه الأول، قبل أن يحرق البيت ويموت جده حزنا وكمدا.
مجازر وانتهاكات
تقع الذيابية والحسينية بجوار بلدة السيدة زينب التي يقع فيها مقام السيدة زينب، فكانت تستقطب الزوار من الطائفة الشيعية من مختلف أنحاء العالم، خاصة من إيران.
ويقول أبو محمد (70 عاما) "قبل استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا كنا نعيش مع الطوائف كلها بسلام، وكان الناس في الجولان من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، وفيما بعد حاول نظام الأسد تفريق الشعب، وبعد اندلاع الثورة ظهر خطاب وممارسات طائفية، فأخرجتنا من بيوتنا وأحرقتها واعتقلت شبابنا".
وعن التضييق الذي كانت تمارسه حواجز النظام المخلوع والمليشيات، يقول الشاب عثمان (34 عاما) "أنشأت المليشيات السواتر الترابية والحواجز العسكرية حول بلدتنا، كانت تسمح للمقيمين فقط بالدخول إلى البلدة، أما الذين لا يملكون بطاقة إقامة في البلدة فيضعون هوياتهم الشخصية عند الحواجز العسكرية، كنا نعيش حياة مليئة بالخوف على نسائنا وأبنائنا وأنفسنا".
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب النظام المخلوع وداعموه مجزرة في التجمع حصلت خلال الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2012، إذ طوقت قوات جيش النظام البلدة وبدأت بقصفها بشكل عنيف وعشوائي بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة، وسقط إثر هذا القصف عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين من أبناء البلدة، ثم اقتحمت في 26 يونيو/حزيران2012 البلدة وقتلت عددا من أبنائها، وتجاوز عدد ضحايا البلدة في تلك الفترة 107 شهداء من المدنيين، وفق المصدر ذاته.
انتشار المخدرات
كما هو الحال في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد المخلوع تنتشر المخدرات بين شباب ومراهقي مخيم الحسينية وتجمّع الذيابية، إلى درجة انتشارها في المدارس.
إعلانوعن ذلك يقول أحمد (50 عاما) إنه أجبر ابنته المجتهدة في مدرستها (الصف التاسع المتوسط) على ترك المدرسة بعد انتشار مادة الكبتاغون بين طالبات المدرسة وسهولة الحصول عليها.
ويضيف أن أسعار هذه المادة أصبحت أرخص من قطعة البسكويت، وكان النظام يغض الطرف عن انتشارها بين المراهقين.
وبحسب الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد، فإنه "خلال فترة سيطرة النظام المخلوع على المنطقة انتشرت المخدرات بشكل واسع بمساعدة الفرقة الرابعة (كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع) والأمن العسكري، وقبل سقوط النظام كان بيع المخدرات بشكل شبه علني في الشوارع، والذين يتم اعتقالهم يخرجون بعد مدة قصيرة"، وهذا يدل على تعمّد النظام نشر هذه المواد.
وتقول مريم (40 عاما) -التي استشهد زوجها في معتقلات النظام المخلوع- إن الناس هنا يعيشون حياة بؤس وفقر، لكننا نريد مراكز صحية لمعالجة الشباب المدمنين على المخدرات، فإذا تخلصنا منها فإننا نتخلص من السرقة والمشاكل العائلية بين الأبناء والآباء.
ضحايا مشتركونيصف أبناء التجمع والمخيم الذين قابلتهم الجزيرة نت نظام الأسد المخلوع بأنه "بائع الجولان" و"متاجر" بالقضية الفلسطينية على مدار عقود، وبالتالي فإنهم ضحايا مشتركون زاد نظام الأسد مأساة تهجيرهم عن أرضهم.
همشت مناطقهم وانتشرت المخدرات بين أبنائهم، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تعرّض لها أبناء المخيم والتجمع بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكذلك من التهجير الإجباري والإخفاء القسري.
ويتفقون على أنه بسقوط النظام المخلوع فإن الأسوأ قد مضى، وأنه كما كان الألم مشتركا فإن الأمل أيضا مشترك.