أنقرة- في قلب المشهد السياسي التركي المليء بالتوترات والصراعات، يقف كمال كليجدار أوغلو، الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري وأحد أبرز رموز المعارضة، في مواجهة معركة قضائية تهدد مستقبله السياسي والشخصي، حيث يُتهم في قضايا قد تصل عقوبتها إلى السجن 65 عاما، فضلا عن حظر نشاطه السياسي للمدة ذاتها.

وكشف جلال تشليك، محامي كليجدار أوغلو، أن موكله يواجه حتى الآن 18 قضية، تتراوح تهمها بين "إهانة رئيس الجمهورية وتمجيد الجريمة والمجرمين"، بالإضافة إلى تصريحات أخرى اعتُبرت خطيرة.

تتعلق إحدى أبرز هذه القضايا بمطالبته بالإفراج عن السياسي الكردي صلاح الدين دميرطاش، وتصريحاته ضد قرارات المجلس الأعلى للانتخابات عقب قراره إلغاء الانتخابات المحلية في إسطنبول عام 2019، وانتقاداته اللاذعة للعمليات العسكرية التركية في شمال سوريا.

رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال (يمين) يرافق كيلجدار أوغلو إلى المحكمة (موقع حزب الشعب الجمهوري) حملة ممنهجة

كما يواجه كليجدار أوغلو عددا من القضايا التي أقامها ضده الرئيس رجب طيب أردوغان على خلفية اتهامه بالفساد، وتبديد 128 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي التركي، لم تكشف السلطات عن مصيرها.

وهنالك بعض القضايا المرفوعة بناء على شكاوى نواب رئيس "حزب الحركة القومية" حليف حزب العدالة والتنمية الحاكم، فيتي يلدز، وعزت أولفي يونتر، وإسماعيل فاروق أكصو، والتي قد يصل الحكم فيها إلى السجن 3 سنوات مع حظر النشاط السياسي خلالها.

ووصف المحامي تشليك هذه القضايا بأنها "حملة ممنهجة" لإسكات صوت كليجدار أوغلو الذي يعتبره خصومه حجر عثرة أمام استقرار هيمنة النظام الحالي. مشيرا إلى أنها تفتح بابا واسعا للتساؤل حول معايير العدالة في تركيا ومدى تسييس القضاء.

إعلان

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مثُل كمال كليجدار أوغلو أمام المحكمة في الجلسة الأولى لقضية إهانة رئيس الجمهورية المرفوعة من أردوغان. ويواجه فيها حكما محتملا بالسجن 11 عاما و8 أشهر، وحظر نشاطه السياسي لمدة 5 سنوات.

توافد المئات من أنصار كليجدار أوغلو أمام المحكمة (موقع حزب الشعب الجمهوري) توتر متصاعد

وقدم كليجدار أوغلو دفاعا مكتوبا من 25 صفحة أمام قاضي الدائرة 57 للمحكمة الجنائية الابتدائية في أنقرة، حيث بدأ دفاعه قائلا "لم آت هنا للدفاع عن نفسي كمُتّهم، بل لتسجيل الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الشعب، وللمطالبة بالمحاسبة. من حسن حظي أنني لم أُتهم بالسرقة أو باختلاس أموال الأيتام، ولم أقف أمامكم بتهمة الخيانة".

ووجه انتقادات حادة للنظام الحالي، قائلا إن "أردوغان يسعى إلى تأسيس حكم الرجل الواحد حيث تتركز جميع السلطات في يده. مثل هذه الأنظمة، التي تفتقر إلى الشفافية والمحاسبة وتعتمد على التعيينات المبنية على الولاء بدلا من الكفاءة، لا تدوم طويلا".

وتجمّع مئات من أنصاره وشخصيات بارزة من المعارضة أمام قاعة المحكمة، مطالبين بالعدالة ومنددين بما وصفوه بـ"تسييس القضاء".

وعُقدت الجلسة وسط تصاعد التوتر بين الحكومة والمعارضة، حيث أدلى وزير العدل التركي يلماز تونتش بتصريحات عشيتها، وأكد وجود 9 قضايا و5 تحقيقات جارية تتعلق بكليجدار أوغلو وجرى فتح تحقيق فيها. وأضاف "أقول للسياسيين من الشعب الجمهوري إنهم إذا استمروا في السياسة ذاتها فسينتهي بهم الأمر مثل رئيسهم السابق".

ورد كليجدار أوغلو في كلمة مصورة عبر منصة إكس قائلا "إذا كنت شجاعا، تعال إلى المحكمة غدا واستمع لما سأقوله لسيدك. ربما تتعلم درسا"، وفق تعبيره.

في تصريحات له في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذكّر المحامي حسين آيدن ممثل الرئيس التركي بقرار أردوغان التخلي عن جميع القضايا المرفوعة ضد كليجدار أوغلو، وذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو/تموز 2016. وأوضح أنه جاء في إطار "الأمل والإرادة لترسيخ الحد الأدنى من اللياقة السياسية بشكل دائم في الحياة السياسية".

إعلان استغلال

ومع ذلك، وبعد مرور 8 سنوات على هذا القرار، أكد المحامي آيدن أن "الجانب الآخر (في إشارة إلى كليجدار أوغلو) لم يحقق أي تقدم في ترسيخ اللياقة السياسية، بل تحولت الفظاظة والأسلوب القبيح إلى نمط سلوكي دائم".

وأضاف "في القضية التي تنازلنا عنها سابقا، والتي لم نطالب فيها بالعقوبة أو فرض حظر سياسي، تم استغلال الأمر لخلق وهم زائف بالمظلومية، كما أُسيء استخدام حق الدفاع للإساءة بشكل خطير إلى حقوق رئيسنا الشخصية".

ووفقا له، تقدم فريق الدفاع عن الرئيس أردوغان بشكوى جنائية إلى النيابة العامة في أنقرة ضد كليجدار أوغلو بتهمة "إهانة الرئيس" بسبب تصريحاته في المحكمة و"التي كانت عبارة عن ملخص للإهانات والقذف ضد الرئيس"، إضافة إلى رفع دعوى تعويض معنوي بقيمة 500 ألف ليرة تركية (14 ألفا و400 دولار) أمام محكمة الحقوق المدنية.

بالمقابل، اعتبرت سيدا ترك أوغلو، عضو حزب الشعب الجمهوري، أن القضايا المرفوعة ضد رئيس الحزب السابق هي "محاولة صريحة لتقويض الديمقراطية وإسكات المعارضة".

وقالت إن رفع 18 قضية جنائية ضد زعيم سياسي بحجم كليجدار أوغلو يعكس مدى تسييس القضاء واستخدامه كأداة ضغط سياسي. و"نرفض هذه الممارسات التي تهدف إلى إضعاف المعارضة وإسكات أصوات الشعب، يجب أن يكون القضاء مستقلا ونزيها لا أداة في يد السلطة التنفيذية. ما يحدث يشكل خطرا حقيقيا على مبادئ التعددية والشفافية التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي".

ودعت ترك أوغلو جميع القوى السياسية في البلاد إلى التكاتف من أجل حماية الديمقراطية وضمان محاسبة عادلة وشفافة. وأكدت "هذه ليست معركة كليجدار أوغلو وحده، بل معركة جميع من يؤمنون بحرية التعبير والعدالة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب الشعب الجمهوری کلیجدار أوغلو

إقرأ أيضاً:

نتنياهو في المحكمة بتهم فساد ..

للمرة الأولى يمثل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، أمام محكمة تل أبيب المركزية، وسط إجراءات أمنية مشدّدة، ليبدأ الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد وفق لائحة اتهام تتضمن تقاضي الرشا، والاحتيال، وخيانة الأمانة.

وحاول نتنياهو التهرّب من مواجهة الأدلّة، فيما لم يناقش اختصاص المحكمة ولم يعترض على استدعائه، بل سعى، بدلاً من ذلك، إلى عرض بطولاته وإنجازاته العسكرية للتغطية على فساده؛ فوصف الاتهامات بأنها « سخيفة بكل بساطة»، علماً أن الادّعاء ضدّه استند إلى إفادات 120 شاهداً.

وممّا قاله: « أنا أقود إسرائيل ودولة إسرائيل على سبع جبهات، وكنت أعتقد ولا أزال أنني أستطيع القيام بكل هذه الأشياء في وقت واحد» . وتابع: « قبل أيام قليلة، حدث زلزال في منطقتنا (...) لقد غيّرنا بالفعل وجه الشرق الأوسط، وهذا له تأثيرات عالمية. إنه يتطلّب انتباهي. من الممكن إيجاد توازن بين احتياجات البلاد، واحتياجات المحاكمة «

نتنياهو وخلال إدلائه بشهادته وفي تهرب من مواجهة الاتهامات ، شكا الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قائلاً: « خلال إدارة أوباما، توجّه الرئيس الأميركي آنذاك إلى العالم الإسلامي في خطابه الاسترضائي في القاهرة. وتوجّه إلى إيران باعتبارها ليست تهديداً كبيراً، بل فرصة».

وأضاف أن الأميركيين « طالبوا بتجميد كامل لبناء المستوطنات آنذاك. وتعرّضت لضغوط هائلة كنّا بحاجة إلى التعامل مع أوباما وإيران والتحدّيات السياسية والاحتجاجات الاجتماعية» . كذلك، دافع نتنياهو عن زوجته سارة بعد انتشار أخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن فسادها، قائلاً إنها « خضعت لاغتيال معنوي رهيب لشخصيتها، بينما هي تزور مرضى السرطان والجنود الجرحى في إسرائيل» . وطلب من القضاة، أثناء الجلسة، السماح له بالخروج من قاعة المحكمة لـ» التعامل مع قضية أمن قومي» ، بعد تلقيه رسالة أثناء إدلائه بإفاداته على المنصة.

وفي تباين المواقف في المستويين السياسي والشعبي يهتف أميت هاليفي عضو الكنيست تعليقاً على مثول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام المحكمة للإدلاء بشهادته للمرة الأولى منذ اتهامه سنة 2019 بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة. ولا يتردد هاليفي في استخدام لغة ديماغوجية وضيعه ، فيضيف أن هذه « ليست محاكمة بل جريمة كراهية» دافعها « نوع الكره ذاته الذي يحرّك الجهاديين، وهي حرب مقدسة ضد ما يمثله نتنياهو من قيم وجمهور».

على الجانب الآخر، في صف ما يُسمى (المعارضة ) الإسرائيلية، يعلق يائير غولاني زعيم الحزب الديمقراطي أن نتنياهو، منذ أن وُجهت إليه اتهامات جنائية، « شنّ خمس حروب ضد دولة إسرائيل، ومنذئذ دُفعنا إلى خمسة انتخابات، وانقلاب مجنون مزّق أوصال الأمة، ومجزرة لم يسبق لها مثيل منذ صعود الصهيونية. ولقد فشلت كل حيلة وخدعة حاول نتنياهو تجريبها لمنع المحاكمة»

نتنياهو من جهته يشكك في الاتهامات الموجهة ضده ، ومعتبراً أن « التهديد الحقيقي للديمقراطية في إسرائيل لا يشكله ممثلو الجمهور المنتخبون، بل بعض أفراد سلطات إنفاذ القانون الذين يرفضون قبول اختيار الناخبين ويحاولون تنفيذ انقلاب من خلال تحقيقات سياسية مسعورة غير مقبولة في أي ديمقراطية». ولم يكن غائباً عن الأذهان أنه رئيس الحكومة الأطول عهداً في تاريخ دولة الاحتلال من جانب أول، وأنه من جانب ثان يسجّل سابقة مثول رئيس وزراء على رأس عمله يُحاكم لارتكابه جرائم وجنايات.

ورغم سلسلة الادعاءات الصهيونية حول نزاهة القضاء الإسرائيلي وعمل المؤسسات داخل «الواحة الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، فإن المكان الأجدر باقتياد نتنياهو إليه هو المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت بحق نتنياهو وغالانت مذكرتَي اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب ومسؤوليتهم عن عشرات المجازر التي أودت حتى الساعة بعشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين، وقصف المشافي والملاجئ والخيام والمدارس والمساجد والكنائس، وتصريحات عنصرية وهمجية تستهوي تحويل البشر إلى حيوانات وتتلذذ بتجويع الأطفال والنساء والشيوخ وتشريدهم.

وكان نتنياهو استبق شهادته أمام محكمة تل أبيب بتحدي المحكمة قوله « هذه هي الفرصة لتبديد الاتهامات الموجهة إليّ. هناك عبث كبير في الاتهامات وظلم كبير» ، هكذا ادّعى نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين .

وقال: « لقد سمعت وسائل الإعلام تدّعي أنّني أريد التهرّب من المحاكمة (...) التهرب؟ يا له من هراء. لمدّة ثماني سنوات، كنت أنتظر هذا اليوم، أنتظر تقديم الحقيقة، أنتظر تفكيك الاتهامات السخيفة التي لا أساس لها ضدّي تماماً، أنتظر فضح أسلوب مطلقي الاتهامات بحقّي لمرّة واحدة وإلى الأبد» .

ويفترض أن يتابع نتنياهو تقديم إفادته أمام المحكمة الإسرائيلية بعد ظهر اليوم الاربعاء ، وسيكون الاستجواب المتبادل من قِبَل الادعاء حاسماً في تحديد نتيجة القضية.

الدستور الأردنية

مقالات مشابهة

  • نتنياهو في المحكمة بتهم فساد ..
  • أسماء الخلية الحوثية التي صدرت بحقها أحكام إعدام وسجن
  • بتهمة الفساد.. السجن 11 عاماً لمسؤول سابق في الاتحاد الصيني
  • نتنياهو يمثل أمام المحكمة ويدلي بشهادته في 3 ملفات فساد
  • عمليات الهدم في خربة الطويل: تطهير عرقي يواجه مقاومة الشعب الفلسطيني
  • نتنياهو أمام القضاء لأول مرة.. هل يواجه مصير أولمرت؟
  • تأجيل إستئناف متهم بـ "حرق كنيسة كفر حكيم" للإطلاع
  • باريس سان جيرمان يواجه مصيرًا حاسمًا أمام سالزبورج في دوري الأبطال
  • ليفربول يواجه جيرونا.. وريال مدريد ضيفاً على أتالانتا
  • جنايات الكرخ تصدر حكما بالسجن 4 سنوات على محمد جوحي بقضية التنصت