الإعلام السياسي: العين التي تريدنا أن نرى بواسطتها العالم
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
رغم محاولتي التخفيف من متابعة بعض أحداث العالم وحروبها المستعرة لما تحويه من أسى وظلم يدفع ضريبتَه الأبرياء من عامة الناس مع ما يمكن أن نلحظه من تباين في موجهات هذه الحروب وتوجهاتها، ومع هذه المحاولة التي أقرُ بفشلها خصوصا في الأخبار المتعلقة بقضايا المنطقة العربية وحروبها المؤلمة؛ فلم نكتفِ بما حل وما زال يحل بغزة من إبادة جماعية يمارسها الكيان الصهيوني المتغطرس، وما حل بلبنان من وقع آلمنا جميعا، وما يحدث في سوريا من استئناف لحروب داخلية ممنهجة في أصلها بخيوط خارجية تهدف إلى التمهيد إلى «سايكس بيكو» جديد يعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط.
نلحظ في مجتمعنا العربي بكل جغرافياته وعبر وسائل التواصل المتعددة اختلافا غير مسبوق في قراءة أفراده لأحداث المنطقة، وخصوصا في سوريا التي تكتوي بنار الحرب الداخلية؛ فنجد من يبرر هجوم المعارضة ويؤيد تحركهم العسكري، وثمة من يرفضه ويعتقد بحصول المؤامرة، وتلتقط مثل هذه الآراء بواسطة وسائل الإعلام التي باتت شبه مرافقة لكلا الطرفين؛ فتتنافس هذه العيونُ الإعلامية في نقل الصورة التي تريد بثها لدهماء الناس؛ فتصنع وعيًا تراكميًا جمعيًا يعيد تشكيل الصورة الذهنية للأحداث؛ فلا عجب أن تجدَ من كان مؤيدًا للنظام السوري يصبح عدوا للنظام ومؤيدا للمعارضة حسب مقتضيات المصالح المتبادلة، والعكس حادث أيضا، ومآل ذلك يعود إلى قدرة الإعلام -الذي تمتزج فيه القدرات الفنية والتأثيرات النفسية والعاطفية، وفي حالات أخرى التزييف المرئي المتعمد- على اختراق المنظومة العقلية لدى الإنسان؛ لتجعل منه كائنا يسهل أدلجته وفق التوجهات السياسية المركزية. سبق أن مارس الغرب مثل هذه الأساليب لتوجيه الرأي العام لقضايا معينة تسند توجه الحكومات الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية مثل قضايا «الإرهاب» التي أسهمت في تشويه صورة الإسلام في العيون الغربية ووعيهم الجمعي، وفاقمت ظاهرة ما بات يعرف بـ«الإسلام فوبيا» «الخوف من الإسلام»، ولعل كثيرا من هذه الصور التي روج لها الإعلام الغربي في زمن غابر وحتى فترة قريبة من الزمن -قبل اختراق الإعلام الرقمي ميدان الإعلام التقليدي- لم تكن تعكس واقعا حقيقيا عن الإسلام والمسلمين؛ فنجد -على سبيل المثال وليس الحصر- جماعات إرهابية مثل تنظيم «داعش» في أصل نشأتها بأنها صناعة استخباراتية تقف خلفها منظمات -إن لم يكن دول أيضا- غربية وصهيونية باعتراف ساسة غربيين جاءت بلسانهم وفي كتبهم، وكان لعين الإعلام أن تشارك المؤسسات الاستخباراتية هذه الدراما لضخها في عقول المجتمعات الغربية رغبة في تأييد مشروعاتهم السياسية والاقتصادية. انتقلت عدوى التأثير الإعلامي الممنهج من الغرب إلى العالم العربي؛ فبات من السهل أن نرى ذلك في إعلام يسهل للفطن أن يدرك مآربه السياسية عن طريق ما ينقله لجمهور متعطش للجرعات الإعلامية التي تكسبه ثقافة غير موثوقة لا تؤكدها إلا كاميرات تنتقي جغرافيتها بعناية لتظهر ما ترغب أن يتحول إلى قناعة ولو خالطت الواقع، وهنا لست بصدد استعراض الرأي الخاص، ولكن جل ما أمكنني أن أنصح به نفسي قبل غيري أن أستفيض من المعرفة ذات البعد التاريخي والفكري والسياسي وفهم خلفية الصراعات ومآلاتها القديمة والحديثة؛ فيمكن لكل هذه المعارف أن تؤهل المرء منا أن يمتلك «مُرشحا» ننتقي بواسطته ما يردنا عبر الإعلام بوجود عين ثالثة تملك أبجديات معرفية صُلبة تستطيع أن توجه العقل إلى نظرة مستقبلية تمنحه المناعة من الوقوع في فخ الإعلام وعيونه الساحرة، ولكن سحر العين الإعلامية جعلت الناس تفترض واقعًا كأنه يقول «الإعلام أصدق أنباء من الكتب».
سبق أن تحدثنا عن الإعلام الرقمي الذي لا يتطلب أن يُدار من قبل مؤسسات إعلامية؛ إذ يتولى الأفرادُ أمرَه، ولكن تُبين لنا المظاهرُ الناتجة حصولَ التأثير الجمعي لهذا الإعلام الرقمي مثل حسابات وسائل التواصل، ولكن ما يثير دهشتنا صعود التأثير للإعلام المؤسسي خصوصا السياسي الذي من السهل أن نلحظ توجهاته السياسية عبر ما يعكسه من تحيز لطرف ضد طرف؛ فيصنع جمهوره الذي سيسهم في الترويج للسردية السياسية المنشودة، وتعددت عيون الإعلام، وبات صراعها بيّنًا، ومن هذا المنبر الإعلامي المكتوب نوجه أنفسنا وغيرنا إلى تأسيس الوعي المعرفي بكل أبعاده قبل الانجرار إلى سرديات الإعلام السياسي؛ فالقناعات التي سنتبناها في مرحلة عبر محطات الإعلام ستقودنا إلى قناعات أخرى لا نستبعد أن تعيد تشكيل نظرتنا إلى العالم ولأوطاننا استنادا إلى عين تبث صورها لنا دون وعي بمكنوناتها وغاياتها وتقنياتها النفسية والرقمية.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد يلتقي كلاوس شواب ويؤكد أهمية تمكين الحكومات من مواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم
التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اليوم، البروفيسور كلاوس شواب، رئيس مجلس أمناء المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، وذلك ضمن أعمال اليوم التمهيدي للقمة العالمية للحكومات 2025 التي تنطلق غداً وتستمر حتى 13 فبراير الجاري تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل».
ورحب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمشاركة البروفيسور شواب في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025، مثمناً سموه دور منتدى «دافوس» في تعزيز التعاون الدولي، وفتح آفاق جديدة أمام أصحاب القرار في العالم لتمكينهم من مواجهة التحديات التنموية والاقتصادية.
وجرى، خلال اللقاء الذي حضره سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام، وسمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي الرياضي، ومعالي محمد عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، استعراض سبل توثيق الشراكات بين حكومات العالم، وصياغة رؤى مشتركة عبر الحوار وتبادل التجارب والخبرات، وكيفية استثمار الفرص الكبيرة التي تتيحها التجمعات العالمية الكبرى مثل القمة العالمية للحكومات، ومنتدى «دافوس» من أجل الارتقاء بالعمل الحكومي والأداء المؤسسي، بما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العالمي.
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التزام دولة الإمارات الدائم بالعمل على تطوير رؤية عالمية موحدة لاستشراف التحديات المقبلة، واستكشاف الفرص الاستثمارية والاقتصادية، بما يضمن تحقيق المستهدفات التنموية في مختلف المجتمعات، وتعزيز ثقة الأجيال الجديدة بالمستقبل.
وأشار سموه إلى أن القمة العالمية للحكومات، تتزايد أهميتها من خلال دور محوري مؤثر في تمكين الحكومات لتكييف أدوارها وأدواتها لمواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم، وتعزيز قدراتها على الاستفادة من هذه التغيرات للنهوض بواقع مجتمعاتها نحو الأفضل.
من جانبه، أشاد البروفيسور كلاوس شواب بالدور الحيوي لدولة الإمارات في دعم التعاون الدولي وبناء جسور متينة بين حكومات العالم، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي على مستوى العالم.
ونوه شواب بالمكانة المرموقة للقمة العالمية للحكومات، وقدرتها على حشد جهود الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية من أجل مواجهة التحديات التنموية، والقضايا المُلحّة التي تشغل العالم.
ويشارك البروفيسور كلاوس شواب، في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025 عبر جلسة رئيسية بعنوان: «الحكومات في عصر الذكاء الاصطناعي».
وتجمع القمة العالمية للحكومات 2025 أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، وأكثر من 80 منظمة دولية وإقليمية، إضافة إلى 140 وفداً حكومياً ونخبة من قادة الفكر والخبراء العالميين، وبحضور أكثر من 6000 مشارك.
وتضم أجندة القمة 21 منتدى عالمياً تبحث التوجهات والتحولات المستقبلية العالمية الكبرى في أكثر من 200 جلسة رئيسية وحوارية وتفاعلية، يتحدث فيها أكثر من 300 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصُنّاع القرار، إضافة إلى عقد أكثر من 30 طاولة مستديرة واجتماعاً وزارياً، بمشاركة أكثر من 400 وزير، فيما تُصدر القمة 30 تقريراً استراتيجياً بالتعاون مع شركاء المعرفة الدوليين.