لجريدة عمان:
2025-02-11@13:32:45 GMT

الذين يسعون لإسقاط الوطن السوري

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

أن يسقط النظام، أية نظام، فهو أمر وارد في كل الأوطان، أما أن يسقط الوطن فهو شيء آخر، سقوط الوطن في الحالة السورية أمر شديد الخطورة على سوريا أولا، ثم على المنطقة الإقليمية والعربية، فالمتربصون بسوريا نعرفهم ونعرف توجهاتهم، ونعرف لحساب من يعملون، فهناك جهات كثيرة موَّلت ودعَّمت ودفعت مئات الملايين منذ عام ٢٠١١، بحجة إسقاط النظام، الأنظمة تذهب أما سقوط الأوطان تحت جحافل الغوغاء والجماعات الأيديولوجية فالأمر جد خطير، خصوصا وأن هذه الجماعات المناهضة للدولة السورية تعمل لحساب قوى إقليمية ودولية، لدينا دروس كثيرة وتجارب مريرة، فقد سقط صدام منذ أكثر من عشرين عاما ولم يبرأ العراق بعد من أمراضه وأزماته، بعد أن انقسم العراقيون وفقا لمواقفهم وإيديلوجياتهم، سقط معمر القذافي وأصبحت ليبيا عصية على الوحدة، في ظل ولاءات إقليمية وجهوية، دفع الليبيون الثمن باهظا من أمنهم واقتصادهم، وتعطلت برامج التنمية في هذا البلد الذي حباه الله موارد ضخمة، لكن الموارد وحدها لا تقيم أوطانا، ثم سقط النظام في اليمن وأصبح اليمن يمنين، ودخلت البلاد في أُتون حرب أهلية عطلت الحياة، وانهارت المرافق ولم تبرأ اليمن بعد، وليس معروفا إلى أين ينتهي مصير اليمن، وفي جميع الحالات الشعب هو الذي يدفع الثمن من أمنه ورخائه.

مشاكل معظم الأقطار العربية معقدة، والأنظمة مسؤولة عن هذا التعقيد حينما راهنت على الاستقرار والأمن، بينما النيران مشتعلة في جذور مجتمعاتها، وكان أمامها فرصة الإصلاح من الداخل، وبعض الأنظمة بقيت في الحكم عقودا لكنها لم تأخذ الإصلاح بمعناه السياسي والاجتماعي على محمل الجد، وراحت تبحث عن مسكنات في السطح، ولم تتطرق إلى الإصلاح الحقيقي إلى أن جاءت الطامة الكبرى، وأصبحت الأوطان مهددة بمخاطر جسيمة، ومهما كان سوء الإدارة وعدم مقدرتها على تقديم إصلاحات حقيقية فلا يمكن أن يكون البديل هو سقوط الأوطان، لأن سقوطها ينذر بضياعها خصوصا وأن هذه الأوطان ليس لديها أحزاب سياسية ولا قوى اجتماعية قادرة على تقديم مشروع ينقذ الدولة في حالة السقوط، وكان البديل العملي والحضاري هو العمل على الإصلاح من الداخل، وكان على الأنظمة أن توجد الكيانات السياسية والحزبية المؤهلة لاستلام مقاليد الدولة، أمامنا التجارب الأوروبية والآسيوية التي واجهت مثل هذه الحالات، لكن جاء انتقال السلطة بطريقة سلسة، الكثير منها حقق نجاحات كبيرة، بينما أخفقت أوطاننا لافتقادها إلى القوى الاجتماعية والسياسية القادرة على تقديم برامج تمكن الدولة من استعادة قدرتها على الاستمرار والبقاء.

الحالة السورية معقدة .. نعم، وقد راهن النظام على الأمن منذ عام ٢٠١١، وقد حظي بدعم كبير من روسيا وإيران، لكنه لم يحظ بذات القدر من الشعب السوري، هذه حقيقة، وطوال هذه السنوات لم يقدم مشروعا سياسيا واجتماعيا يفتح المنافذ المغلقة، ولم يقدم برنامجا سياسيا يطمئن الثائرين عليه، والذين ذهبوا إلى أحضان قوى إقليمية ودولية تعمل جاهدة على إسقاط الدولة السورية، ولا أتفهم أبدا موقف بعض دولنا العربية التي دعَّمت مشروع إسقاط الدولة السورية، حتى ولو كانت سوريا قد أقامت تحالفا مع قوى إقليمية أخرى ترى بعض هذه الدول أنها تشكل خطرا سياسيا وفكريا عليها فلا يمكن أن يكون البديل هو إسقاط الدولة السورية، التي لو سقطت لكان سقوطها سببا كافيا لوجود مخاطر هائلة على كل دول المنطقة، خصوصا وأن البديل هو جماعات النصرة وفصائل الشام وغيرهما، وهي جماعات تشكل خطرا فكريا واجتماعيا وسياسيا على المنطقة العربية برمتها.

أعتقد أن الدول العربية والإقليمية عليها أن تحدد موقفها بوضوح من الأزمة السورية، فقد لاحظنا أن بعض هذه الدول قد التزم الصمت، بينما القضية بمخاطرها لا تستوجب الصمت، فالأمر جد خطير، وترك سوريا إلى مصيرها ما بين جماعات الإسلام السياسي وما بين قوى أخرى مجاورة لحدودها تتولى التمويل والتدريب وكل أشكال الدعم هو أمر خطير، لأن النيران ليست بعيدة عن كثير من الدول العربية، خصوصا أنه بات واضحا حجم المؤامرة ومن له مصلحة في إسقاط سوريا، يبدو ذلك جليا في ظل ما تتعرض له غزة من أهوال ودمار، وما يتعرض له لبنان من مخاطر، بل وما تتعرض له أوطان عربية أخرى مجاورة لإسرائيل، بعد أن أوضحت السياسة الأمريكية في ظل الإدارة القادمة عن عزمها اللامحدود في دعم إسرائيل، وقد عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي القادم (دونالد ترامب) عن نيته في توسع إسرائيل جغرافيا، ولم يفصح عن ملامح هذا التوسع، لعل الحرب على سوريا قد تكون بداية المشروع الأمريكي الإسرائيلي، فالواقع المأزوم في المشهد العربي يعد خطيرا، لكن الخطر الأكبر هو المستقبل المجهول، الذي ينذر بأهوال يدفع السوريون ثمنها لكن سوف تدفع أقطارنا العربية الثمن باهظا هي الأخرى.

لقد ألقى البعض باللائمة على الجيش السوري وقياداته بعد أن انسحب من المواجهة مع الجماعات المتطرفة، التي استولت على شمال سوريا خلال أقل من أسبوع، ولم تلق مواجهة تتناسب وحجم المخاطر التي تتعرض لها سوريا، ويمكن أن نتفهم ذلك في ظل اتفاقات روسية تركية إيرانية على خفض التوتر في الشمال السوري، وفي ظل معاناة الجيش السوري الذي ظل يحارب أكثر من عشر سنوات، وفي ظل الحصار الدولي على سوريا، وفي غيبة الدعم الروسي نظرا للصراع الروسي الأوكراني، كما تراجع الدعم الإيراني في ظل الحصار الأوروبي الأمريكي، وهو ما أدخل إيران في أوضاع اقتصادية وسياسية معقدة، كل هذه الأسباب حالت دون تحديث الأسلحة، فضلا عن إنهاك القوات السورية التي بقيت رابضة على الحدود كل هذه السنوات، وهو وما لا تتحمله الجيوش مهما كانت قدرتها، بينما الجماعات التي تتربص بالوطن السوري تحظى بدعم إقليمي وأمريكي وإسرائيلي، يبدو ذلك في شكل المعدات والأسلحة العسكرية التي شاهدناها في حلب وحماة، وجميعها معدات حديثة، كما حصلت هذه الجماعات على قدر كبير من التدريب والتأهيل في المؤسسات العسكرية من بعض دول الجوار، وهي حقيقة لا مجال للالتباس بشأنها.

لعل ما حدث في سوريا خلال الأيام الماضية يطرح أسئلة كثيرة، من بينها: من هو صاحب المصلحة في إشعال تلك الحرب واستقدام جماعات من كل أشتات العالم لهدم الدولة السورية؟ لعل الأمر لم يعد سرا، فإسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الحلفاء الإقليميون هم أصحاب المصلحة الأهم في انهيار الدولة السورية لكي تكمل إسرائيل مشروعها في إقامة الشرق الأوسط الجديد، كما بشر به الرئيس الأمريكي القادم (ترامب)، وهو استكمال لما يحدث في غزة ولبنان، ولا نعرف غدا ماذا سيكون في أوطان عربية أخرى.

ثم هناك قوى إقليمية من مصلحتها انهيار سوريا، أولها تركيا التي تسعى لإقامة عمق جغرافي يسمح لها بالقضاء على الأكراد، وهي حقيقة لا ينكرها الأتراك، ثم هناك أطماع تركية في شمال سوريا، وخصوصا في حلب، وقد عبر عنها العديد من المسؤولين الأتراك، ثم هناك قوى إقليمية ـ للأسف عربية ـ لديها ثأر مع سوريا بسبب علاقتها بإيران، وهو سبب لا يستقيم وحجم المخاطر التي تتعرض لها سوريا، فضلا عن المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها أقطارنا العربية فيما لو سقطت سوريا، وهو أمر جد خطير، لعل العرب يتنبهون ولو في الوقت المتأخر.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدولة السوریة قوى إقلیمیة تتعرض له

إقرأ أيضاً:

عضو بـ«حماة الوطن»: القمة العربية الطارئة خطوة لتوحيد الموقف العربي لدعم القضية

قالت حنان شرشار، القيادية بحزب حماة الوطن، إن استضافة القاهرة للقمة العربية الطارئة في 27 فبراير 2025 تعكس إدراكًا عربيًا متزايدًا لحساسية المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي بشأن تهجير الفلسطينيين وطرح مشاريع تهدف إلى إعادة تشكيل واقع القطاع بما يتناسب مع الرؤية الإسرائيلية.

توحيد الصف العربي 

وأكدت شرشار في بيان له، أن هذا التطور الخطير يفرض على الدول العربية تحركًا موحدًا، ليس فقط لرفض مثل هذه المقترحات، بل لوضع إطار واضح للمواجهة الدبلوماسية والسياسية، بما يضمن الحفاظ على حقوق الفلسطينيين المشروعة.

ولفتت شرشار، أن توقيت القمة يأتي في لحظة بالغة الدقة، إذ أن التوترات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بلغت مستويات غير مسبوقة، مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وتزايد الضغوط الدولية لإيجاد حلول لا تتناسب بأي شكل مع الثوابت الفلسطينية والعربية.

وأوضحت شرشار، أن انعقاد القمة في القاهرة، بما تمثله من ثقل سياسي واستراتيجي، يرسل رسالة واضحة بأن العرب لن يكونوا متفرجين على محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وأن هناك موقفًا موحدًا في مواجهة أي تحركات تستهدف فرض حلول أحادية.

وأضافت القيادية بحزب حماة الوطن، أن التنسيق بين مصر والبحرين، إلى جانب التشاور مع القيادة الفلسطينية، يؤكد أن القمة لن تكون مجرد اجتماع رمزي، بل خطوة عملية لإعادة الزخم للقضية على الساحة الدولية، ولتوحيد الجهود العربية في مواجهة التحديات المقبلة.

مقالات مشابهة

  • اتفاق بين سوريا والأردن على إعفاء الشاحنات السورية من الرسوم المفروضة
  • وفد من هيئة الطيران المدني السوري يصل دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور مؤتمر منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)
  • توكل كرمان: من يحاولون تشويه مسار ثورة 11 فبراير يسعون لتبييض صفحة النظام الساقط
  • عضو بـ«حماة الوطن»: القمة العربية الطارئة خطوة لتوحيد الموقف العربي لدعم القضية
  • علوش لـ سانا: تعمل كوادرنا في جميع المنافذ الحدودية للجمهورية العربية السورية بأقصى جهدها لضمان تقديم أفضل الخدمات لأهلنا السوريين العائدين إلى وطنهم، وكذلك لضيوفنا من الأشقاء العرب والأجانب الراغبين بزيارة سوريا
  • الشرع: الآلاف من أبناء الوطن ينضمون للجيش السوري الجديد
  • كرد سوريا يرحبون بحذف الشرع لكلمة العربية من اسم الدولة
  • زعيتر: معادلة الجيش والشعب والمقاومة هي التي تحمي الوطن
  • بناة المستقبل
  • الجيش اللبناني يصدر أوامره بالرد على مصادر النيران التي تطلق من الأراضي السورية