لجريدة عمان:
2025-05-02@12:07:47 GMT

استحقاقات المنظومة التشريعية ومتغيرات الواقع

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

تشكل المنظومة التشريعية إحدى أهم ركائز العمل الوطنية الممكنة لـ«رؤية عُمان 2040»، ولذا حددت أولوية (التشريع والقضاء والرقابة) ضمن أولويات الرؤية هدفًا استراتيجيًا مهمًا ومحوريًا بوجود «تشريعات مرنة، وسلطة تشريعية مستقلة ذات صلاحيات كاملة»، وهو ما يطرح في تقديرنا أربعة أسئلة رئيسية: أولها كيف يمكن أن تتواكب المنظومة التشريعية مع أنماط وتغيرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والسياسي المعاش، بحيث تكيف إجراءاتها وأنظمتها وعملياتها لصياغة تشريعات مرنة ومواكبة وأكثر قدرة على الديمومة بمرور الوقت وتعاقب الظروف؟ والسؤال الثاني: هل من استحقاقات جديدة على مستوى المهام والصلاحيات يجب أن تكتسبها المنظومة لتكون قادرة على اكتساب هذه المرونة؟ أما السؤال الثالث: فهو يتصل بالمؤسسية: فكيف تتكامل الأدوار المؤسسية في المنظومة التشريعية لغرض تحقيق تلك المرونة التي نشير إليها؟ وآخر تلك الأسئلة: ما هي الخصوصيات التي تفرضها الحالة المحلية التي تشكل تحديات أو فرصا أمام منظومة التشريع لاكتساب تلك المرونة؟ تلك أسئلة تدور في مدارات الرؤية، وفي تقديرنا يجب أن تشكل هواجس وطنية في لحظة الرؤية الراهنة، وقد يكون السؤال لماذا؟ بإيجاز فإن نمط التغيرات العالمية يفرض اليوم تعاملًا مختلفًا مع آليات اقتراح القوانين، وآليات صياغتها، وآليات المشاركة المجتمعية والمؤسسية في إعدادها، وكذا آليات تطبيقها، ومن ثم التفكير في آليات منهجية على المستوى الوطني لقياس أثرها واستحقاقاتها.

فعلى سبيل الواقع البيئي تفرض قضايا الاستدامة ومواجهة حالات تغير المناخ والأشكال الجديدة الطارئة من الظواهر البيئية والمناخية، والآثار المجتمعية والاقتصادية لتدهور النظام البيئي فرض قوانين مواكبة، وسريعة الاستجابة، تضمن للدول وللأفراد والمجتمعات التكيف مع هذه الحالات، وتحقيق الاستباقية في مواجهتها، وكذا الحال بالنسبة للسياسات الاجتماعية، بما تفرضه سياقاتها من تعامل مع مشكلات لحماية الطبقات المعوزة في المجتمعات، وتمكين الفئات الأكثر احتياجًا للتعاطي الآمن مع واقعها الاقتصادي، والتكيف مع حالة انتقال بعض المجتمعات من مجتمعات الرعاية الكاملة، إلى مجتمعات المشاركة والتخصيص وما قد ينشأ عن ذلك من مشكلات وظواهر قد تكون متوقعة ومقدرة وقد تكون خلاف ذلك.

كذا الحال يساق اليوم إلى أوجه الاقتصاد والمال؛ فمن القضايا الناشئة على سبيل التغير قضايا التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية، ومنها كذلك ظهور مشكلات البطالة الهيكلية والتغير في الأسواق، ومنها ما تفرضه العولمة الاقتصادية والتجارية على النظم التشريعية الداخلية للدول من تغيرات واستحقاقات يفترض من خلالها اكتساب المرونة والتفكير في آليات التحول، ويمكننا أن نضرب عشرات الأمثلة في قضايا المجتمع والتقنية والثقافة والتربية والإعلام وسواها مما يتوجب اليوم التفكير في آليات تشريعية تحقق المغزى الأسمى من التشريع وهو تنظيم العلاقات وحماية الحقوق والواجبات بين الأفراد بعضهم ببضعهم وبينهم وبين النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي ينشأون فيها ويعيشون معها. وهو ما يقودنا هنا بشكل مباشر إلى القول: إنه في الحال المحلية هناك أربعة استحقاقات يمكن التفكير فيها بالنسبة لمنظومتنا التشريعية، وهذه الاستحقاقات تشكل حسب رؤيتنا بعض الممكنات التي تساعد المنظومة في تحقيق مرونتها وهي:

1- التفكير في إيجاد آليات مؤسسية ومركزية لبيئة التشريعات التجريبية.

2- التركيز على منظومة قياس وتقييم الأثر اللاحق للتشريع وإيجاد منهجيات وطنية ومؤسسية لتحقيق ذلك.

3- التفكير في منهجيات (سيناريوهات التشريع).

4- إضافة أبعاد تتعلق بدور التشريع في تحقيق السمة الوطنية عند إعداد التشريعات والقوانين.

ففيما يتعلق بالتشريعات التجريبية فقد أوجدت الكثير من الدول منهجيات ومراكز متخصصة تعنى بمساعدة الحكومات على تجريب بعض التشريعات المقترحة في بيئة محكمة ومراقبتها قبل إنفادها وتعميمها على الفئات والمجالات المستهدفة، وقد ساعد ذلك في التنبؤ مسبقًا بآثار التطبيق، ومعرفة الفجوات والعوارض الناشئة عنه، وبالتالي التحقق من جدوى وإمكانية تطبيق التشريع، ومن أهم الدول التي نجحت في هذه المجالات سنغافورة وخاصة فيما يتعلق بالسياسات المرتبطة بالبحث والابتكار، وهولندا وخاصة فيما يتعلق بالسياسات البيئية وقضايا الصحة العامة. وقد فصلنا في هذه المسألة في مقالة سابقة عبر نفس المساحة. أما فيما يتعلق بالتركيز على قياس وتقييم أثر التشريعات فنعتقد - إضافة لكونه دور تشاركي - أنه من الجيد أن يقوم مجلس عُمان باستحداث إطار عام ضمن اختصاصاته وآليات عمله يعني بوضع منهجيات مناسبة زمنية وتحليلية لقياس أثر التشريع بعد التطبيق، وأن يكون هذا المشروع مشتركًا مع السلطة التنفيذية والمؤسسات والأفراد من الخبرات في هذه الجوانب، مما سيسهل ويساعد كلا الطرفين مؤسسة التشريع ومؤسسة التنفيذ في فهم محكات تطبيق القوانين وما قد ينشأ عنها من آثار، وبالتالي معرفة ممكنات استدامة القوانين. وفيما يتصل بسيناريوهات التشريع، يمكن الاستفادة من منهجيات استشراف المستقبل لوضع عدة سيناريوهات للتشريع المقترح، سواء من خلال المواد أو الموجهات، وتتبع ما قد ينشأ عنه من افتراضات، وصولًا للسيناريو الأمثل، بناء على الموجهات التي تفيد بها علوم استشراف المستقبل، وخاصة للقضايا المرتبطة بالتقنية، والعلوم التطبيقية، والنواحي البيئية.

ومن النقاط المهمة التفكير في دور القوانين في تعزيز السمة الوطنية، حيث تسعى كل الدول اليوم في جزء من عملية صياغتها لقوانينها وتشريعاتها إلى إضفاء سمة وطنية معينة لها، كأن تكون في الشق الاقتصادي بأنها قوانين معبرة عن بيئة استثمارية جاذبة وحرة ومكتملة الفاعلين، أو تكون في الشق الاجتماعي قوانين تضمن التماسك الاجتماعي وتقوي التضامن وتحمي منظومات الهوية والقيم، وهكذا بالنظر إلى توازي المسؤولية الوطنية للقانون عبر تنظيم المجال الذي يستهدفه، يضفي القانون أيضًا عبر مواده المستحدثة وموجهاته طابعًا وطنيًا يعزز تنافسية البلاد، ويتماشى مع الاتجاهات العالمية، ويضيف عناصر نسبية تميز البلاد في الحقول التي تتقاطع فيها مع محيطها سواء الإقليمي أو الدولي. ونستطيع القول إن هذه أفكار موجزة نعتقد أن من شأنها إكساب شيء من الديمومة والمرونة لمنتج المنظومة التشريعية وكذلك توحيد النهج فيما يتصل بقياس ومراجعة أثر التشريعات القائمة وملاءمتها للواقع والمستقبل.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المنظومة التشریعیة التفکیر فی فیما یتعلق

إقرأ أيضاً:

التأمين الصحي تواصل اجتماعاتها مع أعضاء النواب والشيوخ بمحافظات تطبيق المنظومة

أكدت الهيئة العامة للتأمين الصحي ، تعاملها الإيجابي والسريع مع كافة الشكاوى والاستفسارات التي استقبلتها من نواب مجلسي النواب والشيوخ خلال الفترة الماضية، حيث تم حلها بنسبة 93%، وجار العمل على إنجاز باقي الاستفسارات المتبقية في أقرب وقت.


جاء ذلك خلال الاجتماع الدورى الخامس الذي عقدته الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل مع أعضاء بمجلسي النواب والشيوخ ممثلين عن محافظات المرحلة الأولى بهدف رصد التحديات التي تواجه المواطنين والعمل على سرعة حلها، بما يتيح للمستفيدين من المنظومة الحصول على كافة الخدمات بسهولة ويسر ووفقا لمعايير الجودة.


وأكدت الهيئة أن إجمالي المترددين على المنافذ خلال الفترات المسائية الممتدة حتى الساعة العاشرة مساء تتراوح من 25- 31% من إجمالي المترددين، كما بلغ حجم الخدمات المقدمة للمستفيدين خلال تلك الفترات المسائية والعطلات الرسمية بين 18 - 38% من إجمالي الخدمات المقدمة خلال تلك الفترة.


ونوهت الهيئة بجهودها التوعوية بهدف التنبيه على المُستفيدين غير المُسددين للاشتراكات، بسرعة التوجه لفروع الهيئة لسداد الاشتراكات حتى لا تتراكم المديونية ويستطيعون الحصول على الخدمات غير الطارئة.


وأشارت إلى أنها أرسلت أيضاً لجميع الفروع بالمحافظات نماذج استرشاديه توضح كيفية تقسيط الاشتراكات المتراكمة على المستفيدين لفترات تمتد حتى أكثر من ثلاثة سنوات.


وطلب الدكتور إيهاب أبو عيش نائب رئيس الهيئة، من النواب المشاركين في الاجتماع بالمشاركة في تشجيع القطاع الخاص بالمحافظات على الانضمام للمنظومة والاستفادة من التسهيلات الائتمانية المقدمة لهم، مشيرا إلى أن الهيئة ستتجه خلال الفترة المقبلة للتوسع في التعاقد مع صيدليات القطاع الخاص بالمحافظات للدخول في المنظومة، وأنه يتم سداد المستحقات المالية خلال 30 يوماً على أقصى تقدير وليس 60 يوماً كما هو متعارف عليه.


بدوره، قالت مي فريد المدير التنفيذي للهيئة إن الهيئة منفتحة تماما على القطاع الخاص وتعظيم دوره في المنظومة ولذا تسعى دائما لتقديم تسهيلات لتشجيعه على المشاركة بهدف التيسير على المستفيدين، منوهة في ذات السياق باتفاقية إتاحة التمويل منخفض التكلفة التي عقدتها الهيئة مؤخرًا مع البنك الأهلي المصري والنقابة العامة للأطباء، والتي دخلت حيز التنفيذ وتهدف تقديم تسهيلات ائتمانية منخفضة التكلفة لمقدمي الخدمة من القطاع الخاص للدخول في المنظومة.


وقدمت المدير التنفيذي للهيئة، عرضا تفصيليًا عن الإجراءات التي اتخذت مؤخرًا للتعامل مع استفسارات بعض النواب في محافظات التطبيق، ومن بينها توفير موظف يعمل على مدار الساعة بالمنافذ التابعة للهيئة في مجمع الفيروز الطبي بجنوب سيناء، وأيضاً التواصل مع البنك الأهلي وبنك مصر لبحث إمكانية توفير ماكينات صرف آلي داخل أفرع الهيئة في أسوان استجابة لطلب النواب. 


وأشارت إلى أنه تم الاستجابة أيضاً لطلبات النواب بشأن التعاقد مع أبناء المحافظة وأبناء نفس المنطقة، على الوظائف التي تحتاجها الهيئة في بعض الفروع التابعة لها، خاصة المنطق البعيدة والمترامية الأطراف التي تفصل بينها مسافات بعيدة مثل جنوب سيناء وأسوان، مؤكدة أن الأولوية دائما في المفاضلة والاختيار بين المتقدمين، تكون لأبناء نفس المحافظة.


من جانبهم، وجه النواب المشاركون في الاجتماع الشكر لقيادات الهيئة ومديري أفرع الهيئة بالمحافظات، على الجهد المبذول في المتابعة الدورية لتحديات المنظومة وإنهاء الاستفسارات المقدمة من المواطنين، وكذا حرصهم على استمرار اللقاء الدوري لبحث تطورات التطبيق على أرض الواقع، والتعامل الفوري مع التحديات التي تواجه المواطنين. 


كما أثنى النواب على الخطوة التي اتخذتها الهيئة مؤخراً بشأن استمرار عمل المنافذ التابعة لها في المحافظات خلال فترة الأعياد والعطلات الرسمية على مدار الأسبوع لمساعدة المستفيدين في إنهاء كافة التعاملات والإجراءات الإدارية الخاصة بهم.


فيما عرض النواب عددا من التحديات التي تواجه بعض المستفيدين في المحافظات التي بدأت التطبيق الفعلي، من بينها شكوى بعض المواطنين من عدم إدراج أمراض معينة متعلقة بالأورام وأمراض الدم والتصلب المتعدد، داخل البرتوكولات العلاجية المعتدة داخل للمنظومة، فيما أكدت الهيئة أن طلبات الإجراءات الطبية والأدوية خارج حزمة الخدمات والأدوية المعتمدة، تعرض بشكل منفصل على المجلس الاستشاري الطبي الذي يضم قامات طبية متخصصة، وينظر في كل طلب على حده ويتخذ القرار الأنسب لمصلحة المريض.


كما اقترح النواب المشاركون في اللقاء على قيادات الهيئة القيام بجولات تفقدية مفاجئة على بعض المنافذ واختيار عدة ملفات لمرضى بشكل عشوائي لرصد التسلسل الزمني وقت دخول المريض وحتى صرف الدواء، وهل تستغرق تلك الدورة وقتا طويلا وتسبب إرهاقاً لبعض المرضى ام تتم بسهولة ويسر، وأبدت الهيئة استعدادها للقيام بذلك في عدة فروع تابعة لها خلال الفترة المقبلة، وإحاطة السادة النواب بالنتيجة خلال الاجتماع المقبل.


وفي نهاية الاجتماع، أثنى النواب على الجهود المبذولة من قِبل الهيئة لتطوير ودعم المنظومة، وحرصها على التواصل مع ممثلي الشعب والاستماع لمطالبهم واستفساراتهم خاصةً فيما يتعلق بتحسين جودة الخدمات، وتقديم الدعم لفئات غير القادرين، وتلبية احتياجات المواطنين لضمان تحقيق التغطية الصحية الشاملة.


وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، الممثلون عن محافظات المرحلة الأولى، ممن حضروا الاجتماع، هم عفاف زهران عضو النواب، وسيد عبده وأحمد خشانة عضوي الشيوخ عن السويس.. وبهجت الصن عضو النواب عن الأقصر.. وعن محافظة أسوان خالد العوني عضو مجلس الشيوخ، ونيفين حمدي عضو وحسن خليل وأحمد صالح وعلي البدري الملاوي أعضاء مجلس النواب.. وعن بورسعيد محمود حسين رئيس لجنة الشباب والرياضة بالنواب، وأحمد فرغلي وحسن عمار عضوي المجلس.. كما حضر محمد طلبة وأحمد دندش عضوي النواب عن الإسماعيلية، ورمضان إمام عضو مجلس الشيوخ عن المحافظة.. ومن جنوب سيناء سيد عوض عضو النواب.

طباعة شارك الهيئة العامة للتأمين الصحي نواب مجلسي النواب والشيوخ التسهيلات الائتمانية صيدليات القطاع الخاص

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: مصادر التشريع في الإسلام أربعة.. والقرآن والسنة الأصل
  • عيد العمال في تونس.. نقابة كبرى تتهم الحكومة بتجاهل مطالب العمال في إصلاح التشريعات
  • 14 مليار دولار.. «الكويت الوطني» يتوقع انخفاض استحقاقات الدين الخارجي لمصر
  • التأمين الصحي تواصل اجتماعاتها مع أعضاء النواب والشيوخ بمحافظات تطبيق المنظومة
  • «رئيس الرؤى السلوكية»: الإمارات رائدة عالمياً في التفكير السلوكي
  • وزير الشؤون النيابية: مجلس الشيوخ شريك أساسي في صياغة التشريعات ودراسة آثارها
  • الإمارات تؤكد التزامها بدعم تطوير التشريعات الخليجية لتعزيز التنافسية الاقتصادية
  • وزير الشؤون النيابية: التنسيق بين الحكومة والبرلمان أساس نجاح التشريع والرقابة
  • يمامة : الوفد أول من وضع التشريعات المنصفة للعمال قبل عام 1952
  • أماني الطويل و التفكير ذو البعد الواحد