لجريدة عمان:
2025-02-12@00:38:40 GMT

استحقاقات المنظومة التشريعية ومتغيرات الواقع

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

تشكل المنظومة التشريعية إحدى أهم ركائز العمل الوطنية الممكنة لـ«رؤية عُمان 2040»، ولذا حددت أولوية (التشريع والقضاء والرقابة) ضمن أولويات الرؤية هدفًا استراتيجيًا مهمًا ومحوريًا بوجود «تشريعات مرنة، وسلطة تشريعية مستقلة ذات صلاحيات كاملة»، وهو ما يطرح في تقديرنا أربعة أسئلة رئيسية: أولها كيف يمكن أن تتواكب المنظومة التشريعية مع أنماط وتغيرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والسياسي المعاش، بحيث تكيف إجراءاتها وأنظمتها وعملياتها لصياغة تشريعات مرنة ومواكبة وأكثر قدرة على الديمومة بمرور الوقت وتعاقب الظروف؟ والسؤال الثاني: هل من استحقاقات جديدة على مستوى المهام والصلاحيات يجب أن تكتسبها المنظومة لتكون قادرة على اكتساب هذه المرونة؟ أما السؤال الثالث: فهو يتصل بالمؤسسية: فكيف تتكامل الأدوار المؤسسية في المنظومة التشريعية لغرض تحقيق تلك المرونة التي نشير إليها؟ وآخر تلك الأسئلة: ما هي الخصوصيات التي تفرضها الحالة المحلية التي تشكل تحديات أو فرصا أمام منظومة التشريع لاكتساب تلك المرونة؟ تلك أسئلة تدور في مدارات الرؤية، وفي تقديرنا يجب أن تشكل هواجس وطنية في لحظة الرؤية الراهنة، وقد يكون السؤال لماذا؟ بإيجاز فإن نمط التغيرات العالمية يفرض اليوم تعاملًا مختلفًا مع آليات اقتراح القوانين، وآليات صياغتها، وآليات المشاركة المجتمعية والمؤسسية في إعدادها، وكذا آليات تطبيقها، ومن ثم التفكير في آليات منهجية على المستوى الوطني لقياس أثرها واستحقاقاتها.

فعلى سبيل الواقع البيئي تفرض قضايا الاستدامة ومواجهة حالات تغير المناخ والأشكال الجديدة الطارئة من الظواهر البيئية والمناخية، والآثار المجتمعية والاقتصادية لتدهور النظام البيئي فرض قوانين مواكبة، وسريعة الاستجابة، تضمن للدول وللأفراد والمجتمعات التكيف مع هذه الحالات، وتحقيق الاستباقية في مواجهتها، وكذا الحال بالنسبة للسياسات الاجتماعية، بما تفرضه سياقاتها من تعامل مع مشكلات لحماية الطبقات المعوزة في المجتمعات، وتمكين الفئات الأكثر احتياجًا للتعاطي الآمن مع واقعها الاقتصادي، والتكيف مع حالة انتقال بعض المجتمعات من مجتمعات الرعاية الكاملة، إلى مجتمعات المشاركة والتخصيص وما قد ينشأ عن ذلك من مشكلات وظواهر قد تكون متوقعة ومقدرة وقد تكون خلاف ذلك.

كذا الحال يساق اليوم إلى أوجه الاقتصاد والمال؛ فمن القضايا الناشئة على سبيل التغير قضايا التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية، ومنها كذلك ظهور مشكلات البطالة الهيكلية والتغير في الأسواق، ومنها ما تفرضه العولمة الاقتصادية والتجارية على النظم التشريعية الداخلية للدول من تغيرات واستحقاقات يفترض من خلالها اكتساب المرونة والتفكير في آليات التحول، ويمكننا أن نضرب عشرات الأمثلة في قضايا المجتمع والتقنية والثقافة والتربية والإعلام وسواها مما يتوجب اليوم التفكير في آليات تشريعية تحقق المغزى الأسمى من التشريع وهو تنظيم العلاقات وحماية الحقوق والواجبات بين الأفراد بعضهم ببضعهم وبينهم وبين النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي ينشأون فيها ويعيشون معها. وهو ما يقودنا هنا بشكل مباشر إلى القول: إنه في الحال المحلية هناك أربعة استحقاقات يمكن التفكير فيها بالنسبة لمنظومتنا التشريعية، وهذه الاستحقاقات تشكل حسب رؤيتنا بعض الممكنات التي تساعد المنظومة في تحقيق مرونتها وهي:

1- التفكير في إيجاد آليات مؤسسية ومركزية لبيئة التشريعات التجريبية.

2- التركيز على منظومة قياس وتقييم الأثر اللاحق للتشريع وإيجاد منهجيات وطنية ومؤسسية لتحقيق ذلك.

3- التفكير في منهجيات (سيناريوهات التشريع).

4- إضافة أبعاد تتعلق بدور التشريع في تحقيق السمة الوطنية عند إعداد التشريعات والقوانين.

ففيما يتعلق بالتشريعات التجريبية فقد أوجدت الكثير من الدول منهجيات ومراكز متخصصة تعنى بمساعدة الحكومات على تجريب بعض التشريعات المقترحة في بيئة محكمة ومراقبتها قبل إنفادها وتعميمها على الفئات والمجالات المستهدفة، وقد ساعد ذلك في التنبؤ مسبقًا بآثار التطبيق، ومعرفة الفجوات والعوارض الناشئة عنه، وبالتالي التحقق من جدوى وإمكانية تطبيق التشريع، ومن أهم الدول التي نجحت في هذه المجالات سنغافورة وخاصة فيما يتعلق بالسياسات المرتبطة بالبحث والابتكار، وهولندا وخاصة فيما يتعلق بالسياسات البيئية وقضايا الصحة العامة. وقد فصلنا في هذه المسألة في مقالة سابقة عبر نفس المساحة. أما فيما يتعلق بالتركيز على قياس وتقييم أثر التشريعات فنعتقد - إضافة لكونه دور تشاركي - أنه من الجيد أن يقوم مجلس عُمان باستحداث إطار عام ضمن اختصاصاته وآليات عمله يعني بوضع منهجيات مناسبة زمنية وتحليلية لقياس أثر التشريع بعد التطبيق، وأن يكون هذا المشروع مشتركًا مع السلطة التنفيذية والمؤسسات والأفراد من الخبرات في هذه الجوانب، مما سيسهل ويساعد كلا الطرفين مؤسسة التشريع ومؤسسة التنفيذ في فهم محكات تطبيق القوانين وما قد ينشأ عنها من آثار، وبالتالي معرفة ممكنات استدامة القوانين. وفيما يتصل بسيناريوهات التشريع، يمكن الاستفادة من منهجيات استشراف المستقبل لوضع عدة سيناريوهات للتشريع المقترح، سواء من خلال المواد أو الموجهات، وتتبع ما قد ينشأ عنه من افتراضات، وصولًا للسيناريو الأمثل، بناء على الموجهات التي تفيد بها علوم استشراف المستقبل، وخاصة للقضايا المرتبطة بالتقنية، والعلوم التطبيقية، والنواحي البيئية.

ومن النقاط المهمة التفكير في دور القوانين في تعزيز السمة الوطنية، حيث تسعى كل الدول اليوم في جزء من عملية صياغتها لقوانينها وتشريعاتها إلى إضفاء سمة وطنية معينة لها، كأن تكون في الشق الاقتصادي بأنها قوانين معبرة عن بيئة استثمارية جاذبة وحرة ومكتملة الفاعلين، أو تكون في الشق الاجتماعي قوانين تضمن التماسك الاجتماعي وتقوي التضامن وتحمي منظومات الهوية والقيم، وهكذا بالنظر إلى توازي المسؤولية الوطنية للقانون عبر تنظيم المجال الذي يستهدفه، يضفي القانون أيضًا عبر مواده المستحدثة وموجهاته طابعًا وطنيًا يعزز تنافسية البلاد، ويتماشى مع الاتجاهات العالمية، ويضيف عناصر نسبية تميز البلاد في الحقول التي تتقاطع فيها مع محيطها سواء الإقليمي أو الدولي. ونستطيع القول إن هذه أفكار موجزة نعتقد أن من شأنها إكساب شيء من الديمومة والمرونة لمنتج المنظومة التشريعية وكذلك توحيد النهج فيما يتصل بقياس ومراجعة أثر التشريعات القائمة وملاءمتها للواقع والمستقبل.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المنظومة التشریعیة التفکیر فی فیما یتعلق

إقرأ أيضاً:

انتخابات كوسوفو: حزب رئيس الوزراء الحالي يتصدر الانتخابات التشريعية دون أغلبية حاسمة

أسدل الستار مساء الأحد على عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية في كوسوفو، حيث توجه المواطنون إلى صناديق الاقتراع في ظل ظروف يشوبها التوتر، وتحديات متعددة يتصدرها تعثر الاقتصاد المحلي واستمرار التوترات العرقية بين الأغلبية الألبانية والأقلية الصربية.

اعلان

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية في كوسوفو تقدم حزب حركة تقرير المصير اليساري، بزعامة رئيس الوزراء ألبين كورتي. ومع فرز 73% من الأصوات، حصل الحزب على 41.99% من الأصوات، مما يضعه في موقع الصدارة دون ضمان تشكيل الحكومة بمفرده.

وفي أول تعليق له على النتائج، اعتبر كورتي أن الفوز "تأكيد على حسن إدارتنا ونهجنا التقدمي والديمقراطي"، مشددا على عزمه تشكيل حكومة جديدة تحت اسم "كورتي 3" لمواصلة السياسات التي بدأها وتعزيزها.

المشهد السياسي وتحديات التحالف

جاء في المرتبة الثانية حزب كوسوفو الديمقراطي بنسبة 21.4%، تلاه الرابطة الديمقراطية لكوسوفو بـ 19.3%، ثم التحالف من أجل كوسوفو بنسبة 7.2%، فيما حلت قائمة من أجل الأسرة في المركز الخامس بـ 1.8% من الأصوات. ومع استمرار فرز الأصوات، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية أن نسبة الإقبال بلغت أقل من 28% حتى الثالثة عصرا بالتوقيت المحلي، ما يعكس ضعف المشاركة الشعبية.

وفي حال عدم تمكن كورتي من تأمين الأغلبية أو تشكيل ائتلاف حاكم، قد يفتح ذلك الباب أمام أحزاب المعارضة لتوحيد صفوفها وتشكيل حكومة بديلة، رغم استبعاده مسبقا أي تعاون مع خصومه السياسيين.

أما على مستوى أحزاب اليمين الوسط، فيبرز الحزب الديمقراطي الكرواتي، الذي لا يزال بعض قياداته محتجزين في محكمة لاهاي بتهم جرائم حرب، إلى جانب الرابطة الديمقراطية الليبرالية، أقدم الأحزاب في البلاد، والتي تراجع نفوذها بشكل كبير بعد وفاة زعيمها التاريخي إبراهيم روغوفا عام 2006.

بريشتينا، كوسوفو، كوسوفو، 6 فبراير 2025يورونيوزخلافات مع الغرب وتصاعد التوترات

على الصعيد الدولي، يواجه كورتي انتقادات غربية متزايدة بسبب سياساته تجاه صربيا والأقلية الصربية في كوسوفو. وقد أثارت حكومته توترات بعد فرض حظر على استخدام الدينار الصربي ومنع التحويلات المالية القادمة من بلغراد، وهي إجراءات أثرت بشكل مباشر على الأقلية الصربية التي تعتمد على المساعدات الاجتماعية المقدمة من الحكومة الصربية.

ودفعت هذه الخطوات الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وقوة حفظ السلام التابعة لحلف الناتو (كفور) إلى دعوة بريشتينا لتجنب التصعيد واتخاذ قرارات أحادية الجانب، خشية أن تؤدي هذه السياسات إلى إحياء الصراع العرقي في المنطقة.

ومع استمرار التحديات الداخلية والخارجية، يبقى مستقبل حكومة كورتي مرهونا بقدرته على بناء تحالفات سياسية، وتجنب الصدام مع المجتمع الدولي، وسط مشهد سياسي مضطرب يهدد استقرار كوسوفو.

Relatedدبلوماسية البلقان التي تنتهجها إدارة ترامب الجديدة في كوسوفو تثير التساؤل والحيرة كوسوفو تتهم صربيا بالضلوع في انفجار قطع إمدادات المياه والكهرباء.. وبلغراد ترد كوسوفو على شفير التوتر: محاكمة صرب متهمين بتهديد الأمن والاستقرار

وكشف تقرير حديث للبنك الدولي، أن كوسوفو تعد الدولة الأوروبية التي يشهد فيها معدل الفقر أبطأ وتيرة انخفاض. وتُعد فجوة الرخاء، التي تعكس الفارق بين مستويات الدخل، الأعلى في منطقة غرب البلقان.

ويشير التقرير إلى أن متوسط الأجور في كوسوفو بحاجة إلى أن يتضاعف ثلاث مرات على الأقل كي يقترب من مستوى الرخاء العالمي.

وقال إيرالدين فازليو، المحرر السياسي في قناة "Kohavision (KTV)"، وهي إحدى وسائل الإعلام البارزة في كوسوفو، في حديث لـ يورونيوز، إن "وفقا للحكومة، حققنا نموا اقتصاديا جيدا من حيث الميزانية، وقد يكون هذا صحيحا، لكن عندما ننظر إلى واقع حياة الناس، نجد أن التضخم والبطالة جعلا السنوات الأربع الماضية بالغة الصعوبة".

وأوضح أن "ما أخفق كورتي في تحقيقه حتى الآن هو إقناع سكان الشمال بتبني سياساته، وهو ما يمثل التحدي الأصعب. فكما نعلم، لا يخضع هؤلاء السكان فقط لنفوذ بلغراد، بل إن نظامهم الصحي والتعليمي تموله صربيا".

من جانبه، يرى أجيم شاهيني، رئيس جمعية رجال الأعمال في كوسوفو، وهو رجل أعمال ألباني ذو علاقات متينة بواشنطن، أن العائق الحقيقي بين سكان كوسوفو ليس العرق، بل الاقتصاد ومستويات المعيشة".

ويشير شاهيني إلى أن إدارة ترامب السابقة سلكت النهج الصحيح عندما قررت إرجاء القضايا العرقية والسياسية والتركيز على إنعاش اقتصاد البلاد.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية كوسوفو تتهم صربيا بالضلوع في انفجار قطع إمدادات المياه والكهرباء.. وبلغراد ترد كوسوفو على شفير التوتر: محاكمة صرب متهمين بتهديد الأمن والاستقرار كوسوفو تجري تعدادًا سكانيًا يشمل الأقلية الصربية كوسوفوسياسة كوسوفوصربيا- سياسةاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext "لقد فعلناها!".. دول البلطيق تنضم إلى نظام الكهرباء الأوروبي بعد الانفصال عن الشبكة الروسية يعرض الآنNext ترامب يكشف عن محادثات مع بوتين وخطط للقاء زيلينسكي.. فهل تقترب الحرب من نهايتها؟ يعرض الآنNext بعد 10 سنوات على دحر داعش.. كوباني تستعد لمواجهة التهديدات التركية المتزايدة يعرض الآنNext عشية انطلاق قمة الذكاء الاصطناعي في باريس.. فيديو لماكرون كما لم تروه من قبل فما هي الرسالة؟ يعرض الآنNext فيديو: بجوار جده.. الآغا خان الرابع يوارى الثرى في مصر ضمن مراسم دفن خاصة اعلانالاكثر قراءة زلزال قوي بقوة 7.6 درجة يضرب البحر الكاريبي وتحذيرات من" تسونامي" في عدة دول فيديو: جنازة مهيبة للآغا خان الرابع في لشبونة بحضور قادة عالميين أردوغان يرى أنه لا داعي لبحث خطة ترامب عن غزة أو أخذها على محمل الجد جوائز غرامي 2025: إطلالة بيانكا سينسوري تثير الاستهجان وانتقادات لقبعة جادن سميث "لم تكن لتفعل ذلك دون موافقتي"… كانييه ويست يشعل الغضب بكراهية النساء وتمجيد هتلر ومعاداة السامية اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنيامين نتنياهوغزةروسياإسرائيلقطاع غزةوقاية من الأمراضفولوديمير زيلينسكيسورياتوقيففلاديمير بوتينالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • سهيل المزروعي: تطوير التشريعات ومواكبة التقنيات
  • مجلس النواب يختتم الدورة الخريفية.. الطالبي العلمي: الحصيلة التشريعية غنية
  • المستشار محمود فوزي: الأجندة التشريعية للحكومة تدعم الابتكار والاقتصاد الرقمي
  • محمود فوزي: دعم البحث العلمي والابتكار ضمن الأولويات التشريعية
  • قضايا المرأة تناقش التمييز ضد النساء في التشريعات المصرية
  • انتخابات كوسوفو: حزب رئيس الوزراء الحالي يتصدر الانتخابات التشريعية دون أغلبية حاسمة
  • مراكز التفكير(Think Tanks)
  • محمود فوزي: التعاون المصري البحريني ركيزة للاستقرار الإقليمي وتعزيز التشريعات
  • بلومبرج: رعب يعيشه جنود الاحتلال عند التفكير في السفر للخارج
  • رئيس «النواب»: مراقبة سلامة التشريعات يقع على عاتق المحكمة الدستورية العليا