عبيدلي العبيدلي

 

التداعيات الاقتصادية الدولية التي ولدتها حرب غزة والتوترات الأوسع في الشرق الأوسط

ساهمت الحروب التي ولدها الصراع العربي-الصهيوني منذ نكبة 1948 في تأكيد الأهمية الجيوسياسية الدائمة للشرق الأوسط. وقد أكدت المعارك الأخيرة التي شنتها القوات الإسرائيلية على غزة، والتوترات الإقليمية المتزامنة معها، على انعكاسات مسار ذلك الصراع على خارطة العلاقات الجيوسياسية العالمية.

وعجلت هذه التطورات بتصاعد تداعيات اقتصادية دولية ضخمة كميًا، وواسعة جغرافيًا، لا سيما في التأثير على صناعة الأسلحة العالمية، وأسواق الطاقة، والأنظمة المالية.

ففي العام 2023، سجلت أكبر 100 شركة دفاعية في العالم زيادة بنسبة 4.2% في الإيرادات المتراكمة، كي تبلغ 632 مليار دولار، ولدها الطلب المتزايد بسبب الصراعات في أوكرانيا وغزة. ونعمت شركات الصناعات الحربية الأسلحة في الشرق الأوسط بزيادة بنسبة نسبتها 18% في الإيرادات، لتصل إلى 19.6 مليار دولار، ساهمت الشركات الإسرائيلية بـ 13.6 مليار دولار منها. 

وهذا الرقم هو أعلى رقم مسجل لهم. وفي الوقت نفسه، واجهت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تحديات في التنويع الاقتصادي وسط تقلبات أسعار النفط، والقلق الذي ساور هذه السوق. فعلى سبيل المثال، نما الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 4% في الربع الأول من عام 2024، بينما توسع القطاع غير النفطي في البحرين بنسبة 3.3%، وهو ما يشكل 85.9% من إجمالي الناتج المحلي لها.

ولطالما كان الشرق الأوسط بمثابة حجر الزاوية في الجغرافيا السياسية العالمية، بموارده الطبيعية الهائلة، وطرق التجارة الاستراتيجية التي تعبر أراضيه، والديناميكيات السياسية المعقدة التي تشكل الشؤون الدولية. إن الاشتداد الأخير للصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، الذي بدأ على خلفية التوترات المتزايدة في المنطقة، يؤكد الآثار البعيدة المدى لعدم الاستقرار في هذه المنطقة الحرجة. وبعيدا عن العواقب الإنسانية والسياسية المباشرة، تمتد الآثار الاقتصادية المتتالية لهذه الصراعات على نطاق واسع، وتؤثر على الأسواق العالمية والصناعات وكذلك مصائر الأمم.

فمن صناعة الأسلحة المزدهرة إلى أسواق الطاقة المتقلبة، يكشف عدم الاستقرار المستمر في منطقة الشرق الأوسط عن الطبيعة المزدوجة للتأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الصراعات المندلعة على أراضيه. ففي حين نرى أن قطاعات معينة، مثل الصناعات الحربية، تشهد ازدهارًا ملحوظًا غير مسبوق، في ظل الطلب المتزايد على منتجاتها، نكتشف أن صناعات أخرى، بما فيها تلك التي تسيطر على الأسواق المالية العالمية واقتصادات الشرق الأوسط، تتحمل العبء الأكبر من اندلاع تلك الاضطرابات المتكررة، التي تزرع عدم اليقين في نفوس الشركات الاستثمارية.

أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فنجدها تجاهد كي تقلص تلك الانعكاسات السلبية من خلال تنويع مصادر إنعاش اقتصاداتها. ولا يمكن المبالغة في أهمية التنويع الاقتصادي وإمكاناته، في وقت تواجه سلاسل التوريد العالمية، وتدفقات الاستثمار، وطرق التجارة اضطرابات تؤثر على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

صناعة الأسلحة: المرونة والإيرادات القياسية

أثبتت ديناميكيات النمو التي تتمتع بها صناعة الأسلحة، وهي لاعب رئيسي، عند الحديث عن نسبة التحكم في الاستقرار العالمي، باستمرار قدرتها على التكيف والازدهار في الاضطرابات الجيوسياسية. فقد أحدثت زيادة الإنفاق العسكري على مستوى العالم آثارا مضاعفة خارج الشرق الأوسط. حيث شهدت الولايات المتحدة، أكبر مصدر للأسلحة في العالم، ارتفاعا بنسبة 2.5% في إيرادات شركات الدفاع، ليصل مجموعها إلى 317 مليار دولار في العام 2023. وفي الوقت نفسه، شهد مقاولو الدفاع الأوروبيون، لا سيما في فرنسا وألمانيا، زيادة في طلبيات أنظمة الصواريخ والمركبات المدرعة، مما يعكس المخاوف الأمنية المتزايدة في جميع أنحاء دول الناتو.

الآثار الإقليمية على البلدان المستوردة للأسلحة

تعد دول الشرق الأوسط من بين أهم مستوردي الأسلحة، حيث تستحوذ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر أكثر من 15% من واردات الدفاع العالمية. وقد أفاد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن المملكة العربية السعودية أنفقت 68 مليار دولار على الدفاع في العام 2023، وهو ما يمثل 8.1% من ناتجها المحلي الإجمالي. هذا الاعتماد الشديد على المعدات العسكرية المستوردة له آثار مالية كبيرة، وغالبا ما يؤدي إلى مزاحمة الاستثمار في القطاعات الاجتماعية الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

 المقايضات الأخلاقية والاقتصادية

في حين أن الفوائد الاقتصادية للدول المصدرة لا يمكن إنكارها، إلا أن الآثار الأخلاقية لتجارة الأسلحة والمقايضات الاقتصادية لا تزال مثيرة للجدل. ويمكن أن يؤدي انتشار الأسلحة المتقدمة إلى تصعيد الصراعات الإقليمية وإدامة دورات العنف. علاوة على ذلك، غالبا ما تؤدي مستويات الإنفاق الدفاعي المرتفعة في الدول المستوردة إلى نقص التمويل في المجالات الحاسمة للتنمية طويلة الأجل.

تقلبات سوق النفط

أدى عدم الاستقرار الجيوسياسي إلى تقلبات في أسعار النفط. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار النفط بسبب البيانات الاقتصادية الإيجابية من الصين، وتجدد الهجمات الإسرائيلية على لبنان على الرغم من وقف إطلاق النار. فقد ارتفع سعر خام برنت إلى 72.18 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 68.32 دولار.

ومع ذلك، فإن تراجع مخاوف أخطار العرض، وتوقعات فائض العرض في العام 2025 تسبب أيضا في انخفاض أسعار النفط، وخاصة بالنسبة لنفوط الشرق الأوسط.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العُلا تستضيف أول قمة لـ”صنّاع المحتوى” في الشرق الأوسط

البلاد ــ العلا
تستضيف العُلا أول “قمة لصنّاع المحتوى على إنستغرام” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتنظيم من شركة ميتا- في مجال التكنولوجيا- وذلك بالشراكة مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، بالتعاون مع الهيئة السعودية للسياحة، وطيران الرياض، وذلك خلال الفترة من 20 إلى 22 أبريل.
وتُعدُّ هذه القمة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تجمع نخبة من أبرز صنّاع المحتوى من مختلف أنحاء العالم، وتتضمن جلسات حوارية تفاعلية، وكلمات رئيسة، ونقاشات حول مستقبل صناعة المحتوى، مع استكشاف مواضيع؛ مثل: وسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، والمشهد الرقمي المتغير.
وتمثل هذه المجموعة المختارة من المبدعين نطاقًا عالميًا، يضم أكثر من 231 مليون متابع؛ ما يُبرز الأهمية المتزايدة لصناعة المؤثرين في وجهات السفر اليوم.
وينتظر صنّاع المحتوى خلال القمّة برنامجًا غنيًّا من الجلسات المصمّمة بعناية؛ لتمكينهم من تطوير مهاراتهم، وتوسيع نطاق جمهورهم، وتعزيز تأثيرهم في المشهد الرقمي.وتتركز إحدى المحاور الرئيسة على (Meta AI)؛ حيث سيُتاح للمشاركين استكشاف أحدث ما توصلت إليه هذه التقنية المتقدمة، ودورها في إعادة رسم مستقبل صناعة المحتوى، من خلال ابتكارات تُحدث نقلة نوعية في التفاعل والانتشار، وسُبل تحقيق الدخل.
كما تتضمن القمة جلسات تسلط الضوء على كيفية الاستفادة المثلى من أدوات المنصات، وآخر التحديثات التقنية فيها، واستكشاف الفرص الجديدة في اقتصاد صنّاع المحتوى.
وتتيح الحوارات التفاعلية للمشاركين، الفرصة للتواصل بشكل مباشر مع مديري المنتجات في شركة ميتا من خلال النقاشات، في حين تُشجّع الجلسات المفتوحة على تبادل الخبرات وبناء علاقات تعاون قوية بين صنّاع المحتوى.
وتُعدُّ هذه القمة فرصة استثنائية لاكتساب المعارف، والتواصل مع خبراء القطاع، والبقاء في طليعة المشهد الرقمي المتغيّر باستمرار.

مقالات مشابهة

  • كيف يؤثر قطع المساعدات الأمريكية والرسوم الجمركية على دول الشرق الأوسط؟
  • «دبي الجنوب» تُدشّن المقر الإقليمي لـ «JAS» الشرق الأوسط
  • هالة بدري تزور معرض «نظرات متغيرة»
  • كيف خانت جامعة كولومبيا قسم الشرق الأوسط فيها؟
  • غانتس: حان الوقت لتغيير الشرق الأوسط
  • العُلا تستضيف أول قمة لـ”صنّاع المحتوى” في الشرق الأوسط
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي
  • 3.5% نمو صادرات كوريا إلى الشرق الأوسط
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي 
  • شركة Seesaw تستحوذ على “المفكرون الصغار” الأردنية الناشئة للتوسُّع في حلول التعليم الإلكتروني باللغة العربية داخل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا