ماريس هاريمان، المصور العالمي والمخرج السينمائي البارز وسفير منظمة "أنقذوا الأطفال"، وأحد أبرز المدافعين عن القضايا الإنسانية عبر الفنون البصرية. حاز اهتمامًا عالميًا بفضل رؤيته الإبداعية وأعماله المؤثرة، وصولًا إلى ترشيحه لجائزة الأوسكار عن فيلمه القصير "ذا أفتر"... يجسد نموذجًا للفنان الذي يرى في الكاميرا أكثر من مجرد أداة تصوير.

بالنسبة له، الكاميرا هي سلاح ودرع في آنٍ واحد، وسيلة للتعبير عن الذات ومواجهة التحديات الإنسانية. عبر عدسة كاميرته، يعكس "هاريمان" قضايا العالم الأكثر إلحاحًا، بدءًا من معاناة الأطفال في الصومال بسبب الجوع، إلى فضح الصور النمطية ورهاب الإسلام خلال الاحتجاجات في لندن، وصولاً إلى توثيق التحديات المرتبطة بالإبادة الفلسطينية.

ما يميز رؤيته هو إيمانه الراسخ بقوة الصورة كأداة لتغيير السرديات وفتح حوار عالمي حول القضايا الإنسانية. من خلال أعماله، يعيد تعريف التصوير الواقعي كوسيلة لطرح الأسئلة الأخلاقية والإنسانية، وتوثيق الحقائق التي غالبًا ما تُغيّب عن السرديات الإعلامية التقليدية. في يده، تتحول الكاميرا من مجرد تقنية إلى رسالة أخلاقية تدعو لإعادة النظر في الواقع والعمل على تغييره، وفي لقاء مؤثر خلال مهرجان أجيال السينمائي الأخير في الدوحة، فتح ماريس هاريمان نافذة على قضايا العالم المختلفة، مسلطًا الضوء على كيف يمكن للفنون البصرية أن تصبح أداة لتحقيق العدالة الإنسانية، ومحفزًا لإيقاظ الضمير العالمي نحو الحقيقة.

عدسة إنسانية

بداية تحدث ماريس هاريمان بإحساس عميق عن المواقف التي تركت أثرًا بالغًا في حياته المهنية والشخصية كمصور.. أشار إلى أن أعماله كانت دائمًا بمثابة تعليق بصري على الروح الإنسانية، حيث تجسد صورُه صراعات الناس وآمالهم وألمهم. ومن بين التجارب التي شكلت وعيه، تحدث عن رحلته إلى الصومال، التي لم تكن مجرد مهمة توثيق بصري بل اختبارًا عاطفيًا وإنسانيًا عميقًا.. موضحا أنها تجربة كانت لها أبعاد شخصية قوية، خاصة كونه أبًا لطفلتين. هذه العلاقة الأبوية جعلته أكثر تأثرًا بمعاناة الأطفال الذين وجدهم في حالة من الضعف واليأس بسبب الجوع المدقع.. وصف مشهدًا مؤلمًا في غرفة مكتظة بأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، حيث كان البعض منهم ضعيفًا للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون حتى البكاء. قال إنه كان يرى سؤالًا صامتًا في عيون هؤلاء الأطفال: "لماذا؟ لماذا ولدتُ في هذا الجحيم؟" ..كما تحدث عن معاناة الأمهات اللواتي وقفن عاجزات أمام صرخات أطفالهن، ليس فقط بسبب ندرة الغذاء، بل بسبب الإحساس القاتل بعدم القدرة على تلبية احتياجات أبنائهن الأساسية. .. يقول "هاريمان": بعض اللحظات كانت شديدة الألم لدرجة أنني لم أستطع رفع كاميرتي لالتقاط الصور .. المشاهد تفوق طاقتي العاطفية!.

لكن ورغم هذه الصعوبة، أصر "هاريمان" على استخدام التصوير كوسيلة لنقل الحقيقة وإيقاظ الضمير العالمي.. هو يرى أن توثيق هذه اللحظات هو واجبه الأخلاقي، حتى لو كان عاطفيًا مؤلمًا، لأنه يسلط الضوء على المآسي التي تسببها أفعال البشر، مثل الحروب والأزمات الاقتصادية العالمية. وأشار إلى الحرب في أوكرانيا كمثال على الأحداث التي أثرت بشكل مباشر على أزمة الجوع في إفريقيا، موضحًا أن ارتفاع أسعار القمح وانقطاع سلاسل التوريد نتيجة الحرب زادا من تفاقم الكارثة.

واعترف هاريمان بأنه لم يدرك مدى الترابط بين هذه الأزمات العالمية حتى زيارته للصومال، حيث رأى بأم عينه كيف يمكن للأحداث التي تبدو بعيدة أن تؤثر بشكل كارثي على المجتمعات الضعيفة. هذه التجربة جعلته أكثر تصميمًا على استخدام صوره كوسيلة لفتح أعين العالم على هذه المآسي... مؤكدا على أن رسالته عبر التصوير ليست مجرد توثيق للمآسي، بل هي دعوة لتوجيه ضمير العالم نحو الحقيقة... فالتصوير بالنسبة له ليس مجرد فن، بل مسؤولية أخلاقية تهدف إلى تعزيز الوعي العالمي وإحداث تغيير إيجابي... حيث تحمل الصور قوة التأثير على الإنسانية، وهي وسيلة لتحريك الناس نحو التفكير في أفعالهم والعمل على خلق مستقبل أفضل.

صورة التحول

وحول واحدة من الصور التي تركت أثرًا عميقًا في مسيرته المهنية والشخصية، تحدث "ماريس هاريمان" عن صورة التقطها خلال احتجاجات في لندن دعماً لفلسطين.. وصف هذه الصورة بأنها لرجل أبيض يقف في الشارع، يحمل لافتة يعترف فيها بأن الأفكار والصور النمطية التي زرعها الإعلام والمجتمعات الغربية في أذهان الناس حول الإسلام والمسلمين كانت خاطئة.. لم تكن هذه الصورة بالنسبة لهاريمان مجرد لقطة فوتوغرافية عابرة، بل لحظة تعكس تحولاً فكريًا وإنسانيًا عميقًا.

وفي حديثه عنها قال "هاريمان": الآن بدأت أدرك رهاب الإسلام الذي كنت أشعر به. كان هذا الاعتراف بمثابة مراجعة ذاتية لما تأثر به هو نفسه من صور نمطية سلبية عن المسلمين. أشار إلى أن هذه الصورة أثرت فيه بشكل خاص لأنها تمثل إعادة تقييم من قبل الرجل الأبيض الذي يظهر فيها، وهو نموذج لشريحة كبيرة من الأشخاص الذين تأثروا بسرديات خاطئة عن الإسلام والمسلمين. هؤلاء الأشخاص، كما وصفهم هاريمان، غالبًا ما يكونون جزءًا من المنظومة التي تصنع القرارات العالمية التي تؤدي إلى قصف المجتمعات الإسلامية وتشويهها، لكنهم في هذه اللحظة يخرجون للشارع ليعيدوا النظر في معتقداتهم.

"موضحا" أن هذا الرجل الذي ظهر في الصورة كان يعيد التعلم ويفكك الصور النمطية التي زرعت في ذهنه. حمل هذا الرجل لافتة تعبر عن إدراكه للأخطاء المجتمعية الكبيرة في تشويه صورة المسلمين والمسلمات، وهو ما رآه هاريمان كإشارة قوية على إمكانية التحول الإنساني والتعاطف... أشار إلى أن الصورة تعكس قدرة الإنسان على مواجهة تحيزاته والاعتراف بها، وهو ما يشكل أساسًا للتغيير الإيجابي.. رأى في هذا الرجل رمزًا لشريحة من الأشخاص الذين ساهموا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تكريس الصور النمطية السلبية عن الإسلام، والذين الآن يعيدون اكتشاف إنسانية أولئك الذين تم شيطنتهم. أشار إلى أن الصورة تعكس أعمق مشاعر التعاطف والتغيير الإنساني، وتبرز كيف يمكن للحقائق أن تتحدى التحيزات الراسخة وتفتح الباب للتفاهم.. بالنسبة له، كانت الصورة تجسيدًا لقوة الفوتوغرافيا في التأثير على طريقة التفكير ورؤية العالم.

عدسة الواقع

وحول حديثه عن التصوير الفوتوغرافي الواقعي، أوضح ماريس هاريمان رؤيته العميقة حول دور الكاميرا في حياته، متجاوزًا حدود التقنية إلى فضاء التعبير الذاتي والمسؤولية الإنسانية، وصف الكاميرا بأنها أكثر من مجرد أداة؛ فهي تمثل درعه الذي يحميه من قسوة العالم وسيفه الذي يواجه به بشاعة البشرية.. هي وسيلة تمنحه لتجاوز مشاعر التوتر والقلق التي تنتابه أحيانًا، قائلاً: "عندما أنظر عبر عدسة الكاميرا، أرى البشرية في أفضل حالاتها وأسوأها، والكاميرا تشهد على ذلك."

مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التصوير الرقمي أحدث ثورة هائلة في عالم التصوير، حيث مكّن الصور من الانتشار بشكل غير مسبوق والوصول إلى مليارات الأشخاص حول العالم.. و أن التقنية الرقمية فتحت له أبوابًا لم يكن ليحلم بها مع التصوير التقليدي، مشيرًا إلى أن الإنترنت قد ألغى الحواجز الجغرافية والثقافية، مما سمح لصوره بطرح أسئلة صعبة حول التجربة الإنسانية والقضايا العالمية.

وتأكيدا على أهمية الاستقلالية في التصوير، قال "هاريمان" أنه لا يعمل مع وكالات إعلامية أو جهات تقليدية، ما يمنحه الحرية الكاملة في نقل الحقيقة كما هي دون تدخل أو ضغوط مشيرا إلى أن هذه الاستقلالية هي ما يمنحه القوة للتصدي للمغالطات والمعلومات الكاذبة التي تملأ العالم اليوم، مؤكداً أن التصوير الواقعي يجب أن يكون شاهداً صادقاً على الواقع.

وعن مستقبل التصوير الواقعي، أعرب عن إيمانه بالإمكانات غير المحدودة التي يتيحها العالم الرقمي الحديث مؤكدا أن أي شخص يمتلك كاميرا يمكنه أن يسهم في تغيير العالم من خلال تسليط الضوء على القضايا التي تحتاج إلى اهتمام، فالتصوير الواقعي ليس مجرد فن، بل هو أداة قوية لفضح الحقيقة ونقلها للعالم كما يقول.

على الرغم من التحول الكبير نحو التكنولوجيا الحديثة، عبر "هاريمان" عن ارتباطه العميق بالكاميرا ذات الشكل القديم التي يستخدمها. بالنسبة له، هذه الكاميرا ليست مجرد أداة تصوير، بل رمز لعلاقته الشخصية بالفن والمسؤولية الإنسانية.. تعكس هذه العلاقة فلسفته العميقة تجاه التصوير باعتباره وسيلة للتعبير عن ذاته، ومواجهة التحديات، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية بطريقة صادقة ومؤثرة.

عدسة التغيير

وتحدث هاريمان عن الدور الذي وجد نفسه فيه، ليس عن اختيار مسبق، بل بفضل قوة صوره التي لفتت انتباه الملايين. عندما بدأ مسيرته في التصوير، كان لديه عدد قليل من المتابعين على منصة إنستقرام، لا يتجاوز مئتي شخص، معظمهم من أصدقائه المقربين... لكنه قرر توجيه عدسة كاميرته نحو المستضعفين والأشخاص الذين لا صوت لهم، ليصبح منبرًا يعبر عن معاناتهم وينقل قصصهم إلى العالم. مع مرور السنوات، أصبحت صوره أكثر انتشارًا وتأثيرًا، حيث أظهرت إحصائيات صفحته على إنستقرام أنه وصل إلى سبعة عشر مليون شخص خلال ثلاثين يومًا فقط. بالنسبة له، هذا الرقم ليس مجرد إنجاز شخصي، بل تأكيد على قدرة الصور على تحفيز النقاش وإثارة القضايا الإنسانية.

وفي تأملاته حول الحياة، أكد هاريمان على أهمية الخيارات التي يواجهها كل إنسان، موضحًا أن الوقت المتبقي لنا على هذه الأرض محدود، مما يجعل اتخاذ قرارات مصيرية أمرًا حتميًا.. أوضح أنه أمام خيارين: الانشغال بجمع المال وصعود السلم الاجتماعي، أو اختيار خدمة الآخرين وتحسين حياتهم. بالنسبة له، التصوير كان خياره الواضح لخدمة الإنسانية. عبر عدسة كاميرته، يسعى إلى توثيق اللحظات التي تعكس معاناة الناس وآمالهم، مع التركيز على تقديم قصصهم للعالم بطريقة تحفز التفكير وتعيد النظر في القضايا التي تؤثر على حياة الكثيرين.. مؤكدا أن هدفه النهائي كمصور هو ترك أثر إيجابي في العالم، ليس فقط لصالح الآخرين، بل أيضًا من أجل أطفاله. قال إنه يريد أن يساهم في خلق مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية، حيث يمكن لأطفاله العيش في عالم أفضل. بالنسبة له، الكاميرا هي وسيلة لتحقيق هذا الهدف النبيل.

وقال "هاريمان" علينا أن نستفيد من الوقت المتبقي لخدمة الإنسانية، مشددًا على أن كل فرد لديه القدرة على إحداث تغيير، سواء كان مصورًا، معلمًا، ممرضًا، أو حتى سياسيًا نزيهًا. بالنسبة له، الكاميرا ليست مجرد أداة للتصوير، بل وسيلة لإعادة تشكيل الواقع وتحقيق الأمل.

عدسة الحقيقة

وفي حديثه عن الإبادة الفلسطينية والاحتجاجات التي شهدتها المنطقة، أبرز ماريس هاريمان موقفه الحازم تجاه توثيق الحقيقة، مهما كانت المخاطر التي قد تواجهه. أوضح أن التزامه الأساسي كمصور يرتكز على الشجاعة في مواجهة القضايا الإنسانية، مع التأكيد على أن الخوف يقيد القدرة على نقل الواقع ويمنع مواجهة الظلم، ما يجعل التغلب عليه ضرورة أخلاقية لا مفر منها... فتوثيق الحقيقة، خاصة في قضايا يتم تجاهلها أو تشويهها من قبل وسائل الإعلام التقليدية، يتطلب شجاعة كبيرة وضميرًا حيًا. قال إن أفضل شعور يمكن أن يعيشه الإنسان هو الشعور بالضمير المرتاح، الذي يتحقق من خلال مواجهة التحديات بشجاعة والوقوف مع الحق، وأضاف: "القدر سيحمل لي ما يخفيه، لكنني لن أتوقف عن أداء مهمتي."

في حديثه عن الوضع الإنساني في غزة، سلط الضوء على الظروف المأساوية التي يعيشها السكان هناك، مشيرًا إلى وجود أكبر مجموعة من الأطفال في التاريخ الذين خسروا أطرافهم بسبب الاعتداءات.. ولفت الانتباه إلى المعاناة الإضافية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال بسبب نقص المسكنات المناسبة، حيث لا يتوفر لهم سوى أدوية بسيطة مثل الباراسيتامول أو البنادول... كما أشار إلى زيادة بنسبة 300% في حالات الإجهاض بين الفلسطينيات نتيجة للظروف القاسية التي يعشنها، وأن وحدة عناية الأطفال الوحيدة التي لا تزال تعمل في شمال غزة توقفت عن العمل، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني هناك.

أكد هاريمان أنه يرى مهمته كمصور في أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وخاصةً الأطفال والنساء في غزة، مشددا على أهمية عدم غض الطرف عن هذه المآسي الإنسانية، وأن الصمت أمام ما يحدث في غزة يعني التواطؤ مع الظلم. وأعرب عن استيائه من وسائل الإعلام التقليدية التي تتجاهل أو تتعمد التعتيم على الإبادة التي تحدث في غزة، مؤكدًا أنه محظوظ لأنه يعمل خارج هذا الإطار التقليدي، مما يمنحه الحرية لنشر الحقيقة عبر صوره التي تصل مباشرة إلى الناس دون رقابة أو تحريف، و أن الصمت ليس خيارًا أمام المآسي الإنسانية.

وحول أحداث أمستردام الأخيرة التي شهدت اشتباكات بين مشجعين للمنتخب الإسرائيلي ومؤيدين للقضية الفلسطينية، أكد أن الصورة كانت عنصرًا حاسمًا في كشف الحقيقة .. أوضح أن الصورة التي وثقت إزالة مشجعين إسرائيليين للعلم الفلسطيني من أحد المنازل أظهرت بشكل واضح من بدأ بالاستفزاز. ومع ذلك، عبّر عن استيائه من أن هذه الصورة، رغم انتشارها على نطاق واسع، لم تحقق التأثير المطلوب لدى بعض الجماعات في أوروبا، خاصةً تلك المرتبطة باليمين المتطرف، التي استمرت في ترويج أساطير قديمة مثل معاداة السامية لتبرير هذه الاعتداءات... فالمشكلة هنا ليست في قوة الفوتوغرافيا، بل فيمن يملك القدرة على التحكم بالسرديات. وقال إن من يتحكمون بالميكروفونات الأعلى صوتًا هم الذين يملكون النفوذ لتشكيل الرأي العام، مما يجعل الحقيقة تواجه عقبات كبيرة للوصول إلى الجمهور. وأشار إلى أنه عندما بدأ في التحقق من حقيقة ما حدث في أمستردام، اتصل بأصدقائه المسلمين واليهود في المدينة، وصُدم عندما اكتشف أن الواقع على الأرض يختلف كثيرًا عن الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام التقليدية.

هاريمان أكد أننا نعيش في عصر مختلف، حيث لم نعد بحاجة إلى الاعتماد على قنوات تلفزيونية محدودة لإخبارنا بما يحدث. أشار إلى أن اليوم، بفضل شهود العيان ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بالإمكان نشر السرديات البديلة التي غالبًا ما تتجاهلها وسائل الإعلام التقليدية. وأضاف أن الإعلام المستقل لعب دورًا كبيرًا في فرض رواية مختلفة عن تلك التي تبنتها القنوات الكبرى، مما يتيح للناس فرصة أكبر للوصول إلى الحقيقة.

ورغم ذلك، شدد "هاريمان" على أهمية الإصرار على البحث عن الحقيقة وعدم السماح لها بأن تضيع وسط الفوضى الإعلامية. أكد أننا نعيش في زمن استثنائي يتطلب منا تغيير طريقة تفكيرنا والتخلص من الصور النمطية الاستعمارية المترسخة في عقولنا. وحث العرب والمسلمين بشكل خاص على الخروج من دائرة الانحياز الإيجابي الذي يجعلهم يصدقون فقط ما يدعم رواياتهم الخاصة، داعيًا إلى البحث عن الحقيقة كاملةً مهما كانت معقدة.. مشيرا إلى الشرخ الكبير في العقد الاجتماعي الصحافي، حيث أصبح الإعلام يتعامل بازدواجية واضحة في تغطيته للأحداث. وأعطى مثالًا على ذلك بتغطية قصف مستشفيات في أوكرانيا مقارنة بتغطية قصف مستشفيات في فلسطين. وقال "هاريمان": في الحالة الأولى، يتم إلقاء اللوم بشكل واضح ومباشر على الجهة المعتدية، بينما في الحالة الثانية، يتم تصوير الأمر وكأنه مجرد حادثة عابرة دون تحميل أي طرف المسؤولية بشكل صريح.

مؤكدا أن التغاضي عن الحقيقة من قبل الصحفيين والإعلاميين يكسر العقد الاجتماعي بينهم وبين الناس.. و أن دور الصحافة يجب أن يكون ثورة واحتجاجًا دائمًا ضد التزييف، وأن الصحفيين والمصورين يتحملون مسؤولية كبيرة في نقل الحقيقة للعالم، وهذا الأمر يتطلب شجاعة وإصرارًا على البحث عن الواقع ونقله دون تحريف، لأن الكلمات والصور ليست مجرد أدوات إعلامية، بل وسيلة للتغيير والثورة ضد الظلم.

قصص الأمل

وحول أهمية سرد القصص كوسيلة لنقل التجارب الإنسانية بمختلف أشكالها، سواء عبر الصور الفوتوغرافية، الأفلام، أو وسائل التواصل الاجتماعي...أشار إلى أن ترشيح فيلمه الأول لجائزة الأوسكار "ذا أفتر"، مثل لحظة فارقة في مسيرته الفنية والشخصية. وصف هذا الإنجاز بأنه فرصة نادرة لرواية قصة تحمل في طياتها الأمل والحزن والخسارة، حيث أُعطي لشخص أسود مساحة ليروي تجربته في فقد كل شيء وإعادة بناء حياته من جديد خطوة بخطوة.

واعتبر هاريمان هذا الفيلم "الفيلم المعجزة"، حيث أوضح أن مثل هذه الفرص قلما تُتاح لأشخاص من أصول إفريقية. وأكد أن هذا الفيلم تجاوز كونه عملاً فنيًا إلى كونه رسالة إنسانية عالمية، عرضت على منصة "نتفليكس" ووصلت إلى أكثر من 200 مليون مشاهد حول العالم. ومن خلال هذا الفيلم، تم نقل رسالة عميقة عن النضال من أجل النهوض بعد الفقدان، وربط الأمل بالحزن في إطار تجربة إنسانية مؤثرة.. حيث لم يكن الفيلم مجرد وسيلة لرواية قصة شخصية، بل كان منصة لتسليط الضوء على التجارب التي يعيشها أشخاص من أصول إفريقية، بعيدًا عن الصور النمطية المعتادة. كان الفيلم فرصة لإحداث تغيير في الطريقة التي يُنظر بها إلى هذه التجارب، ما جعله يشعر بالفخر لكونه جزءًا من هذا العمل.

فيما يتعلق بالمستقبل، أشار هاريمان إلى رغبته في الاستمرار في مجال التصوير وصناعة الأفلام. يرى أن الوقت قد حان لإبراز أصوات وتجارب الأفارقة من خلال قصص تعكس حياتهم، صراعاتهم، وآمالهم. وأكد أن سرد القصص لا يقتصر على كونه نشاطًا فنيًا، بل هو أداة أساسية لتعزيز الهوية وإعادة تعريفها، مع التركيز على قدرتها على تحدي الصور النمطية وإثارة الحوار العالمي حول القضايا الإنسانية المشتركة .. وقال: "لقد حان الوقت لنروي قصصنا بأنفسنا، لنعكس تجاربنا ونشاركها مع العالم. هذه القصص ليست فقط عنّا، بل هي هدية للأجيال القادمة، كي يعرفوا من نحن وكيف نرى العالم."

وحول مسيرته تحدث المصور ماريس هاريمان بإسهاب عن التأثير العميق الذي تركته عائلته، وخاصة والده وعمه، على مسيرته ورؤيته للحياة. أكد هاريمان أن والده، الذي كان زعيمًا سياسيًا ومناضلًا بارزًا، لعب دورًا أساسيًا في تشكيل قيمه ومواقفه، كما أشار إلى عمه، الذي شغل منصب أول رئيس للجنة مناهضة الفصل العنصري في الأمم المتحدة، معبرًا عن اعتزازه بالإرث النضالي الذي ورثه عنهما.

أما عن بدايته في التصوير، أوضح أنه لم يكن لديه أي تجربة مسبقة مع الكاميرا قبل أن يحصل على أول كاميرا كهدية من زوجته بمناسبة عيد ميلاده الأربعين، قبل ست سنوات فقط. كانت هذه الكاميرا من نوع "فوجي"، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلته في عالم التصوير حيث تعلم مهارات التصوير بطريقة ذاتية تمامًا، معتمدا على متابعة فيديوهات تعليمية على يوتيوب، وهو ما يعكس شغفه الكبير واستعداده لاكتشاف مجالات جديدة وتحقيق التفوق فيها، حتى أصبح اليوم سفيرًا لعلامة تجارية مرموقة في مجال التصوير، مما يعكس التطور الكبير الذي حققه في هذا المجال خلال فترة قصيرة نسبيًا. وعلى الرغم من أن التصوير لم يكن جزءًا من خططه الأصلية، إلا أنه تحول إلى الأداة الرئيسية التي يستخدمها للتعبير عن قناعاته ونقل قصص الآخرين للعالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وسائل الإعلام التقلیدیة القضایا الإنسانیة الصور النمطیة أشار إلى أن بالنسبة له هذه الصورة القدرة على الضوء على مجرد أداة لیست مجرد أن الصورة على أهمیة حدیثه عن من خلال أکد أن لم یکن فی غزة عمیق ا

إقرأ أيضاً:

ما المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها السعودية من مونديال 2034؟

السعودية – أشارت التقارير الاقتصادية إلى أن السعودية ستجني مكاسب كبيرة من تنظيم كأس العالم 2034، حيث سيكون للبطولة أثر اقتصادي وسياحي هائل.

وحسب تقرير نشرته “ستراتيجك جيرز”، حصد مونديال قطر عام 2022 مبلغ 17 مليار دولار، وحقق مونديال روسيا 2018 مبلغ 14 مليار دولار، فيما تفوق عليه مونديال البرازيل 2014 بمبلغ 15 مليار دولار، أما مونديال جنوب إفريقيا 2010 فكانت عوائده المالية 12 مليار دولار، وأخيرا مونديال ألمانيا 2006 الذي حصد 14 مليار دولار.

ويرصد هذا التقرير المؤشرات الإيجابية والأرقام في آخر 5 نسخ من بطولة كأس العالم لكرة القدم.

وقال الدكتور أيمن فاضل، عضو مجلس الشوري وعميد كلية الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقا، إن الأثر الاقتصادي لكأس العالم على المملكة سيكون كبيرا، نظرا لمشاركة 48 منتخبا حول العالم، حيث سيحقق مكاسب في الجانب السياحي والنقل والسكن وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا الجانب، إذ سيصل المسؤولون والجماهير من جميع أنحاء المعمورة لمتابعة هذا الحدث الكروي الكبير.

وبين فاضل، الذي ترأس النادي الأهلي السعودي سابقا أن أهم الأهداف يكمن في خلق فرص عمل ووظائف جديدة خلال عشر سنوات في قطاع الملاعب والفنادق والنقل وغيرها، وسيستمر الازدهار، ومع الوقت سيكون أكبر، كما أن التعريف بالسياحة السعودية سيكون واسعا بالموازاة مع مشاركة 48 منتخبا، فهذا يعني توسع رقعة الجانب السياحي وتنوعه.

وشدد فاضل على أن الأرقام التي أعلن عنها في مونديال قطر من حيث المكاسب التي وصلت إلى 17 مليار والتي زادت عما قبلها في دول أخرى خلال آخر خمس نسخ على الأقل، تعطي مؤشرا تصاعديا إيجابيا بشأن تضاعف هذا العدد في ظل قوة شرائية أفضل والأثر المستقبلي الدائم.

‫فيما أوضح الدكتور عبد الله المغلوث، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، أنه من خلال تدشين وتحديث 15 ملعبا على الطراز العالمي، موزعة على 5 مدن هي: الرياض، والخبر، وجدة، ونيوم، وأبها، إضافة إلى 10 مواقع أخرى، تستعد المملكة لاستضافة كأس العالم 2034، الذي سيكون حدثا استثنائيا سيفد إليه المشاركون ومشجعو اللعبة إلى المملكة من خلال 16 مطارا دوليا، وتعمل الرياض على إنشاء بعضها وتحديث أخرى، والـ15 ملعبا المقترحة في 5 مدن مضيفة تتنوع بين مزيج من 4 ملاعب قائمة، و3 قيد الإنشاء و8 ملاعب جديدة مخطط لها.

وأشار إلى أن المملكة التي تعد الدولة الوحيدة التي تستضيف بطولة كأس العالم بمفردها بالشكل الجديد، تعمل على خطط شبكة السكك الحديدية التي تربطها مع دول الخليج، لتسهيل تنقل المشجعين والفرق المشاركة.

ومن المتوقع أن تسهم استضافة كأس العالم في جذب ملايين السياح من مختلف أنحاء العالم، ووفقا لملف ترشح السعودية، سيتم تطوير 230 ألف غرفة فندقية موزعة على المدن المستضيفة للحدث.

علاوة على ذلك، ستلعب استضافة كأس العالم دورا محوريا في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تشمل خطط الاستضافة بناء 11 ملعبا جديدا بمواصفات عالمية وتطوير 15 ملعبا آخر.

أما فارس المفلح المستثمر في المجال الرياضي والمختص بالشؤون الإدارية والمالية، بين أن شركات الطيران المحلية سترتفع إيراداتها بشكل كبير، كما حصل مع “طيران القطرية”، الناقل الرسمي لمونديال (2022) بقطر، إذ ارتفعت الأرباح لما يفوق المليار و200 مليون دولار، وكل من له علاقة بالأحداث الرياضية أو الجانب السياحي سيكون له نصيب من هذا الحدث.

وأوضح أن الأرقام التي يعلنها “فيفا” من جانبه بشأن الأرباح التي تحققها المنظمة الدولية القائمة على كرة القدم أو الدول التي تستضيف هذه الأحداث، يؤكد أن المكاسب كبيرة جدا إلا أن المملكة تسعى لمكاسب أكبر من الجانب المادي على المديين القريب والبعيد.

وأشار إلى أن المملكة ستستضيف قبل كأس العالم بطولة كأس آسيا (2027)، وهي من البطولات التي ستكون لها مداخيل اقتصادية عالية، صحيح أنها لا تقارن بمداخيل كأس العالم إلا أنها مهمة.كما أوضح أن وجود النجوم العالميين في الدوري السعودي أثر بشكل واضح في الجانب الاستثماري والإعلانات التي بدأت تظهر بشكل أكبر في المساحات الرياضية، عدا استضافة أحداث رياضية من بينها بطولات سوبر تشارك بها فرق عالمية كبيرة من دول متقدمة كرويا، وكذلك الأحداث المتعلقة بعدة ألعاب رياضية، وكثير من الإيجابيات التي تظهر جراء الدعم الحكومي الكبير للقطاع الرياضي.

المصدر: “وسائل إعلام”

مقالات مشابهة

  • تقرير دولي: الأزمة الإنسانية في السودان هي الأكبر في العصر الحديث
  • مركز أبحاث أمريكي: ما التحديات التي ستواجه ترامب في اليمن وما الذي ينبغي فعله إزاء الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • ما هو سباق التسلح الجديد والخطير الذي يسيطر على صناعة السلاح عالميا؟
  • ما المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها السعودية من مونديال 2034؟
  • السودان يتصدر مجددا قائمة الأزمات الإنسانية العالمية
  • وصية نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل.. كيف تنبأ بمستقبل فلسطين والشرق الأوسط؟
  • حقوق الإنسان في لحظة الحقيقة
  • ترحال.. ما الذي يجعل إسطنبول وجهة السياح الأولى؟
  • المرتضى ينفي الاتهامات الكاذبة التي ساقها “بيان الخزانة الأمريكية” ويؤكد أن كافة الأسرى والمعتقلين يحظون بكامل الرعاية الإنسانية
  • بعد أن فعلتها الجزائر منذ نصف قرن.. «الرحلة 404» يداعب حلم «التمثيل المشرّف» في جوائز الأوسكار!