ماريس هاريمان، المصور العالمي والمخرج السينمائي البارز وسفير منظمة "أنقذوا الأطفال"، وأحد أبرز المدافعين عن القضايا الإنسانية عبر الفنون البصرية. حاز اهتمامًا عالميًا بفضل رؤيته الإبداعية وأعماله المؤثرة، وصولًا إلى ترشيحه لجائزة الأوسكار عن فيلمه القصير "ذا أفتر"... يجسد نموذجًا للفنان الذي يرى في الكاميرا أكثر من مجرد أداة تصوير.

بالنسبة له، الكاميرا هي سلاح ودرع في آنٍ واحد، وسيلة للتعبير عن الذات ومواجهة التحديات الإنسانية. عبر عدسة كاميرته، يعكس "هاريمان" قضايا العالم الأكثر إلحاحًا، بدءًا من معاناة الأطفال في الصومال بسبب الجوع، إلى فضح الصور النمطية ورهاب الإسلام خلال الاحتجاجات في لندن، وصولاً إلى توثيق التحديات المرتبطة بالإبادة الفلسطينية.

ما يميز رؤيته هو إيمانه الراسخ بقوة الصورة كأداة لتغيير السرديات وفتح حوار عالمي حول القضايا الإنسانية. من خلال أعماله، يعيد تعريف التصوير الواقعي كوسيلة لطرح الأسئلة الأخلاقية والإنسانية، وتوثيق الحقائق التي غالبًا ما تُغيّب عن السرديات الإعلامية التقليدية. في يده، تتحول الكاميرا من مجرد تقنية إلى رسالة أخلاقية تدعو لإعادة النظر في الواقع والعمل على تغييره، وفي لقاء مؤثر خلال مهرجان أجيال السينمائي الأخير في الدوحة، فتح ماريس هاريمان نافذة على قضايا العالم المختلفة، مسلطًا الضوء على كيف يمكن للفنون البصرية أن تصبح أداة لتحقيق العدالة الإنسانية، ومحفزًا لإيقاظ الضمير العالمي نحو الحقيقة.

عدسة إنسانية

بداية تحدث ماريس هاريمان بإحساس عميق عن المواقف التي تركت أثرًا بالغًا في حياته المهنية والشخصية كمصور.. أشار إلى أن أعماله كانت دائمًا بمثابة تعليق بصري على الروح الإنسانية، حيث تجسد صورُه صراعات الناس وآمالهم وألمهم. ومن بين التجارب التي شكلت وعيه، تحدث عن رحلته إلى الصومال، التي لم تكن مجرد مهمة توثيق بصري بل اختبارًا عاطفيًا وإنسانيًا عميقًا.. موضحا أنها تجربة كانت لها أبعاد شخصية قوية، خاصة كونه أبًا لطفلتين. هذه العلاقة الأبوية جعلته أكثر تأثرًا بمعاناة الأطفال الذين وجدهم في حالة من الضعف واليأس بسبب الجوع المدقع.. وصف مشهدًا مؤلمًا في غرفة مكتظة بأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، حيث كان البعض منهم ضعيفًا للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون حتى البكاء. قال إنه كان يرى سؤالًا صامتًا في عيون هؤلاء الأطفال: "لماذا؟ لماذا ولدتُ في هذا الجحيم؟" ..كما تحدث عن معاناة الأمهات اللواتي وقفن عاجزات أمام صرخات أطفالهن، ليس فقط بسبب ندرة الغذاء، بل بسبب الإحساس القاتل بعدم القدرة على تلبية احتياجات أبنائهن الأساسية. .. يقول "هاريمان": بعض اللحظات كانت شديدة الألم لدرجة أنني لم أستطع رفع كاميرتي لالتقاط الصور .. المشاهد تفوق طاقتي العاطفية!.

لكن ورغم هذه الصعوبة، أصر "هاريمان" على استخدام التصوير كوسيلة لنقل الحقيقة وإيقاظ الضمير العالمي.. هو يرى أن توثيق هذه اللحظات هو واجبه الأخلاقي، حتى لو كان عاطفيًا مؤلمًا، لأنه يسلط الضوء على المآسي التي تسببها أفعال البشر، مثل الحروب والأزمات الاقتصادية العالمية. وأشار إلى الحرب في أوكرانيا كمثال على الأحداث التي أثرت بشكل مباشر على أزمة الجوع في إفريقيا، موضحًا أن ارتفاع أسعار القمح وانقطاع سلاسل التوريد نتيجة الحرب زادا من تفاقم الكارثة.

واعترف هاريمان بأنه لم يدرك مدى الترابط بين هذه الأزمات العالمية حتى زيارته للصومال، حيث رأى بأم عينه كيف يمكن للأحداث التي تبدو بعيدة أن تؤثر بشكل كارثي على المجتمعات الضعيفة. هذه التجربة جعلته أكثر تصميمًا على استخدام صوره كوسيلة لفتح أعين العالم على هذه المآسي... مؤكدا على أن رسالته عبر التصوير ليست مجرد توثيق للمآسي، بل هي دعوة لتوجيه ضمير العالم نحو الحقيقة... فالتصوير بالنسبة له ليس مجرد فن، بل مسؤولية أخلاقية تهدف إلى تعزيز الوعي العالمي وإحداث تغيير إيجابي... حيث تحمل الصور قوة التأثير على الإنسانية، وهي وسيلة لتحريك الناس نحو التفكير في أفعالهم والعمل على خلق مستقبل أفضل.

صورة التحول

وحول واحدة من الصور التي تركت أثرًا عميقًا في مسيرته المهنية والشخصية، تحدث "ماريس هاريمان" عن صورة التقطها خلال احتجاجات في لندن دعماً لفلسطين.. وصف هذه الصورة بأنها لرجل أبيض يقف في الشارع، يحمل لافتة يعترف فيها بأن الأفكار والصور النمطية التي زرعها الإعلام والمجتمعات الغربية في أذهان الناس حول الإسلام والمسلمين كانت خاطئة.. لم تكن هذه الصورة بالنسبة لهاريمان مجرد لقطة فوتوغرافية عابرة، بل لحظة تعكس تحولاً فكريًا وإنسانيًا عميقًا.

وفي حديثه عنها قال "هاريمان": الآن بدأت أدرك رهاب الإسلام الذي كنت أشعر به. كان هذا الاعتراف بمثابة مراجعة ذاتية لما تأثر به هو نفسه من صور نمطية سلبية عن المسلمين. أشار إلى أن هذه الصورة أثرت فيه بشكل خاص لأنها تمثل إعادة تقييم من قبل الرجل الأبيض الذي يظهر فيها، وهو نموذج لشريحة كبيرة من الأشخاص الذين تأثروا بسرديات خاطئة عن الإسلام والمسلمين. هؤلاء الأشخاص، كما وصفهم هاريمان، غالبًا ما يكونون جزءًا من المنظومة التي تصنع القرارات العالمية التي تؤدي إلى قصف المجتمعات الإسلامية وتشويهها، لكنهم في هذه اللحظة يخرجون للشارع ليعيدوا النظر في معتقداتهم.

"موضحا" أن هذا الرجل الذي ظهر في الصورة كان يعيد التعلم ويفكك الصور النمطية التي زرعت في ذهنه. حمل هذا الرجل لافتة تعبر عن إدراكه للأخطاء المجتمعية الكبيرة في تشويه صورة المسلمين والمسلمات، وهو ما رآه هاريمان كإشارة قوية على إمكانية التحول الإنساني والتعاطف... أشار إلى أن الصورة تعكس قدرة الإنسان على مواجهة تحيزاته والاعتراف بها، وهو ما يشكل أساسًا للتغيير الإيجابي.. رأى في هذا الرجل رمزًا لشريحة من الأشخاص الذين ساهموا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تكريس الصور النمطية السلبية عن الإسلام، والذين الآن يعيدون اكتشاف إنسانية أولئك الذين تم شيطنتهم. أشار إلى أن الصورة تعكس أعمق مشاعر التعاطف والتغيير الإنساني، وتبرز كيف يمكن للحقائق أن تتحدى التحيزات الراسخة وتفتح الباب للتفاهم.. بالنسبة له، كانت الصورة تجسيدًا لقوة الفوتوغرافيا في التأثير على طريقة التفكير ورؤية العالم.

عدسة الواقع

وحول حديثه عن التصوير الفوتوغرافي الواقعي، أوضح ماريس هاريمان رؤيته العميقة حول دور الكاميرا في حياته، متجاوزًا حدود التقنية إلى فضاء التعبير الذاتي والمسؤولية الإنسانية، وصف الكاميرا بأنها أكثر من مجرد أداة؛ فهي تمثل درعه الذي يحميه من قسوة العالم وسيفه الذي يواجه به بشاعة البشرية.. هي وسيلة تمنحه لتجاوز مشاعر التوتر والقلق التي تنتابه أحيانًا، قائلاً: "عندما أنظر عبر عدسة الكاميرا، أرى البشرية في أفضل حالاتها وأسوأها، والكاميرا تشهد على ذلك."

مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التصوير الرقمي أحدث ثورة هائلة في عالم التصوير، حيث مكّن الصور من الانتشار بشكل غير مسبوق والوصول إلى مليارات الأشخاص حول العالم.. و أن التقنية الرقمية فتحت له أبوابًا لم يكن ليحلم بها مع التصوير التقليدي، مشيرًا إلى أن الإنترنت قد ألغى الحواجز الجغرافية والثقافية، مما سمح لصوره بطرح أسئلة صعبة حول التجربة الإنسانية والقضايا العالمية.

وتأكيدا على أهمية الاستقلالية في التصوير، قال "هاريمان" أنه لا يعمل مع وكالات إعلامية أو جهات تقليدية، ما يمنحه الحرية الكاملة في نقل الحقيقة كما هي دون تدخل أو ضغوط مشيرا إلى أن هذه الاستقلالية هي ما يمنحه القوة للتصدي للمغالطات والمعلومات الكاذبة التي تملأ العالم اليوم، مؤكداً أن التصوير الواقعي يجب أن يكون شاهداً صادقاً على الواقع.

وعن مستقبل التصوير الواقعي، أعرب عن إيمانه بالإمكانات غير المحدودة التي يتيحها العالم الرقمي الحديث مؤكدا أن أي شخص يمتلك كاميرا يمكنه أن يسهم في تغيير العالم من خلال تسليط الضوء على القضايا التي تحتاج إلى اهتمام، فالتصوير الواقعي ليس مجرد فن، بل هو أداة قوية لفضح الحقيقة ونقلها للعالم كما يقول.

على الرغم من التحول الكبير نحو التكنولوجيا الحديثة، عبر "هاريمان" عن ارتباطه العميق بالكاميرا ذات الشكل القديم التي يستخدمها. بالنسبة له، هذه الكاميرا ليست مجرد أداة تصوير، بل رمز لعلاقته الشخصية بالفن والمسؤولية الإنسانية.. تعكس هذه العلاقة فلسفته العميقة تجاه التصوير باعتباره وسيلة للتعبير عن ذاته، ومواجهة التحديات، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية بطريقة صادقة ومؤثرة.

عدسة التغيير

وتحدث هاريمان عن الدور الذي وجد نفسه فيه، ليس عن اختيار مسبق، بل بفضل قوة صوره التي لفتت انتباه الملايين. عندما بدأ مسيرته في التصوير، كان لديه عدد قليل من المتابعين على منصة إنستقرام، لا يتجاوز مئتي شخص، معظمهم من أصدقائه المقربين... لكنه قرر توجيه عدسة كاميرته نحو المستضعفين والأشخاص الذين لا صوت لهم، ليصبح منبرًا يعبر عن معاناتهم وينقل قصصهم إلى العالم. مع مرور السنوات، أصبحت صوره أكثر انتشارًا وتأثيرًا، حيث أظهرت إحصائيات صفحته على إنستقرام أنه وصل إلى سبعة عشر مليون شخص خلال ثلاثين يومًا فقط. بالنسبة له، هذا الرقم ليس مجرد إنجاز شخصي، بل تأكيد على قدرة الصور على تحفيز النقاش وإثارة القضايا الإنسانية.

وفي تأملاته حول الحياة، أكد هاريمان على أهمية الخيارات التي يواجهها كل إنسان، موضحًا أن الوقت المتبقي لنا على هذه الأرض محدود، مما يجعل اتخاذ قرارات مصيرية أمرًا حتميًا.. أوضح أنه أمام خيارين: الانشغال بجمع المال وصعود السلم الاجتماعي، أو اختيار خدمة الآخرين وتحسين حياتهم. بالنسبة له، التصوير كان خياره الواضح لخدمة الإنسانية. عبر عدسة كاميرته، يسعى إلى توثيق اللحظات التي تعكس معاناة الناس وآمالهم، مع التركيز على تقديم قصصهم للعالم بطريقة تحفز التفكير وتعيد النظر في القضايا التي تؤثر على حياة الكثيرين.. مؤكدا أن هدفه النهائي كمصور هو ترك أثر إيجابي في العالم، ليس فقط لصالح الآخرين، بل أيضًا من أجل أطفاله. قال إنه يريد أن يساهم في خلق مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية، حيث يمكن لأطفاله العيش في عالم أفضل. بالنسبة له، الكاميرا هي وسيلة لتحقيق هذا الهدف النبيل.

وقال "هاريمان" علينا أن نستفيد من الوقت المتبقي لخدمة الإنسانية، مشددًا على أن كل فرد لديه القدرة على إحداث تغيير، سواء كان مصورًا، معلمًا، ممرضًا، أو حتى سياسيًا نزيهًا. بالنسبة له، الكاميرا ليست مجرد أداة للتصوير، بل وسيلة لإعادة تشكيل الواقع وتحقيق الأمل.

عدسة الحقيقة

وفي حديثه عن الإبادة الفلسطينية والاحتجاجات التي شهدتها المنطقة، أبرز ماريس هاريمان موقفه الحازم تجاه توثيق الحقيقة، مهما كانت المخاطر التي قد تواجهه. أوضح أن التزامه الأساسي كمصور يرتكز على الشجاعة في مواجهة القضايا الإنسانية، مع التأكيد على أن الخوف يقيد القدرة على نقل الواقع ويمنع مواجهة الظلم، ما يجعل التغلب عليه ضرورة أخلاقية لا مفر منها... فتوثيق الحقيقة، خاصة في قضايا يتم تجاهلها أو تشويهها من قبل وسائل الإعلام التقليدية، يتطلب شجاعة كبيرة وضميرًا حيًا. قال إن أفضل شعور يمكن أن يعيشه الإنسان هو الشعور بالضمير المرتاح، الذي يتحقق من خلال مواجهة التحديات بشجاعة والوقوف مع الحق، وأضاف: "القدر سيحمل لي ما يخفيه، لكنني لن أتوقف عن أداء مهمتي."

في حديثه عن الوضع الإنساني في غزة، سلط الضوء على الظروف المأساوية التي يعيشها السكان هناك، مشيرًا إلى وجود أكبر مجموعة من الأطفال في التاريخ الذين خسروا أطرافهم بسبب الاعتداءات.. ولفت الانتباه إلى المعاناة الإضافية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال بسبب نقص المسكنات المناسبة، حيث لا يتوفر لهم سوى أدوية بسيطة مثل الباراسيتامول أو البنادول... كما أشار إلى زيادة بنسبة 300% في حالات الإجهاض بين الفلسطينيات نتيجة للظروف القاسية التي يعشنها، وأن وحدة عناية الأطفال الوحيدة التي لا تزال تعمل في شمال غزة توقفت عن العمل، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني هناك.

أكد هاريمان أنه يرى مهمته كمصور في أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وخاصةً الأطفال والنساء في غزة، مشددا على أهمية عدم غض الطرف عن هذه المآسي الإنسانية، وأن الصمت أمام ما يحدث في غزة يعني التواطؤ مع الظلم. وأعرب عن استيائه من وسائل الإعلام التقليدية التي تتجاهل أو تتعمد التعتيم على الإبادة التي تحدث في غزة، مؤكدًا أنه محظوظ لأنه يعمل خارج هذا الإطار التقليدي، مما يمنحه الحرية لنشر الحقيقة عبر صوره التي تصل مباشرة إلى الناس دون رقابة أو تحريف، و أن الصمت ليس خيارًا أمام المآسي الإنسانية.

وحول أحداث أمستردام الأخيرة التي شهدت اشتباكات بين مشجعين للمنتخب الإسرائيلي ومؤيدين للقضية الفلسطينية، أكد أن الصورة كانت عنصرًا حاسمًا في كشف الحقيقة .. أوضح أن الصورة التي وثقت إزالة مشجعين إسرائيليين للعلم الفلسطيني من أحد المنازل أظهرت بشكل واضح من بدأ بالاستفزاز. ومع ذلك، عبّر عن استيائه من أن هذه الصورة، رغم انتشارها على نطاق واسع، لم تحقق التأثير المطلوب لدى بعض الجماعات في أوروبا، خاصةً تلك المرتبطة باليمين المتطرف، التي استمرت في ترويج أساطير قديمة مثل معاداة السامية لتبرير هذه الاعتداءات... فالمشكلة هنا ليست في قوة الفوتوغرافيا، بل فيمن يملك القدرة على التحكم بالسرديات. وقال إن من يتحكمون بالميكروفونات الأعلى صوتًا هم الذين يملكون النفوذ لتشكيل الرأي العام، مما يجعل الحقيقة تواجه عقبات كبيرة للوصول إلى الجمهور. وأشار إلى أنه عندما بدأ في التحقق من حقيقة ما حدث في أمستردام، اتصل بأصدقائه المسلمين واليهود في المدينة، وصُدم عندما اكتشف أن الواقع على الأرض يختلف كثيرًا عن الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام التقليدية.

هاريمان أكد أننا نعيش في عصر مختلف، حيث لم نعد بحاجة إلى الاعتماد على قنوات تلفزيونية محدودة لإخبارنا بما يحدث. أشار إلى أن اليوم، بفضل شهود العيان ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بالإمكان نشر السرديات البديلة التي غالبًا ما تتجاهلها وسائل الإعلام التقليدية. وأضاف أن الإعلام المستقل لعب دورًا كبيرًا في فرض رواية مختلفة عن تلك التي تبنتها القنوات الكبرى، مما يتيح للناس فرصة أكبر للوصول إلى الحقيقة.

ورغم ذلك، شدد "هاريمان" على أهمية الإصرار على البحث عن الحقيقة وعدم السماح لها بأن تضيع وسط الفوضى الإعلامية. أكد أننا نعيش في زمن استثنائي يتطلب منا تغيير طريقة تفكيرنا والتخلص من الصور النمطية الاستعمارية المترسخة في عقولنا. وحث العرب والمسلمين بشكل خاص على الخروج من دائرة الانحياز الإيجابي الذي يجعلهم يصدقون فقط ما يدعم رواياتهم الخاصة، داعيًا إلى البحث عن الحقيقة كاملةً مهما كانت معقدة.. مشيرا إلى الشرخ الكبير في العقد الاجتماعي الصحافي، حيث أصبح الإعلام يتعامل بازدواجية واضحة في تغطيته للأحداث. وأعطى مثالًا على ذلك بتغطية قصف مستشفيات في أوكرانيا مقارنة بتغطية قصف مستشفيات في فلسطين. وقال "هاريمان": في الحالة الأولى، يتم إلقاء اللوم بشكل واضح ومباشر على الجهة المعتدية، بينما في الحالة الثانية، يتم تصوير الأمر وكأنه مجرد حادثة عابرة دون تحميل أي طرف المسؤولية بشكل صريح.

مؤكدا أن التغاضي عن الحقيقة من قبل الصحفيين والإعلاميين يكسر العقد الاجتماعي بينهم وبين الناس.. و أن دور الصحافة يجب أن يكون ثورة واحتجاجًا دائمًا ضد التزييف، وأن الصحفيين والمصورين يتحملون مسؤولية كبيرة في نقل الحقيقة للعالم، وهذا الأمر يتطلب شجاعة وإصرارًا على البحث عن الواقع ونقله دون تحريف، لأن الكلمات والصور ليست مجرد أدوات إعلامية، بل وسيلة للتغيير والثورة ضد الظلم.

قصص الأمل

وحول أهمية سرد القصص كوسيلة لنقل التجارب الإنسانية بمختلف أشكالها، سواء عبر الصور الفوتوغرافية، الأفلام، أو وسائل التواصل الاجتماعي...أشار إلى أن ترشيح فيلمه الأول لجائزة الأوسكار "ذا أفتر"، مثل لحظة فارقة في مسيرته الفنية والشخصية. وصف هذا الإنجاز بأنه فرصة نادرة لرواية قصة تحمل في طياتها الأمل والحزن والخسارة، حيث أُعطي لشخص أسود مساحة ليروي تجربته في فقد كل شيء وإعادة بناء حياته من جديد خطوة بخطوة.

واعتبر هاريمان هذا الفيلم "الفيلم المعجزة"، حيث أوضح أن مثل هذه الفرص قلما تُتاح لأشخاص من أصول إفريقية. وأكد أن هذا الفيلم تجاوز كونه عملاً فنيًا إلى كونه رسالة إنسانية عالمية، عرضت على منصة "نتفليكس" ووصلت إلى أكثر من 200 مليون مشاهد حول العالم. ومن خلال هذا الفيلم، تم نقل رسالة عميقة عن النضال من أجل النهوض بعد الفقدان، وربط الأمل بالحزن في إطار تجربة إنسانية مؤثرة.. حيث لم يكن الفيلم مجرد وسيلة لرواية قصة شخصية، بل كان منصة لتسليط الضوء على التجارب التي يعيشها أشخاص من أصول إفريقية، بعيدًا عن الصور النمطية المعتادة. كان الفيلم فرصة لإحداث تغيير في الطريقة التي يُنظر بها إلى هذه التجارب، ما جعله يشعر بالفخر لكونه جزءًا من هذا العمل.

فيما يتعلق بالمستقبل، أشار هاريمان إلى رغبته في الاستمرار في مجال التصوير وصناعة الأفلام. يرى أن الوقت قد حان لإبراز أصوات وتجارب الأفارقة من خلال قصص تعكس حياتهم، صراعاتهم، وآمالهم. وأكد أن سرد القصص لا يقتصر على كونه نشاطًا فنيًا، بل هو أداة أساسية لتعزيز الهوية وإعادة تعريفها، مع التركيز على قدرتها على تحدي الصور النمطية وإثارة الحوار العالمي حول القضايا الإنسانية المشتركة .. وقال: "لقد حان الوقت لنروي قصصنا بأنفسنا، لنعكس تجاربنا ونشاركها مع العالم. هذه القصص ليست فقط عنّا، بل هي هدية للأجيال القادمة، كي يعرفوا من نحن وكيف نرى العالم."

وحول مسيرته تحدث المصور ماريس هاريمان بإسهاب عن التأثير العميق الذي تركته عائلته، وخاصة والده وعمه، على مسيرته ورؤيته للحياة. أكد هاريمان أن والده، الذي كان زعيمًا سياسيًا ومناضلًا بارزًا، لعب دورًا أساسيًا في تشكيل قيمه ومواقفه، كما أشار إلى عمه، الذي شغل منصب أول رئيس للجنة مناهضة الفصل العنصري في الأمم المتحدة، معبرًا عن اعتزازه بالإرث النضالي الذي ورثه عنهما.

أما عن بدايته في التصوير، أوضح أنه لم يكن لديه أي تجربة مسبقة مع الكاميرا قبل أن يحصل على أول كاميرا كهدية من زوجته بمناسبة عيد ميلاده الأربعين، قبل ست سنوات فقط. كانت هذه الكاميرا من نوع "فوجي"، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلته في عالم التصوير حيث تعلم مهارات التصوير بطريقة ذاتية تمامًا، معتمدا على متابعة فيديوهات تعليمية على يوتيوب، وهو ما يعكس شغفه الكبير واستعداده لاكتشاف مجالات جديدة وتحقيق التفوق فيها، حتى أصبح اليوم سفيرًا لعلامة تجارية مرموقة في مجال التصوير، مما يعكس التطور الكبير الذي حققه في هذا المجال خلال فترة قصيرة نسبيًا. وعلى الرغم من أن التصوير لم يكن جزءًا من خططه الأصلية، إلا أنه تحول إلى الأداة الرئيسية التي يستخدمها للتعبير عن قناعاته ونقل قصص الآخرين للعالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وسائل الإعلام التقلیدیة القضایا الإنسانیة الصور النمطیة أشار إلى أن بالنسبة له هذه الصورة القدرة على الضوء على مجرد أداة لیست مجرد أن الصورة على أهمیة حدیثه عن من خلال أکد أن لم یکن فی غزة عمیق ا

إقرأ أيضاً:

بريطانيا توسع نفوذها في أفريقيا تحت غطاء الأمن

"الجيش البريطاني يفتح الأبواب أمامي حقاً"، بهذه العبارة اختصرت المفوضة البريطانية العليا في ملاوي، هولي تيت، الحيوية التي تتصف بها "الدبلوماسية الأمنية" في الحفاظ على أهمية الدور الذي تلعبه لندن في القارة الأفريقية.

وقد شهدت السنوات الماضية بروزا لاستخدام لندن مظلة التعاون العسكري الأمني لتعزيز نفوذها الجيوسياسي والانخراط في ما يصفه العديد من المراقبين بـ"التكالب الثاني على أفريقيا"، ببناء شراكات مع دول القارة السمراء، مستفيدة من شبكة من الأدوات تمتد من التدريب العسكري إلى المشاركة في مهام حفظ الأمن الأممية في القارة.

حكومة بوريس جونسون (السادس من جهة اليمين) كانت قد نشرت أوسع مراجعة شاملة لقضايا السياسة الخارجية والأمن (الفرنسية) بريطانيا العالمية

مثّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) منعطفاً حاسماً دفع لندن إلى إعادة رسم شبكة تحالفاتها الدولية، وإعادة تعريف دورها العالمي بتعزيز إستراتيجية "بريطانيا العالمية".

ففي مارس/آذار 2021، نشرت حكومة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون أوسع مراجعة شاملة لقضايا السياسة الخارجية والأمن، التي وفرت بدورها إطاراً شاملاً لمشاركة المملكة المتحدة في الخارج حتى عام 2030.

إعلان

التزمت هذه الرؤية المشاركة متعددة الأوجه في أفريقيا بما يخدم الدور العالمي للمملكة المتحدة، بالاستثمار الاقتصادي والتنموي، مشيرة خاصة إلى ضرورة القيام بدور فاعل في قضايا عسكرية وأمنية كدعم حل النزاعات وحفظ السلام ومواجهة المخاوف الأمنية ومكافحة الإرهاب وتوثيق التعاون الدفاعي مع دول في القارة.

كما حفز تزايد نفوذ قوى دولية وإقليمية في أفريقيا بريطانيا على السعي نحو دور نشط يضمن مصالحها الاقتصادية واستثمارات شركاتها في "قارة المستقبل"، وتشير دراسة صادرة عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة إلى ما وصفتها بـ"بيئة دولية متزايدة التنافسية" تفرض تحدياتها على صانع إستراتيجية لندن في شرق أفريقيا.

وبنشاطها العسكري، تسعى بريطانيا إلى تأمين حرية الملاحة وضمان استمرار تدفق السلع والطاقة إلى أوروبا عبر ممرات بحرية إستراتيجية هامة كمضيق باب المندب وخليج غينيا، حيث تلعب البحرية البريطانية دورا بارزا في هذا المجال.

ويؤكد كتاب أصدرته وزارة الدفاع البريطانية بعنوان "الدفاع في عصر تنافسي" على أهمية المساهمة الفعالة في مكافحة التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل بالتعاون مع الحلفاء الأفارقة والدوليين.

إلى جانب ما سبق، تعزو لندن مشاركتها في أفريقيا إلى تعزيز الاستقرار الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة وعصابات التهريب بما يسهم في الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وهو ملف ضاغط سياسياً في بريطانيا دفع الحكومة السابقة إلى توقيع اتفاقية مع رواندا تستقبل الأخيرة بموجبها هذه الشريحة حتى يبت في ملفاتهم، قبل أن تلغى الاتفاقية في وقت لاحق.

وفق مقاربة تقوم على حل هذه المعضلة بتجفيف المنابع، وقد أعلن وزير وزارة الخارجية البريطانية ديفيد لامي عام 2024 إطلاق حزمة تمويل بلغت 84 مليون جنيه إسترليني سينفق جزء منها على تعزيز القدرة على مجابهة مخاطر النزاع وتغير المناخ في مناطق منها أفريقيا "بغية خفض أعداد المهاجرين".

إعلان جهود تدريبية

تقدم المملكة المتحدة تدريبات متخصصة للجيوش الأفريقية لتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الأمنية والمساهمة في مهام حفظ السلام، وتشير معلومات منشورة على موقع الحكومة البريطانية عام 2017 إلى استثمار ثلثي إجمالي جهود فريق التدريب البريطاني قصير الأمد على مستوى العالم في أفريقيا، وهو ما يعادل نحو 18 ألف يوم تدريب سنوياً.

وعادة ما تكون هذه التدريبات مكثفة وقصيرة الأمد، تتراوح بين أيام وأسابيع، ويتم تنفيذ بعضها في المعسكرات البريطانية داخل أفريقيا، أو داخل الدول المستفيدة منها، كما قد يستضاف الجنود في المملكة المتحدة في برامج تدريبية متقدمة، وتشمل قائمة الدول المستفيدة من هذه التدريبات تونس ومالي وجنوب أفريقيا وسيراليون ومالاوي وغامبيا وتنزانيا وأوغندا إلى جانب دول أخرى.

وتعتبر نيجيريا وكينيا من أهم الدول المستفيدة من هذه البرامج، حيث تدرب آلاف الجنود على مجالات كمكافحة الجماعات المسلحة والتمرد والعمليات البرية والتكامل الجوي البري وتقنيات الإسعاف وتحسين الجاهزية العملياتية.

أما في الصومال فتركز الجهود البريطانية على دعم بناء قوات النخبة في الجيش الصومالي وتأهيلها للقيام بالعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت الحيوية وتحرير الرهائن.

الأمير ويليام (الرابع يمين) يتحدث إلى كتيبة تتدرب تحت إشراف وحدة تدريب الجيش البريطاني في كينيا (باتوك) (أسوشيتد برس) الأمن البحري

يمثل أمن الممرات المائية أحد المحاور الرئيسية للنشاط العسكري الأمني البريطاني في القارة الأفريقية، ويُعتبر كل من خليج غينيا وباب المندب ركيزتين أساسيتين لأمن الطاقة والتجارة البريطانية، إضافة إلى كونهما مسرحين أساسيين لتعزيز الحضور العسكري والدبلوماسي لبريطانيا في مواجهة تحديات القرصنة والمنافسة الدولية.

ويحتوي خليج غينيا على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وتعمل فيه شركات بريطانية كبرى مثل بي بي وشيل، ما يجعله مصدراً مهماً للطاقة للأسواق البريطانية والأوروبية.

إعلان

كما ذكرت مادة منشورة على موقع الحكومة الإنجليزية عام 2021 أن هذه المنطقة يمر عبرها سنوياً تجارة بريطانية تزيد قيمتها على 6 مليارات من الجنيهات الإسترلينية سنوياً.

وتشير ورقة صادرة عن "مجلس الجيوستراتيجية"، وهو مركز أبحاث بريطاني مهتم بالشؤون الجيوستراتيجية، للبحر الأحمر باعتباره يحمل خط الاتصال البحري الرئيسي لبريطانيا إلى احتياطيات الطاقة في الخليج العربي ومصانع شرق وجنوب شرقي آسيا.

وتزيد أهميته مع توجه لندن إلى جعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ "ركيزة دائمة" للسياسة الخارجية البريطانية وجمع منطقتي المحيطين الهندي والهادئ والأوروبي الأطلسي معاً.

ومع التزايد الكبير لتهديدات القرصنة والهجمات على السفن التجارية في المنطقتين، انخرطت المملكة المتحدة  في الجهود الدولية والإقليمية لتعزيز الأمن البحري في خليج غينيا، حيث أرسلت سفناً حربية مثل "إتش أم إس ترينت" لتنفيذ دوريات أمنية وتدريب القوات البحرية المحلية.

وشاركت في مناورات متعددة الجنسية، كما دعمت إنشاء مراكز معلومات بحرية مثل (MTISC) في غانا، وتشارك في مبادرات دولية مثل مجموعة أصدقاء خليج غينيا التي أسستها لندن عام 2013.

وفي نفس السياق، عززت بريطانيا وجودها البحري والاستخباري في باب المندب وخليج عدن، وشاركت في تحالفات بحرية دولية لتأمين الملاحة فيهما والمساهمة في إنشاء ممرات عبور آمنة ودعم عمليات المراقبة البحرية والتدريبات المشتركة مع حلفائها الدوليين والإقليميين.

سفينة إتش إم إس ترينت بورتسموث بعد مشاركتها في دوريات في المياه (غيتي) اتفاقيات عسكرية وأمنية

وقعت بريطانيا العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع دول أفريقية، بما يوفر للندن مدخلاً لتحقيق مجموعة من الأهداف، يأتي على رأسها تعزيز علاقاتها مع حكومات هذه الدول، وقد وصفت مندوبة بريطانيا في ماولاي، هولي تيت، التعاون العسكري بأنه "طريقة رائعة لفتح محادثات مع الرئيس ومع كبار الوزراء ومع آخرين للحديث عن شراكتنا الأمنية".

إعلان

إلى جانب ما سبق، تعمل بريطانيا من خلال هذا المعاهدات على مواجهة تعاظم نفوذ القوى الدولية والإقليمية المنافسة كالصين وروسيا وتركيا، والترويج "للعلامة التجارية" للجيش البريطاني سواء في ما يتعلق بالتدريب أو التصنيع في مواجهة منافسين كمجموعة فاغنر الروسية على سبيل المثال، كما أن هذه الشراكات تمثل جسراً لتعزيز الصادرات العسكرية البريطانية إلى أفريقيا.

وفي هذا السياق، تأتي اتفاقية التعاون الدفاعي مع كينيا، التي وقعت في عام 2021، ضمن جهود تعزيز الأمن والدفاع المشترك وتبادل الخبرات والتدريبات المشتركة بين البلدين.

إضافة إلى ذلك، أبرمت لندن مذكرة تفاهم أمنية مع نيجيريا في عام 2018، تهدف أساسا إلى مكافحة تنظيم بوكو حرام و"تنظيم الدولة-ولاية غرب أفريقيا".

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يجري محادثات مع الرئيس الكيني ويليام روتو في اجتماع ثنائي في الأمم المتحدة (الفرنسية) قوات حفظ السلام القوة الناعمة

تشارك بريطانيا بفعالية في قوات حفظ السلام في بؤر توتر مختلفة بالقارة، ومن خلال مساهماتها العسكرية والمالية، إضافة إلى برامج التدريب وبناء القدرات، تسعى لندن إلى دعم الاستقرار في أفريقيا بما يصب في حماية أمنها القومي، حيث إن النزاعات في القارة يمكن أن تؤدي إلى تهديدات عابرة للحدود مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وبالنظر إلى الأهمية التي أولتها إستراتيجية "بريطانيا العالمية" للتجارة والاستثمار في أفريقيا تستهدف لندن من خلال مشاركتها في عمليات حفظ السلام خلق بيئة مواتية للاستثمار وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية.

ويشير مقال للدكتور فولا آينا المتخصص في الأمن إلى أن انخراط بريطانيا في عمليات السلام في غرب أفريقيا سيحمي مصالح المملكة المتحدة في المنطقة عبر ضمان سوق سلمية وناجحة ومستقرة تستفيد منها، لا سيما في ظل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني.

إعلان

من جهة أخرى تعد المشاركة في قوات حفظ السلام مدخلاً للندن تمارس عبره نوعاً من "القوة الناعمة" تعزز مكانتها في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتظهر التزامها بالسلام والأمن الدوليين، وتحسن علاقتها بالمجتمعات المحلية في القارة.​

وفي هذا السياق ساهمت بريطانيا في العديد من البعثات الأممية والأفريقية في دول كمالي وجنوب السودان والصومال، بما يتضمن توفير قدرات استطلاع طويلة الأمد، وجمع المعلومات الاستخبارية، ودعم المجتمعات المحلية في مواجهة التهديدات الأمنية، وتحسين البنية التحتية، وتقديم الدعم الطبي.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 أعلنت المملكة المتحدة عن نموذج تدريب محسّن لقوات حفظ السلام، يشمل مرافقة الجنود البريطانيين للقوات الأممية خلال أداء مهامها وتقديم تدريب متقدم في مجالات مختلفة، إضافة إلى ذلك، توفر لندن الدعم المالي والمدربين لتعزيز مركز كوفي عنان الدولي لتدريب حفظ السلام في غانا.

بريطانيا تشارك بفعالية في قوات حفظ السلام في بؤر توتر مختلفة بالقارة الأفريقية (غيتي) تحديات

تواجه الإستراتيجية البريطانية لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية باستخدام الأدوات العسكرية والأمنية العديد من التحديات، وقد أبرز الانسحاب المفاجئ للقوات البريطانية التي كانت جزءاً من مهمة الأمم المتحدة في مالي عام 2022، نتيجة الاضطرابات السياسية وتعاون باماكو مع مجموعة فاغنر الروسية، صعوبة العمل في بيئات سياسية غير مستقرة ملقياً بظلاله على إمكانيات التخطيط الإستراتيجي بالنظر إلى موجة الانقلابات التي ضربت القارة أخيراً على سبيل المثال.

كما تواجه لندن العديد من الانتقادات من المنظمات الحقوقية على خلفية دعمها أنظمة قمعية وتغاضيها عن سجلها المشين مقابل الحصول على أثمان سياسية.

وفي هذا السياق، يؤكد تقرير نشرته "ديكلاسيفايد يو كي"، وهي منظمة تعمل على التحقيق في أنشطة الوكالات العسكرية والأمنية البريطانية، أن الوثائق توضح الدعم الكبير المقدم من هذه الوكالات لنظام رئيس الكاميرون بول بيا رغم معرفة مسؤوليها بانتهاكاته حقوق الإنسان، في سبيل ضمان تصويت ياوندي إلى جانب لندن في "منظمة حظر الأسلحة الكيمائية".

إعلان

إلى جانب ما سبق، لا تبدو علاقة "جنود جلالة الملك" مع المجتمعات المحلية في أفضل أحوالها في كينيا التي تستضيف القاعدة العسكرية البريطانية الوحيدة في القارة.

ويسرد تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية تحقيقات علنية وشهادات مؤلمة عن انتهاكات مزعومة ارتكبها جنود بريطانيون في قاعدة نانيوكي، مضيفاً أن أكثر من 7 آلاف كيني رفعوا دعاوى على الجيش البريطاني بعد حريق في محمية طبيعية سببه تدريبات عسكرية، أدى إلى أضرار بيئية وصحية جسيمة.

ويوجّه العديد من الناقدين البريطانيين والأفارقة سهامهم نحو المقاربة الأمنية للندن في التعاطي مع القارة، متجاهلة المشكلات الجوهرية التي تعاني منها كالفقر وفساد النظم السياسية وفشل الدول في العديد من المجالات.

واعتبروا أن حلحلة هذه الملفات الشائكة هي المدخل الحقيقي لتمكين الأفارقة من بناء واقع أفضل يحول دون ازدهار العديد من الأنشطة الإجرامية التي تهدد بالتأثير على بريطانيا كتهريب البشر وغيرها.

مقالات مشابهة

  • عندما يلتقي الواقع بالذات.. أنرى الحقيقة أم أنفسنا فقط؟
  • بريطانيا توسع نفوذها في أفريقيا تحت غطاء الأمن
  • هل يمكن لكوب ماء بارد أن يوقف قلبك بشكل مفاجئ؟: خبير قلب يكشف الحقيقة الطبية
  • المفوض السامي لحقوق الإنسان: على العالم التحرك لوقف “الكارثة الإنسانية” في غزة
  • يمكنها أن تدمر الإنسانية | تعرف إلى توزيع الرؤوس النووية حول العالم (شاهد)
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • مسؤولة أممية: لا يمكن احتواء الوضع في غزة الذي يزداد سوءًا
  • هل يحق لزيزو المشاركة مع الأهلي في كأس العالم للأندية؟.. خبير لوائح رياضية يكشف الحقيقة
  • خُذلان الإنسانية
  • مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: ندعو دول العالم لدعم شعبنا في تقرير المصير