الدبلوماسية الاقتصادية.. بين زيارتي تركيا وبلجيكا
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
تُعد الدبلوماسية الاقتصادية شكلًا حديثًا من أشكال الدبلوماسية المُرتبطة باستخدام الاقتصاد كوسيلة للتعاون في العلاقات الدولية، وتتضمن الدبلوماسية الاقتصادية الأنشطة التي تُركز على زيادة الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي والمشاركة في عمل المنظمات الاقتصادية الدولية، وكل هذه الإجراءات تركز على إعادة تأكيد المصلحة الاقتصادية للبلد على المستوى الدولي كأولوية إستراتيجية.
وظهر مصطلح الدبلوماسية الاقتصادية منذ وقت طويل، واستفادت منه الدول المتقدمة خلال الحقب الماضية بشكل كبير، هذه الاستفادة اتخذت أشكالًا متعددة، وقد تفاوت مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية عبر الفترات الماضية ما بين استخدام القوة والنفوذ وصولًا إلى النموذج الأكثر شيوعًا في الوقت الحالي وهو استخدام الدبلوماسية السياسية وأدواتها في سبيل تحقيق أهداف اقتصادية، هذه الأهداف لا تُعد بالضرورة مكاسب واستثمارات فقط بل تتعداها لتصل إلى شراكات اقتصادية طويلة المدى، وتحالفات تنتج عنها تنظيمات سياسية ذات طابع اقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول الثماني، ومجموعة البريكس كأحدث هذه النماذج.
وقد اتجهت سلطنة عُمان إلى الدبلوماسية الاقتصادية كاتجاه حديث يقوم على تحقيق المكاسب الاقتصادية من خلال ما تحقق سابقًا من مكاسب سياسية ناتجة عن طبيعة ومرتكزات السياسة العُمانية، تلك المنهجية التي أكسبتها سمعة كبيرة على الصعيد الدولي، ومكنتها من أداء دور مُهم في ملف الصراعات الدولية من خلال قيامها بالوساطات وتسهيل التفاهمات والدفع بهذه الصراعات إلى طاولة المفاوضات، وتجنب المواجهات العسكرية، وقد نجحت سلطنة عُمان مرات كثيرة في نزع فتيل الصراع المسلح، خاصة في الملف النووي الإيراني، والخلافات العربية- العربية، وغيرها من الملفات الساخنة في المنطقة.
ومنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- خَطَت الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية خطوات واسعة، وحققت العديد من المكاسب الاقتصادية خلال الخمس سنوات الماضية، وتمثلت هذه المكاسب من خلال مشاريع الاستثمار والاتفاقيات الاقتصادية والشراكات الاقتصادية الاستراتيجية التي عقدتها سلطنة عُمان مع عديد من الدول بفضل هذا النهج والتوجه السديد من لدن جلالته- حفظه الله ورعاه.
وجاءت زيارة جلالة السلطان المُعظم- حفظه الله- إلى كل من الجمهورية التركية ومملكة بلجيكا في هذا السياق؛ إذ حققت هاتان الزيارتان مكاسب استثمارية وشراكات اقتصادية. وبلا شك أن هذه الزيارات تمثل حلقات في سلسلة ممتدة من العلاقات الاقتصادية، وقد ساهم التوجه السامي نحو الدبلوماسية الاقتصادية في جعل هذه الفرص حقيقة على أرض الواقع، وربما لا يُمكن حصر ما تم تحقيقه سابقًا من وراء هذه الشراكات الاستراتيجية مع كلتا الدولتين في هذا المقال، لكنني سأعرِّج على بعضٍ منها لتوضيح الصورة والشكل الذي باتت عليه علاقات سلطنة عُمان الدبلوماسية وتسخيرها في خدمة الملف الاقتصادي.
بلغ حجم التبادل التجاري مع الجمهورية التركية خلال الفترة ما بين 2020- 2024 مليارًا و300 مليون ريال عُماني ما بين صادرات وورادات، ومنذ يناير إلى يوليو 2024 بلغ التبادل التجاري 194 مليون ريال عُماني تقريبًا، كما بلغ عدد الشركات التركية المستثمرة في سلطنة عُمان 849 شركة وبما يعادل أكثر من 100 مليون ريال عُماني، وفي العام 2022- على سبيل المثال- بلغت قيمة الصادرات التركية إلى سلطنة عُمان ما يقارب مليارًا و400 مليون دولار أمريكي وبلغت قيمة الصادرات العُمانية إلى تركيا محو 4.65 مليار دولار أمريكي، وهذه الأرقام تعكس حجم الجهود التي تمت والتي لعبت فيها الدبلوماسية دورًا بارزًا.
أما مع مملكة بلجيكا فيكفي الإشارة إلى أحد أهم المشاريع الاستراتيجية وهو مشروع الهيدروجين الأخضر وإدارة ميناء الدقم الاقتصادي؛ حيث تعد هذه المشاريع أحد قاطرات الاقتصاد العُماني خلال السنوات القادمة، وخطوة رائدة من خطوات التنويع الاقتصادي، ولا يخفى على أحد ما تتمتع به بلجيكا من قدرات وإمكانيات في هاذين المجالين، وهو ما جعل هذه الشراكة الاستراتيجية مهمة للغاية، إلى جانب العديد من الاتفاقيات والاستثمارات المتبادلة والتي تم توقيعها سابقًا وتم تعزيزها أثناء الزيارة الأخيرة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم أيده الله إلى مملكة بلجيكا.
إنَّ السياسة العُمانية التي تقف اليوم على قمة النماذج الدبلوماسية الناجحة، ساهمت بشكل كبير في تحقيق هذه المكاسب الاقتصادية، ووصلت سلطنة عُمان بفضل هذا النهج إلى نموذج متفرد جعلها قادرة على كسب أسواق عديدة وإقامة علاقات اقتصادية وجذب استثمارات عملاقة، وفي ظل ما تشهده المنطقة من صراعات، كانت سلطنة عُمان هي الوجهة المُفضَّلة للاستثمار من قبل العديد من الدول، وقد كانت سياسة سلطنة عُمان الوسطية في التعامل مع جميع الأطراف واحترامها للمعاهدات والاتفاقيات والقرارات الدولية عاملًا مُهمًا فيما اكتسبته من ثقة المجتمع الدولي وقدرته على تحقيق هذه المكاسب الاقتصادية.
إنَّ الناظر إلى مسيرة النهضة المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- بعينٍ فاحصةٍ يُشاهد الجهود والمساعي المبذولة، ويلمس ما تحقق على أرض الواقع، وما كان كل ذلك ليتحقق لولا وجود رؤية واضحة نحو متطلبات المرحلة القادمة، وما تحقق من خلال الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية جدير بالإشادة والبناء عليه لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040" ومُستهدفات التنمية المستدامة 2030، وبالتالي تحقيق طموحات وآمال الشعب العُماني الذي ينظر للمستقبل بعين التفاؤل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قرب انعقاد اللجنة المغربية-العراقية لتعزيز العلاقات الاقتصادية
بدعوة من ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قام فؤاد حسين، وزير خارجية جمهورية العراق بزيارة عمل رسمية للمغرب في الفترة من 05 إلى 08 فبراير 2025.
والتقى وزير الخارجية فؤاد حسين مع كل من راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، ونادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية.
وعبر وزيرا خارجية العراق والمغرب عن تطلعهما إلى البدء بخطوات عملية لتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين من خلال خطوات جادة وآليات عمل مشتركة، وأكد الوزيران على أهمية انعقاد اجتماعات الدورة 11 للجنة المغربية-العراقية المشتركة في أقرب فرصة ممكنة ببغداد، كما اتفق الوزيران على تقوية الإطار المؤسساتي للتعاون بين المملكة المغربية وجمهورية العراق من خلال جعل رئاسة اللجنة الوزارية المشتركة على مستوى وزيري خارجية البلدين.
وحسب بيان مشترك فقد اتفق الوزيران على أهمية تنشيط التعاون بين رجال الأعمال والقطاع الخاص في كلا البلدين، من خلال الزيارات المتبادلة ووضع أُسس تفعيل هذا القطاع والاطلاع على فرص الاستثمار المتاحة في كلا البلدين.
وثمن فؤاد حسين وزير الخارجية، الخطوة الإيجابية بإعادة فتح سفارة المملكة المغربية في بغداد، الأمر الذي يدعم تعزيز العلاقات الوثيقة بين البلدين الشقيقين وتطويرها بما يخدم تطلعات الشعبين وأهدافهما المشتركة.
وجدد العراق موقفه الثابت والداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وأشاد بالزخم الدولي الداعم لمخطط الحكم الذاتي لحل النزاع بشأن قضية الصحراء.
وأشاد وزيرا خارجية البلدين بتوقيع مذكرة تفاهم للإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحملة جوازات السفر الدبلوماسية، بوصفها خطوة مهمة نحو توطيد العلاقات الثنائية.
وبحث الوزيران القضايا الإقليمية والدولية المختلفة، إذ أكدا على أهمية الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة العربية ووحدة أراضي دولها واحترام سيادتها وثوابتها الوطنية، ورفضهما لأي تدخل في شؤونها الداخلية.
وأكد الوزيران تطابق وجهات النظر حول القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وجددا تمسكهما بالعمل العربي المشترك باعتباره من دعائم الاستقرار والتنمية بالمنطقة العربية، كما عبرا عن تمسكهما بقيم التعاون والتضامن ونهج الحوار سبيلا لحل الخلافات بين الدول.
وبخصوص القمة العربية المقبلة، أعرب ناصر بوريطة عن تمنياته للعراق بالتوفيق والنجاح في استضافته للقمة العربية في دورتها 34 المزمع عقدها في بغداد خلال عام 2025، مؤكداً استعداد المملكة المغربية المساهمة بفعالية وإيجابية في أشغالها حتى تشكل مخرجاتها إضافة نوعية في مسار تطوير وتفعيل العمل العربي المشترك.
وبشأن القضية الفلسطينية، جدد الوزيران موقف البلدين الثابت والداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف، وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
كما دعا الوزيران إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل كامل وتنفيذ كافة مراحله، بما يفضي إلى وضع حد نهائي للحرب وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وعودة النازحين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، ومن ثمة الشروع في عملية إعادة الإعمار، كما أعربا عن أملهما في أن يمكن هذا الاتفاق تهيئة الظروف الملائمة لإقامة دولة فلسطين المستقلة استناداً إلى القرارات الأممية والدولية ذات الصلة.
واتفق الطرفان على رفض واستنكار الدعوات التي تهدف إلى تهجير سكان غزة والضفة الغربية، وأكدا على أن هذه الخطوة سابقة خطيرة منافية لقواعد القانون الدولي والإنساني، وتهدد أمن واستقرار المنطقة.
وثمن فؤاد حسين الجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل دعم القضية الفلسطينية، والدفاع عن مدينة القدس الشريف، وصون هويتها الحضارية والحفاظ على مكانتها، رمزا للتسامح والتعايش بين مختلف الديانات السماوية، وكذلك دعم صمود المقدسيين من خلال المشاريع ذات الطابع الإنساني والاجتماعي التي تنجزها وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذية للجنة القدس.
كما ثمن فؤاد حسين الدور الريادي للملك محمد السادس في تثبيت دعائم التنمية المستدامة في القارة الإفريقية، وإرساء أسس السلم والأمن والاستقرار فيها، بما يستجيب لتطلعات شعوبها في التقدم والنماء، كما بارك جهود المملكة المغربية الرامية إلى ترسيخ الشراكة الإفريقية مع مختلف الفضاءات القارية والدول الفاعلة على أسس وضوابط سليمة.