جمال بن ماجد الكندي
وقف إطلاق النَّار الذي تمَّ في لبنان بعد قتال بطولي للمُقاومة الإسلامية اللبنانية على مدار أكثر من 55 يومًا ضد العدو الإسرائيلي، أوجد مُعادلةً مُعينة لدى هذا العدو، وهي أن حزب الله اللبناني قوة لا يُستهان بها، وازداد قوةً بمساندة حلفائه في المنطقة، وهذه المُساندة كانت عن طريق المشاركة العسكرية المباشرة في ضرب العمق الإسرائيلي، ووجود الحاضنة لهذه المقاومة، التي تنقل ما تحتاجه المقاومة من دعم عسكري ولوجستي.
طبعًا.. هذه الدولة باتت معروفة للجميع، وتقصف بشكل مُنتظم من قبل الكيان الصهيوني. إنها سوريا العروبة، التي رغم مشاكلها الاقتصادية وأزماتها العسكرية في شمال شرق وغرب نهر الفرات، بوصلتها ما زالت فلسطين، وعدوها الأول هو الكيان الصهيوني. تُساند سوريا كل القوى التي تقاتل هذا العدو، وبسبب مواقفها الداعمة غُرست في خاصرتها هذه الجماعات التكفيرية والانفصالية في الشمال السوري.
السؤال الذي أطرحه على من يقرأ المقال: لماذا بدأت مقالي بذكر وقف إطلاق النار في لبنان، وما علاقته بما حصل في شمال سوريا؟! الجواب ببساطة استنتجته من كلمات نتنياهو بعد قرار وقف إطلاق النار في لبنان؛ حيث قال ضمن كلامه إنَّ الجيش الصهيوني يحتاج إلى إعادة تسليحه.
من هنا، لماذا حلب؟! فهي ليست الغاية فقط؛ بل يُراد من هذه الجماعات المسلحة أن "تتمدد وتمسك الحدود، وتسيطر على الممر الذي ينقل الأسلحة للمُقاومة اللبنانية"؛ لأنَّ سوريا هي الحضن والممر، والعدو الصهيوني يعلم أن فترة وقف إطلاق النار هي فترة يتم فيها تقييم الخسائر والمكاسب والنقص في العتاد الحربي. ونتنياهو نفسه قال ذلك بخصوص إعادة تأهيل جيشه المتهالك. فجاءت الإشارة بتهديده للرئيس بشار الأسد بأنه يلعب بالنار؛ فتحركت الجماعات المسلحة بكل تناقضاتها في الشمال السوري من أجل ما يزعمون أنه "التحرير"، وهي الجماعات التي غابت خلال حرب تدمير غزة ولبنان، وهبّت عندما أمرها المشغل الصهيوني وغيره.
معركة حلب وأهدافها
معركة حلب يُراد لها من قبل مُشغِّلي هذه الجماعات المسلحة تحقيق عدة أمور، من أبرزها إشغال سوريا داخليًا عن طريق مجابهة هذه الجماعات المسلحة، بفتح جبهة جديدة تستنزفها وحلفاءها في المنطقة بعد المساكن العسكرية مع هذه الجماعات المسلحة عبر اتفاقية "أستانة" بين الثلاثي الروسي والإيراني والتركي. وما قامت به هذه الجماعات المنضوية تحت العباءة التركية هو انقلاب كبير على اتفاقات "أستانة".
هذه المعركة، كما قلت، ليست متوقفة على محافظة حلب فقط؛ بل يُراد منها في مرحلتها الثانية مُحافظة حماة، وبعدها حمص ودير الزور، لقطع عملية إيصال السلاح للمقاومة اللبنانية. ووقف إطلاق النار تريده إسرائيل متنفسًا لها ولجيشها، ولا تُريده لمن يزود المقاومة بالسلاح. لذلك بدأت معركة حلب في هذا التوقيت بالذات. وللأسف، المقاطع التي تصور المسلحين في حلب وهم يدوسون على العلم الفلسطيني ويزيلون صورة المسجد الأقصى هي أوراق اعتماد للإسرائيلي بأننا في نفس الخندق، وعدونا واحد.
ومعركة حلب اليوم تختلف عن معركة حلب إبّان عشرية النَّار في سوريا، والتي كانت بنفس هذه الأدوات عام 2017، واختلافها يتجلى من جانبين: سياسي وعسكري، وهذا الاختلاف هو الذي سوف يُسرع من حسم المعركة لصالح الجيش العربي السوري.
سياسيًا.. في معركة حلب الأولى، كانت سوريا في عزلة عن محيطها العربي، بسبب أحداث ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، وكان يُراد من هذا الربيع المزعوم تغيير نظامها السياسي إلى نظام يتماهى مع الأجندة الأمريكية الصهيونية، خاصة أن دمشق رفضت مطالب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول- بعد احتلال العراق عام 2003- بفك الارتباط عن قوى المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، فكان الجواب السوري هو الدعم الكامل لحزب الله في معركة 2006 ضد الكيان الصهيوني.
اليوم تغيَّر الحال، وسوريا عادت إلى العُمق العربي من بوابة الجامعة العربية. كما إنَّ الإدانات العربية بعد هجمات المسلحين على حلب كانت واضحة من دول عربية وخليجية، بعد أن كانت في السابق تدعو الرئيس بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة. المُفردات في معركة حلب الثانية تغيرت إلى كلمات تدعو إلى المحافظة على سيادة ووحدة الأراضي السورية. وتصريح المجموعة العربية في مجلس الأمن دليل على ذلك؛ حيث ندَّدت بما فعلته الجماعات المسلحة، ودعت إلى عمل كل ما يلزم للمحافظة على سيادة الدولة السورية.
سوريا طالبت بعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب بتاريخ 8 ديسمبر، والمتوقع من هذا الاجتماع صدور بيان يُؤيد وحدة وسيادة الأراضي السورية، ويُندد بما حصل في حلب. وهذا يُعتبر دعمًا سياسيًا عربيًا كبيرًا، مقارنة بما حصلت عليه سوريا في معركة حلب الأولى.
عسكريًا.. في معركة حلب الأولى، كان الجيش العربي السوري يُقاتل في أكثر من 400 جبهة قتالية بين كبيرة وصغيرة، واستطاع رغم تلك الجبهات الواسعة على كامل الجغرافيا السورية أن يُحقق الانتصار في معركة حلب عام 2017.
اليوم، الجيش العربي السوري يُقاتل في جبهة واحدة كبيرة في الشمال السوري، والغرض بات واضحًا كما قلنا؛ وهذا الأمر لا يُعطي المُسلحين البيئة التي كانت تتعاطف معهم كما حصل في معركة حلب الأولى.
المُعطى السياسي والعسكري في معركة حلب الثانية يقوي الجانب السوري، وربما كانت هذه المعركة هي الذريعة التي ينتظرها الجيش العربي السوري لتطهير كامل الشمال السوري، حيث كانت اتفاقات "أستانة" هي التي تمنع تحقيق ذلك.
من قاموا بالهجوم على حلب لا يمكن أن يكونوا من دُعاة الحرية، كما يحاول من يتبنى فكرهم المريض تصوير ذلك. فهل يعقل أن يأتي المقاتل الأوزبكي والشيشاني والتركستاني والإيغوري بدعوة تحرير حلب؟! هل يحررونها من أهلها؟! هذا هو العجب! وأين غزة من تكبيراتهم، ألا تستحق التحرير؟!
حلب الآن هي معركة المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية هي برسم رجال الجيش العربي السوري لهدم ما يُخطط ضدها. حلفاء سوريا، وخاصة الروس، لن يسمحوا بإسقاطها، والغرب يعلم ذلك. وهذه المعركة تهدف إلى إشغال هذا المحور داخليًا في سوريا عن الجبهات الأخرى المشتعلة ضد الصهيوني والأمريكي في المنطقة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سلاح الجو الصهيوني يدمر الجيش السوري.. والجماعات المسلحة تبلع ألسنتها
يمانيون../ أعلنت قوات العدو الصهيوني، اليوم الثلاثاء، أنّ سلاح الجو “هاجم 250 هدفاً في سوريا خلال الأيام الماضية”، في هجوم وصفته بأنّه “من أكبر الهجمات في تاريخنا”، في حين تبلع الجماعات المسلحة ألسنتها ولا تحرك ساكنا أمام التقدم والعمليات العسكرية الصهيونية بالأراضي السورية.
وأفادت إذاعة قوات العدو الصهيوني نقلاً عن مصدر عسكري أنّ “سلاح الجو دمّر عشرات الطائرات الحربية السورية في هجماته”.
ونقل ما يسمى المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقرة بريطانيا أن “الجيش” الإسرائيلي “دمّر أهمّ المواقع العسكرية في سوريا”.
وأضاف المرصد أنّه “وثّق نحو 310 غارات إسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد الأحد”، فيما أفاد صحافيون من وكالة “فرانس برس” في العاصمة بأنّهم سمعوا دوي انفجارات في وقت مبكر الثلاثاء.
بالتزامن مع ذلك دمرت غارات صهيونية مساء أمس بشك كامل مركز البحوث العلمية في دمشق، التابع لوزارة الدفاع السورية.
إلى ذلك أفادت وكالة “سبوتنيك” الروسية أن طائرات مروحية أمريكية وإسرائيلية هبطت في عدة مواقع بجبال القلمون في ريف دمشق
وأوضحت الوكالة أن الطائرات المعادية حملت على متنها خبراء أسلحة قاموا بتفكيك وإعطاب الأسلحة الاستراتيجية السورية في جبال القلمون.
التقدم الصهيوني البري
وفور وصول الجماعات المسلحة التابعة للغرب إلى دمشق قبل يومين، أعلن رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو نقض اتفاق فض الاشتباك مع سوريا واستولى في أول يوم من وصول السلطة الجديدة إلى سوريا على المنطقة العازلة.
وبالتوازي مع العدوان الجوي، احتلت قوات العدو 9 قرى في الريف الجنوبي لدمشق، بحسب ما أعلن الإعلام الصهيوني.
وقال الإعلام الإسرائيلي إنّ “القوات الصهيونية وصلت إلى قرب بلدة قطنا في ريف دمشق على مسافة 10 كلم (من أحياء دمشق و15 كلم من مركز المدينة، مضيفةً أنّ ” القوات الصهيونية موجود في المناطق الداخلية لسوريا”.
وفي السياق، أشارت صحيفة “الوطن” السورية، اليوم الثلاثاء، إلى “توغل قوات الجيش الإسرائيلي إلى جنوب محافظة دمشق”.
وذكرت التقارير أنّ القوات الإسرائيلية “سيطرت على بلدة حينة التي تبعد نحو 31 ميلاً من دمشق وصولاً إلى مشارف خان الشيح في منطقة قطنا الواقعة مقابل منطقة راشيا اللبنانية”.
وأفادت وكالة بريطانيا “رويترز” أنّ القوات الصهيونية “وصلت إلى قطنا التي تقع على مسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية إلى الشرق من المنطقة العازلة”.
وكان رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني قد أعلن أمس أن “إسرائيل” تعمل بطريقة منهجية على تفكيك ما يسميه محور الشر، مؤكدا أن هضبة الجولان ستبقى إسرائيلية إلى الأبد، مضيفا أن “إسرائيل” تغير الشرق الأوسط وتعزز موقعها كدولة مركزية في المنطقة، حد وصفه.
بشأن سيطرة قوات العدو على المنطقة العازلة وهضبة الجولان، قال بنيامين نتنياهو: إن “الجميع بات يدرك اليوم الأهمية البالغة لسيطرتنا على هضبة الجولان التي ستبقى إلى الأبد جزءا لا يتجزأ من إسرائيل”، حد وصفه.
وفي حين تعاني سوريا من خطر اجتياح صهيوني بري، والذي بدأ بالفعل مع تمركز القوات الغازية في مبنى محافظة القنيطرة، وتمددها في الأراضي السوري، تصمت الجماعات المسلحة ولم تدلي حتى بتصريح واحد تجاه ما يجري في البلاد، وهي التي توعدت النظام السابق بآلاف الانغماسيين، لكن أمام كيان العدو الصهيوني لم يشاهد العام حتى طلقة رصاصة واحدة.
غير أن تلك الجماعات بدأت بتصويب سهامها ضد الداخل السوري وبدأت بتصفية حسابتها مع السلطة السابقة وأصدرت قوائم بالأسماء وأعدمت عددا من القيادات وسط مخاوف من توسع عمليات الانتقام لتطال شرائح واسعة من المجتمع والطوائف في البلاد.
ويرى مراقبون أن صمت تلك الجماعات يأتي في ظل التنسيق بينها وبين الغرب، باعتبارها أداة لإسقاط الدولة السورية، وإشاعة الفوضى في سوريا والمنطقة، تمهيدا لتقسيمها، وإخضاعها لهيمنة كيان العدو الصهيوني.