صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-17@23:03:29 GMT

السودان وحرب اللا حل

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

السودان وحرب اللا حل

 

السودان وحرب اللا حل

ناصر السيد النور

عادة ما تنشأ الحروب وفق تعقيدات غالبا ما يكون تقديرها مختلف عليه ويكون تفسير دواعيها مهمة يضطلع بها من غير مشعلوها من محللين وخبراء ومؤرخين وبعض من الجنرالات كما في العالم الثالث. والبعد الاستراتيجي للحرب الذي تتأسس عليه الرؤية والعقيدة العسكرية كما في استراتيجية الحرب التقليدية، ومنها حروب موطنها العالم الثالث تتساوى مع استراتيجيات الحروب الأخرى مؤداها قتل الانسان بالدرجة الأولى.

ولكن تظل المنطلقات والأهداف والسياسات للحرب إذا كانت ممارسة سياسة وسياسة لأن سياسية إدارة الحرب نفسها هي ما يحدد أهداف. وتأثير الحروب على السياسة أو العكس تجسيدا لمقولات الجنرال الصيني سون تزو في فن الحرب أو باعتبارها استمرارا للسياسية في مقولة المنظر البروسي كلاوزفتز الشهيرة. والحرب أكبر من أن تترك للجنرالات على قول رجل الدولة الفرنسي جورج كلمنصو؛ مع أن كل الحروب بتجربة التأريخ أو بمنطق العسكرية يقودها جنرالات تخطيطا وتنفيذا.

إن الحرب الجارية في السودان فيما بات يعرف بالـ”الأزمة السودانية “ظلت منذ انطلاقها منذ عام ونصف في العام الماضي في الخامس عشر من ابريل/نيسان 2023م قد انتجت نمطا جديدا من حروب البلاد المتعددة لا سوابق لها وبالتالي تعقدت أزمتها في إدارة عملياتها أو توصلا لحل يضع حدا لمآسيها الإنسانية. والواقع أن تجاوزاتها على كافة مستويات انتهاكاتها وجرائمها الإنسانية ما عرفته نزاعات الدولة الداخلية، ولأنها جسدت صراع ونوازع في السلطة والدولة والمجتمع كان من الطبيعي أن تستعصى على الحل على نحو الحلول التي يتم التوصل إليها في نهايات كل الصراعات. فما الذي يقف عائقاً أمام محاولات الحل بعد أن استنفذت الحرب كل أهدافها في التدمير ووصولا إلى ما تصنفه القوانين والأعراف من إبادة عرقية ومذابح على نحو غير مسبوق؟ ولكنها مع ذلك تواصلت وتيرتها بين طرفيها الجيش وقوات الدعم السريع وما تبع ذلك من ظهور مكونات عسكرية للطرفين على أساس قبلي وجهوي زاد من حدتها وباعد بينها وبين محاولات حلها على ما تعهده نهايات النزاعات من حوار وتفاوض وتسوية واتفاق.

وإن أكثر ما شغل السودانيين حول هذا الحريق الكبير السؤال حول من أطلق الرصاصة الأولى؟ وهو تساؤل على اجتهادات البعض من خارج دارة الطرفين وغيرهم في الإجابة عليه إلا أنه ظل تساؤلا عالقا يبحث عن إجابة عن أهمية الأسباب غير المرئية التي أدت إلى إطلاق النار ابتداء. ومع أن التساؤل نفسه يكشف عن الاستعداد والتخطيط الذي كان يعد لشن الحرب من قبل الطرفين إلا أنه بدا تساؤلا ميتافيزيقيا ينطوي على غموض أكثر منه مدعاة للبحث عن جذور الصراع. ويتضح أيضا إن من وراء السؤال نفسه طبيعة تفكير المكونات العسكرية وتوغل الأطراف السياسية على مؤسساتها. وقرار الحرب أو تعجيل المواجهة التي كانت حتمية وقتها كان لابد له من قوة عسكرية وقرار مدني سياسي أو حزبي في السياق السياسي السوداني يمثل غطاء شرعيا تلك التي تقتضيها الحرب. وما أن طالت الاتهامات الحركة الإسلامية بوقوفها خلف الجيش حتى تحول الصراع بين ما هو عسكري وأيديولوجي وبالضرورة سياسي يأخذ بكل الأسباب المنطقية منها والواهية في تبرير كل طرف موقفه في مواصلة الحرب أو الدفاع عن النفس. وبالنتيجة اتخذت الأبعاد المدنية المتحولة عسكريا من كيانات اجتماعية وقبلية وواجهات سياسية مواقف تعكس الطرق المسدودة التي توصلت الأزمة السودانية والتي باتت خارج مألوف مفاوضات السلام وتقنياتها المعرفة لها في حدود مبادئ التفاوض واعرافه.

مداخل الحل للأزمة السودانية المعقدة في طبيعتها وتوصيفها لا تختلف عن طبيعة الحرب نفسها، ودائما كان تعدد الأطراف المشاركة في الحرب، فقد جاءت الحلول بذات التعدد من اختلاف المنابر واجندات التفاوض. فالإسناد الإقليمي والدولي لطرفي الحرب باعد بين محاور الحلول باختلاف الرؤى المؤدية إلى مسارات الحلول. ولم يقتصر هذا التدخل في اطاره الإقليمي العربي والأفريقي بل شمل قوى دولية مؤثرة مما يشيء بتوازنات القوة على مستوى محور النظام العالمي، وما جرى في مجلس الأمن في الثامن عشر من الشهر الماضي بشأن مشروع القرار الذي تقدمت المملكة المتحدة وسيراليون لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الذي أبطله تصويت روسيا باستخدام حق النقض “الفيتو”.  وبهذا يكون تدخل المجتمع الدولي على المستوى الأممي قد وصل بالفيتو الروسي إلى نهاية غير متوقعة مما زاد من تباعد الأزمة السودانية من طرق الحل الدبلوماسي الدولي. ويتبع كل فشل في مبادرات الحلول التي عادة ما يكون تحت رعاية أطراف خارجية ضراوة في المواجهات العسكرية بين الطرفين كما لو كان فشل في التفاوض يعني ضوء اخضرا للطرفين للمضي قدما في الانتهاكات التي يرتكبها الطرفان بحق المواطنين.

والموقف الداخلي للحرب هو ما يجرى على صعيد المواجهات العسكرية بين الطرفين ويأمل كل طرف في سحق الطرف الآخر كآخر مراحل الحل العسكري، وهو أمر فيما بدا يصعب على الطرفين تحقيقه. وعلى ما شكله اجتياح المدن والقرى خروج مدن وولايات بكاملها عن سيطرة الدولة المفترضة وسياداتها وأصبحت تحت السيطرة المباشرة لقوات الدعم السريع وفشل الأخيرة في إدارة أو التعامل مع هذا الواقع المحقق عسكريا وفق منظومة إدارة مؤسسات الدولة. وهذا الواقع العسكري انسحبت تأثيراته على الموقف من التفاوض منذ بدايته في منبر جده بعيد اندلاع الحرب برعاية سعودية أميركية. ولم تكن الاستجابة السياسية للطرفين انحيازا لسلام تقتضيه الحالة الإنسانية التي احدثتها الحرب بقدر خضوعها للضغط الدولي خاصة من الدول التي تتحكم إلى حد ما بمجريات الأمور في أزمة السودان.  ويبقى الحديث عن حل عسكري في ظل الواقع الجغرافي والاستقاطابات الاجتماعية للحرب حلا بعيد المنال وثمنه أفدح من أن تحتمله الأوضاع القائمة بالبلاد.

ومن ثم فإن الحل السياسي بما يعني المحاولات المدنية للضغط على الطرفين للقبول بمبدأ التفاوض السلمي وحملها بالتالي للتنازل عن طموحهما السياسي او العسكري لصالح مصلحة وطنية عليا في وقف الحرب، فيبدو أمرا غير واقعي أو متصورا في المناخ العسكري للحرب.  فلا وجود لمكونات مدنية بالبلاد على نحو ما كان قبلها والمتبقية منها في الداخل تعمل من وراء التشكيلات العسكرية التي تدعم استمرار الحرب. ولا تزال القوة المدنية ممثلة في الحركة الإسلامية بهيمنتها على الجيش وإدارة المعركة القوة المدنية الوحيدة التي لا تقبل حوارا او تفاوضا مع الأطراف المدنية الأخرى التي تقيم بالخارج مثل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) الفصيل المدني الوحيد الذي يطرح مبادرة وقف الحرب في مواجهة الأصوات الداعمة لاستمرار الحرب. ولم يعد المجال مهيأ في الداخل على تبنى حلولا يكون مسارها مخرجات حوار مدني بخروج كافة التيارات السياسية من دائرة الفعل السياسي بخلاف تصريحاتها على وسائل الإعلام.

فهل تركت الأزمة السودانية التي تشكل المواجهة العسكرية العنيفة لتحل نفسها بنفسها؟ فإذا ما تركت الحرب تفرض واقعها الجديد الذي تزداد معه معاناة المواطنين والنازحين في الداخل والخارج دون أن تتمكن الدولة أو المجتمع الدولي بمبادراته الكثيرة من وقفها فالراجح استمرار المعاناة وتحول مظاهرها من مجاعة وامراض تفتك بالمواطنين إلى حرب إبادة كارثية.  والإشكال الآخر في مسار الأزمة أن كل الأطراف المتقاتلة تفتقد إلى رؤية أو مشروعا للوقف الحرب ومستقبل السلام فما نتجت عنها من واقع لم يكن قائما يخشى الكثير من العسكريين والسياسيين تقبله أو الاعتراف به فأصبح السلام بالتالي نفسه كابوسا لما يأتي بعده. فإذا فرضت الحرب حلولها على انتهت إليه من نتائج مؤثرة على الخارطة البلاد الجغرافية فإن حلولا مقارنة في نزاعات السودان قد تعود للظهور مرة أخرى مثلما حدث في حرب الجنوب التي انتهت بانفصال جزء 2011 من القطر كحل أخير. ومن المفارقات التأريخية أن تكون الخرطوم التي احتضنت مؤتمر القمة العربية في اعقاب نكسة حرب يونيو/تموز 1967 الذي عرف بمؤتمر اللاءات الثلاث: لا صلح لا اعتراف ولا تفاوض مع الكيان الصهيوني أن تظل هذه اللاءات مرفوعة ولكن هذه المرة في حرب أهلية.

 

 

الوسومالسودان حرب الجيش والدعم السريع قمة اللاءات الثلاث نكسة يونيو

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان حرب الجيش والدعم السريع نكسة يونيو

إقرأ أيضاً:

الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار

دعت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الموافقة على وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية.
وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في السودان، وإنما فقط حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.

وأوضح البيان إلى أنه: «مع دخول حرب السودان المدمرة عامها الثالث، تصدر الإمارات العربية المتحدة دعوة عاجلة للسلام. إن الكارثة الإنسانية التي تتكشف في السودان هي من بين أشد الكوارث في العالم: أكثر من 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة عاجلة، والمجاعة تنتشر، والمساعدات يتم حظرها عمداً».
وأضاف البيان: «وما زالت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ترتكب الفظائع. إن الهجمات المستمرة للقوات المسلحة السودانية - التي تميزت بتكتيكات التجويع، والقصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان، والأعمال الانتقامية ضد المدنيين، بما في ذلك عمال غرف الاستجابة للطوارئ، والاستخدام المبلغ عنه للأسلحة الكيميائية - ألحقت معاناة لا يمكن تصورها بالسكان المدنيين الذين هم بالفعل على شفا الانهيار. تدين الإمارات هذه الفظائع بشكل لا لبس فيه وتدعو إلى المساءلة. كما تدين الإمارات بشدة الهجمات الأخيرة على المدنيين في دارفور، بما في ذلك الاعتداءات الوحشية على مخيمي زمزم وأبو شوك بالقرب من الفاشر، والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى. يجب على جميع أطراف النزاع وقف الاستهداف المتعمد للعاملين في المجال الإنساني والقصف العشوائي للمدارس والأسواق والمستشفيات».

وتابع البيان: في هذه اللحظة من المعاناة الهائلة، تدعو الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ إجراءات فورية على ثلاث جبهات:

1. وقف إطلاق النار والعملية السياسية


يجب أن تصمت البنادق. وتحث الإمارات كلا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الموافقة على وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية. لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري - فقط حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.

2. وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق


وعرقلة المعونة أمر غير معقول، كما أن تسليح المعونة الإنسانية والإمدادات الغذائية عمل مدان. يجب على كلا الطرفين السماح بالوصول الفوري والآمن والعاجل للمنظمات الإنسانية للوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها في جميع أنحاء السودان. وتدعو الإمارات الأمم المتحدة إلى منع الأطراف المتحاربة من استخدام المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية أو سياسية. حياة الملايين من المدنيين تعتمد على ذلك.

3. الضغط الدولي


ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل على وجه السرعة لتيسير عملية سياسية، وزيادة المساعدة الإنسانية، وممارسة ضغط منسق على جميع الجهات الفاعلة التي تغذي الصراع. وندعو إلى الانتقال إلى حكومة مستقلة يقودها مدنيون—وهي الشكل الوحيد للقيادة التي يمكن أن تمثل شعب السودان تمثيلا شرعيا وتضع الأساس لسلام دائم. لا يمكن للعالم أن يسمح للسودان بالتحول إلى مزيد من الفوضى والتطرف والتشرذم.
منذ اندلاع النزاع، قدمت الإمارات العربية المتحدة أكثر من 600 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية للسودان والدول المجاورة—بما في ذلك من خلال وكالات الأمم المتحدة، بنزاهة، على أساس الحاجة ودون تمييز. ولا نزال ملتزمين بدعم الشعب السوداني والعمل مع الشركاء الدوليين للتخفيف من المعاناة والضغط من أجل السلام.
لقد حان وقت العمل الآن. يجب أن يتوقف القتل. يجب أن يبنى مستقبل السودان على السلام والعدالة والقيادة المدنية المستقلة عن السيطرة العسكرية-وليس على طموحات أولئك الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب على حساب شعبهم.

مقالات مشابهة

  • خطيب بالأوقاف: الاحتكار جريمة أخلاقية وحرب صريحة مع المجتمع والدين
  • استمع: بيان الانقلاب الذي سجلته المليشيا بصوت عماد عبد الرحيم (كادر حزب الأمة )
  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • مصر: جهودنا لم تتوقف لإنهاء الحرب على غزة
  • الإمارات.. دور فاعل لدعم آليات الحل السياسي في السودان
  • عام ثالث من الحرب… هل يملك الشباب القوة المؤثرة في صناعة سلام السودان ؟
  • حميدتي يكشف عن حل وحيد يطرحه البرهان ويتهم الجيش بإغلاق كل الطرق السلمية
  • الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار
  • الاتحاد الأوروبي يكشف الحل الوحيدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.. تفاصيل مهمة
  • الجارديان: الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تضر بمصالح الطرفين