معهد أوروبي: التحالف الروسي الحوثي سيقوض النفوذ الأمريكي السعودي في المنطقة (ترجمة خاصة)
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
قال معهد أوروبي إن التحالف الروسي الحوثي سيعمل على تقويض النفوذ الأمريكي والسعودي في المنطقة وسيرهق بشكل غير مباشر موارد تلك الدولتين، مما يعقد سياساتهما في اليمن والمنطقة الأوسع.
وأضاف "معهد روبرت لانسينج" لدراسات التهديدات العالمية والديمقراطيات في تحليل مطول تحت عنوان "تقييم الرهان الاستراتيجي الروسي بالتعاون مع الحوثيين" وترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" أن دعم الحوثيين سراً من شأنه أن يسمح لموسكو بفرض نفوذها في اليمن دون إثارة عداوة المملكة العربية السعودية أو دول الخليج الأخرى بشكل علني.
وتابع "الدعم غير المباشر: إذا كانت المخابرات العسكرية الروسية متورطة، فمن المرجح أن تكون أنشطتها غير مباشرة، مثل تسهيل نقل الأسلحة، أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو التدريب العملياتي، ربما من خلال وسطاء مثل إيران أو جهات فاعلة إقليمية أخرى.
وأضاف "مع سعي روسيا للرد على سماح الولايات المتحدة باستخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى ضدها، فإن مساعدة الحوثيين في إبقاء الولايات المتحدة محاصرة عسكريًا وماليًا في البحر الأحمر قد تبدو خيارًا جذابًا".
وأكد المعهد أن زعزعة استقرار المنافسين: إن دعم الحوثيين يرهق بشكل غير مباشر موارد الولايات المتحدة والسعودية، مما يعقد سياساتهما في اليمن والمنطقة الأوسع.
ويشير المعهد أن مشاركة روسيا مع الحوثيين، وهم فصيل مهم في الحرب الأهلية في اليمن، تخدم العديد من الأغراض الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية. وفي حين حافظت روسيا تاريخيًا على نهج متوازن نسبيًا في الصراع اليمني، فإن علاقتها بالحوثيين تتوافق مع أهداف أوسع في الشرق الأوسط.
وقال "بفضل التهديد الذي يشكلونه على طرق الملاحة البحرية، اجتذبت بروز الحوثيين المتزايد الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك روسيا، التي تسعى إلى تحدي النظام السياسي والاقتصادي الذي يهيمن عليه الغرب. وقد نمت علاقات موسكو مع الجماعة اليمنية جنبًا إلى جنب مع شراكتها العسكرية مع إيران ومحورها".
وتؤكد الاتصالات المتزايدة -حسب التحليل- بين الحوثيين وروسيا كيف تعمل الجماعة اليمنية على تنويع تحالفاتها، بما يتجاوز أيضًا "المقاومة" التي تقودها إيران. "ومن وجهة نظر الحوثيين، فإن روسيا تتناسب مع هذا المخطط لاكتساب شركاء جدد للأسلحة وطرق التهريب والتمويل.
وأورد المعهد الأوروبي عدة أسباب قال إنها قد يجعل روسيا ترى قيمة في تعزيز العلاقات مع الحوثيين:
1. النفوذ الجيوسياسي في الشرق الأوسط
توسيع النفوذ: يمنح التحالف مع الحوثيين روسيا فرصة لتوسيع نطاق نفوذها في شبه الجزيرة العربية، وهي المنطقة التي يهيمن عليها تقليديًا حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية.
مواجهة الهيمنة الغربية: يمكن أن يعمل دعم الحوثيين كقوة موازنة للتحالفات المنحازة إلى الغرب، وخاصة تلك التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
2. المصالح البحرية والاستراتيجية
السيطرة على نقاط الاختناق الاستراتيجية: يسيطر الحوثيون على مناطق بالقرب من مضيق باب المندب، وهو ممر بحري حيوي للتجارة العالمية. إن ترسيخ النفوذ على هذه النقطة يعزز قدرة روسيا على فرض قوتها في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
الوجود البحري: قد تسعى روسيا إلى الوصول البحري أو الاتفاقيات اللوجستية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما يكمل وجودها في ميناء طرطوس السوري ويعزز استراتيجيتها البحرية العالمية.
3. موازنة العلاقات الإقليمية
السعودية وإيران:
لقد أقامت روسيا علاقات مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران، حيث تعد الأخيرة داعمًا رئيسيًا للحوثيين. إن التعامل مع الحوثيين يسمح لروسيا بالحفاظ على توازن دقيق بين هاتين القوتين.
من خلال لعب دور الوسيط، تضع روسيا نفسها كوسيط رئيسي للسلطة في المنطقة.
يحظى الحوثيون بدعم كبير من إيران، الحليف الروسي الرئيسي في المنطقة. قد ينسق جهاز المخابرات العسكرية الروسية بشكل غير مباشر مع الحوثيين من خلال الحرس الثوري الإيراني، خاصة إذا كان هذا يخدم أهدافًا روسية إيرانية أوسع.
* من الناحية النظرية، يمكن لجهاز المخابرات العسكرية الروسية أن يلعب دورًا في تسهيل شحنات الأسلحة السرية إلى الحوثيين، إما بشكل مباشر أو عبر وسطاء.
* التدريب المتخصص: يُعرف أفراد جهاز المخابرات العسكرية الروسية بخبرتهم في حرب العصابات والحرب غير المتكافئة. إذا كان هناك اتصال، فقد يتضمن ذلك تقديم المشورة الاستراتيجية أو التدريب لتعزيز فعالية الحوثيين القتالية.
4. مبيعات الأسلحة والمصالح الاقتصادية
سوق الأسلحة: اعتمد الحوثيون بشكل كبير على الأسلحة، وفي حين يأتي جزء كبير من ترسانتهم من إيران، فإن روسيا قد ترى فرصًا محتملة لمبيعات الأسلحة السرية أو الشراكات العسكرية.
إعادة الإعمار بعد الحرب: إذا احتفظ الحوثيون بالسيطرة في اليمن بعد الصراع، يمكن لروسيا الاستفادة من علاقتها لتأمين العقود الاقتصادية ومشاريع إعادة الإعمار.
5. تقويض النفوذ الأمريكي والسعودي
النفوذ الدبلوماسي: يمنح تورط روسيا صوتًا في المفاوضات المتعلقة باليمن، مما يسمح لها بانتزاع تنازلات في مسائل جيوسياسية غير ذات صلة.
6. المرونة الإيديولوجية
على النقيض من الولايات المتحدة أو بعض القوى الإقليمية، لا تلتزم روسيا بأطر إيديولوجية صارمة في السياسة الخارجية. وتسمح لها هذه البراجماتية بالتعامل مع جهات فاعلة متنوعة، بما في ذلك الحوثيون، طالما أن ذلك يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
إن علاقة روسيا بالحوثيين لا تتعلق بالتوافق الإيديولوجي بل تتعلق بالمنفعة الاستراتيجية. ومن خلال التعامل مع الحوثيين، تستطيع موسكو توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وتحدي الهيمنة الغربية، وتأمين الوصول البحري، ووضع نفسها كوسيط رئيسي في أحد أكثر الصراعات صعوبة في المنطقة. ويعزز هذا النهج البراجماتي مكانة روسيا كقوة عالمية في حين يعزز مصالحها في البحر الأحمر وما بعده.
تهديد متصاعد محتمل
تشير التقارير إلى أن موسكو فكرت في تزويد الحوثيين بأسلحة صغيرة مثل بنادق AK-74 وصواريخ كروز مضادة للسفن من طراز P-800 Yakhont/Oniks.
وتسلط هذه التطورات الضوء على التعاون المتزايد بين روسيا والحوثيين، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية وتهديد التجارة البحرية الدولية. وأي نقل روسي للأسلحة أو المعلومات الاستخباراتية إلى الحوثيين من شأنه أن يشكل تصعيدا كبيرا.
ويبدو أن موسكو امتنعت عن مثل هذه التحويلات، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الضغوط من المملكة العربية السعودية، ولكنها مع ذلك أثارت قلق الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت مزاعم تفيد بأن المجندين الحوثيين تم تهريبهم للقتال في أوكرانيا بموجب وعود كاذبة بوظائف مربحة والجنسية الروسية في نهاية المطاف. ورغم أن مثل هذه الادعاءات تتوافق مع الجهود الأوسع التي تبذلها موسكو للتخفيف من الخسائر الفادحة في حربها الجارية مع كييف من خلال تجنيد المهاجرين والمواطنين الأجانب - وخاصة الكوريين الشماليين - إلا أنها لا تزال غير مؤكدة، مما يستدعي الحذر.
بالنسبة للحوثيين، فإن العلاقات الوثيقة مع موسكو ستجلب الاعتراف الدولي ومصادر جديدة للدعم العسكري والاستخباراتي تتجاوز قدرات إيران في حين تعزز مكانتهم الإقليمية. وتعكس هذه العلاقة المتنامية أيضًا التحولات داخل محور المقاومة نفسه.
لقد تولت أنصار الله، على الرغم من بعدهم الجغرافي عن إسرائيل، دورًا أكبر في المحور من خلال استهداف الشحن الدولي والضغط على إسرائيل أثناء حرب غزة، ولكن أيضًا بسبب ترساناتهم المتوسعة وقدراتهم الهجومية المتنامية.
على النقيض من ذلك، ضعفت حماس وحزب الله وسط المواجهة المستمرة مع إسرائيل. "يطمح الحوثيون إلى تولي دور قيادي أكبر داخل - وخارج - محور المقاومة. إن العمل مع روسيا يوفر المكانة والاعتراف، وليس فقط الأسلحة والبيانات.
إن هذه الشراكة مع موسكو تكمل أهداف إيران، وتعزز المشاعر المعادية للغرب المشتركة دون تقويض العلاقات بين الحوثيين وإيران. ومن غير المرجح أن يؤدي تنويع تحالفات الحوثيين إلى خلق احتكاك مع إيران، وخاصة في ضوء تعزيز الشراكة الدفاعية بين إيران وروسيا.
وبعيدا عن بعدها المعادي للغرب، فإن تورط موسكو في اليمن قد يخدم أيضا كجهد استراتيجي لكسب النفوذ على المملكة العربية السعودية. ومع تفاوض الرياض على معاهدة دفاعية محتملة مع الولايات المتحدة، قد تضع روسيا نفسها في موقف المفسد، وخاصة في ظل توقع إدارة ترامب الثانية القادمة، حيث قد تتبنى المملكة موقفا أكثر تأييدا لأميركا بشأن أسعار النفط في مقابل ضمانات أمنية.
إن واشنطن قد تضغط على المملكة العربية السعودية لاستخدام نفوذها لدى موسكو لمنع نقل الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى الحوثيين. ومع ذلك، من المرجح أن يركز ترامب على الحد من العلاقات المتنامية بين الرياض وروسيا (والصين).
إن الرياض تخاطر بخسارة أكبر نتيجة لأي تصعيد في المنطقة، مما يجعلها لاعباً حاسماً في موازنة التوترات حول الحوثيين وروسيا.
مع نمو طموحات الحوثيين الإقليمية، فإن فك ارتباط الصراع في اليمن بالأزمات الأوسع في الشرق الأوسط سوف يصبح صعباً على نحو متزايد.
إن تطوير شبكة يقودها الحوثيون في منطقة البحر الأحمر من شأنه أن يقدم ديناميكيات جديدة مزعزعة للاستقرار إلى المشهد الجيوسياسي الهش بالفعل في الأمد المتوسط إلى الطويل.
إن الانخراط الدبلوماسي للحوثيين مع روسيا والصين يشير إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية - ولكن ليست مؤيدة للغرب - في المستقبل.
في الأمد المتوسط إلى الطويل، من الممكن أن تؤدي هذه العلاقات إلى خلق احتكاك بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا في حين قد تؤدي إلى تجدد النشاط الأميركي فيما يتصل باليمن والبحر الأحمر.
إن تعاون الكرملين مع الحوثيين، سواء كان مباشرا أو غير مباشر، يحمل مخاطر كبيرة على الرغم من المزايا الاستراتيجية المحتملة:
1. العلاقات المتوترة مع دول الخليج
المملكة العربية السعودية: لقد عملت روسيا على تنمية علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وخاصة من خلال تعاون أوبك+ في إنتاج النفط. إن دعم الحوثيين من شأنه أن يعرض هذه العلاقة للخطر، مما يؤدي إلى تداعيات اقتصادية وسياسية.
تنظر الرياض إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا، وأي تصور للدعم الروسي لهم من شأنه أن يثير إجراءات انتقامية أو تهدئة العلاقات الدبلوماسية.
الإمارات العربية المتحدة: كما تعارض الإمارات العربية المتحدة، وهي لاعب رئيسي آخر في اليمن، الحوثيين. ويهدد التعاون مع الحوثيين بتنفير أبو ظبي، التي عملت عن كثب مع روسيا على جبهات مختلفة، بما في ذلك الاستثمارات الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.
2. تعقيد العلاقات مع إيران
في حين أن إيران وروسيا حليفتان في سوريا، فإن مصالحهما لا تتوافق دائمًا. وقد يؤدي الدعم الروسي المتزايد للحوثيين إلى التعدي على نفوذ إيران على المجموعة، مما قد يؤدي إلى احتكاك بين طهران وموسكو.
3. خطر العزلة الدولية
التصور بزعزعة الاستقرار:
قد يُنظر إلى التعاون مع الحوثيين على أنه تفاقم روسي للصراع في اليمن، مما يستدعي إدانة من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وقد يؤدي هذا إلى فرض عقوبات إضافية أو عزلة دبلوماسية، وخاصة إذا أدى التدخل الروسي إلى تصعيد الأزمة الإنسانية في اليمن.
الإضرار بمصداقية روسيا كوسيط:
سعت روسيا إلى تصوير نفسها كمحكم محايد في اليمن، وموازنة العلاقات مع أطراف متعددة. وقد يؤدي التورط المباشر مع الحوثيين إلى تقويض هذا الموقف وتآكل الثقة بين أصحاب المصلحة الآخرين.
4. التداعيات المترتبة على زيادة التوترات الإقليمية
تصعيد الصراع:
قد يؤدي الدعم المتزايد للحوثيين إلى تشجيعهم على تكثيف هجماتهم على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما يؤدي إلى عدم استقرار إقليمي أوسع نطاقا.
وقد يجر هذا الكرملين إلى صراع أكبر مما كان متوقعا، مع تكاليف ومخاطر أكبر.
ديناميكيات الحرب بالوكالة:
تخاطر روسيا بأن يُنظر إليها على أنها تساهم في تعميق الحرب بالوكالة في اليمن، مما يزيد من توريطها في صراع معقد ومتقلب.
5. المخاطر الاقتصادية
تأثير سوق النفط:
قد يؤدي تدهور العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تعطيل اتفاقيات أوبك+، مما يؤثر على أسعار النفط العالمية وقد يلحق الضرر باقتصاد روسيا المعتمد على الطاقة.
استنزاف الموارد:
قد يؤدي دعم الحوثيين إلى استنزاف الموارد الروسية، خاصة إذا تصاعد الصراع أو إذا زادت المطالبات بالمساعدات العسكرية والمالية.
6. ردود الفعل المحلية والسمعة
التصورات حول التجاوز: قد يتعرض التدخل الروسي في اليمن لانتقادات محلية باعتباره تجاوزا غير ضروري، وخاصة إذا فشل في تحقيق فوائد واضحة.
وقد يعارض الرأي العام المزيد من التورط في الصراعات الخارجية، وخاصة في خضم الحرب الجارية في أوكرانيا والضغوط الاقتصادية في الداخل.
7. المخاطر القانونية والإنسانية
مزاعم جرائم الحرب: إذا ارتبطت روسيا بهجمات الحوثيين على أهداف مدنية، فقد تواجه اتهامات بالتواطؤ في جرائم حرب، مما يزيد من إلحاق الضرر بمكانتها الدولية.
الأزمة الإنسانية:
تعد الأزمة الإنسانية في اليمن واحدة من أسوأ الأزمات في العالم. وأي تصور لتواطؤ روسيا في تفاقم الوضع قد يثير انتقادات شديدة.
قد يؤدي التعاون مع الحوثيين إلى تحقيق فوائد استراتيجية لروسيا ولكنه يأتي مع مخاطر كبيرة. ويتعين على الكرملين أن يوازن بعناية بين أفعاله لتجنب تنفير دول الخليج، أو توتر العلاقات مع إيران، أو تعميق عزلتها الدولية. وقد يؤدي التجاوز في اليمن إلى نتائج عكسية، مما يقوض طموحات موسكو الإقليمية الأوسع واستقرارها الاقتصادي. ومن المرجح أن يظل نهج روسيا حذرا، ويهدف إلى اكتساب النفوذ دون المبالغة في الالتزام أو إثارة رد فعل عنيف.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: المخابرات العسکریة الروسیة المملکة العربیة السعودیة التعاون مع الحوثیین الولایات المتحدة العربیة المتحدة فی الشرق الأوسط البحر الأحمر إلى الحوثیین دعم الحوثیین الحوثیین إلى العلاقات مع فی المنطقة من شأنه أن غیر مباشر المرجح أن مع إیران فی الیمن یؤدی إلى وقد یؤدی من خلال قد یؤدی فی حین
إقرأ أيضاً:
صراع النفوذ الروسي-التركي وأثره على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا
بقلم: لنا مهدي
شهدت سوريا منذ اندلاع أزمتها في عام 2011 تدخلات إقليمية ودولية غير مسبوقة، جعلت من البلاد ساحة لصراعات القوى الكبرى، خاصة روسيا وتركيا. تصاعد التنافس بين هاتين الدولتين على النفوذ في سوريا ساهم في تحديد مسار الأحداث، وبرز تأثيره بشكل واضح في إضعاف نظام بشار الأسد وصولاً إلى سقوطه. هذا المقال يستعرض كيفية تأثير هذا الصراع على مصير النظام السوري، مع تسليط الضوء على المصالح المتضاربة والأدوار المتباينة لكل من روسيا وتركيا.
منذ البداية، كانت روسيا الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، حيث قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً للحفاظ على بقائه. اعتبرت موسكو أن سقوط النظام سيؤثر على نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة أن سوريا تمثل نقطة استراتيجية تتيح لروسيا الوصول إلى البحر المتوسط وتعزز وجودها في المنطقة. لذلك، لم تدخر روسيا جهداً في استخدام قوتها الجوية لدعم جيش النظام، وتزويده بالأسلحة، ودعمه في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن.
على الجانب الآخر، كانت تركيا في موقف متناقض تماماً. اعتبرت أن بقاء نظام بشار الأسد يشكل تهديداً لأمنها القومي، خاصة في ظل تعاونه مع الفصائل الكردية التي تسعى إلى تحقيق استقلال ذاتي على الحدود التركية-السورية. تركيا دعمت المعارضة السورية منذ المراحل الأولى للصراع، ووفرت ملاذاً آمناً للمعارضين، وساعدت في تسليح الفصائل المسلحة، وهو ما جعلها لاعباً رئيسياً في جهود إسقاط النظام.
صراع النفوذ بين روسيا وتركيا تجلى بوضوح في المناطق السورية الساخنة. في الشمال السوري، قامت تركيا بعدة عمليات عسكرية مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” لإبعاد القوات الكردية والسيطرة على مناطق المعارضة. وفي الوقت نفسه، دعمت روسيا تقدم قوات النظام السوري في إدلب ومناطق أخرى بهدف استعادة السيطرة على الأراضي التي خرجت عن نفوذه. هذا الصراع خلق حالة من الاستنزاف العسكري للنظام، حيث بات يواجه ضغوطاً متعددة من المعارضة المسلحة المدعومة تركياً، ومن العمليات العسكرية الروسية التي تركزت على مصالحها الخاصة أكثر من إنقاذ النظام.
مع استمرار الصراع، تحولت التفاهمات بين روسيا وتركيا إلى مواجهات غير مباشرة. على الرغم من توقيع اتفاقيات مثل أستانا وسوتشي، التي هدفت إلى تهدئة الأوضاع، إلا أن هذه التفاهمات كانت هشّة. غالباً ما كانت تنتهي بانهيار الهدن وتصاعد العنف، مما دفع النظام إلى فقدان المزيد من السيطرة على الأرض. تركيا ركزت على تقويض النظام في الشمال الغربي، بينما سعت روسيا لإعادة فرض هيمنته في الجنوب والوسط.
الدور التركي كان أكثر تأثيراً في تعزيز الانقسامات الداخلية داخل النظام السوري. تركيا استغلت حالة الضعف الاقتصادي للنظام وسعت إلى قطع موارده من خلال دعم المعارضة في المناطق الغنية بالموارد، مثل الشمال الشرقي حيث الثروة النفطية. وفي المقابل، على الرغم من الدعم الروسي الكبير، لم تتمكن موسكو من تحقيق استقرار دائم للنظام بسبب محدودية الموارد وتكاليف التدخل.
ساهم صراع النفوذ بين روسيا وتركيا في تسريع سقوط نظام بشار الأسد عبر تعميق الانقسامات الداخلية واستنزاف قدراته العسكرية والسياسية. روسيا ركزت على حماية مصالحها الاستراتيجية دون تقديم حلول مستدامة للنظام، بينما استغلت تركيا هشاشته لتوسيع نفوذها وتأمين مصالحها الحدودية. في نهاية المطاف، أدى هذا الصراع إلى انهيار التوازن الداخلي للنظام، وفقدانه القدرة على مواجهة التحديات المتزايدة، ما أدى إلى سقوطه في ظل صراعات إقليمية ودولية مستمرة.
الصراع الروسي-التركي على سوريا لم يكن مجرد تنافس جيوسياسي بين قوتين إقليميتين، بل كان عاملاً رئيسياً في إعادة تشكيل مستقبل البلاد. تأثير هذا الصراع على سقوط نظام بشار الأسد يظهر كيف يمكن لتضارب المصالح الدولية أن يغير مصير دول بأكملها، ويخلق واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات. سوريا اليوم ليست فقط مسرحاً للصراع، بل أيضاً مثالاً على العواقب الكارثية لصراع النفوذ الإقليمي والدولي.
lanamahdi1st@gmail.com