تُقى الوشيلي
يقول جمال حمدان: “مفهوم العرب لليهود ضيق وتجريدي، فالكل يهود أو صهيونيون، والكل يعيش في كنف الاستعمار وحمايته، والكل أتى بصورة غامضة من نسل يهود الشتات الذين بدورهم أتو بطريقة ما من سلالة يهود فلسطين. وفي هذا الإطار الاختزالي المتعجل غير المتأين، تبدو صورة العدو في أذهاننا باهتة عائمة بالغة السطحية، وتبدو أحيانًا كما لو كنا نطارد شبحًا”.
من هم اليهود؟ ..هل هم أبناء عمومتنا كما قال الحسين بن طلال آخر الهاشمين؟ هل تم نفيهم من فلسطين؟ وهل حقًا فلسطين لبني إسرائيل؟
هذه الأسئلة ما زالت تتردد في جميع أقطار الوطن العربي وفي أنحاء العالم، وتثير نقاشات معمقة حول أحقية اليهود في فلسطين.
البعض يطرح أن لليهود حقًا في هذه الأرض، مثلما للفلسطينيين، بناءً على فكرة أن اليهود شعب مضطهد تم إجلاؤه وطرده من وطنه، وهو الآن يسعى للعودة تحت مسمى “أرض الميعاد”.
لقد حظيت فكرة “أرض الميعاد” بقبول واسع في المجتمع الغربي، بينما بقيت فكرة غامضة وحائرة لبعض النفوس العربية. ففكرة الطرد والشتات لم تكن قابلة للتقبل من قبل أي مجتمع.
ومن أجل تغذية هذه الفكرة، كانت هناك حاجة ماسة لزرع شعور الحقد في ذاكرة اليهود، فكان لا بد من ترويج أسطورة الشتات ووعد العودة، والتي شكلت الأساس لبناء دولة إسرائيل.
وقد ورد في وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل: “عندما أجلي الشعب اليهودي عن بلاده بالقوة، حافظ على عهد لها وهو في بلاد مهاجرة بأسرها، ولم ينقطع عن الصلاة والتعلق بأمل العودة التاريخية التقليدية. أقدم اليهود في كل عصر على العودة إلى أرضهم والاستيطان فيها”. ولكن في الوقت ذاته، حرم كتاب التناخ جميع أسفارهم على اليهود من الاستيطان في فلسطين في “النذور الثلاثة” وفي نذر “عدم الصعود بالجدار”.
رغم ذلك، جاء المؤرخ اليهودي دينور وأصدر فتوى دينية بإلغاء هذا النذر، لتكون العودة إلى فلسطين ممكنة، ولتصبح فكرة الاستيطان مقبولة.
أما فكرة النفي، فقد نشأت من الفكر المسيحي الذي تحدث عن نفي اليهود كقصاص لهم بسبب صلب المسيح ورفضه. وفي القرن الرابع الميلادي، بدأ اليهود يطورون هذه الفكرة لتتوافق مع طموحاتهم الاستيطانية. لكن المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند، في كتابه إختراع الشعب اليهودي، أكد أنه بعد البحث في كتب التاريخ، لم يُثبت أن اليهود تم طردهم من فلسطين، ولم توجد أي إحصائيات توثق تجمعات سكانية كبيرة للاجئين اليهود في أي منطقة. بعبارة أخرى، لم يتم طردهم من الأساس، وبالتالي لا يوجد ما يبرر فكرة “العودة”.
أسهب شلومو ساند في كتابه في سرد تاريخ الشعب اليهودي، مؤكدًا أن ما يفعله اليهود ليس سوى “كذبة كبيرة” وتزييف للتاريخ. وهذا ما أيده أيضًا المؤرخ اليهودي أرثر كوستلر في كتابه السبط الثالث عشر، حيث أشار إلى أن اليهود المعاصرين ليسوا من نسل أسباط إسرائيل الإثني عشر، بل جاؤوا من ضفاف الفولغا والشرق الأوسط، وأصلهم لا يعود إلى أرض كنعان، بل إلى منطقة القوقاز. وأضاف: “من حيث العرق، ليسوا ساميين، بل أقرب إلى قبائل الهون”.
حاول الصهاينة طمس هذه الحقيقة وإنكار أصولهم الخزرية، كي يتسنى لهم احتلال فلسطين والاستيطان فيها. ومع ذلك، يظل التاريخ يذكر بوضوح – وإن كان ذلك بشكل ضئيل – أصولهم الخزرية، ويمكن العثور على ذلك في وثائق جينزا القاهرة والعديد من الكتب والوثائق التي حاول الصهاينة إنكارها. على سبيل المثال، يحمل علم دولة الخزر نفس النجمة السداسية التي يحملها علم إسرائيل. ولا يشكل اليهود الساميون اليوم أكثر من 5% من يهود العالم.
بعد إثبات أن اليهود لم يُطردوا من فلسطين وأن أصولهم لا تعود إلى هذه الأرض، يظل السؤال قائمًا: هل تبقى قيمة لوعد العودة الذي يُعتبر أساس دولة إسرائيل المُخترعة؟ وهل يبقى في ذهن أي شخص أي حيرة حول أحقية اليهود في هذه الأرض أو تساؤلات حول استعمارهم لها؟
اليوم، مع ازدياد الوعي بهذه الحقائق، يقع على عاتق العرب والمجتمع الدولي التصدي لهذه الروايات الملفقة من خلال توثيق التاريخ الحقيقي لفلسطين وشعبها. يجب علينا أن نواجه الأساطير الصهيونية بحقائق دامغة، وأن ندافع عن حق الفلسطينيين في أرضهم التي سُلبت منهم بالقوة والخداع.
إن قضية فلسطين ليست قضية دينية أو تاريخية فقط، بل هي قضية إنسانية، قضية شعب يعيش تحت الاحتلال ويكافح من أجل تقرير مصيره. لذلك، فإن أي محاولة لإعطاء شرعية للكيان الصهيوني يجب أن تُواجه بحقائق التاريخ والواقع.
في النهاية، هل يمكن للباطل أن ينتصر على الحق؟.
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي الیهود فی أن الیهود
إقرأ أيضاً:
من يُدير صناعة المخدرات في العراق؟ ولماذا يتم التعتيم على التحقيقات؟ - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
يشهد العراق تصاعدًا في أزمة المخدرات، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على عمليات التهريب والاتجار، بل تجاوز ذلك إلى مرحلة أكثر خطورة تتمثل في تصنيع المخدرات داخل البلاد. وقد كشفت لجنة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في مجلس النواب عن ضبط أربعة معامل لتصنيع الحبوب والمواد المخدرة، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا ودفع الجهات الحقوقية إلى المطالبة برفع السرية عن هذا الملف والكشف عن المتورطين فيه. ويعكس هذا التطور عمق المشكلة ومدى تغلغل شبكات الجريمة المنظمة في المجتمع العراقي، مما يتطلب استجابة عاجلة من الجهات المختصة لكبح جماح هذه الظاهرة التي تهدد الأمن والاستقرار.
تفاصيل الكشف عن المعامل المخدرة
وفقًا لما صرح به رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي لـ"بغداد اليوم"، فإن الأجهزة الأمنية تمكنت مؤخرًا من ضبط أربعة معامل متخصصة في تصنيع المواد المخدرة داخل البلاد، وهي سابقة خطيرة تكشف أن العراق لم يعد مجرد محطة عبور للمخدرات القادمة من دول الجوار، بل أصبح دولة منتجة لهذه المواد القاتلة. وأكد العبادي أن لجنة مكافحة المخدرات النيابية التي يترأسها النائب عدنان الجحيشي كشفت عن هذه المعامل، ما يشير إلى وجود جهات نافذة أو متنفذة قد تكون متورطة في تسهيل عمليات التصنيع أو التستر عليها.
وأوضح العبادي أن التداعيات المترتبة على هذا الملف لا تقتصر فقط على الأبعاد الأمنية، بل تمتد إلى مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، حيث يؤدي انتشار هذه المواد إلى زيادة معدلات الإدمان بين الشباب والمراهقين، مما يترتب عليه ارتفاع في معدلات الجريمة، بما في ذلك الجرائم العنيفة، جرائم السرقة، الاعتداءات الجنسية، وحتى الجرائم السوداء التي باتت تسجل ارتفاعًا مقلقًا مثل زنا المحارم والجرائم العائلية التي تصاحب تعاطي المواد المخدرة.
تأثير تصنيع المخدرات على الأمن والاستقرار
يؤكد الخبراء أن وجود معامل تصنيع المخدرات داخل العراق يمثل تحولًا خطيرًا في طبيعة الأزمة، إذ أن تصنيع المخدرات محليًا يجعلها أكثر انتشارًا وأرخص ثمنًا، مما يسهل وصولها إلى شرائح واسعة من المجتمع، وخاصة الفئات الشابة، ويؤدي إلى تفشي الإدمان بشكل أكبر. ومع زيادة تعاطي المخدرات، تشهد البلاد تصاعدًا في معدل الجرائم المرتبطة بالمخدرات، حيث تشير تقارير وزارة الداخلية إلى أن نسبة كبيرة من الجرائم المسجلة، سواء القتل أو السطو أو الاعتداءات الجسدية والجنسية، تعود إلى متعاطين أو مروجين للمخدرات.
ولا تقتصر المخاطر على الجانب الجنائي فقط، بل تمتد إلى زعزعة الأمن الوطني، حيث يمكن أن تتحول تجارة المخدرات إلى اقتصاد موازٍ تسيطر عليه شبكات منظمة، قد تكون لها ارتباطات بجماعات مسلحة أو جهات سياسية. وتثير هذه المعطيات مخاوف من أن تتحول بعض الفصائل أو المجموعات الخارجة عن القانون إلى أطراف مستفيدة من تجارة المخدرات، وهو ما يعقد جهود مكافحتها، خصوصًا إذا كانت هناك تواطؤات داخل بعض المؤسسات الرسمية أو تغطية سياسية لأنشطة التهريب والتصنيع.
العقبات أمام كشف الحقيقة والمحاسبة
رغم أن الملف أصبح علنيًا بعد الكشف عن هذه المعامل، إلا أن العديد من النشطاء يؤكدون أن هناك تعتيما واضحا على التحقيقات، حيث لم يتم الإفصاح حتى الآن عن الجهات التي كانت تدير هذه المصانع أو الشخصيات المتورطة في عمليات التصنيع والتوزيع. ويشير الناشط الحقوقي علي العبادي إلى أن أي محاولة للكشف عن الحقيقة تتعرض لتهديدات وضغوطات كبيرة، مما يؤكد أن هناك جهات نافذة تسعى إلى عرقلة جهود كشف الحقيقة.
وقد دعا مركز العراق لحقوق الإنسان إلى تنظيم تظاهرات شعبية للضغط على السلطات لكشف الجهات التي تقف وراء هذا الملف، إلا أن العديد من الناشطين تعرضوا لمضايقات وتهديدات مباشرة، مما يشير إلى حجم المصالح الضخمة المرتبطة بهذه التجارة غير المشروعة، حيث يتم التعامل مع تجارة المخدرات كـملف حساس قد يتسبب في إسقاط رؤوس كبيرة إذا تم الكشف عن تفاصيله بالكامل.
ما المطلوب لمواجهة هذه الظاهرة؟
مع تفاقم خطر المخدرات، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية لمعالجة هذه الأزمة قبل أن تتحول إلى كارثة وطنية. ومن أهم الخطوات المطلوبة:
أولًا، رفع السرية عن ملف المعامل الأربعة التي تم ضبطها، وإعلان نتائج التحقيقات للرأي العام، مع ضمان عدم تدخل أي جهات متنفذة لحماية المتورطين. ويجب أن يكون هذا الملف مفتوحًا أمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية حتى لا يتم طمسه كما حدث مع العديد من القضايا السابقة.
ثانيًا، توسيع دائرة التحقيقات لتشمل جميع الجهات المحتملة التي قد تكون لها صلة بعمليات التصنيع أو التوزيع، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات أو حتى جهات داخلية تعمل تحت غطاء رسمي. يجب أن يتم التعامل مع هذا الملف كـقضية أمن قومي، وليس مجرد جريمة جنائية عادية.
ثالثًا، تطبيق عقوبات مشددة على جميع المتورطين في تصنيع المخدرات أو الاتجار بها، وعدم الاكتفاء بعقوبات بسيطة قد تشجع الآخرين على الانخراط في هذه التجارة المحرمة. يجب أن تكون هناك أحكام صارمة ورادعة تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد لكل من يثبت تورطه في هذه الأنشطة.
رابعًا، تعزيز الجهود الأمنية والتعاون الإقليمي والدولي لمكافحة تهريب المخدرات إلى العراق، مع إصلاح الأجهزة الأمنية لضمان عدم وجود تواطؤ داخلي يسهل دخول أو تصنيع المخدرات.
خامسًا، إطلاق حملات توعية مكثفة في المدارس والجامعات والمناطق الشعبية، مع توفير برامج علاج وتأهيل للمدمنين، خاصة أن العراق يعاني من غياب شبه كامل للمراكز المتخصصة في علاج الإدمان، مما يدفع المدمنين إلى الغرق أكثر في هذه الآفة.
جرس إنذار: انعكاسات كارثية
إن الكشف عن وجود معامل لتصنيع المخدرات في العراق يعد جرس إنذار خطير يتطلب استجابة عاجلة من جميع الجهات المختصة. فالأمر لم يعد مجرد قضية تعاطٍ فردي أو تهريب، بل أصبح ملفًا أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا معقدًا قد تكون له انعكاسات كارثية إذا لم يتم التعامل معه بحزم. ومع تصاعد الضغوط الشعبية والحقوقية، تبقى الكرة في ملعب الحكومة والجهات الأمنية للكشف عن الحقيقة ومحاسبة جميع المتورطين، وإلا فإن العراق سيواجه مستقبلًا خطيرًا قد يتحول فيه إلى بؤرة إقليمية لإنتاج المخدرات بدلاً من مكافحتها.