الحيطان لها آذان كابوس السوريين الذي يأبى التلاشي بسهولة
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
حلب– يتداول السوريون منذ عقود مقولة "الحيطان لها آذان"، وهي كناية عن الخوف الذي يمنع أي شخصين مهما بلغت الثقة بينهما من التحدث في السياسة. ورغم خروج مدن الشمال السوري، وعلى رأسها مدينة حلب الإستراتيجية، عن سيطرة الحكومة، ودخولها تحت سيطرة المعارضة المسلحة، فإن المقولة لا تزال تفعل فعلها فيها في نفوس المواطنين.
وواجه مراسل الجزيرة نت، أثناء جولته في أحياء مختلفة بمدينة حلب، صعوبة في التحدث لعدد من السكان، الذين استحضروا مقولة "الحيطان لها آذان"، مشيرين إلى الكابوس الأمني الذي انزرع في نفوسهم منذ الصغر، ورفض بعضهم تسجيل صوتهم خوفا من انتقام الحكومة السورية.
يقول عبد الحميد زيدان، وهو مواطن من بلدة حريتان غرب حلب، للجزيرة نت "نحن منذ الصغر تعلمنا أنه إياك أن تتكلم فالحيطان لها آذان، ولم يعد أحد يتكلم ويقول لا، لأن كلمة نعم تنقذ حياتهم وتؤمن سلامتهم لكيلا يتعرضوا للاعتقال".
وأضاف زيدان أنه دخل السجن لمدة سنة ونصف حيث التقى عددا كبيرا من المعتقلين نتيجة تقارير كيدية ترصد أي كلمة تمس السلطة التي جندت عناصر تابعين لها في معظم الحارات والساحات العامة ليبقى الشعب خائفا من التفوه بأي كلمة، حتى ولو كان على سبيل وضع إعجاب على منشور فيسبوك لأي شخص من المعارضة.
ولا تقف الأمور عند هذا الحد، إذ يشير "زيدان" إلى أنه "حتى اليوم، وبعد تحرير مدينة حلب، لا يزال الخوف مسيطرا على السكان وكأنهم لا يصدقون ما حدث، أو أنهم تحت هول الصدمة من أن النظام السوري خرج من مدينة حلب وانحسر على يد المعارضة لأكثر من 200 كيلومتر باتجاه الجنوب".
إعلانأما عن الحواجز العسكرية التي كانت تنتشر على الطرقات وبين الأحياء، فقد كانت الرشوة هي كلمة المرور لمن يريد الدخول من خارج حلب إلى داخلها، حيث يجب أن يمر على أكثر من حاجز، وإذا لم يدفع لا يمكن أن يعبر، لا سيما بالنسبة للمطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية من قبل السلطات، بحسب زيدان.
من جهته، كان حسن عتقي، وهو مواطن من حي السليمانية في حلب، أكثر حظا نظرا لكونه وحيدا لوالدته، فلم يكن مطلوبا للخدمة العسكرية، ولكن الخوف ظلّ يتمكن منه، ويغير طريقه كلما أراد المرور من أمام الحاجز. وقال إن "أسلوبهم يعتمد على الإزعاج للمارة وتعذيب العابرين بشكل متعمد على الحواجز لإرهاب الناس".
أما حازم، وهو اسم مستعار لمواطن رفض الكشف عن اسمه من الخوف، الذي لا يزال يتملكه، فقد قال للجزيرة نت إن حلب شهدت في العام الأخير تزايدا في الاعتقالات بشكل كبير من أجل الحصول على المال حتى ولو لم يكن المعتقل مطلوبا للخدمة العسكرية.
وأوضح أن كل ذلك يحدث من أجل أن يدفع المعتقل للوسطاء مليونا أو مليوني ليرة سورية، حيث يتم اصطحابه إلى قسم الشرطة، ولا يخرج حتى يدفع المال.
وأضاف أن التشديد كان حتى على اقتناء الهواتف المحمولة، فإذا لم يكن الهاتف خاضعا للجمرك، الذي عن طريقه يتم تسجيله لمراقبة التواصل والإنترنت، ويتم دفع غرامة 3 أضعاف ثمن الجهاز.
ونوه حازم إلى أن المراقبة على الجوالات والإنترنت كانت تشمل بشكل خاص تطبيقي "واتساب" و"فيسبوك"، بحثا عن أي تواصل مع أي أحد مقيم في مناطق منبج وإدلب وبقية المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، أو حتى خارج سوريا.
إبراهيم، وهو أيضا اسم "مستعار" لمواطن من حلب، روى للجزيرة نت كيف تم اعتقاله شخصيا، فقط لأنه كان يسكن في حي "الفردوس"، وهو الحي الذي كان تحت سيطرة المعارضة قبل 2016. وأوضح أنه تم فرض غرامة 600 ألف ليرة سورية (ما كان يساوي ألف دولار في ذلك الوقت). وبعد خروجه من السجن جرد من حقوقه المدنية والعسكرية ومنع من السفر، وهو اليوم مشرد ولا يملك منزلا ينام فيه.
إعلانوكان إبراهيم أثناء فترة سجنه شاهدا على كثير من الاعتقالات التعسفية، إذ لم يكن معظم أهالي المعتقلين يعلمون أن ذويهم في السجن.
وعن إحدى حالات الاعتقال التعسفية التي أفضت إلى نهاية مأساوية، روى أن أحد جيرانه تم اعتقاله بسبب منشور على "فيسبوك"، وبعد فترة من الزمن تم إبلاغ زوجته أنه مات في السجن دون أي توضيح للتهمة، وما إذا خضع لمحاكمة أو لا.
ومن جانب آخر، لفت إلى أن الاعتقالات كانت تشمل حتى البسطاء والعاجزين من أجل إرهاب الناس، وللحصول على المال، مضيفا "كنت أنا في سجن عدرا الذي يوجد بداخله ما يقارب 25 ألف سجين، ومن بينهم نساء".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يعرض نتاجاته للقراء السوريين
دمشق-سانا
للمرة الأولى في دمشق بعد سنوات طويلة من القيود والمنع، عرض المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من قطر نتاجاته للقراء السوريين، من خلال معرض الكتب الذي افتتح في المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق اليوم.
المعرض الذي أقيم بالتعاون بين المركز العربي ودار الفكر، تضمن ( 700 ) عنوان جديد لكتب غير معروفة وممنوعة زمن النظام البائد، تقدم للمجتمع السوري للمرة الأولى، للإسهام في إحياء الحالة الثقافية.
حسن سالم المدير التنفيذي لدار الفكر، كشف لسانا عن التوجه المشترك للدار مع المركز العربي للعناية بالثقافة، لإطلاع القارئ الذي حرم طويلاً من الجديد في العلوم والمعارف، وخصوصاً بعد تخفيض أسعار الكتب، ما يمنحه فرصة تعويض ما فاته خلال السنوات السابقة في عهد النظام البائد.
وحيد تاجا مدير المكتب الإعلامي في دار الفكر صرح بدوره أن المعرض استجابة لحاجة شريحة القراء في سوريا لهذا النوع من الكتب والدراسات التي حرم منها طويلاً، ضمن مسعى مستمر لاستعادة الحركة الثقافية واستقطاب كتب عربية وعالمية لم تكن معروفة، وإعطاء فكرة جيدة للخارج للقدوم إلى الساحة الثقافية السورية المُغيبة منذ أربعة عشر عاماً والمنقطعة عن المفكرين والباحثين والمؤلفين.
أحمد قاسم حسين باحث في المركز العربي للأبحاث والسياسة ومختص في العلاقات الدولية اعتبر أن المعرض فرصة بعد سقوط النظام وحالة القطيعة التي تركها، وخاصة أنه يركز على العلوم الإنسانية والاجتماعية والتي تقدم للطلاب وأساتذة الجامعات بأسعار رمزية، للمساهمة بنهوض الحركة الثقافية في دمشق على وجه الخصوص وفي سوريا بشكل عام.
وأشار أحمد قاسم إلى ضرورة رفع سقف الحريات والتخلص من الرقابة والقيود التي فرضت سابقاً، لأن المعرفة برأيه هي التي تبني الأفكار، وبالتالي تسهم في بناء الدول وتطورها.
الدكتور نزار أباظة من الزائرين للمعرض، أشاد بعمل المركز العربي الذي سعى لعشرات السنين لتقديم كتب جديدة شديدة التنوع ، كما لفت انتباهه عناوين المعرض الموجودة، واعتبرها طفرة جديدة جاءت إلى دمشق، حيث وجد كتباً جديدة غنية تتعلق بمجال عمله التاريخي الذي مارسه على مدى خمسة عقود.
فرصة ممتازة إقامة هذا المعرض، هذا ما عبر عنه أنس الكردي الباحث السياسي الذي جاء لزيارته، متشوقا لضم عناوين جديدة إلى مكتبته تتعلق بمجال اهتمامه السيوسولوجي والفلسفي والتاريخي.
ويبقى إحياء الثقافة وكسر القيود التي فرضت على القلم في زمن النظام البائد، ومواكبة المعارف مهمة تقع على عاتق الشعب السوري من مثقفين وباحثين وأصحاب فكر، إضافة إلى تفعيل عمل مكثف لوسائل الإعلام، للحاق بما فاتنا خلال سنوات طوال بعد زوال الظلام.
تابعوا أخبار سانا على