الدعاء: عبادة لا تقتصر على الطلب بل هي روح العبادة
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق، أنه كثير من الناس قد نسي أهمية الدعاء، وهو أمرٌ شديد الخطورة، كما قال سيدنا رسول الله ﷺ: "الدعاء مخ العبادة"، والمخ هو جزءٌ أساسي في حياة الإنسان، فإذا توقف عن العمل، توقف الإنسان عن الحياة. فإذا كانت العبادة لا تشمل الدعاء، فهي عبادة فاقدة للروح، وهي غير مكتملة.
وتابع:في حديث آخر، قال رسول الله ﷺ: "الدعاء هو العبادة"، وبذلك يبين لنا أن الدعاء ليس مجرد جزء من العبادة، بل هو العبادة نفسها، رأسها وجسدها، بدايتها ونهايتها، هو ذات العبادة في جوهرها. جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، حيث ساوى بين الدعاء وبين العبادة. فهذا تحذير شديد للمسلمين كي لا يغفلوا عن الدعاء الذي يعد من أرقى صور العبادة.
الإعراض عن الدعاء: لماذا لا نلتزم بالدعاء؟وأضاف أنه رغم ذلك، نجد أن كثيرًا من الناس لا يعلمون أو يغفلون عن هذه الحقيقة العظيمة. البعض يتوقف عن الدعاء عندما لا يرون الاستجابة الفورية. وفي هذا الصدد، يقول رسول الله ﷺ: "إن الله يستجيب للعبد ما لم يتعجل". ويُسأل: ما معنى التعجل؟ فيجيب النبي ﷺ: "يقول: دعوت الله فلم يستجب لي"، فيتوقف عن الدعاء كأن الأمر قد انتهى. هذه سمة خطيرة تجتاح الكثير منا، حيث نرى الدعاء وكأننا نُلزم الله بالإجابة الفورية، وهذا بعيد كل البعد عن روح الدعاء في الإسلام.
الدعاء عبادة بلا فرض رأيووضح جمعة أن الدعاء هو تجلٍ من التجليات الإيمانية التي تضع العبد في حالة من الخضوع والتوسل إلى الله. لا نطلب من الله فرض رأي أو إرادة منا، بل نتوجه إليه بالتضرع والرجاء، ونسلمه الأمر كلّه. فإن استجاب، فبمنه وفضله، وإن أخّر الاستجابة، فبعلمه وحكمته التي لا يعلمها إلا هو. وفي حال تأخير الاستجابة، فإن الله قد يمدنا بها في الآخرة، حيث ستكون الجائزة أكبر وأفضل مما نتخيل.
الإلحاح في الدعاء: طريق الاستجابةوأشار جمعة إلى أنه من أبرز صفات الدعاء المستجاب هو الإلحاح. يجب أن نلح على الله، ونسأله باستمرار. دعاؤك له تأثير عميق في حياتك، إذ يحسّن من نفسك ويدعوك للتواضع والرجوع إلى الله. كما يمكن أن يكون الدعاء وسيلة لغسل النفس من الذنوب والقصور. تذكر أن الله قريبٌ منا، سميعٌ بصير، لا يغلق باب الاستجابة عن عباده.
قصة الحجاج بن يوسف: درس في التوبة والدعاءقد يتساءل البعض عن كيفية قبول الدعاء في حال ارتكاب الذنوب العظيمة. أذكر هنا قصة الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان يُعتبر من الجبابرة السفاكين للدماء، إلا أنه في اللحظات الأخيرة من حياته توجه إلى الله بالدعاء. رغم سمعته السيئة، حيث كان الناس يظنون أن الله لا يغفر له، إلا أنه توسل إلى الله قائلاً: "اللهم اغفر لي فإن الناس يقولون: إنك لا تغفر لي". هذا هو التواضع الحقيقي، وهو إظهار الندم والرجاء في رحمة الله، بالرغم من الذنوب الكثيرة. الله سبحانه وتعالى غفورٌ رحيم، فإذا كان هذا حال الحجاج، فما بالك أنت الذي لم تسفك دمًا؟ فما الذي يمنعك من الدعاء والتضرع إلى الله؟
دعوة للعودة إلى الدعاءفي النهاية، يجب أن نعود جميعًا إلى الدعاء، فهو صلة مباشرة بيننا وبين الله. لا تترك الدعاء حتى وإن تأخرت الإجابة، فالله يعلم ما هو الأفضل لك في الوقت الذي يناسبك. دعاؤك لا يذهب سدى، بل هو عبادة عظيمة. دعونا نلتزم بالدعاء في كل لحظة، ونلح على الله في طلبنا، متوكلين عليه، ومستشعرين رحمة الله التي لا تنتهي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدعاء أهمية الدعاء سيدنا رسول الله الدعاء عبادة الدعاء فی عن الدعاء إلى الله
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: الدعاء بعد الانتهاء من العبادات مستحب
قالت دار الإفتاء المصرية إن الدعاء بعد الانتهاء من العبادات مستحب، ومن فضل الله على عباده أنْ جعل لهم هيئاتٍ وأحوالًا وأمكنةً وأزمنةً يكون فيها الدعاء أقرب للقبول وأرجَى للإجابة؛ ومن هذه المواطن خواتيم العبادات والطاعات.
وأوضحت الإفتاء أنه يستحب دعاء المسلم لنفسه ولغيره؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو للحاج عند تمام حجه، ولصائم رمضان عند فطره وغير ذلك.
الأدلة على استحباب دعاء المسلمين لبعضهم البعضوأضافت الإفتاء أن خواتيم العبادات والطاعات من مواطن قبول الدعاء، ودلت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأفعال السلف على استحباب دعاء المسلم لنفسه ولمَن معه عقب الفراغ من العبادة رجاء القبول:
فمن ذلك: دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عقب فراغه من بناء الكعبة في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127].
ودعاء امرأة عمران عليها السلام عقب نذرها ما في بطنها لله تعالى في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [آل عمران: 50].
وقد جاء في خصوص الدعاء بالقبول للنفس والغير عقب الانتهاء من الصلاة: حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ مِن الْجُمُعَةِ فَلْيَقُلْ: تَقَبَّلُ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ؛ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ أَدَّيْتُمُوهَا إِلَى رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الحافظ أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" والديلمي في "مسند الفردوس".
وهذا الحديث من طريق نهشل بن سعيد، ونسخته عن الضحاك بن مزاحم وإن ضعّفها بعضُ الحفّاظ إلّا أنها "لا تنتهي إلى الوصف بالوضع"؛ كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "نكته على ابن الصلاح" (1/ 500، ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، وقد استشهد الحافظ السخاوي بهذا الحديث في "المقاصد الحسنة" (1/ 271، ط. دار الكتاب العربي) على مشروعية التهنئة بالشهور والأعياد.
الأدلة على استحباب دعاء المسلمين لبعضهم البعض
واستحبت الشريعة للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض في خواتيم العبادات؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو للحاج عند تمام حجه، ولصائم رمضان عند فطره، وللتائب من الذنب عند توبته.
فمن ذلك الدعاء بالقبول بعد صلاة العيدين؛ فعن خالد بن معدان قال: لقيت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه في يوم عيد، فقلت: تقبل الله منا ومنك، فقال: نعم، تقبل الله منا ومنك، قال واثلة رضي الله عنه: لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد فقلت: تقبل الله منا ومنك، قال: «نَعَمْ، تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الدعاء"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
وعن جُبَير بن نُفَير قال: كان أصحاب النبي صلى اللهُ عليه وآله وسلَّم رضي الله عنهم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبَّل الله منا ومنك" أخرجه المحاملي في "المحامليات"، وإسناده حسن؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 446، ط. دار المعرفة)، وحسّنه أيضًا السيوطي والقسطلاني.
وبعد الانتهاء من أعمال الحج: فقد ورد أن الملائكة عليهم السلام هنأوا سيدنا آدم عليه السلام على حجه بيتَ الله الحرام؛ فقالوا له: "بَرَّ نُسُكُكَ يَا آدَمُ"، أو "بَرَّ حجُّكَ يا آدم" أخرجه قِوَامُ السُّنّة في "الترغيب والترهيب"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء غلامٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية الحج، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «يَا غُلَامُ، زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ الْخَيْرَ، وَكَفَاكَ الْهَمَّ»، فلما رجع الغلام سلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرفع رأسه إليه وقال: «يَا غُلَامُ، قَبِلَ اللهُ حَجَّكَ، وَكَفَّرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ» أخرجه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وابن السني في "عمل اليوم الليلة".
وروي أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول لِلْحَاجِّ إِذَا قَدِمَ: "تَقَبَّلَ اللهُ نُسُكَكَ، وَأَعْظَمَ أَجْرَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".
وقال اللَّيْث بن سعد: "كَانَ ابْن سِيرِين لَا يزِيد أَن يَقُول للرجل إِذا قدم من حج أَو غَزْوَة أَو فِي عيد: "قَبِلَ اللهُ منا ومنكم، وَغفر لنا وَلكم" أخرجه ابن الأبار في "التكملة لكتاب الصلة" (2/ 171، ط. دار الفكر).