لعنة "السيارة القديمة" تلقي سوريا في حفرة التنافس الإقليمي
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
تبدو المعارك في سوريا بين الجيش والفصائل المسلحة بداية لتغييرات درامية قد تغير وجه الشرق الأوسط برمته، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، لكن ما أوصل الأمور إلى هذا الحد هو التهالك الذي أصاب بنية الدولة السورية وبالأخص قواتها المسلحة.
ويرى محللون أن تقدم الفصائل المسلحة نحو دمشق يعد مؤشرا على تغير ديناميكيات القوة التي تؤثر أيضا على دول مثل إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، وفق ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ووفقا للتقرير الذي نشرته الصحيفة فإن القتال الوحشي المتوقع للسيطرة على دمشق، وبالتالي سوريا، من شأنه أن يشكل المواجهة الأكثر أهمية حتى الآن في الصراع لإعادة تشكيل المنطقة، وهو الصراع الذي اشتعل في السابع من أكتوبر 2023، بالهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل.
وبحسب التقرير، فإن اللاعبين الإقليميين الرئيسيين إسرائيل وإيران وتركيا جميعهم لديهم مصلحة في النتيجة، وهو ما يعني أن التموجات لن تؤثر على الشرق الأوسط فحسب، بل وأيضاً على القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا.
المحللون يصفون القتال من أجل سوريا بأنه صراع أكثر أهمية من الصراع في غزة لأن الهدف السيطرة على مفترق طرق إقليمي يؤثر على الشرق الأوسط بأكمله.
وقالت منى يعقوبيان، رئيسة مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن: "سوريا هي مقياس لكيفية تغير ديناميكيات القوة في المنطقة، إنها مقبلة على فترة من الفوضى في منطقة مشتعلة بالفعل".
الولايات المتحدة
الولايات المتحدة تركت روسيا تلعب في الملعب السوري في السابق والآن تأتي الأحداث في وقت تمر فيه أميركا بلحظة انتقالية بين إدارتين ما يقلل من فرص تحركها في هذا الملف.
وتخشى الولايات المتحدة من سيطرة نظام حكم جهادي محل الرئيس السوري بشار الأسد وهو خوف لا يزال قائما رغم حديث زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني عن اتخاذ خطوات معتدلة تجاه الأقليات.
روسيا
اعتادت روسيا استخدام قواتها الجوية في قصف معاقل الفصائل المسلحة لكنها الآن منشغلة بحربها في أوكرانيا، ورغم استئناف موسكو القصف الجوي في سوريا، إلا أن ذلك على نطاق أصغر بكثير.
ويأتي ذلك لأن الرئيس فلاديمير بوتين بات يواجه معضلة كونه في حال تعزيز قواته في سوريا لدعم دمشق فإنه سيخاطر بإهمال قواته في أوكرانيا.
إسرائيل
إن الاستراتيجيين الإسرائيليين يشيرون إلى سوريا باعتبارها "مركز المحاور"، والتي كانت بمثابة قناة إمداد للرجال والأسلحة إلى أماكن مثل جنوب لبنان، وهناك، كان حزب الله، الحليف الإقليمي الرئيسي لإيران.
وقال التقرير إن إسرائيل عازمة على منع إيران، إعادة إنشاء خطوط الإمداد لحزب الله، كما أنه ليس من الواضح كيف ستتفاعل إسرائيل مع حكومة بصبغة إسلامية في سوريا إذا سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وخاصة حكومة حال وجود تابعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وجه سهام انتقاداته لإسرائيل بسبب حرب غزة.
تركيا
ويرى بعض المحللين أن الدور الأكبر كان لأردوغان في التقدم الكاسح للفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، والذين أشاروا إلى أن أنقرة اغتنمت الفرصة لزيادة نفوذها في وقت كانت فيه إيران محاصرة، لا سيما وأن تركيا تريد عودة ثلاثة ملايين لاجئ سوري فروا إلى أراضيها بسبب الحرب في بلادهم.
إيران
تدرك إيران أنها بسبب هذه التطورات قد تخسر نفوذها في دمشق والذي كان يساعدها لإيصال الإمدادات إلى لبنان، فالدعم المقدم للحكومة السورية من جانب إيران وحزب الله بات أكثر ضعفا بسبب تورط القوتين في القتال مع إسرائيل.
لقد اعتمدت سوريا بشكل كبير على الميليشيات الموالية لإيران في القوات البرية، ولكن الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على سوريا أدت إلى تقليص صفوف كبار قادة الميليشيات الإيرانية، فضلاً عن خطوط الإمداد.
حزب الله
أما بالنسبة لحزب الله، ففي عام 2013، تدفقت قواته عبر الحدود من لبنان لسحق الفصائل المسلحة في القصير.
وقال مسؤول في حزب الله في دمشق، شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن بعض رجاله انتشروا الآن للدفاع عن حمص.
ولكن بعد أشهر من القتال ضد إسرائيل في لبنان، من غير الواضح عدد القوات التي تركها حزب الله للانتشار في سوريا.
سيارة قديمة
عندما يتعلق الأمر بالجيش السوري، فإن بعض أقوى الوحدات، الفرقة المدرعة الرابعة والحرس الجمهوري، كانت متمركزة منذ فترة طويلة حول دمشق بهدف جعلها محمية من الانقلابات.
لكن الافتقار إلى التدريب والرواتب المنخفضة كان لها أثرها، حيث اختفت القوات النظامية بدلا من مواجهة الفصائل المسلحة.
يقول أندرو جيه تابلر، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومسؤول سابق في الحكومة الأميركية في قضايا الأمن: "إنك تحتاج إلى قوات مخلصة وموثوقة للاحتفاظ بالأرض، وهي ليست موجودة هناك".
يعتبر العديد من المحللين الدولة السورية المركزية مجرد هيكل أجوف، يقول تابلر: "النظام الحاكم في سوريا متهالك بشكل لا يصدق. إنه مثل سيارة قديمة تم تجميعها بقطع غيار بواسطة ميكانيكيين غير معروفين".
وقال فراس مقصد، زميل بارز وخبير في شؤون سوريا في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: "يتعلق الأمر كله بتوازن القوى بين هؤلاء اللاعبين الإقليميين في بلاد الشام، حيث تقع سوريا في القلب".
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات دمشق إيران حماس إسرائيل الولايات المتحدة الشرق الأوسط روسيا بشار الأسد أوكرانيا موسكو فلاديمير بوتين لبنان حزب الله رجب طيب أردوغان هيئة تحرير الشام أنقرة القصير حمص الولايات المتحدة روسيا سوريا تركيا إيران حزب الله دمشق إيران حماس إسرائيل الولايات المتحدة الشرق الأوسط روسيا بشار الأسد أوكرانيا موسكو فلاديمير بوتين لبنان حزب الله رجب طيب أردوغان هيئة تحرير الشام أنقرة القصير حمص أخبار سوريا الولایات المتحدة الفصائل المسلحة الشرق الأوسط حزب الله فی سوریا
إقرأ أيضاً:
من هو أحمد العودة الذي يُهدّد زعامة أحمد الشرع في سوريا؟
نبّهت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية إلى وجود شخصيات قوية من المُقاتلين السوريين تُنافس مكانة قائد العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع، وتحظى بدعم دولي خاصة مع تشكيلها عائقاً ضدّ جماعات جهادية مُقاتلة، وهو ما قد يُعرّض وحدة البلاد للخطر.
وسلّطت اليومية الفرنسية الضوء بشكل خاص على أحمد العودة كشخصية أساسية لا يبدو أنّها تميل إلى مبايعة السلطة الجديدة التي تأسست في دمشق بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) كخطوة أولى على طريق توحيد سوريا.Syrie : qui est Ahmad al-Audeh, l’autre homme fort qui pourrait mettre en danger l’union du pays ?
➡️ https://t.co/1WqLiNKoVU pic.twitter.com/MQ0NKRbWFT
ومن أجل ترجمة الكلمات إلى أفعال، تباهى العودة في 4 يناير (كانون الثاني) 2025 بتنظيم عرض كبير لقواته- التي يُقدّر عددها بحوالي 7000 رجل، كثير منهم ضباط سابقون في الجيش السوري- وذلك ما بين مدينة درعا، قاعدته الرئيسية، ومدينة إزرع التي تبعد 80 كم جنوب دمشق. ولا شك أنّ أحمد الشرع قد تلقى الرسالة من "حليفه"، لكن إلى متى؟ تقول "لوباريزيان".
8. On January 4, 2025, Al-Awda showcased his military strength with a significant parade between Bosra ash-Sham, his main base, and Izra, this a week after HTS marched its forces to Umayyad Sq, and was seen as a signal to Al-Shara’a’s newly formed defense ministry highlighting… pic.twitter.com/7GzViASak0
— Rami Jarrah (@RamiJarrah) January 6, 2025 خطر تقسيم سوريا ورأى الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي رونان تيزوريير، في ذلك نذير صراع ناشئ داخل القوى التي تولّت السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد. واعتبر أنّ العودة يُمثّل تهديداً مُحتملاً يُمكن أن يؤدي إلى تقسيم سوريا بشكل دائم، كما يتفق العديد من المراقبين الإقليميين، باعتبار أنّ هذا الرجل القوي هو المُنافس الرئيسي لزعيم البلاد الجديد أحمد الشرع.ويُواصل العودة القائد السابق لأحد فصائل الجيش السوري الحر في درعا، إرسال إشارات عدم الثقة تجاه قائد القوات القادمة من شمال سوريا أحمد الشرع. ووصف مُراقبون العودة بالمُقاتل ذي المظهر المقلق، والذي غيّر ولاءاته عدّة مرات في السنوات الأخيرة، اعتماداً على اتجاهات رياح القوة، وهو معروف بعلاقاته الجيدة مع روسيا.
3. While his association with Russia and Iran was seen as a pragmatic move to maintain influence in the region Al-Awda essentially benefited Assad and his allies, against Syrians who opposed the Assad regime, and through an agreement allowed both Russia and Iran to place Daraa… pic.twitter.com/mQKOtyX3Lf
— Rami Jarrah (@RamiJarrah) January 6, 2025 ويُثير أحمد العودة جدلاً لأنّ القوات الروسية التي دعمت الأسد، أشرفت في عام 2018 على صفقة سمحت لقوات النظام السوري باستعادة السيطرة نظرياً على محافظة درعا، لكن بدعم من قوات أحمد العودة الذي تمكّن لذلك من السماح لمجموعته المُقاتلة بالاحتفاظ بأسلحتها، وفي الواقع، دعم نظام الرئيس السابق بشار الأسد.وبينما يُنظر إلى ارتباطه بروسيا وحليفتها إيران على أنه خطوة عملية كانت تهدف إلى الحفاظ على نفوذه في المنطقة، فقد اعتبر الكثير من السوريين ذلك خيانة لشعبه. أوّل من دخل دمشق في بداية ديسمبر (كانون الأول) 2024، وبينما كانت القوات المُناهضة للأسد بقيادة الشرع تتقدّم نحو دمشق، قامت "هيئة تحرير الشام"، التي تتولى زعامة السلطة الآن، بتشكيل عسكري تحالف مناسب مع قوات "غرفة العمليات الجنوبية" بقيادة العودة الذي فكّ تحالفه مع روسيا ونظام الأسد، حاشداً قواته لاختراق العاصمة. وفي 7 من الشهر الماضي وصلت قواته إلى أطراف المدينة، وفي اليوم التالي دخلت دمشق أولاً قبل قوات الشرع.
وانتشر رجال أحمد العودة، الذين يُمكن التعرّف عليهم من خلال عماماتهم المربوطة حول رؤوسهم، حول البنك المركزي السوري وفي عدّة أحياء بالعاصمة. ويتهمهم البعض بنهب المؤسسة المصرفية الوطنية. وقال قائد عسكري سوري "لقد حدثت الفوضى لكننا تمكّنّا خلال فترة وجيزة من السيطرة على المؤسسات الحيوية لضمان حمايتها".
#Syrie : qui est Ahmad al-Audeh (Ahmed al-Awda), l’autre homme fort qui pourrait mettre en danger l’union du pays ? https://t.co/IdN2FvVEyh cc @ThomasPierret
— Ronan Tésorière aka Ron T. (@RonTesoriere) January 8, 2025 وأضاف المتحدث باسم القوات الجنوبية أنّ رجاله قاموا لفترة من الوقت بتوفير الأمن لعدّة سفارات عربية، واصطحبوا دبلوماسيين متمركزين في دمشق إلى فندق كبير في العاصمة كملجأ لهم. كما شجّعوا على المرور الآمن للدبلوماسيين إلى الحدود السورية مع الأردن. دور استراتيجي للعودة وفي هذا السياق المُشتعل، التقى العودة بالزعيم الجديد للبلاد، أحمد الشرع، في 12 ديسمبر (كانون الأول) خلال اجتماع بين مُناهضي الأسد، لكنّه لم يُشارك في الاجتماع الذي ترأسه الأخير في 25 من الشهر نفسه مع قادة عدّة مجموعات مسلحة أخرى قالوا إنهم قبلوا حلّها.وبالنسبة للمُتخصصين في شؤون المنطقة، فإنّ للعودة موقع ضروري في المشهد السياسي المستقبلي للبلاد، خاصة أنّ لديه علاقات دولية كبيرة، ويرى فيه البعض "رافعة استراتيجية مهمة"، كما يؤكد توماس بيريت، الباحث المتخصص في الشأن السوري في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
وعلى المستوى الإقليمي، يُمكن أن يُمثّل العودة قوة مُضّادة حقيقية، وأن يكون على رأس كيان مستقل يتمتع بحكم شبه ذاتي إذا كانت القوة المركزية في دمشق ضعيفة للغاية. ويُمكن للاعبين الدوليين الرئيسيين بعد ذلك أن يندفعوا إلى دعمه، خاصة أنّ العودة شكّل دائماً عائقاً أمام المُتمرّدين الإسلاميين منذ عام 2014، وفق بيريت.