#ماذا_بعد؟
د. #هاشم_غرايبه
لا أحد يمكنه الجزم بحقيقة ما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا، لكن المؤكد وبناء على المعطيات المتوفرة، فهي تشير الى أن ما يحدث هو استئناف لثورة 2011 التي أخمدت عندما تدخل الشيطان الأكبر (أمريكا واتباعها الأوروبيين)، فأوحى الى الروس والإيرانيين عام 2013 بالتدخل لانقاذ النظام، لذلك فإذا لم يتدخل الآن مرة أخرى فسيسقط سريعا.
وخلال الأسبوع المنصرم، تدحرجت الأحداث بسرعة، فلما أحجمت تلك القوى الدولية إياها عن التدخل، تمكن المعارضون من السيطرة على أكثر من نصف المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام.
السؤال الهام: هل يعني ذلك أن الثورة موحى بها من الشيطان الأكبر، أو مخترقة من قبله؟.
هو سؤال كبير حقا، خاصة بعد التجارب المريرة خلال القرن المنصرم، حيث رأينا أصابعه وراء كل الأحداث والمصائب التي تحل بسكان هذا الكوكب.
الحقيقة الأساسية التي يجب ان نعيها في فهم سياسة المستعمر، هو أن المخططين الاستراتيجيين لذلك الشيطان، لا يحبون أن تنكشف تدخلاتهم، ويفضلون دائما أن تتم خفية وبأيدي غيرهم، لذلك يكون استخدام القوة العسكرية هو الخيار الأخير حينما تنعدم السبل الأخرى، وأحدث مثال هو ردة الفعل على معركة الطوفان، فلما لم ينجح أداء أنظمة التطبيع في قمع الروح الجهادية لدى الأمة، تحركت الأساطيل وحاملات الطائرات لحماية الكيان اللقيط، وانفتحت مخازن السلاح الغربية على مصراعيها له.
والحقيقة الثانية أنه حينما يواجه نظام عميل للغرب معارضة قوية من شعبه، وتصبح كلفة إدامته عالية، يتم التخلي عنه، وتركه يغرق فلا يلقى إليه بطوق النجاة، بل تتحول الأولوية الى البحث عن منافذ لاختراق النظام الجديد، مثلما حدث في ايران وليبيا تونس ومصر واليمن.
ففي إيران بدل أن يحموا الشاه العميل، وجدوا ضالتهم في طائفية النظام الجديد، ليجعلوه فزاعة أمام أنظمة الأقطار المسلمة، ويديموا بصراعات بينية إضعاف الإسلام الحركي الساعي الى توحيد الأمة.
وفي تونس لم تكن صرخات البوعزيزي وحدها لتفجر الثورة، لكنها الشرارة، فلما وجدوا النقمة عارمة على زين العابدين، لم يستمعوا لاستنجاداته وادعاءه بأن المتمردين هم إخوان مسلمون، فتركوه يغرق، واهتموا بدعم العلمانيين لاستبعاد الإسلاميين.
وفي ليبيا ساعدوا في اسقاط النظام عسكريا، لكن بعد أن مكنوا لنظام حفتر في نصفها الشرقي، ليبقي القلاقل في البلاد، ومانعا لقيام نظام وطني مخلص، يمكن أن ينهض ببلاده.
في اليمن أوكلوا أمر ادامة الشرذمة والتقاتل الى الدول الخليجية ليبقوا الصراعات البينية، فأنهكوا الجميع في الجزيرة العربية.
وأما في مصر، فقد سجلوا النجاح الأكبر، فلم يهتموا بإنقاذ مبارك، الذي كان يظن أن خدماته الهائلة لهم بتسليمهم تلابيب الجيش والمخابرات ستشفع له عندهم، فأوحوا الى رجلهم الثاني (عمرو سليمان) بتسلم السلطة، ولما كانوا يودون معرفة توجهات الشعب المصري، وجهوا بإجراء انتخابات، وقدموا مرشحا علمانيا من العسكر (أحمد شفيق) كمنافس لمرشح الإخوان، ورغم كل جهود العسكر لم ينجح، فلم يقلقهم ذلك، إذ ان خيوط العسكر بيدهم، فرتبوا انقلابا عسكريا بتمويل من عملائهم العرب، واسقطوا الرئيس الشرعي، ولم يلتفتوا الى تناقض ذلك مع مزاعمهم بالدفاع عن الديموقراطية.
سوريا كانت مختلفة، فهي محاذية للكيان القيط، لذلك يقلقهم تسلم إسلاميين الحكم، قد لا يلتزموا بأمنه مثل النظام الأسدي، فتدخلوا بأيدي روسية وإيرانية لحمايته.
هنا نصل الى الإجابة عن السؤال بسؤال آخر: هل تغير الظروف التي أحدثها الطوفان، والقلق على مصير كيانهم اللقيط، غيّر حساباتهم، حيث كلفهم إنقاذ بشار منافع استراتيجية للروس والإيرانيين، وهل تخليهم عن حمايته الآن قرار نهائي أم تكتيكي بهدف خلط الأوراق، وإبقاء البلاد مزعزعة، فلا غالب ولا مغلوب، كاليمن وليبيا؟.
المؤكد أن استئناف الثورة على النظام هو قرار السوريين وليس أجندة خارجية، فمن يعرفون الظروف الصعبة للنازحين السوريين في الشمال والخارج، لاثني عشر عاما، يئسوا فيها من عودتهم لديارهم بالتفاوض، ولأنهم عرفوا ان العرب والعالم تخلوا عنهم ، لذا جمعوا صفوفهم وتدربوا وتسلحوا، وشكلوا قوات قوامها مائة ألف، وبالطبع حرصواعلى ألا يسمحوا للدواعش باختراقهم هذه المرة، بعدما عانوه منهم سابقاً.
الحقيقة الأهم من كل ما سبق، ان الله سينصر من ينصره، وهو محيط بالظالمين، ومبطل لكيدهم. مقالات ذات صلة الهبوط على كومة من الحجارة والهبوط على كرسي وثير. . ! 2024/12/07
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ماذا بعد هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
هل يهدد غياب المحكمة الدستورية استقرار النظام في تونس؟
تونس- في مشهد يعكس هشاشة التوازنات داخل البرلمان، قدّم نواب في تونس مبادرة لتفعيل المحكمة الدستورية. لكن في تطور مفاجئ، قام 5 نواب -من إجمالي 10 هم أصحاب المبادرة- بسحب توقيعاتهم، مما أدى إلى سقوط الاقتراح قبل أن يُعرض حتى على التصويت، وذلك في ظل دعوات أطلقها أنصار الرئيس قيس سعيد إلى مسيرات سلمية، رفضا للمقترح.
ويأتي هذا التحول وسط مناخ سياسي مشحون أعاد إلى الواجهة الجدل حول غياب المحكمة الدستورية، ومدى تأثيره على استقرار النظام السياسي والديمقراطي، خاصة في ظل انفراد السلطة التنفيذية بالمشهد وتراجع دور باقي مؤسسات الدولة تدريجيا.
وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة تراشق حاد، حيث اتُّهم النواب المبادرون بالخيانة وأنهم "أعداء الشعب"، في حين وُجهت اتهامات لأنصار سعيد برفضهم للقانون، في مشهد يعكس انقساما سياسيا واجتماعيا بين فئتين تتنازعان الشرعية.
سخرية واستهجانفي السياق، علق أحد النشطاء السياسيين ساخرا على دعوات العودة إلى دستور 2014، واصفا الخطوة بالعبثية، وكتب في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك ينتقد "نسخة 2014″، في إشارة إلى تصريح سابق للرئيس قيس سعيد.
واعتبر أن العودة إلى "نص تجاوزته الأحداث هو وهم سياسي"، مشددا على أن المحكمة الدستورية يجب أن تُنشأ في إطار جديد يتماشى مع دستور 2022، لا "في ظل قانون فقد شرعيته".
إعلانفي المقابل، رأى ناشطون معارضون أن تنظيم وقفات احتجاجية أشبه بـ"مهرجانات ولاء"، في حين شبّه آخرون الوضع بـ"جمهورية شعبية" تُدار فيها القوانين وفق المزاج العام، لا وفق النصوص الملزمة، مما يعكس هشاشة النظام السياسي.
ووصفت منشورات المعارضة الدعوة للتظاهر بـ"كوميديا سياسية سوداء"، ورأت تسنيم الأبيض أن الولاء للرئيس بات مبررا لقمع الأصوات المطالبة بالعودة إلى الدستور وتفعيل النصوص القانونية المجمّدة، في ظل توظيف الشعارات الوطنية لقمع المعارضين وتكميم الأفواه.
أما الناشط الحقوقي رمزي الغربي، فقال "لا معنى للمحكمة الدستورية ما دام الدستور قد صاغه شخص واحد"، في إشارة للرئيس سعيد.
وتعجب ظافر حبيب في تدوينة ساخرا "المشهد يبدو غريبا، ناخبون يحتجون ضد من منحوهم أصواتهم، فقط لأنهم طالبوا بآلية دستورية لتنظيم الحكم". واعتبر أن تحريك الشارع ضد نواب منتخبين يعكس عمق الأزمة التي يعيشها نظام سعيد.
ويرى جيلاني الهمامي، القيادي في حزب العمال، في تصريح للجزيرة نت، أن النواب الذين تراجعوا عن توقيعاتهم خضعوا لضغوط، مما يطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار البرلماني، معتبرا أن هذا التراجع لا يمس فقط بمصداقية المبادرة، بل يكشف عمق الأزمة الدستورية وتعطيل مؤسسات الرقابة.
وقال إن رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يريد إنشاء المحكمة الدستورية أصلا، ليس فقط لأنه لا يرغب في وجود سلطة قد تُشكّل -ولو نظريا- مصدر إزعاج أو مساءلة له في المستقبل، حتى وإن كان يملك القدرة على تعيين أعضائها، بل لأنه ببساطة لا يرى جدوى من وجودها، ولا يؤمن بأهمية التوازن بين السلطات.
وحسب الهمامي، فإن المعركة التي دارت في السابق حول المحكمة الدستورية كانت معركة نفوذ بين مختلف مراكز القرار، إذ كان كل طرف يسعى إلى ضمان موالاة الأعضاء المزمع انتخابهم. أما اليوم، فإن "سعيد لا يرى في هذه المحكمة أي ضرورة بعد أن احتكر السلطات بيده وغيّب كل آليات الرقابة".
إعلانمن جانبه، اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في حديث للجزيرة نت، أن فشل تونس في إرساء المحكمة الدستورية مسؤوليةٌ تتحملها كل الحكومات بعد الثورة، بما في ذلك حكومات الترويكا، بسبب التعقيدات التنظيمية والصراع السياسي حول تركيبة أعضائها.
وأضاف أن غياب المحكمة كان العنوان الأبرز الذي ساهم في الأزمة السياسية، فعجزت مؤسسات الدولة عن حسم النزاعات بين السلطات، مبينا أن هذا الغياب ولّد ضبابية قانونية وسمح بتمرير قرارات مثيرة للجدل دون رقابة دستورية تضمن الحقوق وتضبط صلاحيات الحُكم.
ويرى الجورشي أن الوضع تغير اليوم، فالمحكمة الدستورية المقبلة يُتوقع أن تكون خاضعة لإرادة الحكم الحالي، وتحت إشراف الرئيس سعيد مباشرة. وأكد أن أعضاءها سيكونون بقراره، وهو ما ينفي عنها الاستقلالية والضمانات الدستورية.
سيناريوهات مستقبليةمن جهته، يرجح المحلل السياسي إبراهيم العمري أن تونس تتجه نحو أحد 3 سيناريوهات:
الأول: تفعيل المحكمة الدستورية استجابة لضغوط داخلية وخارجية، مما قد يعيد بعض الثقة بالمسار السياسي، من دون أن يحد فعليا من قبضة الرئيس على النظام، معتبرا أن "سلطة الانقلاب" لن تؤسس للديمقراطية في تونس بدستور كتبه سعيد بمفرده. الثاني: يتمثل في مواصلة تجاهل المحكمة، مما يكرّس حكم الفرد ويزيد من الشكوك لدى الشركاء الدوليين، وهو ما قد يؤثر سلبا على المساعدات المالية والسياسية التي تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها الاقتصادية. الثالث: يتمثل في محاولة فرض تعديل دستوري جديد يعيد تشكيل المشهد القانوني والسياسي على مقاس السلطة القائمة، وهو مسار محفوف بالمخاطر داخليا وخارجيا، وقد يضاعف من عزلة تونس سياسيا ويدفع نحو التصعيد.