معاوية الرواحي
في أجواء مُكهربة، ومليئة بالإحباط، ومشاعر جماهيرية ساخطة، انطلقت قافلة كروية طموحةٌ تأخذ على عاتقها تحقيق رسالة إعادة كرة القدم للناس، بدأت من نزوى، وانطلقت هذه البطولة كفعالية كروية مختلفة بمعنى الكلمة، ذات رسالة تختلف عن الكوكب العالمي الكبير وما أخذ كرة القدم إليه من سوق مزادات، ومزايدات، وسوق أسهم كروي ولعبة المليارات.
أستاد متنقل، ينتقل من مكان إلى مكان، ولعبة ذات قوانين مصممة لتكون مصدر جذب اجتماعي، لعبة أساسها الإثارة، والمواجهة، والبطولات التي تُنجز في أيام معدودة، وكل شيء أولا وأخيرا مصمم لجذب الجمهور الحقيقي والواقعي، الذي يعيش الحدث، ولا يراه فحسب، وإنما يسمع كل شيء، بما في ذلك صراخ اللاعبين، وصوت اصطدام الكرة بقدم اللاعب، وتوجيهات المدرب!
كُل ما في كرة القدم "سوكا" السداسية يتبنى قيمًا اجتماعية، وفي الوقت نفسه هي نموذج تجاري ذكي للغاية، لم تكن الفكرة معروفة في البداية! الجميع يظن أنها فعالية عادية، وهذه معضلة الأفكار الجديدة، أنها تأخذ وقتا لتصل إلى الأذهان، هذا فضلًا عن مقاومة التغيير والتي هي نزعة فطرية لدينا، كرة قدم الهواة بالطبع تختلف عن تلك الكرة القائمة على مزادات الملايين، وفكرة الأستاد المتنقل تختلف عن تكاليف تشغيلية دائمة، لا يمكنك نقل أستاد إسمنتي من ولاية إلى ولاية، ومن محافظة إلى محافظة، ولكن يمكنك فعل ذلك بهذا النظام الرشيق، والنموذج المبني على صناعة الحدث، وصناعة الفعاليات. ولا أنسى، ارتباطه الوثيق بالاقتصاد المحلي المصغر، ومشاريعه، وكل ما يحققه من حركة، ثمة أشياء كثيرة خارج السياق الرياضي ترتبط بهذا الحدث.
حماستي تجاه الحدث اجتماعية، ومرتبطة بورقة ناقصة في سوق الفعاليات في عُمان، ولا سيما سوق الفعاليات الرياضية، البعض يتطلع دائما إلى المشاركة الدولية ويوجه بوصلة تطلعاته للخارج، والبعض الآخر يوجه بوصلة تطلعاته للداخل، لصناعة جذب رياضي قادر على التحول مع الوقت إلى سوق يضخ فوائده على كل من يساهم فيه، صناعة الفعاليات جانب، وصناعة الحماسة الرياضية جانب، الجوانب الصحية المرتبطة بالموضوع، والجوانب الثقافية التي تصنع ثقافة الالتزام، وروح التنافس، والجميل في هذه اللعبة "سوكا" أنَّها قادرة على تحقيق كل ذلك. مليونان لاعب عبر العالم! واللعبة تكبر كل يوم.
قد تتساءل عزيزي القارئ، ما كل هذه الحماسة للعبة الهواة! سأخبرك لماذا؟
لهذا السبب تحديدًا؛ لأن البوصلة موجهة للداخل، ومن في هذا الداخل؟ أبناء المجتمع، الذين يجدون نموذجًا مُصممًا بعناية شعاره الضمني "الحلم ليس بعيدًا!"، وسواء كنت ولاية، أو شركة، أو وزارة، أو مجموعة شباب، أو محافظة، أو أي تقسيم أو شخصية بشرية أو اعتبارية، النموذج هذا يشتغل وفق فن الممكن، وهذا الممكن قادر على صناعة الوظائف، وهذا هو جوهر هذا المقال بعد كل هذا التقديم الهائل لتوضيح السياق.
مهنة اللاعب المحترف في كرة القدم الكبيرة ليست سهلة، ولن أخوض في هذا الجانب، لكن مهنة اللاعب الهاوي في فعاليات مصممة بهذا الشكل، وبهذه التكاليف المعقولة، تختلف كليًا، حجم الاستفادة النهائي الذي يمكن أن يبدأ من "صناعة الفِرَق"، هُنا نستطيع القول إنها بذرة أولى لصناعة الوظائف غير النمطية. ولكن هل هذا يكفي؟ المشاركة فحسب؟! كلا.. دوري الهواة يعني ضلوع الشركات في التسويق لنفسها، ويعني أيضًا التنافس، وهذا يقود إلى لاعب دائم يعمل ويمتهن التمثيل للكيان الذي أسسه.
وماذا قد يحدث مع الوقت؟ الرعايات تتحول إلى عقود، والعقود تتحول إلى رواتب، وما يدريك أين سيذهب هذا النموذج؟ قد يذهب للبعيد البعيد، إنْ آمن المجتمع بهذا النموذج، ليس من أجل الجانب الرياضي؛ بل لكل الارتباطات التي تجعل هذه الفعاليات الرياضية قادرة على الانتقال السريع والرشيق، وحتى تحضر بطولة واحدة من هذه البطولات لن تعرف ما أقصده.
العمل على المدى الطويل لتعزيز ثقافة الرياضة لها ارتباط معقد بحياة الإنسان ككل، برغبته في الفرح، والتشجيع، بأمنياته أن يرى الفوز، كانت مفاجأة حقيقية أن المنتخب العُماني يحطم التوقعات وينطلق في هذه البطولة العالمية ليصل بشق الأنفس إلى النهائي.
وأنا أكتب هذا المقال- بعد ساعات من الآن- سيكون نهائي كأس العالم للمنتخب السداسي، وهذه مجرد البداية، للحكاية فصول قادمة، وأتمنى حقًا أن توضع مصلحة اللاعبين نصب أعين الجميع، أن يكون هُناك مسمى رسمي في مهنة اسمها "لاعب"، وما دام النموذج ينجح، ويربح منه الجميع، هُنا سنرى المنظومة تتطور، وشركات التأمين تدخل، وصناعة المسار الرياضي يأخذ أشكاله الاعتيادية، فضلًا عن التدريب، والتأهيل، وكل الإشغال الاقتصادي الذي يمكن أن تحققه فكرة ابتكارية واحدة.
أتمنى حقًا أن يُحقق منتخبنا السداسي كأس العالم، وما أتمناه أكثر ألّا يصبح هذا الزخم نهايةً لرحلة، وإنما بداية لرحلة أخرى تصنع سوقًا مربحًا لأي لاعب يسمع الكلمة المُحبطة دائمًا: "كرة القدم ما فيها فلوس"! و"في عُمان لما تلعب تخسر!"، وغيرها من الكِلِيشيهات التي صارت تَكْسَر نفوسنا، من فرط ما ظن الجميع بها أنها حقيقة!
هل يفوز المنتخب بكأس العالم؟ أم بالفضية؟ لا أدري، الذي أتمناه هو أن نبدأ بعد هذه البطول بالعمل الحقيقي الجاد لكي نرى في المحيط الداخلي العُمانية مهنة اسمها "لاعب"!
** متطوع في بطولة كأس العالم "سوكا 2024"
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رونالدينيو من أحياء الفقراء إلى أسطورة في كرة القدم
صعد البرازيلي رونالدينيو غاوتشو من أحياء بورتو أليغري الفقيرة ليصبح أحد أعظم لاعبي كرة القدم وأكثرهم ثراء وتأثيرا.
كانت حياة رونالدينيو -الذي ولد في 21 مارس/آذار 1980- مليئة بالتحديات والصعوبات الاقتصادية حيث كان منزلهم صغيرا ومتواضعا، لكن تملؤه الأحلام الكبيرة.
وكان الفتى وأفراد عائلته يفتقرون إلى أبسط ضروريات الحياة فلم تكن الكهرباء والمياه متوفرة دائما، وكانت الشوارع التي لعب فيها كرة القدم مليئة بالغبار والطين، لكنها كانت مسرحا لانطلاق موهبته الفريدة.
وعانى رونالدينيو من نقص الموارد، فلم يكن يمتلك المعدات الرياضية المناسبة، وكثيرا ما كان يلعب حافي القدمين أو يرتدي أحذية قديمة ممزقة، لكن موهبته الكروية الفذة منحته الفرصة لتغيير حياته بشكل جذري.
ومنذ صغره، أظهر مهارات استثنائية جعلته محط أنظار الكشافين والمدربين، ليبدأ رحلة صعود مذهلة نحو الاحتراف.
رحلة صعود مذهلةبدأت رحلة رونالدينيو الاحترافية الحقيقية عندما انضم لنادي غريميو المحلي، لكنه أدرك أن حلمه الأكبر يكمن في اللعب على الساحة العالمية.
وعام 2001، انتقل إلى أوروبا عبر بوابة باريس سان جيرمان، وهناك بدأ إثبات قدراته أمام العالم، إلا أن انتقاله إلى برشلونة عام 2003 كان نقطة التحول الكبرى في مسيرته.
إعلانوفي كتالونيا، أصبح رمزًا للإبداع والمتعة الكروية وقاد "البرسا" إلى تحقيق بطولات كبرى أبرزها الدوري المحلي ودوري أبطال أوروبا، كما حصد جائزتي أفضل لاعب في العالم من الفيفا عامي 2004 و2005، ليُصبح واحدًا من أعظم اللاعبين في تاريخ اللعبة.
لم يكن نجاح رونالدينيو مقتصرًا على المستطيل الأخضر فقط، بل استطاع بفضل جاذبيته وشعبيته العالمية أن يحوّل موهبته إلى ثروة طائلة. وقد وقّع عقود رعاية ضخمة مع شركات عملاقة مثل نايكي وبيبسي، كما استثمر أمواله بذكاء في العقارات والأعمال التجارية، فامتلك منازل فاخرة في مختلف دول العالم، وأطلق مشاريع تجارية في مجالات عدة، من المطاعم إلى المنتجات الرياضية.
ورغم كل هذا النجاح، لم تكن رحلة رونالدينيو خالية من العثرات وواجه إصابات أثرت على مسيرته، كما تعرض لانتقادات بسبب أسلوب حياته الصاخب، بالإضافة إلى مشكلات قانونية منها قضيتا التهرب الضريبي وتزوير جواز السفر، التي أدت إلى احتجازه في باراغواي لفترة. ورغم هذه التحديات، ظل رونالدينيو محافظًا على مكانته كأحد أكثر اللاعبين شعبية في العالم.
وإلى جانب إنجازاته الرياضية والمالية، كان لرونالدينيو دور بارز في الأعمال الخيرية حيث أسس مؤسسة خيرية لدعم الأطفال المحرومين في البرازيل، وساهم في العديد من المبادرات الإنسانية، مقدمًا الدعم للتعليم والرعاية الصحية. كما استغل شهرته للمشاركة في حملات توعوية ضد الفقر وعمالة الأطفال.
وتجسد قصة رونالدينيو كيف يمكن للموهبة والشغف والإدارة الذكية أن تحول حياة شخص من الفقر إلى الثراء والتأثير العالمي، ليبقى أحد أكثر الرياضيين إلهاما في تاريخ الساحرة المستديرة.