بأوامر إخلاء عاجلة.. إيران تسحب كبار قادتها العسكريين من سوريا إلى دولتين
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، اليوم السبت، عن مسؤولين إقليميين وثلاثة مسؤولين إيرانيين، أنّ إيران شرعت في إجلاء قادتها العسكريين وموظفيها من سورية، أمس الجمعة، في مؤشر، بحسب الصحيفة، على عدم قدرة طهران على "مساعدة رئيس النظام السوري بشار الأسد على البقاء في السلطة"، وذلك بينما تواصل فصائل المعارضة السورية إحراز تقدّم لافت منذ أن بدأت بشنّ عملية مفاجئة أطلقت عليها اسم "ردع العدوان" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، إذ نجحت في السيطرة على حلب، ثاني أكبر مدينة في سورية، قبل السيطرة على مدينة حماة الاستراتيجية، كذلك انسحبت قوات النظام السوري وقادة مجموعات موالية لإيران، الجمعة، بشكل مفاجئ، من مدينة دير الزور شرقي سورية.
وأشارت الصحيفة الأميركية، نقلاً عن هؤلاء المسؤولين، إلى أنّ من بين مَنْ أُجلُوا إلى العراق ولبنان المجاورين، قادة كبار في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني. وأضافت أنه كذلك أُجلِي عناصر ضمن الحرس الثوري وبعض الموظفين الدبلوماسيين الإيرانيين برفقة عائلاتهم، ومواطنون إيرانيون كذلك، وفق تأكيدات المسؤولين الإيرانيين، الذين قالت الصحيفة إنّ اثنين منهم من الحرس الثوري. وأشار هؤلاء المسؤولون، الذين تحدثوا للصحيفة شرط عدم كشف أسمائهم، إلى أنّ الإيرانيين شرعوا في مغادرة سورية، صبيحة أمس الجمعة.
وأوضحت "نيويورك تايمز"، وفق المصادر ذاتها، أنّ أوامر الإخلاء صدرت في السفارة الإيرانية بدمشق، وقواعد الحرس الثوري الإيراني، مضيفة أنّ عدداً من موظفي السفارة غادروا فعلاً.
وذكر هؤلاء المسؤولون أنّ جزءاً من عمليات الإخلاء جرى عبر طائرات متوجهة إلى طهران، فيما اختار آخرون التوجه براً إلى لبنان والعراق وميناء اللاذقية على الساحل السوري.
وخلال محادثة هاتفية مع الصحيفة، قال المحلل والخبير الإيراني، مهدي رحمتي، إنّ "إيران شرعت في إخلاء قواتها ومستشاريها العسكريين لأنه لم يعد في وسعها المشاركة في المعارك بصفة جهة استشارية وقوة دعم إذا كان الجيش السوري في حدّ نفسه لا يريد القتال".
وأضاف: "في نهاية المطاف، إيران اكتشفت أنها لا تستطيع تدبير الوضع في سورية في الوقت الراهن من خلال أي عملية عسكرية، وهذا الخيار غير مطروح على الطاولة".
إلى ذلك، نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين إيرانيين قولهما إنّ جنرالين في "فيلق القدس" كانا يقدّمان المشورة لجيش النظام السوري، فرّا إلى العراق بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية على مناطق في حمص ومدينة دير الزور، أمس الجمعة.
واعتبرت الصحيفة أنّ أوامر الإخلاء تمثّل تحوّلاً دراماتيكياً بالنسبة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي حظي بدعم إيران منذ بدء الثورة السورية قبل 13 عاماً، وبالنسبة إلى طهران التي استخدمت الأراضي السورية ممراً لإمداد حزب الله بالأسلحة في لبنان.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: النظام السوری
إقرأ أيضاً:
سقوط النظام السوري وولادة سوريا الجديدة
#سقوط_النظا_ السوري وولادة #سوريا الجديدة
دوسلدورف/ #أحمد_سليمان_العمري
منذ عام 1970، عاش الشعب السوري تحت وطأة حكم عائلة الأسد الذي شكّل نظاما قائما على القمع والدم. بداية من حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري، وحتى عهد ابنه بشار، شهدت سوريا عقودا من الظلم والاستبداد، حيث حوّلت تلك العائلة البلاد إلى سجن كبير يحكمه الخوف والترهيب.
مع سقوط هذا النظام أخيرا، تفتح سوريا أبوابا جديدة لمستقبل طالما حلم به الشعب؛ تتسع فيه مساحة الحرية والعدالة، ويتلاشى شبح الطغيان.
مقالات ذات صلة هل من أمل؟ 2024/12/09إرث القمع والدم
حين استلم حافظ الأسد الحكم، وعد ببناء سوريا قوية، لكن وعوده تحوّلت إلى كابوس طويل الأمد، فقد اعتمد حكمه على الترهيب، فكانت مجازر مثل حماة عام 1982 إحدى أبرز معالم فترة حكمه، حيث قُتل عشرات الآلاف ودُمّرت أحياء بأكملها بحجة قمع المعارضة. لم يكن أخوه رفعت الأسد بعيدا عن هذه الجرائم، فقد نفّذ عمليات إعدام جماعية، مثل ما حدث في سجن تدمر، حيث قُتل مئات السجناء السياسيين بدم بارد.
عندما ورث بشار الأسد الحكم عام 2000، ظنّ البعض أن سوريا قد تدخل عهدا جديدا أقل قمعا، لكن هذا الأمل سرعان ما تبدد، فمع اندلاع الثورة السورية عام 2011، قُوبلت الاحتجاجات السلمية برصاص القنّاصة والقمع الوحشي، حيث آلت الثورة إلى حرب مدمّرة، استخدم فيها النظام كل أنواع الأسلحة ضد شعبه، من البراميل المتفجّرة إلى الأسلحة الكيميائية، ليترك البلاد غارقة في الفوضى والدمار.
مأساة حلب: جريمة بشراكة روسية وإيرانية
من بين المدن السورية التي تعرّضت لوحشية النظام، تبرز حلب كرمز للمعاناة والدمار، ففي عامي 2015 و2016، كانت المدينة مسرحا لقصف عنيف شنّه النظام السوري بدعم من القوات الروسية والإيرانية. أسفرت هذه الحملة العسكرية عن تدمير حلب الشرقية بالكامل تقريبا، حيث قُصفت المستشفيات والمدارس والأسواق دون تمييز، فقد استُخدمت أسلحة محرّمة دوليا في الهجوم، وراح ضحية تلك الجرائم آلاف المدنيين، في حين نزح عشرات الآلاف من سكان المدينة بحثا عن مكان آمن.
أصبحت حلب، بأطلالها ودمارها، شاهدا على تحالف القمع بين النظام السوري وحلفائه، روسيا وإيران، في محاولة لإبقاء بشار الأسد على كرسي الحكم حتى لو كان الثمن دم الأبرياء.
الثمن الباهظ للحرب
طوال سنوات الصراع، دفع الشعب السوري ثمنا باهظا كان أثره عميقا على كل بيت وكل فرد، فقد خلّفت الحرب أكثر من 610,000 شهيد حتى عام 2022، وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان، ومن بين هؤلاء، قُتل الكثيرون نتيجة القصف العشوائي والاشتباكات المسلّحة، بينما قضى آلاف آخرون تحت التعذيب في سجون النظام.
لم تقتصر المأساة على القتلى، فقد دمّرت الحرب أحلام الملايين وأجبرتهم على ترك منازلهم، حيث نزح أكثر من 6.9 مليون شخص داخليا، في حين هاجر 5.6 مليون سوري إلى دول الجوار ودول أخرى حول العالم، وحسب مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فقد وصل الرقم الإجمالي إلى 14 مليون؛ بين نازح ولاجئ ومُتشرّد، فضلا عن 100 ألف مفقود، حسب المصدر.
هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة التي عاشها الشعب السوري، الذي أصبح نصف سكانه بين مشرّد ولاجئ أو مفقود، أو فاقد للاستقرار والأمان.
فجر التحرير
مع سقوط النظام السوري ونهاية السلالة الوحشية، التي احتفل بها السوري واستقبلها بالفرحة والإحساس بالإنتصار، ورحّب بها أيضا الشارع العربي، بينما العالمي ينتظر التصريح الأمريكي بالقبول أو الرفض أو الحياد.
خرج السوريون، بكل أطيافهم، يحتفلون بنهاية عقود من القمع والظلم، فهذه الفرحة كانت امتدادا لأمل طالما تمسّك به السوريون رغم المعاناة، لأنّ سقوط النظام لم يكن مجرّد انتصار على الطغيان والطاغية فحسب، بل كان بداية لكتابة صفحة جديدة، تحمل بين سطورها وعدا بالحرية والكرامة.
لكن الفرح وحده لا يكفي، فأمام الشعب السوري مهمة صعبة تتمثّل في بناء دولة جديدة قائمة على التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي يُلزم أن تكون المرحلة المقبلة فرصة لتجاوز الانقسامات التي زرعها النظام بين مكونات الشعب، والعمل على بناء وطن يجمع الجميع تحت راية واحدة، خالية من الطائفية والكراهية.
ضرورة الوعي ورفض الطائفية
من الدروس التي تعلّمها السوريون خلال سنوات الحرب، أن الانقسام والطائفية لا يجلبان سوى الدمار، هذا لأنّ النظام استغل هذه الانقسامات ليُطيل أمد حكمه، مما أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في البلاد.
اليوم، مع ولادة سوريا الجديدة، يجب أن تكون الأولوية لترسيخ قيم التعايش المشترك، وتبنّي دستور يحمي حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق.
إن بناء سوريا المستقبل يتطلّب وعيا وطنيا يتجاوز أخطاء الماضي. يجب أن تتركّز الجهود على تحقيق المصالحة الوطنية، والعمل على محاسبة كل من تورّط في جرائم الحرب، مع ضمان ألّا يتحوّل الانتقام إلى سياسة الدولة، لأنّ استقلال القرار السوري هو الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار والازدهار في المستقبل.
الدرس المستفادة من دول الربيع العربي لتجنّب الهيمنة الخارجية
مع ولادة سوريا الجديدة، يبرز تحدٍّ كبير أمام الإئتلاف السوري والحكومة الحالية، التي ستعمل على تشكيل هيئة الحكومة الإنتقالية حتى الحكومة القادمة؛ من المفروض أن تُنتخب خلال 18 شهرا، والتي تبدأ بالإستفتاء على الدستور، الذي يضمن الحفاظ على كرامة الشعب وسيادة البلاد واستقلال قرارها الوطني.
لقد عانت سوريا لسنوات طويلة من تدخّلات خارجية زادت من تعقيد المشهد السياسي، حيث استغل العديد من القوى الدولية والإقليمية الصراع لتحقيق مصالحها الخاصّة.
كان التحالف مع روسيا وإيران من العوامل الرئيسية التي ساعدت النظام السوري في البقاء على قيد الحياة، مما زاد من تعقيد الصراع وأدى إلى تعميق المأساة السورية. لقد بات من الضرورة تجنّب الحكومة الجديدة الوقوع في فخ الهيمنة الخارجية، سواء كانت من قبل روسيا أو إيران، أو على الجبهة الأخرى الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو غيرها من القوى التي قد تسعى لفرض أجندتها على مستقبل البلاد.
تاريخيا، شهدت دول أخرى من دول الربيع العربي إخفاقات كبيرة نتيجة السماح للقوى الخارجية بالسيطرة على مسارها السياسي والاقتصادي. تجربة تلك الدول يجب أن تكون درسا لسوريا، لتفادي تحويل الاستقلال الوطني إلى مجرّد شعار، لأنّ بناء سوريا الحرّة والديمقراطية يتطلّب أن يكون القرار السياسي نابعا من إرادة الشعب، لا خاضعا لضغوط خارجية، مهما كانت المغريات أو التحديات.
أمل في مستقبل مشرق
سقوط النظام السوري هو بداية لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط عامّة، فهو يُعدّ مؤشّرا لتغيير ميزان القوى الإقليمي، مع الأخذ بالإعتبار اختلاط المُسلّمات والأوراق السياسية التي كان يتبنّاها العالم، والعالم العربي والمنطقة برُمّتها، وخاصّة بعد السابع من أكتوبر 2023.
أمّا على المستوى السوري فاللحظات الحالية تحتاج إلى عزم وتصميم من الشعب السوري بجميع أطيافه وأعراقه لتجاوز الألم، الذي استمر قرابة الـ 60 عاما من حكم عائلة الأسد، والعمل على بناء وطن يليق بتضحياتهم، ومع كل التحديات التي تنتظرهم، يبقى الأمل في أن تعود سوريا وطنا آمنا ومستقرّا، يحتضن أبناءه جميعا دون تمييز، ويعيد للاجئين كرامتهم وأملهم بالحياة.
سوريا الجديدة ليست مجرّد حلم، بل مشروع يمكن تحقيقه بإرادة السوريين وتكاتفهم، فهي الفرصة لصنع دولة حرّة وعادلة، تكون رمزا للصمود والانتصار على القتل المُمنهج والقمعية والبلوليسية، ونموذجا يحتذى به في العالم العربي.
سوريا تستحق مستقبلا أفضل، وشعبها يستحق حياة مليئة بالكرامة والحرية.
ahmad.omari11@yahoo.de