ما وراء زيارة رئيس جنوب أفريقيا للجزائر
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
الجزائر- تأتي زيارة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا للجزائر بدعوة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في سياق رغبة البلدين الأفريقيين بالمضي قدما في شراكة توصف بالتاريخية والإستراتيجية، يميزها توافق سياسي بين الطرفين حول أغلب الملفات والقضايا الأفريقية والدولية، بحسب مراقبين.
ويسعى الجانبان إلى تسطير عهد جديد من العلاقات المتينة من خلال توسيع الشراكات الاقتصادية من جهة، وتوطيد الرؤى والتشاور حول مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك بتفعيل التعاون بما يرتقي بالبلدين إلى مستوى أعلى من الشراكة، بحسب تصريحات المسؤولين.
وترأس الرئيسان الجزائري والجنوب أفريقي أعمال اجتماع اللجنة العليا المختلطة للتعاون الجزائري-الجنوب أفريقي، وشهدا التوقيع على إعلان مشترك للشراكة الإستراتيجية بين الجزائر وجمهورية جنوب أفريقيا.
وفي سابقة هي الأولى منذ سنوات، ألقى رامافوزا، خطابا أمام نواب البرلمان الجزائري، بعدما أصدر تبون في الثالث من ديسمبر/كانون الأول مرسوما رئاسيا يستدعي من خلاله البرلمان الجزائري بغرفتيه للاجتماع معا قصد الاستماع لخطاب رئيس جنوب أفريقيا.
علاقات تاريخيةواعتبر الرئيس الجزائري أن زيارة نظيره الجنوب أفريقي "تعبر عن خصوصية العلاقات التاريخية بين البلدين والقائمة على التعاون الوثيق والتضامن الدائم"، وتعبر أيضا عن "الطابع الإستراتيجي لعلاقاتنا الثنائية".
إعلانوفي تصريح صحفي مشترك، قال تبون إن هذه الزيارة سمحت بإجراء تقييم شامل لما وصل إليه البلدان في علاقاتهما الثنائية والتباحث حول السبل الناجعة لترقيتها "لتكون في مستوى الإرادة السياسية المشتركة".
وأكد تطابق وجهات النظر بين البلدين وتوافقهما على تفضيل الحلول السياسية التفاوضية لحل الأزمات بعيدا عن التدخلات الخارجية في مجمل القضايا على رأسها الأوضاع في منطقة الساحل وليبيا والسودان ومنطقتي أفريقيا الوسطى والجنوبية، ومواضيع أخرى متعلقة بعمل الاتحاد الأفريقي.
من جانبه، قال الرئيس رامافوزا، إن بلاده تطمح في تقوية العلاقات مع الجزائر، بما يعكس علاقات البلدين التاريخية.
ولفت إلى أن بلاده تسعى لرفع المستوى التجاري الذي سيتعزز بإطلاق منطقة التبادل الحر والتجارة بين البلدين، مؤكدا عمق إيمانه بأن التعاون بين جنوب أفريقيا والجزائر سيعزز التعاون الأفريقي.
خطاب في البرلمانوألقى الرئيس الجنوب أفريقي خطابا تطرق فيه إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة عقب انطلاق أشغال الدورة غير العادية للبرلمان المنعقد بغرفتيه.
وأشار رامافوزا في خطابه إلى ضرورة توحيد الأفارقة للوصول إلى أهداف التطور الدائم، مؤكدا التشابه الكبير لبلاده مع الجزائر بحكم معاناتهما من الاضطهاد والاستعمار.
وقال إن بلاده "تجدد نداءها من أجل إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى يكون أكثر تمثيلا"، مشيدا بـ"مواقف الجزائر المشرفة"، ومؤكدا أن بلاده والجزائر تقفان "موقفا حازما" في دعم الشعب الفلسطيني، وشدد على ضرورة أن تنتهي حرب إسرائيل على قطاع غزة.
ويقول النائب الجزائري، علال بوثلجة، إن رئيس جمهورية جنوب أفريقيا ألقى خطاب تاريخيا أمام ممثلي الشعب الجزائري، بصفته ثالث رئيس أجنبي يلقي خطابا أمام البرلمان الجزائري منذ تأسيسه سنة 1962.
وأشار بوثلجة في حديثه مع الجزيرة نت، للسياق الدولي الخاص، كونه يتزامن مع "التغيرات في العلاقات الدولية، وما تشهده مناطق عدة في العالم من اضطرابات وحروب على غرار ما يحدث في غزة ومحاولة الإبادة الجماعية".
إعلانوأشار النائب إلى التوافق بين الجزائر وجنوب أفريقيا حول عدد من الملفات الأفريقية والدولية، وهو ما ظهر جليا في خطاب رامافوزا الذي ذكّر بمساعدات الجزائر لبلاده ودعم نضالها ونضال كل الشعوب الأفريقية، إضافة إلى تطوير العمل الثنائي بما يخدم بلدان القارة الأفريقية.
توسيع الشراكةوأخذ الشق الاقتصادي حيزا مهما من المحادثات الجزائرية الجنوب أفريقية، في ظل رغبة البلدين المشتركة في رفع حجم المبادلات التجارية وتطوير الاستثمار، وتم تجسيدها من خلال توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية بين الجزائر وجنوب أفريقيا، وكذلك التوقيع على 5 اتفاقيات للتعاون بين البلدين.
وفي هذا السياق، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة وهران حاكمي بوحفص، إلى أن البلدين يعتبران من أقوى الاقتصادات الأفريقية باحتلالهما المرتبة الأولى والثالثة، ما يجعل لقاء الرئيسين مهما ويسمح بدعم الشراكة بين البلدين خاصة في ما يتعلق بالشراكة البينية من حيث تدفق السلع ورؤوس الأموال بينهما.
ويؤكد بوحفص في حديثه مع الجزيرة نت، أنه رغم مكانة البلدين أفريقيا، إلا أن المنافع الاقتصادية بينهما لا ترقى لمستوى طموحات المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، ما يجعل زيارة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا للجزائر فرصة لتوسيع الشراكة ودفعها لمكانة لائقة تسمح بزيادة حجم التجارة بين الجانبين.
وأشار أستاذ الاقتصاد إلى وجود العديد من الفرص وتقاطعها بين البلدين يمكن استغلالها لصالح الشعبين والمستثمرين، سيعززه انفتاح الجزائر وتوجهها إلى العمق الأفريقي قصد تنويع اقتصادها كبديل عن أوروبا.
كما توقع أن تجسد الاتفاقيات الخمس التي وقعت عقب انتهاء أشغال اجتماع اللجنة العليا المختلطة للتعاون الجزائري-الجنوب أفريقي العديد من المشاريع العملية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجنوب أفریقی جنوب أفریقیا بین البلدین
إقرأ أيضاً:
أبعاد أول زيارة لمسؤول جزائري إلى دمشق بعد سقوط الأسد
الجزائر- شكلت زيارة وزير الدولة، وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إلى سوريا في الثامن من فبراير/شباط الجاري، فرصة مهمة لبحث مستقبل العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها، خاصة في ظل المتغيرات السياسية التي شهدتها دمشق بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأتاحت الزيارة فرصة للجزائر لتؤكد من خلالها دعمها وحدة سوريا واستقرارها، ولتجديد التعبير عن تضامنها ووقوفها إلى جانب دمشق خلال هذه المرحلة الدقيقة، ولمد المساعدة الكاملة في كل المجالات لتمكين الشعب السوري من كسب الرهانات وتحقيق تطلعاته المشروعة التي يرسمها في المستقبل.
وكشف المبعوث الخاص للرئيس الجزائري -عقب استقباله من قبل الرئيس السوري أحمد الشرع– استعداد الجزائر لتطوير تعاونها الثنائي مع دمشق، لا سيما في ميدان الطاقة والتعاون التجاري والاستثمار وإعادة الإعمار.
علاقات متينةمن جانبه، أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن الإدارة السورية الجديدة بحثت مع الجزائر جهود رفع العقوبات الدولية عن دمشق انطلاقا من عضويتها بمجلس الأمن.
في السياق، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي عبد النور تومي أن العلاقات الجزائرية السورية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى عهد الأمير عبد القادر وما قبله، وهي راسخة ومتينة بين الشعبين. وأضاف للجزيرة نت أنها تأتي في إطار حراك دبلوماسي تعيشه سوريا الجديدة.
إعلانوأكد أن الجزائر بفضل دبلوماسيتها التي تقوم على مزيج من المبادئ الثابتة والواقعية الجديدة، استطاعت التكيف مع المستجدات التي تشهدها المنطقة. وباتت تمتلك نهجا واضحا في إدارة العلاقات المركبة في المنطقة، مما يعزز مكانتها كشريك إستراتيجي لسوريا، إلى جانب قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وقطر.
وحسب تومي، ستلعب الجزائر دورا دبلوماسيا فاعلا خصوصا أنها تمتلك حضورا نشطا في مجلس الأمن، حيث تمثل الصوت العربي فيه، الأمر الذي قد يمنحها دورا حاسما في دعم سوريا الجديدة، ومن ذلك العمل على رفع العقوبات المفروضة عليها نهائيا.
وأشار إلى "تجربة الجزائر الناجحة في تحقيق المصالحة الوطنية، وهو ما يمنحها دورا مهما في دعم الاستقرار في سوريا".
أهمية كبيرةاقتصاديا، قال الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي إن العلاقة بين البلدين تكتسب أهمية كبيرة، حيث شهدت السنوات الأخيرة حضورا بارزا للسوريين في الجزائر من خلال تأسيسهم شراكات واستثمارات متعددة، إلى جانب دورهم كخبراء في العديد من القطاعات.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر تيغرسي أن السوريين أصبحوا جزءا مهما من المشهد الاقتصادي الجزائري "تماما كما هو الحال في تركيا"، وأوضح أن هذا الواقع يسهم في تقارب اقتصادي بين الجانبين.
وأكد أنه في هذه المرحلة يمكن تحفيز الشراكات السورية والجزائرية التي كانت قائمة في السابق لإعادة إحيائها، أو بعث شراكات أخرى سواء في مجالات الطاقة أوالتجارة أو الإعمار أو صناعة النسيج التي قال إنها تحديدا يمكن أن تكون نقطة انطلاق أساسية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
ووفقا له، تمتلك الجزائر إمكانيات وثروات هائلة وتسعى إلى تطوير نموذج اقتصادي متكامل، يشمل قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والزراعة والصناعة والصناعات التحويلية والصيدلانية والتعدين والصيد البحري والسياحة. وأضاف أن سوريا -بدورها- كانت معروفة بقطاعها السياحي المزدهر، فضلا عن شهرتها بصناعة النسيج.
إعلانوحسب الخبير الاقتصادي، يكمن التحدي اليوم في كيفية تفعيل هذه الإمكانيات واستثمارها ضمن شراكة حقيقية بين سوريا والجزائر، مؤكدا أن هناك آفاقا واسعة لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصا من خلال العنصر البشري.
وأكد أن الجزائر كانت "دائما داعمة لاستقلال القرار السوري، وحرصت على أن تعتمد سوريا على شعبها وإمكانياتها"، معتبرا أن المرحلة المقبلة ستكون بداية مشجعة لتعزيز هذه العلاقات الاقتصادية وتطوير شراكة متينة بين البلدين.
زيارة نوعيةوتعد زيارة وزير الخارجية الجزائري الأولى من نوعها لمسؤول جزائري رفيع منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية أصدرت بيانا، بعد إعلان سقوط النظام المخلوع، دعت فيه "كافة الأطراف السورية إلى الوحدة والسلم". كما شددت "على الحوار بين أبناء الشعب السوري، بكافة أطيافه ومكوناته، وتغليب المصالح العليا لسوريا الشقيقة والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد، والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع".
كما دعت الجزائر على لسان وزير خارجيتها أحمد عطاف إلى "إشراف أممي على الحوار بين الفرقاء السوريين في ظل حرمة ووحدة التراب السوري"، مشيرا إلى أن "الجزائر تعترف بالدول وليس بالحكومات"، وأضاف أنه "نهج يعزز مرونة الموقف الدبلوماسي الجزائري عبر التاريخ".
وكانت إدارة الشؤون السياسية في سوريا قد وجهت في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي شكرا للجزائر على استمرار عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، مؤكدة توفير كل التسهيلات لاستمرار أعمالها.
ولم يصدر من الجزائر أي موقف رسمي من التطورات السياسية في دمشق بعدما أعلنت إدارة العمليات العسكرية السورية، في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، تعيين أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية.
وكشف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في حوار أجراه في الثالث من فبراير/شباط الجاري مع صحيفة "لوبينيون الفرنسية"، أنه أرسل مبعوثا للرئيس المخلوع بشار الأسد قبل سقوطه، مؤكدا أن "الجزائر اقترحت -بموافقة الأمم المتحدة– أن تكون وسيطا لكي يتحدث الأسد مع معارضيه، إلا أن الأمر لم يؤت أكله".
إعلانوأكد تبون أن بلاده "لطالما تحدثت مع الأسد وكانت حازمة معه ولم تقبل أبدا بالمجازر التي ارتكبها ضد شعبه".