سودانايل:
2024-12-12@04:55:24 GMT

المركزية الديمقراطية هي كابح تطور أي حزب شيوعي (7 -7)

تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT

صديق الزيلعي

طرح الزميل هشام عثمان في رده عدة قضايا تتعلق بالحوار الفكري، الطرح داخل القنوات، العداء وتدمير الحزب، وأهمها دعوته للحفاظ على النظرية والاجتهاد في ابتداع طريق حسب الواقع. كل تلك القضايا يمكن الرد عليها في قضية المركزية الديمقراطية. فهي من أسس الماركسية اللينينية، التي يسميها البعض المرتكزات واحيانا الثوابت.


نشرت موضوع المركزية الديمقراطية سابقا وساقتطف بعضه المتعلق بالحوار مع صديقي هشام عثمان.
خلفية تاريخية:
شكل مصطلح المركزية الديمقراطية، لأول مرة، كإطار للتنظيم الحزبي من قبل جناحي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلاشفة والمناشفة) من خلال المؤتمر الذي انعقد في 1905 (كلٍ على حدة). ومن الملاحظ ان الحريات التي تم نيلها كنتاج لثورة 1905 وسعت من دائرة الممارسة الديمقراطية على النطاق العام وداخل حزب العمال. وذلك الهامش من الحريات يختلف عن الواقع في 1902 عندما كتب لينين كتابه الشهير (ما العمل؟) في ظل الحكم الأوتوقراطي المطلق بمنعه لأي نشاط وقمعه بشدة لكل المعارضين والنشطاء السياسيين. وقد انعكس ذلك الواقع المفرط في قمعه على الكتاب وعلى اطروحاته التي دعمت المقولات الأساسية للكتاب.
ونلاحظ تطور أفكار اينين التنظيمية مع تلك التحولات السياسية التي حدثت في روسيا. فقد كتب لينين في 1906 مؤيدا حق الكتل والتيارات والاجنحة في التواجد في الحزب وان تتم الانتخابات في الحزب بديمقراطية على كافة المستويات وفى نفس الوقت حق الأعضاء في محاسبة من يتم انتخابهم بل وعزلهم. وكان يشترط، فوق ذلك، بتنشيط الصراع الأيديولوجي في الحزب والتمسك بوحدة تنظيمية حديدية وقبول الجميع بقرارات مؤتمر الوحدة. ومن اقوال لينين الشهيرة في وصف المركزية الديمقراطية هي" حرية المناقشة ووحدة الفعل (العمل)". ومما يجدر التركيز عليه هنا ان لينين، خلال تلك السنوات، كان يقبل بوجود التيارات داخل الحزب. وعندما انفصل البلاشفة بحزبهم بشكل كامل في 1912 قللوا من فعاليات ووجود كافة التيارات وان لم يمنعوها نهائيا حتى ذلك الحين.

وبعد انتصار ثورتي فبراير واكتوبر 1917 تحول البلاشفة لحزب علني جماهيري. وفى أجواء الحريات تلك واصلوا مناقشة اراء كافة التيارات والمجموعات بحرية في المؤتمر العام. ولكن ومن داخل المؤتمر العاشر للحزب البلشفي الذي انعقد في 1921، وتحت ضغط ظروف الحصار والاقتصاد والحرب الاهلية، اقترح لينين مشروع قرار يمنع منعا باتا وجود أي تيارات داخل الحزب ووافق المؤتمر على ذلك.
ولم يقتصر تطبيق المركزية الديمقراطية على الحزب السوفيتي والأحزاب الشيوعية الأخرى بل تبنى الاتحاد السوفيتي مبدأ المركزية الديمقراطية على أساس انه قاعدة التنظيم الإداري في كافة هياكل الدولة ومؤسساتها (المادة الثالثة من الدستور السوفيتي). وانطلاقا من هذا المبدأ شكلت جميع أجهزة الدولة واداراتها وسياساتها لتتماشي معه. وكمثال صارت الخطة العامة الشاملة والتفصيلية تقرر في المركز وتتنزل الي المستويات الاقل في شكل برامج وسياسات محددة، ثم تقوم هذه الهياكل الوسيطة بنفس الدور مع الهيئات الأدنى، وتستمر الدورة حتى تصل الي أصغر وحدة إنتاجية في شكل واجبات محددة وجدول زمني معلن وما عليها سوي الانصياع والتنفيذ.
وبتطبيق هذا القرار وفى ظل دولة الحزب الواحد تقلصت فرص ممارسة الديمقراطية والحوار وأصبحت القرارات تأتى من القيادة. وهكذا وجد ستالين الأرض ممهدة لينفذ كل سياساته تجاه المخالفين له داخل وخارج الحزب وكذلك سياساته الاقتصادية والاجتماعية. ومضى ستالين الى نهاية شوط المركزية الديمقراطية بفرض رؤية واحدة لا تقبل النقاش وتأتى من القيادة. واستخدم من اجل إتيان ذلك أفظع أساليب القمع.
وهنا يجدر بنا ان نقف لحظة حول تجربة ستالين مع المركزية الديمقراطية. السبب في ذلك ان اراء كثيرة تحاول تحميل ستالين كل الجرائم والقمع والدمار الذي حدث. ونقول نعم مارس ستالين جرائم بشعة لا تغفر. ولكن ستالين نفسه هو التعبير المتطرف لممارسة المركزية الديمقراطية او بمعنى اخر انه مضي لأخر الشوط في تطبيقها وبأسلوبه المتميز. والسبب في ذلك وجود الاليات والهياكل واللوائح التي تسمح له بتنفيذ ما يريد وكذلك للسلطة التي يملكها السكرتير العام في ظل المركزية الديمقراطية.
وقرر الكومنتيرن (الأممية الشيوعية) ان مبدأ المركزية الديمقراطية هو شرط أساسي لقبول أي حزب في الكومنتيرن، بل ومضي أكثر من ذلك ليحدد بنود مختارة من دستور الحزب الشيوعي السوفيتي ليتم تضمينها في دساتير كل الأحزاب الأعضاء في الكومنتيرن او التي تود دخوله. وحتى الكومنتيرن في هيكلته وعمله طبق الديمقراطية المركزية عمليا حيث صار الحزب السوفيتي هو المركز المسيطر الذي تطبق كافة الأحزاب رؤاه وسياساته بل وتمشي في اقتفاء تجربته حذو الحافر بالحافر.
وحدد المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي السوفيتي، الذي انعقد في عام 1934، المركزية الديمقراطية في أربعة بنود/قواعد هي: انتخاب كل قيادات الحزب، القيادات المنتخبة عرضة للمحاسبة امام منتخبيها دوريا، نظام حزبي حديدي وصارم حيث تخضع الأقلية للأغلبية وقرارات الهيئات العليا ملزمة اطلاقا على الهيئات الدنيا ومجمل عضوية الحزب. وأدت هذه القواعد في ظل حملات التطهير والاعدامات والسجون الي تحول المركزية الديمقراطية الى ما سمى بالمركزية البيروقراطية. وهي تعنى السيطرة الكاملة للجهاز الحزبي على كل شيء واستمر ذلك الشكل لإدارة الحزب، مع تغييرات طفيفة، ختي انهيار النظام تماما وحل الحزب نفسه.
طرح البعض ان ترو تسكي كان من معارضي المركزية الديمقراطية وان ذلك هو سبب خلافه مع ستالين. وهذا غير صحيح بتاتا، لان الخلاف آنذاك كان حول بناء الاشتراكية في بلد واحد وحول الثورة الدائمة والصراع حول قيادة الحزب. وتميز تروتسكي بتشدد موقفه من انضباط وظهر ذلك جليا عند قيادته للجيش الأحمر. ويمكن ان اشير الي موقفه من المركزية الديمقراطية كما ورد في موقفه (أكتوبر 1939) من الدعوة في أمريكا لاستخدام الاستفتاء في المسائل الحزبية ودفاعه الحار عن كافة مبادئ المركزية الديمقراطية كما ورد في كتابه " دفاعا عن الماركسية".
حاول خروتشوف وفي إطار حملة تصفية الستالينية وعبادة الفرد لإجراء تغييرات ديمقراطية في الحزب وجهاز الدولة. وتم اختيار قيادة جماعية وقسمت المناصب الرسمية بينها ولكن بمرور الزمن تركزت السلطات مرة اخري في يد السكرتير العام (خروتشوف). كما حاول خروتشوف اجراء تعديلات ديمقراطية في عمل الحزب ومنها القيام بتحديد عدد الدورات التي يشغلها، رغم ان ذلك الاجتهاد لتحقيق توجه ديمقراطي لم يحدد انه سيشمل القيادة المركزية للحزب. ونجح الجهاز الحزبي الضخم في افشال ذلك التوجه بل، وفى النهاية، نجح في عزل خروتشوف نفسه عن قيادة الحزب والدولة.
ومن الملاحظ ان المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي والذي اجري عدة تغييرات هامة ومنها ما اسماه بدولة كل الشعب، والطريق السلمي للاشتراكية، وتعدد اشكال الوصول للاشتراكية والتعايش السلمي ولكنه لم يقترب من المركزية الديمقراطية وتركها كما هي كمبدأ لينيني مقدس لا يصح الاقتراب منه.
واستمر الحال، التمسك الصارم بالمبدئ التنظيمية اللينينية، كما هو خلال السنوات التي أعقبت ذلك. وتولت خلالها قيادة الحزب والدولة قيادات هرمة تشبه الموميات المحنطة. وتحس بذلك من الوجه المتكلسة التي تعرض، امام الجماهير، في الاحتفالات الرسمية الدورية التي تتركز علي العروض العسكرية واستعراض أحدث الأسلحة الحربية. وازدادت، خلال تلك الفترة، وتيرة التدهور الاقتصادي وانتشرت مظاهر الفساد واتسعت روح البأس والسلبية واللامبالاة وتفشي ادمان الكحول. ولم تهتم تلك القيادات بأجراء أي تغييرات في تنظيم الحزب او إشاعة الديمقراطية داخله او تفعيل نشاطه وسط الجماهير باعتباره، بنص الدستور، الحزب القائد للمجتمع والدولة.
ظهرت وخلال التحضير للمؤتمر الثامن والعشرين، الذي انعقد في عام 1990، التيارات داخل الحزب ولأول مرة منذ العشرينات وصارت تستخدم جرائد الحزب الرسمية في طرح رؤاها. بل وتصدى التيار الديمقراطي بالنقد للمركزية الديمقراطية علنا ووصفها كمعوق لنقد القرارات وحرمان الأقليات من مناقشة تلك السياسات. ولكن المؤتمر قرر تبديل اسم المركزية الديمقراطية بالديمقراطية المركزية وان أي قرار يصدر من الأغلبية ملزم للجميع مع حق الأقلية في الدفاع عن رأيها في المكاتب القيادية للحزب ومؤتمراته ولكنه لم يسمح بتشكيل تيارات. وهكذا لم تغير التغييرات التي أدخلت من جوهر المركزية الديمقراطية، رغم تبديل طرفيها بتقديم الديمقراطية على المركزية،
حتى حل الحزب الشيوعي السوفيتي نفسه، والذي تم بقرار فوقي، لم يتحرك ذلك الجهاز الحزبي الضخم وملايين الأعضاء لمقاومته وللدفاع عن الحزب الذي كان الكل في الكل، وفي لمحة عين صار بلا وجيع.

تحليل المركزية الديمقراطية:
المركزية الديمقراطية هي جزء اصيل واساسي من الاسهامات التي اضافها لينين للماركسية حول نظرية الحزب وتنظيمه. ونبعت وتطورت من خلال الممارسة النضالية، بكل تعرجاتها صعودا وهبوطا، في مقاومة الحكم القيصري المطلق والصمود امام أدوات قمعه. وكذلك الصراع الفكري المستمر مع التيارات الماركسية الأخرى داخل وخارج حزب العمال الروسي. ثم تأسيس الدولة في ظل حرب أهلية قاسية وتدخل 14 دولة لاقتلاع الدولة الوليدة من جذورها. واخذت المركزية الديمقراطية، من كل تلك التطورات والاحداث، منحي سوفيتي، شكلا ومضمونا. وفى ظل التأثير والسيطرة، المباشر وغير المباشرة، وقوة النموذج الأول لبناء الاشتراكية والهالة التي أحاطت بصمود الحزب خلال الحرب الاهلية ونجاحه في بناء ثاني أقوى دولة في العالم. ارتباط المركزية الديمقراطية بالتجربة السوفيتية وكيف بدأت ونجحت في معاركها حتى سيطر حزب واحد علي الدولة ثم كافة التطورات التي مرت بها من حرب أهلية والسياسة الاقتصادية الجديدة والسياسة الزراعية والتصنيع السريع الخ. لكل ذلك أصبحت المركزية الديمقراطية، كما نعرفها ومارسناها، نبتا سوفيتيا ترعرع مع تطور الحزب والدولة واختراعا لينينيا اصيلا. ويجب النظر لها بهذا الفهم وفي سياقه التاريخي.
اعتقد ان المركزية الديمقراطية تلعب دورا أساسيا في حماية الأحزاب اليسارية في ظل الأنظمة الدكتاتورية وطغيان مناهج وأساليب العمل السري وضرورة الحفاظ على الأحزاب من الاختراق. وتلعب دورا في اعداد ورسم الاستراتيجية والتكتيك الملائم لمواجهة مهام المرحلة كما يساعد على وحدة الفكر والإرادة وجماعية التنفيذ.
الأساس الفلسفي للمركزية الديمقراطية ينبي على صراع الاضداد ووحدة الضدين. وهذا صحيح مبدئيا ولكن معظم الآراء تهمل قانون الحركة وانه لا شيء ثابت بما في ذلك المؤسسات الاجتماعية والآراء والأيدولوجيات. فكيف يتم القبول بثبات مبدأ واحد، بلا تغير، لأكثر من قرن من الزمان في ظل تحولات عاصفة وسريعة اعادت تشكيل العالم في أكثر من وجهة. والشيء الثاني ان قانون الصراع يشمل الأحزاب والأفكار ولكن المسالة الهامة والأساسية، بعد الاعتراف بذلك الصراع، كيف يتم ادارته والمناهج المستخدمة في ذلك. اما مسألة وحدة الضدين فهي تعني خروج شكل ارقي واعلي من مكوناته فهل يشمل ذلك ما أشرنا اليه سابقا.
وفى رأيي ان اهم نواقص المركزية الديمقراطية هي طغيان المركزية. وقد أشرنا لتجارب خروتشوف وغورباتشوف واهمها تغيير الاسم الي الديمقراطية المركزية ولكن الحفاظ على جوهرها. ويتجلى ذلك القصور في تحكم المركز في صياغة السياسات والبرامج الحزبية خلال كافة مراحلها. ابتداء من مرحلة تكليف من يعد المسودة الأولية ثم عرضها على القيادة المركزية لتجري فيها ما تراه من تعديلات وارسالها في صورتها تلك للعضوية للتوحد حولها وتنفيذها ويمكن مناقشتها ورفع الرأي حولها والذي يمر بهيئات وسيطة (وما إدراك ما الهيئات الوسيطة والتي يمكن ببساطة تسميتها حراس المعبد) وهي تملك حق التلخيص والاختصار والتأجيل في رفعها الي اعلي. واما في حالة المسائل الأكبر التي ستعرض على المؤتمرات فتتم بنفس المراحل فقط يقوم المركز بتحديد عدد المناديب وكيفية تمثيل الهيئات المركزية التي يتم الاختيار لها من قبل المركز نفسه وهكذا يملك المركز القائم سلطة السيطرة على المؤتمر حتى قبل قيامه.
وتؤدى ظروف عمل الحزب ونوع قيادته وتخلف وبدائية أساليبه لتعطيا المركزية الديمقراطية ونقتطف هذه الفقرة من تقرير المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني " وبينما حياة حزبنا تتأثر بالاتجاهات اليسارية، وتخلف الأداء والتنفيذ وبدائيتهما، تعقم تلك الحياة وتضعف المركزية الديمقراطية خاصة وان الديمقراطية بأسرها مصادرة من الحياة السياسية. ولقد ادي ضعف المركزية الديمقراطية في الحزب الشيوعي وعدم اشراك عضوية الحزب اشراكا نشطا في حياته الداخلية وفي حياة فروعه الي انكماش كبير في عضوية الحزب لدرجة عاقت قدرات الحزب الذاتية وهو يواجه مهام ثورة أكتوبر" .

ومثال اخر هو قضية الصراع الفكري ففي ظل المركزية الديمقراطية المركز هو من ينظم الصراع الفكري ويحدد اطره وقضايا ومتي يفتح ومتي ينتهي وهو من يستخلص نتائجه وهكذا فالقبضة المركزية واضحة وضوح الشمس ولا يمكن لعضو حزب او فرع حزب ان يبادر بفتح صراع فكري لأنه عليه فقط ان يرفع مقترحات للمركز بذلك ولا يحق له الاتصال بأعضاء اخرين او فروع اخري والا يسمي ذلك تكتلا ويقع تحت طائلة سيف اللائحة البتار. وانظر لتجربة المناقشة العامة حول قضايا العصر وما انتهت اليه الا يصح وصفها بالفيل الذي تمخض فولد فأرا!
والآثار الضارة للمركزية الديمقراطية لا تقف عند حدود التنظيم الحزبي، أو قضايا الصراع الفكري فقط، وانما تمس جوانب أخري لم تجد حظها من النقاش. فمثلا في الحركة الشيوعية العالمية منذ أيام الأممية ثم الكومنتيرن وأخيرا الاجتماعات العامة للأحزاب الشيوعية والعمالية، نجد للحزب السوفيتي موقعا مميزا ويسيطر على كافة مقابض الحركة. وتشمل الهيمنة السوفيتية المنظمات السياسية والعسكرية والنقابية والطلابية الخ كحلف وارسو ومنظومة الكوميكون واتحاد النقابات العالمي وبقية المنظمات العالمية التي لا تتبع للغرب.
وأيضا قضية الاقتصاد الوطني المبني على التخطيط المركزي المفرط والاوامر التي تأتي من اعلي بواجبات جاهزة وبفترة زمنية محددة سلفاً. ولقد تساءل نقد بصدق: " كيف يتحرر الاقتصاد الاشتراكي من جمود التخطيط ومركزية الإدارة الموروثة من مرحلة الانتقال الاولي حتى يستقبل تحولات الثورة العلمية التي تشترط الديمقراطية الاقتصادية ومبادرة العاملين في مؤسسة معينة في اتخاذ القرار دون أوامر من أعلي؟"
وكان الحزب الشيوعي، في الدول الاشتراكية، يسيطر على كافة المنظمات الجماهيرية والعامة مما يقتل روح الابداع وسطها ويفرغها من روحها. وقد رأينا وضع النقابات أو منظمات الكتاب والفنانين وكيف تحولت لواجهات حزبية ميتة.
ما هو البديل:
هذه مجرد رؤوس مواضيع حول البديل اطرحها للنقاش والتطوير بالتعديل او التبديل او النقد والوصول لأشكال اخري.
في البداية اود ان أركز على نقطة هامة هي ان محاولات تبديل اسم المركزية الديمقراطية بالديمقراطية المركزية لن يجدي وقد رأينا ما حدث عندما حاول السوفييت تحت قيادة غورباتشوف فعل ذلك. والاهم ان مجمل أعضاء الأحزاب الشيوعية في كل العالم تمت تربيتهم على الاشكال التنظيمية النابعة من المركزية الديمقراطية وتمت برمجة عقولهم على هذا الأساس، وهو ما يسمي أحيانا بروح اللائحة. لذلك اعتقد الغاء المركزية الديمقراطية ونقدها بلا هوادة سيفتح الطريق للجديد المتجدد.
وهذه هي بعض الأسس العامة والمقترحة لتجديد وتفعيل مبادئ التنظيم الحزبي:
• التمسك بالمركز الواحد كقيادة للتنظيم ويقوم بإدارة شئونه الداخلية والخارجية ويطرح سياساته امام الرأي العام ويحدد استراتيجيته وتكتيكاته. كما له كامل الحق في رفع أي من بنود اللائحة في ظروف العمل السري او عند تعرض الحزب لهجمات أجهزة السلطة كحل الحزب ومصادرة نشاطه الخ.
• يسمح بوجود تيارات داخل الحزب (وهي حقيقة لا مجازا موجودة داخل كل الأحزاب رغم عدم الاعتراف ووصفها بكافة الاسماء). وتنظم اللائحة الجديدة أسس تنظيمها واشكال عملها. أهمية هذا في انه يحمي الحزب من التآمر والطعن في الظهر والشللية والثرثرة، وفى نفس الوقت يرتقي بالصراع الحزبي ويفتح افاقا جديدة للديمقراطية الحزبية. السمعة السيئة التي خلقتها القيادات الشيوعية حول قضية التيارات جعل الأعضاء يحسون بقشعريرة في جلودهم عند ذكرها ويعتبرونها رجس من عمل الشيطان اليميني التصفوي، ولكنها، عند التطبيق، ستخرج الحزب من عنق الزجاجة الذي ادخل نفسه فيه. إضافة لذلك كانت التيارات موجودة داخل حزب لينين نفسه خلال بعض فترات تطوره ولكن التجربة الخاصة للثورة السوفيتية وما تعرضت له ادي لإيقاف تلك التيارات.
• الرأي الرسمي للحزب حول أي قضايا عامة يعلنه المتحدث الرسمي المعلن والمعروف او يصدر من قيادة الحزب كتابة. اما بقية أعضاء الحزب، مهما كانت مواقعهم الحزبية، فلهم الحرية في طرح آرائهم والدفاع عنها بدون
• رأي الأغلبية هو رأي الحزب الذي سيعلن وللأقلية الحق في الاحتفاظ برأيها والتبشير به لأقناع الاخرين به
• تفتح مجلات الحزب الداخلية كالشيوعي مثلا والتي نري ان تكون مجلة لترسيخ الديمقراطية الحزبية وتفعيل الصراع الفكري وليست أداة تستخدمها قيادة الحزب في التعبئة فهنالك أدوات اخري معروفة لتعبئة العضوية وان تفتح الشيوعي لكل الآراء بلا حجر على أي منها. وان يكتمل ما تقوم به الشيوعي داخليا بإصدار مجلة فكرية علنية (مثل الفجر الجديد التي كان يصدرها عبد الخالق) تبشر بآراء الحزب وتفتح الحوارات حول القضايا العامة البرامجية والفكرية امام الجميع ولنا مثال جيد في ذلك الحوار الذي تم بين فاروق محمد إبراهيم وشريف الدشوني حول السياسة الزراعية ونشر في حلقات في جريدة اخبار الأسبوع في عام 1970..
• في حالة القضايا الكبيرة الخلافية او البرامجية يطرح امام العضوية رأي التيارات المختلفة ويسمح لكل تيار بتنظيم اشكال الدعاية والتعبئة لرايه من اجل كسب الأعضاء لجانبه.
• لا يسمح بان يشغل أي زميل موقع لأكثر من دورتين بما في ذلك السكرتير العام ويمكن للزميل المحدد تبوأ مناصب أخرى في القيادة او القاعدة. وهكذا يمكن تجديد دماء القيادة وتدريب الكوادر الشابة وفتح المجال للرؤي الجديدة ولأشكال متطورة للتفكير والعمل.
• الصراع الفكري ليس ممارسة موسمية تفتح بقرار وتغلق بقرار من المركز، بل هو جزء اصيل من نشاط أي حزب وهنا ادعو للتمسك بمقولة لينين الشهيرة حرية المناقشة ووحدة التنفيذ. بمعنى الا نضع أي قيد على حرية المناقشة وبعد تحديد الرأي النهائي نتوحد في تنفيذه.
• الايمان فعلا لا قولا بانه لا توجد حقيقة مطلقة لا يأتيها الباطل من امامها او خلفها وان نقرأ مقولات الجدل حول الحركة والصراع ووحدة الضدين. وهذا يستدعي الا نؤمن بالمسلمات والا يكون هنالك أي مبدا او برنامج او شخص قائد فوق النقد والمحاسبة.
• عدم تقييد الترشيح بما تقدمه اللجنة المركزية من أسماء ليتم انتخابها بل يفتح الباب للتيارات لتقدم برنامجا يتم الانتخاب على أساسه ويتم محاسبتها عليه في نهاية الدورة.
• يحق سحب الثقة من القيادات من مستوى المركز وانتهاء بالفروع في حالة فشلها.
• تحديد سن أقصى لشاغلي المواقع الحزبية القيادية والا يصبح القبر او الانقسام او الفصل هي ما تبعد القيادي عن منصبه.
• ادخال أسلوب التخصص في تعيين المتفرغين الحزبيين (تنظيم، صحافة، تعليم حزبي، عمل جماهيري، وعلوم الاتصالات الخ) ويتم تدريبهم لأعلى المستويات على عملهم وان يسري عليهم مسألة الحد الأقصى من سنوات التفرغ.
• الاستفادة والانفتاح على تجارب التنظيم والادارة المختلفة، وعدم الركوع امام صنم التنظيم اللينيني والاستسلام له باعتباره اخر منجزات الفكر التنظيمي وان العقل التنظيمي تجمد بعده.
• تمليك الأعضاء كل ما يدور من مناقشات في القيادة ليعرفوا مواقف من يتقلدون مواقع في المركز مما يساعد على تقييم أدائهم في المؤتمرات وتحديد هل سيتم انتخابهم مجددا ام لا.
• استقلالية التنظيمات الديمقراطية حقيقة لا اسما عن الحزب وخلق شكل جديد وديمقراطي للتحالف والتنسيق بينها والحزب، ويشمل ذلك منظمات الطلاب والشباب والنساء الديمقراطية.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدیمقراطیة المرکزیة الدیمقراطیة المرکز الدیمقراطیة على الحزب الشیوعی قیادة الحزب داخل الحزب من المرکز فی الحزب فی ذلک

إقرأ أيضاً:

عرض متر في متر لفرقة لبان المسرحية يغادر إلى إيطاليا

"عمان": تستعد فرقة لبان المسرحية للمشاركة في مهرجان تورينو الدولي للمونودراما بإيطاليا، وذلك بعرضها المسرحي "متر في متر"، تأليف أسامة السليمي وإخراج أحمد الزدجالي، وتمثيل سامي البوسعيدي، ويقام المهرجان خلال الفترة من 17 إلى 21 ديسمبر.

وتدور أحداث العمل المسرحي "متر في متر" حول الشاب المناضل برهان، الذي يواجه أقسى التحديات في حياته بعد أن يجد نفسه محبوسًا في زنزانة انفرادية ضيقة بالكاد تتسع لجسده، مساحتها متر في متر. يظهر العمل كيف أن هذه الزنزانة ليست مجرد مكان ضيق، بل تمثل رمزًا لضيق الخيارات وانسداد الأفق في حياة برهان، الذي يعاني من وطأة الفقر والجوع اللذين سلباه عائلته وكل ما يملك.

ثم يتطور الصراع النفسي لبرهان في ظل هذا الوضع المأساوي، حيث تتجسد أمامه أسئلة وجودية ثقيلة، ويجد نفسه محاصرًا بين خيارين مؤلمين، إما أن يضع حدًا لحياته، أو أن يواصل البقاء في زنزانته، ليعاني الوحدة والحرمان والمجهول. ولكن مع تصاعد الأحداث، يتضح أن هذا الصراع ليس مجرد صراع شخصي، بل هو إسقاط على نضال الإنسان ضد الظلم والاستبداد، وسعيه للبحث عن الحرية حتى في أحلك الظروف.

وقال مخرج العمل ورئيس فرقة لبان المسرحية أحمد بن يوسف الزدجالي: "تمثل مشاركتنا في مهرجان تورينو الدولي للمونودراما بإيطاليا فرصة ثمينة لتمثيل سلطنة عمان، وإبراز مدى تطور المسرح العماني أمام العالم، ونحن نحمل على عاتقنا هذه المسؤولية بأن نمثل بلادنا ومدى تطور المسرح فيه خير تمثيل، إلى جانب ذلك فإن مجرد تسجيل اسم عمان في المحافل الدولية في اعتقادي امر مهم، لنقول نحن هنا ولدينا اعمالنا التنافسية، وبطبيعة الحال لا بد من ذكر فائدة المشاركة المتمثلة في الاطلاع على تجربة الآخرين وتغذية افكارنا بهذا المزيج الذي سيقدم في المهرجان".

مقالات مشابهة

  • خبراء أمريكيون: الجولاني يتم تمويله من قبل وكالة المخابرات المركزية CIA
  • مدير المركز الروسى بالإسكندرية: تطور العلاقات الثقافية والإعلامية بين روسيا ومصر
  • هل تخلى "الجرار" عن "الديمقراطية الاجتماعية" بعد انضمامه إلى "الليبرالية الدولية"؟
  • الديمقراطية الزائفة «2»
  • مركز أبحاث أمريكي: ما التحديات التي ستواجه ترامب في اليمن وما الذي ينبغي فعله إزاء الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • سوريا الديمقراطية: وقف إطلاق نار في منبج مع الجماعات المسلحة التي تدعمها تركيا
  • في طرابلس.. إشكال تطور إلى إطلاق نار وسقوط جرحى
  • العرب ومستقبل الديمقراطية
  • عرض متر في متر لفرقة لبان المسرحية يغادر إلى إيطاليا
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”: بيان إدانة للقصف الجوي الذي استهدف المدنيين في كبكابية ونيالا