بحضور 40 رئيس دولة وحكومة.. باريس تحتفل بإعادة افتتاح كاتدرائية "نوتردام" العريقة
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقرينته بريجيت، مساء اليوم /السبت/، رؤساء عدد من الدول والحكومات وممثلي منظمات دولية، لحضور حفل إعادة افتتاح كاتدرائية "نوتردام" بباريس، أحد أهم معالم فرنسا التاريخية والدينية، وذلك بعد خمس سنوات من إغلاقها إثر الحريق الهائل الذي دمر أجزاء كبيرة منها.
ففي تمام السابعة مساء (بتوقيت باريس)، تبدأ الاحتفالات الرسمية بإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، التي تعد واحدة من كبرى الكاتدرائيات في الغرب، والمدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
كانت الكاتدرائية، التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثاني عشر، وأعاد ترميمها المهندس المعماري يوجين فيوليه لودوك في عام 1859، قد تعرضت في 15 أبريل عام 2019 لحريق هائل دمر ثلثي سقفها، والتهم برجها الشهير الذي يبلغ ارتفاعه 96 مترا، ما أدى إلى سقوطه بالكامل.
ومثل هذا الحريق صدمة في فرنسا والعديد من دول العالم، لما يحمله هذا المعلم من قيمة تاريخية وحضارية، لكن الرئيس الفرنسي تعهد بترميم الكاتدرائية في غضون خمس سنوات، بعد إطلاقه حملة تبرعات حققت عائدا كبيرا.
وعلى مدار السنوات الخمس، شارك نحو 250 شركة و2000 شخص من الحرفيين والمهندسين المعمارين والمختصين في الفنون، وغيرهم من المهنيين، في أعمال الترميم والبناء الاستثنائية لكاتدرائية نوتردام، والتي تمثل رمزا للديانة المسيحية وأيقونة للفن القوطي، بتكلفة بلغت 700 مليون يورو.
ومن المقرر أن يستقبل الرئيس ماكرون وقرينته بريجيت بساحة الكاتدرائية، مساء اليوم، نحو 40 رئيس دولة وحكومة، من بينهم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والذي وصل إلى باريس صباح اليوم.
ومن المقرر أن تبث العديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، المراسم الدينية لإعادة افتتاح الكاتدرائية، حيث سيقوم رئيس أساقفة باريس لوران أولريش، بأحد الطقوس التقليدية العريقة تتمثل في طرق أبواب الكاتدرائية المغلقة بعصاه ثلاث مرات، ليرد عليه منشدو "نوتردام" (سيدتنا العذراء) وتُفتح الأبواب ويدخل رئيس الأساقفة والرئيس الفرنسي برفقة الزوار.
وسوف يُعرض فيلم وثائقي يكشف عن مجرى الأحداث منذ حريق 15 أبريل 2019 وأعمال الترميم التي تمت، مع تكريم كل من ساهم في هذا الإنجاز، من رجال الإطفاء والمهندسين المعماريين والعاملين في مجال الفن وكل الحرفيين، وفقا لما أعلنته الرئاسة الفرنسية.
ويلقي الرئيس الفرنسي كلمة يشيد فيها بإعادة افتتاح هذه الكاتدرائية العريقة وأهميتها من الناحية الدينية، وأيضا يبرز ما شهده هذا الصرح التاريخي والذي عاصر العديد من ملوك ورؤساء فرنسا، ثم يُقام حفل موسيقي استثنائي يجمع نخبة من أشهر الفنانين العالميين، من بينهم المغنية اللبنانية هبة طوجي، لتقديم فقرات موسيقية تليق بهذا الحدث التاريخي.
ويُقام غدا /الأحد/، أول قداس داخل الكاتدرائية بحضور الرئيس الفرنسي، وبمشاركة نحو 170 أسقفًا من فرنسا ومختلف دول العالم، ثم في تمام الساعة السادسة والنصف مساء، سيُقام القداس الأول المفتوح للجمهور.
وفي إطار الاستعدادات غير المسبوقة لهذا الحدث، كشفت السلطات الفرنسية عن خطة لتأمين مراسم إعادة افتتاح الكاتدرائية، حيث أوضح قائد شرطة باريس لوران نونيز، أن الإجراءات الأمنية ستكون استثنائية، إذ سيمتد المحيط الأمني ليشمل تسعة جسور محيطة بالكاتدرائية مع نشر 6 آلاف من رجال الشرطة والدرك.
وبعد هذه الاحتفالات الرسمية، تفتح الكاتدرائية أبوابها من جديد أمام الزوار والمصلين، وتدق أجراسها وتبدأ الصلوات وتعلو الترانيم لإعادة إحياء واحدة من كبرى الكاتدرائيات في الغرب والمدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وتستعيد بذلك الكاتدرائية بريقها الذي يجذب الأنظار، لتستقبل من جديد زوارها من جميع أنحاء العالم، حيث كان يزورها قبل الحريق نحو 13 مليون زائر سنويا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ماكرون كاتدرائية نوتردام باريس الرئیس الفرنسی
إقرأ أيضاً:
تطهير القارة الأفريقية من بقايا الاستعمار الفرنسي
انضمت كل من السنغال وساحل العاج للدول الأفريقية التي قطعت عهودا على نفسها أن تمسح من بلادها آثار الوجود الفرنسي، سياسيا وعسكريا وأمنيا وثقافيا. فقد أعلن رئيس ساحل العاج، الحسن وترا، في خطابه للأمة ليلة رأس السنة، أن بلاده ستسترد القواعد العسكرية التي تستخدمها القوات الفرنسية، والتي طلب منها أن تغادر البلاد خلال شهر يناير الحالي.
أما الرئيس السنغالي، بشير جمعة ديوماي فاي الذي بدأ دورته الأولى في أبريل 2024، فقد أعلن أن القوات الفرنسية ستغادر البلاد تماما مع نهاية هذا العام. والروابط بين السنغال وفرنسا تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، فقد كانت السنغال أقدم مستعمرة فرنسية في أفريقيا السوداء، واستمرت الروابط بين البلدين متينة بعد استقلال السنغال عام 1960، وظلت الفرنسية اللغة الرسمية للبلاد، والعلاقات السياسية والتجارية والعسكرية متواصلة.
تعززت العلاقات الأمنية بين البلدان الأفريقية وفرنسا في فترة صعود الحركات الإسلامية المتطرفة مثل، بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال وتنظيم «القاعدة في بلدان المغرب العربي» والجماعات الإسلامية المحلية في مالي وتشاد وغيرها. فانتشرت القواعد الفرنسية في كثير من دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا.
وأصبحت القوات الفرنسية تتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وتحاول خلع من تشاء وتنصيب من تشاء، لكن تلك القوات لم تتدخل ومجازر رواندا تحصد مئات الألوف عام 1994. لقد انطلقت حملات طرد القوات الفرنسية من تشاد، أقرب حلفاء فرنسا في القارة، ثم مالي، فبوركينا فاسو فالنيجر وصولا إلى ساحل العاج وأخيرا السنغال. وبهذا تكون فرنسا قد خسرت 70 في المئة من وجودها في القارة الأفريقية، ولم يبق الآن إلا 1500 جندي في جيبوتي، و350 جنديا في غابون.
موجة التحرر من بقايا الاستعمار الفرنسي بشكل خاص، والغربي بشكل عام شملت انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من تجمع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (ECOWAS) وقريبا ستنسحب من التجمع السنغال وساحل العاج. فالمجموعة الاقتصادية التي تقودها نيجيريا تعتبر قريبة جدا من الدول الاستعمارية.
إننا نشهد ربيعا أفريقيا ضد بقايا الوجود الاستعماري الفرنسي والغربي، الذي سيطر على كثير من دول القارة ونهب مواردها واستعبد شعوبها وفرض لغته عليها وظل يعاملها بطريقة فوقية استعلائية شوفينية. ولم يسلم من ذلك نجوم الرياضة الأشهر، الذين يشكلون غالبية الفريق الفرنسي. فنجومه الأفارقة لا يسلمون من الإهانات العنصرية إذا ما تعرض الفريق الوطني للخسارة.
أما علاقات فرنسا بكبرى مستعمراتها السابقة، الجزائر، فهي الأسوأ، ربما منذ الاستقلال. لقد تعاملت الجزائر مع فرنسا بما تستحق من إهانة، وسحبت سفيرها من فرنسا في يوليو الماضي على خلفية الاعتراف بمغربية الصحراء، كما ألغى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رحلته التي كانت مقررة إلى فرنسا.
وكان آخر لطمة وجهتها الجزائر لفرنسا عندما توحدت جميع أطياف الشعب الجزائري رافضة تصريحات الرئيس أيمانويل ماكرون حول اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، عندما تجرأ الرئيس الفرنسي بالحديث عن قيام الجزائر بتلطيخ شرفها، بسبب هذا الاعتقال ومنعه من العلاج وهو أمر غير صحيح أصلا، فقد نقل إلى المستشفى. لقد نصب ماكرون نفسه هنا أستاذا في الأخلاق والتاريخ فيقول: «نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه. أحث حكومته على إطلاق سراح بوعلام صنصال». ولا نعرف متى كان ماكرون يحب الجزائر وتايخ الجزائر التي سددت ضربة قاضية لفرنسا وهيبتها ودورها وتأثيرها بعد أن أنهت 132 سنة من الاستعمار.
والرئيس الفرنسي ماكرون اعترف بمغربية الصحراء في مخالفة للقانون الدولي. ولا ننسى أنه في لحظة تجلٍ عالية من العنصرية، ادعى أن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي، وهو ما يذكرنا بالضبط بالسردية الصهيونية حول عدم وجود شعب فلسطيني. ومن غرائب مواقف الماكرونية أنه ينتقد اعتقال صنصال ويتراجع عن قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مجرم الحرب نتنياهو. لقد أحسنت الجزائر صنعا أن قررت أن تكون اللغة الإنكليزية اللغة الثانية في البلاد، وأثني هنا على خطابات السفير الجزائري في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، التي يلقيها إما بالعربية أو الإنكليزية مع أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة تامة.
ملء الفراغ في أفريقيا
لقد حاول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن يفتح الجبهة الأفريقية، فقام بعدد كبير من الزيارات لدول القارة، وأنشأ قاعدة جوية في النيجر وقاعدة عسكرية في جيبوتي. أما القاعدة الجوية في النيجر، فقد تم سحب القوات منها بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023، لكن القاعدة البحرية في جيبوتي ما زالت قائمة بحجة مراقبة القرصنة في البحر الأحمر، والآن تقوم بمرافقة السفن التجارية تحسبا لهجمات الحوثيين.
أما الجهات التي تحاول أن تملأ الفراغ الذي تركته فرنسا فهي ثلاث: روسيا، للأمن والعسكر، والصين للتجارة وتركيا للتنمية والتعاون. وكل من هذه الدول الثلاث نجحت في مجالها. فروسيا نشرت الآن وحدات الفاغنر والخبراء العسكريين في كل الدول التي انسحبت منها فرنسا. أما الصين فقد أصبحت الشريك التجاري الثاني للقارة بعد الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت التجارة نحو 220 مليار دولار.
أما تركيا فقد دخلت منافسا قويا في القارة تقيم المشاريع وتقدم المساعدات والمعونات وتفتح السفارات، حيث ارتفع عدد السفارات التركية من 12 سفارة عام 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية عام 2022. وارتفعت السفارات الأفريقية في أنقرة من 10 عام 2008 إلى 37 عام 2021.
وتعتبر تركيا رابع دولة في العالم في حجم التمثيل الدبلوماسي في القارة بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا. كما أنشأت تركيا «قمة الشراكة الأفريقية ـ التركية» عام 2008 والتي تعقد مؤتمرا دوريا على مستوى القمة. وبين عام 2008 و2023 زار الرئيس رجب طيب أردوغان 30 دولة أفريقية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 3 مليارات عام 2003 إلى 26 مليارا عام 2021. في إثيوبيا وحدها يوجد نحو 200 شركة تركية تشغل ما يزيد عن 30 ألف مواطن. وتصل الخطوط الجوية التركية إلى 55 مدينة في أفريقيا، وقد تكون الوحيدة التي تربط مقديشيو بالعالم الخارجي.
مثلث الخراب
تعمل فرنسا بالتنسيق مع دول عربية على توسيع دائرة المطبعين العرب مع الكيان الصهيوني والتي ساهمت أو سهلت أو أغرت أو رشت دولا عربية للانضمام إلى قطار التطبيع. وتعمل الآن على خلق مصاعب للجزائر لأنها عصية على التطبيع بعد أن نجحت مع هذه الدول من خلق صعوبات داخلية لكل من تونس وليبيا والسودان واليمن. وتعمل فرنسا الآن على جر موريتانيا بعيدا عن الجزائر وتقربها من مثلث التطبيع مقابل إغراءات مالية واستثمارية. كما تعمل فرنسا الآن على جرّ لبنان إلى موقع جديد مهادن مع الكيان الصهيوني.
وسنرى أن دور فرنسا في سوريا، إذا تمكنت الدولتان من لعب دور حقيقي في الشأن السوري، لن يكون إلا لصالح التطبيع والتخلي عن أراضيها المحتلة. لكن العنجهية والعنصرية والتاريخ الاستعماري الأسود لهذه الدولة التي ما زالت تعتقد أنها عظمى، سيجلب لها مزيدا من الكراهية وستطرد من بقية الدول العربية والشرق أوسطية كما طردت من القارة السوداء، وذلك اليوم ليس ببعيد.
القدس العربي