رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أنه من بين العديد من الدول المستهدفة بتهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بالرسوم الجمركية ــ وهي التهديدات التي امتدت مؤخرا لتشمل مجموعة البريكس إذا ما فكرت في التخلي عن الدولار ــ فإن الدول الأوروبية تواجه هي الأخرى بعض السيناريوهات الأكثر رعبا في الأمد القريب.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه على النقيض من الصين، فإن أوروبا ليست متجانسة سياسيا، وهو ما قد يعوق أي استجابة موحدة للحرب التجارية المقبلة التي يشنها ترامب. كما أن أوروبا - بخلاف الصين- ليست مستعدة لشراء السلع الأمريكية، مثل الغاز الطبيعي وفول الصويا، بكميات ضخمة ومفتوحة، من أجل تهدئة واسترضاء البيت الأبيض، علاوة على أن أوروبا لا تمتلك مجموعة من الردود المؤثرة حال فرض رسوم جمركية عليها، للضغط على واشنطن.

ولكن برغم ذلك، فإن الحرب التجارية التي يشنها ترامب ربما تحمل بصيص أمل لأكبر كتلة اقتصادية في العالم أوروبا. فعلى مدى ربع قرن من الزمان، كان الاتحاد الأوروبي يكافح من أجل أن يكون أكثر اكتمالا، إن لم يكن مثاليا، مع توسيع نطاق تجارته بشكل أكبر. كما أن الاتحاد لديه قائمة مهام ضخمة عندما يتعلق الأمر بسد فجوة الإنتاجية والتغلب على نقاط الضعف الاستراتيجية والاقتصادية، مثل تلك التي حددها رئيس الوزراء الإيطالي السابق ورئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن المعارك التجارية مع أوروبا قد تدفع القارة العجوز أخيرا إلى وضع وتحقيق مخطط اقتصادي جديد يضمن قدرتها على الصمود، والاعتماد على الذات، والسيادة الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، قال ألبرتو ريزي، الخبير في التجارة والجيو اقتصاد في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إن الجانب المشرق لأي رسوم جمركية هو جعل توصيات تقرير دراجي حقيقة، وإن كان ذلك سيتطلب الكثير من التماسك السياسي والاستعداد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للعمل معا.

وأوضحت فورين بوليسي أن الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي تستعد للتهديد لاحتمالية فرض تعريفات جمركية أمريكية إضافية تتراوح بين 10 و20 في المائة على جميع الصادرات من الكتلة الأوروبية، وإن النطاق الكامل لخطط ترامب التجارية مازال غير واضح، خاصة منذ وضع مستشاره التجاري في ولايته الأولى، الممثل التجاري الأمريكي السابق روبرت لايتهايزر، خارج الإدارة الجديدة. فيما قام ترامب في المقابل بترشيح بيتر نافارو، الرجل الوحيد على قيد الحياة الذي يعرف أقل من الرئيس المنتخب عن التجارة وفقا للمجلة، ليكون "المستشار الأول للتجارة والتصنيع".

ويجب هنا الإشارة إلى تحذيرات خبراء الاقتصاد والمؤسسات البحثية مثل مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس من أن حزمة التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة من شأنها أن تقلل التجارة العالمية بنسبة 10% وتقلص الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والعالمي بنسبة 1%.

وذكرت المجلة الامريكية أن بعض الدول والكتل حاولت سابقا تهدئة واسترضاء ترامب بوعود غامضة تتمثل في زيادة مشتريات السلع الأمريكية، وخاصة الغاز الطبيعي، وهو ما حدث مع رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر، ورئيستها الحالية أورسولا فون دير لاين.

وهناك مشكلتان في هذا النهج الأوروبي، تتمثل الأولى في أن أوروبا ليس لديها شهية للمواد الخام الأمريكية كما هو الحال في الصين، لاسيما فيما يتعلق بالغاز الطبيعي. كما أن المشكلة الثانية تتمثل في شراء السلع الزراعية الأمريكية نفسها، في وقت تطبق فيه أوروبا ومنذ فترة طويلة لوائح صحية نباتية لحماية المطبخ الأوروبي، فضلا عما سيمثله ذلك من إثارة للقلق والاستقرار في ظل وجود جماعات الضغط الزراعية الأوروبية.

إضافة إلى عواقب فتح الأسواق الأوروبية أمام السيارات الأمريكية بما يهدد صناعة السيارات الأوروبية التي تعيش حاليا على ما وصفته المجلة بـ "أجهزة الإنعاش". كما أن زيادة قدرة شركة بوينج للصناعات الجوية على الوصول إلى السوق الأوروبي، قد يقوض تراكم الطلبات الضخمة لشركة "إيرباص" عملاق صناعة الطيران والفضاء الأوروبي.

ورجحت المجلة أن تكون المشتريات الدفاعية وسيلة لاسترضاء ترامب، خاصة وأن فريق ترامب ربط صراحة بين انفتاح السوق وزيادة الإنفاق الدفاعي. وعليه، فإذا كان لدى أوروبا بالفعل صيغة لتمويل المزيد من الأسلحة دون الإضرار بالسياسة الهشة ذات الصلة في الاتحاد الأوروبي، فقد ينجح هذا الأمر في تهدئة ترامب.

وتساءلت "فورين بوليسي" عن عواقب عدم نجاح محاولات الاسترضاء سالفة الذكر، موضحة أنه في فترة الرئاسة الأولى، رد الاتحاد الأوروبي على تعريفات ترامب بتعريفات مستهدفة، ليس على المدخلات الحيوية ولكن على سلع مختارة بعناية تهدف في تقدير الاتحاد إلى التسبب في أقصى قدر من الضغط السياسي على البيت الأبيض، ولكن المشكلة الوحيدة -وفقا للمجلة الأمريكية- هي أن هذه التعريفات لا تضع في الواقع الكثير من الضغوط على الاقتصاد الأمريكي.

ونوهت المجلة إلى أنه رغم أن أوروبا لديها أداة لمكافحة الإكراه مصممة لمحاربة حالات خنق اقتصادها، إلا أنه في كل الأحوال، لم يتم استخدام هذه الأداة بعد، كما أنها غير مطروحة على رأس قائمة الاستجابات الأوروبية المحتملة للتهديدات الأمريكية.

وتؤكد المجلة أن هناك شيئا واحدا يمكن لأوروبا أن تفعله حيال هذه المعضلة، وهو الاستفادة من النفوذ الضئيل الذي تتمتع به في صادرات المواد الكيميائية والأدوية الحيوية، لإبرام صفقة أكثر صرامة مع الولايات المتحدة.

وكحلول بديلة تخدم مصالح الاتحاد الأوروبي، نبهت المجلة الأمريكية إلى أن الاتحاد أبرم، أمس الجمعة بعد صراع دام عقودا من الزمان، اتفاقية مبدأية للتجارة الحرة مع ما يسمى بدول تكتل ميركوسور أو السوق المشتركة الجنوبية والتي تضم البرازيل والأرجنتين وأوروجواي وباراجواي. كما أن هناك اتفاقيات أخرى في مراحل مختلفة من المفاوضات لتعزيز العلاقات التجارية مع دول مثل المكسيك والهند وإندونيسيا.

ورأت المجلة أن هذه الاقتصادات مجتمعة، تعادل تقريبا ما تمثله الولايات المتحدة بالنسبة لأوروبا، وإن كانت مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى صداع سياسي، من الداخل ممثلا في جماعات الضغط الزراعي الأوروبية التي لا تريد المنافسة، وجماعات الخضر غير الراغبين في استيراد الوقود الأحفوري الذي قد يعالج مشكلة الطاقة في أوروبا.

ولكن المكسب المتوقع يتمثل في أن أوروبا ستظهر أمام العالم والكتل المختلفة بمظهر الشريك الذي يمكن الوثوق به، وهو ما قد يدفع أوروبا للعمل مع شركائها للوصول إلى المواد والمعادن الحيوية، الأمر الذي يزيد من قوتها واستقلاليتها.

وأخيرا، ترى فورين بوليسي أنه رغم الاضطرابات والمخاوف في أوروبا بشأن ترامب، فقد يتبين أن إعادة انتخابه نعمة للقارة العجوز، ليس فقط من خلال الدفع نحو زيادة الإنفاق الدفاعي بسبب تطورات الأوضاع في أوكرانيا، ولكن أيضا للاستفادة من تجربة الصين التي حولت قيود التجارة التكنولوجية الأمريكية إلى قوة دفع هائلة لزيادة اعتمادها على الذات بعيدا عن الغرب.

اقرأ أيضاًماذا يريد ترامب من المنطقة

ترامب: كأس العالم للأندية «ميامي 2025» سيكون حدثا تاريخيا في كرة القدم

رويترز: ترامب يختار جاريد إسحاقمان لرئاسة ناسا.. وآدم بوهلر لشئون المحتجزين

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الرسوم الجمركية ترامب فول الصويا تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الغاز الطبيعي و الاتحاد الأوروبی الأمریکیة إلى فورین بولیسی أن أوروبا إلى أن کما أن

إقرأ أيضاً:

ما مصير العملة التي تحمل صورة "بشار الأسد"؟

الاقتصاد نيوز - متابعة

العملات ليست مجرد أدوات للتبادل الاقتصادي، إنما هي رموز تحمل في طياتها تاريخ الأمم وهويتها وتعكس صورها وتصميماتها المختلفة رسائل سياسية وثقافية عميقة تسعى الدول من خلالها إلى توثيق ذاكرتها الجمعية.

في سوريا، ومع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يُثار التساؤل حول مصير العملة السورية التي تحمل صورته،  من فئة الألفي ليرة، التي تمثل رمزًا لنظامٍ حكم سوريا لعقود.

تصميم العملات يحمل دلالات تتجاوز الجوانب الفنية لتصبح جزءًا من السياسة والاقتصاد والتاريخ في آنٍ واحد ففي دول كثيرة تُستخدم العملات لتخليد شخصيات تاريخية أو لتكريس رموز وطنية تعبر عن هوية الدولة واستقلالها. 

العملة تتحول في بعض الأنظمة إلى أداة لفرض هيمنة الحاكم ورمز لتكريس شخصيته كأيقونة للدولة، كما فعلت عائلة الأسد.

ومن ثم، فإن العملة صارت رمزاً للنظام السابق وللمرحلة التي يحاول الشعب تجاوزها، ما سيدفع أي حكومة جديدة إلى مهمة إعادة تصميم العملة كجزء من عملية أوسع لإعادة بناء الهوية الوطنية وتأكيد بداية عهد جديد. وهذا ليس أمرًا غريبًا بل هو نهج اتبعته دول عديدة في التاريخ عندما مرت بمراحل انتقالية كما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين أو في دول الاتحاد السوفيتي السابق بعد تفككه، على سبيل المثال.

وفيما لم تتضح بعد الخطوات الفعليّة التالية فيما يخص "تصميم العملة"، حرص مصرف سوريا المركزي -بعد يوم واحد من سقوط النظام- على التأكيد على أن العملة المعتمدة في التداول في سوريا هي الليرة السورية بكافة فئاتها، ولم يتم سحب أي فئة من التداول.

وبناءً على ذلك، فإن العملة التي تحمل صورة الأسد مع باقي العملات لا تزال متداولة ولم يُتخذ قرار بشأنها بعد. في الوقت الذي أكد فيه المصرف أنه وجه كافة شركات الصرافة والحوالات الداخلية بضرورة الالتزام بتسليم الحوالات لمستحقيها بالليرة السورية وفق القرارات النافذة الناظمة لهذا الموضوع.

ويعد تغيير العملة "قراراً سياسياً" في المقام الأول، بحسب وزير التجارة السوري وحماية المستهلك، لؤي المنجد، في تصريحات إعلامية له.

وبحلول يوم الاثنين 9 كانون الأول، يتداول الدولار بـ 17 ألف ليرة في دمشق، وفي حلب يصل إلى 18 ألفاً.

وشهدت سوريا قبيل سنوات قليلة واقعة مثيرة لتغيير تصميم العملة وتحديداً فئة الألف ليرة، وذلك عندما طرح البنك المركزي في شهر يوليو/ تموز من العام 2015، ورقة نقدية جديدة في حينها من فئة 1000 ليرة سورية.

كانت تلك الفئة تحمل صورة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ومع التغيير حلّت مكانها صورة مدرج مدينة بصرى الشام الأثرية. وللمفارقة كانت تلك المدينة قد وقعت -قبيل نحو شهرين من إصدار العملة- تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة.

أثارت تلك العملة حينها انتقادات في صفوف مؤيدي النظام السوري، الذين أطلقوا حملة على منصات التواصل داعية لإعادة صورة الأسد. وسط تفسيرات وتأويلات مختلفة حينها لذلك التغيير.

وفي حزيران من العام الماضي، أضاف مصرف سوريا المركزي تعديلات محدودة على تصميم الأوراق النقدية من فئة 5 آلاف ليرة سورية لتعزيز المزايا الأمنية، عبر تكبير حجم الرقم 5000 وطباعته طباعة نافرة.

مقالات مشابهة

  • إبراهيم يونس: زيارة السيسي لأوروبا حدث تاريخي يجسد العلاقات المصرية الأوروبية
  • الصناعة الأوروبية تواجه أزمة حادة بسبب أزمة السيارات ورسوم ترامب
  • السفير جمال بيومي: زيارة السيسي لأوروبا تعزز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي|فيديو
  • 5 معلومات ربما لا تعرفها عن الرئيس الجديد للاتحاد المصري لكرة القدم
  • جوزيه مانويل: عودة ترامب علاج بالصدمة لأزمات أوروبا الثلاثية
  • السفير جمال بيومي: جولة الرئيس السيسي الأوروبية تحمل أبعادا سياسية وأمنية هامة
  • ما مصير العملة التي تحمل صورة "بشار الأسد"؟
  • الاتحاد الأوروبي يدعو لرعاية الشعب السوري وضمان حقوق الأقليات
  • بناء علاقات متينة وتبادل المعرفة.. تعزيز الشراكة التجارية بين المملكة ودول الاتحاد الأوروبي
  • الخارجية الأمريكية: سندعم العراق والأردن ضد أي تهديدات قد تأتي من سوريا