أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الهدف النهائي للحملة العسكرية الواسعة التي بدأتها فصائل المعارضة السورية، مشيرا إلى أن العاصمة دمشق هي الوجهة النهائية للمعارضة التي تحرز تقدما كبيرا ضد قوات النظام والمليشيات المتحالفة معه.

وفي حين تحدثت تقارير صحفية عديدة عن دور تركي في هجوم فصائل المعارضة الذي بدأ في 27 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، التزمت تركيا التي عملت خلال الأشهر الأخيرة على التطبيع مع النظام بالتأكيد على ضرورة الانخراط في الحل السياسي.



وحققت فصائل المعارضة السورية المنضوية ضمن "إدارة العمليات العسكرية" تقدما كبيرا ضد النظام خلال أيام قليلة، حيث تمكنت من السيطرة على مدينة حلب وإدلب وحماة قبل أن تتوجه إلى مشارف مدينة حمص التي تشكل عقدة وصل استراتيجية تصل الساحل بالعاصمة دمشق.

وقالت "إدارة العمليات العسكرية"، إن "قواتها حررت آخر قرية على تخوم مدينة حمص، وباتت على أسوارها، ومن هنا نوجه النداء الأخير لقوات النظام فهذه فرصتكم للانشقاق".


وبالتزامن مع تقدم المعارضة من الشمال نحو دمشق، اشتعلت جبهة الجنوب بعد إعلان فصائل المعارضة هناك تشكيل غرفة عمليات الجنوب وبدء حملة عسكرية ضد النظام تحت مسمى "كسر القيود" في مدن السويداء ودرعا والقنيطرة.

وأعلنت الفصائل في الجنوب سيطرتها على مدينة درعا وجميع الفروع الأمنية في السويداء بعد ساعات من بدء المعارك مع قوات النظام دعما لفصائل المعارضة المتوجهة نحو حمص من الشمال.

في غضون ذلك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن فصائل المعارضة السورية التي تقاتل ضد النظام تواصل تقدمها في الميدان، معربا عن تمنياته بمواصلة مسيرتها بلا حوادث أو أضرار.

وأضاف في تصريحات صحفية عقب صلاة الجمعة في إسطنبول أن "المعارضة تواصل تقدمها، فالهدف بعد إدلب وحماة وحمص هو دمشق، ونتمنى أن تتواصل هذه المسيرة دون حوادث"، مشيرا إلى أن بلاده وجهت في وقت سابق دعوة إلى رئيس النظام السوري "من أجل تحديد مستقبل سوريا معا لكن للأسف لم نتلق ردا إيجابيا".

ويعد حديث أردوغان عن هدف المعارضة النهائي بالوصول إلى دمشق تحولا كبيرا في الخطاب التركي إزاء النظام السوري الذي سعت أنقرة خلال الأشهر الأخيرة إلى التطبيع معه عبر الوسيط الروسي، إلا أن تلك المساعي وصلت إلى نقطة البداية مع إصرار الأسد على سحب أنقرة لقواتها في سوريا وتعنته في المضي قدما بحل سياسي ينهي الأزمة المتفاقمة في البلاد.

ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا في العاصمة القطرية الدوحة في وقت لاحق اليوم السبت لمناقشة التقدم السريع الذي تحرزه المعارضة في سوريا، حسب مصدر دبلوماسي تركي.

انقلاب تركي على الوضع في سوريا
أشار الباحث محمود علوش إلى أن التحولات الراهنة في سوريا نقلت الصراع إلى حقبة جديدة مُختلفة تماما، مشيرا إلى أن أحد الأسباب البارزة التي أدّت إلى هذه التحولات تتمثل مكابرة الأسد على التطبيع مع تركيا.

وبحسب علوش الذي أشار في حديثه لـ"عربي21" إلى وجود انقلاب في الموقع التركي إزاء سوريا، فإن هذه الحقبة تُعيد تشكيل الأولويات التركية في سوريا. 

وأضاف أننا أمام اندفاعة قوية في الموقف التركي في سوريا ولا يُمكن التكهّن بحدودها، موضحا أن الأتراك يعتقدون أن الظروف الراهنة تمنحهم ميزة قوية لإعادة تشكيل الصراع على نطاق واسع وفرض مقاربتهم للحل السياسي الذي يؤدي إلى تغيير سوريا وليس مُجرد إعادة تأهيل نظام الأسد.

ولفت البحث إلى أنه من غير الممكن تصور أن تركيا تفاجأت بتحرك المعارضة أو أنها لم تُخطط له، مشيرا إلى أن ما يجري هو انقلاب متكامل الأركان على الستاتيكو الذي أوجدته العلاقات التعاونية التنافسية بين تركيا وكل من روسيا وإيران في سوريا. 

هذه التحولات مُحرجة للغاية للروس والإيرانيين، بحسب علوش، لكن الدبلوماسية القائمة بين أنقرة وموسكو وطهران يُمكن أن تُقلل من المخاطر وأن توجد مسارا لانتقال سياسي في سوريا، إلا أن الأمر يتوقف بدرجة أساسية على ما إذا كان الروس والإيرانيون مُستعدون لتقبل هذا الوضع.

تركيا تغير نهجها
قال الباحث في مركز حرمون محمد السكري، إن الموقف التركي تجاه المعارضة السورية تميّز بثباته من الناحية السياسية، لكنه شهد تأرجحا على المستوى الأمني نتيجة ارتباطه بالمتغيرات الأمنية التي تطرأ على المشهد السوري. وأوضح أن هذه التحولات تنبع من ارتباط السياسة التركية بأمنها القومي، إذ إن أنقرة تسعى بالدرجة الأولى إلى تأمين حدودها، وهو ما يجعل التأثر بالمتغيرات الأمنية أمرًا لا مفر منه.

وأضاف السكري في حديثه لـ"عربي21"، أن بعض المتغيرات الأمنية أثرت على السياسة التركية من زاوية التكتيك السياسي، لافتا إلى أن أنقرة فتحت المجال لإجراء تواصل دبلوماسي مع النظام السوري وحتى إمكانية لقاء بشار الأسد، وذلك بهدف استكشاف فرصة لدفع عجلة اللجنة الدستورية المتوقفة وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

وأشار السكري إلى أن هذا النهج التركي كان منطقيا في ظل المعطيات السابقة، إلا أن المتغيرات الإقليمية الأخيرة والقدرات الذاتية التي طورتها المعارضة السورية على الأرض، دفعت تركيا إلى إعادة تقييم مواقفها. وأوضح أن المعارضة السورية استطاعت تقديم نموذج جديد من الناحية العسكرية، وهو ما أثّر على الطريقة التي تعاملت بها أنقرة مع التطورات، إذ بدا واضحًا أن تركيا تفاعلت إيجابيًا مع هذا المشهد الجديد.

وفي سياق متصل، لفت السكري إلى أن العملية العسكرية الأخيرة التي نفذتها المعارضة السورية قد تكون مقبولة لدى تركيا، حتى وإن لم تكن بتوجيه مباشر منها. وأضاف أن تركيا، رغم عدم إعلانها عن العملية العسكرية وعدم قيادتها لها، قد تكون داعما غير مباشر للمعارضة من الناحية العسكرية، مشيرًا إلى أن ذلك يعكس تحولا كبيرا في السياسة التركية تجاه الملف السوري.

وأشار الباحث إلى أن المؤشرات الحالية تدل على أن تركيا تسعى لتأكيد رسالة مفادها أن الشعب السوري هو من يملك الحق في تقرير مصيره. وأكد أن هذا التوجه عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي صرّح بأن تعنّت النظام السوري ورفضه لأي تنازلات أو حلول سياسية هو ما تسبب في تفجّر الأوضاع مرة أخرى من الناحية العسكرية.


وشدد أردوغان، بحسب السكري، على أن هذه التطورات دفعت المعارضة السورية لتحقيق تقدم ميداني كبير، بدءًا من مدينتي حلب وحماة، ومرورًا بحمص، مع احتمالية التوجه نحو دمشق. وأضاف السكري أن المعارضة استطاعت تغيير معادلة توازن القوى في سوريا، خاصة مع سيطرتها على مدن وبلدات استراتيجية واسعة النطاق في الجنوب والشمال والوسط.

وفي حديثه عن الأوضاع الإقليمية، أشار السكري إلى أن المسارات الأمنية التي كانت تعتمد عليها إيران، مثل مساري أستانا وسوتشي، قد انتهت، مؤكدا أن المعطيات العسكرية الجديدة هي التي تفرض الخارطة السياسية في الوقت الراهن.

وأضاف أن المعارضة السورية، بسيطرتها على أكبر محافظات سوريا مثل حلب، تعزز موقعها في المشهد السياسي، خاصة أن من يسيطر على حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، يُنظر إليه تاريخيًا على أنه يمتلك القدرة على قيادة سوريا.

وأبرز السكري أن الاجتماع المرتقب بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران قد يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية جديدة تستند إلى المتغيرات العسكرية الأخيرة، لكنه أكد أن العودة إلى المعطيات القديمة أو محاولة وقف زحف المعارضة السورية على الأرض أمر مستبعد تماما.

وختم السكري حديثه بالإشارة إلى أن المعطيات العسكرية الحالية تشير إلى تقدم نحو تنفيذ القرار الأممي رقم 2254، الذي يدعو إلى انتقال سياسي تدريجي للسلطة في سوريا. وأكد أن هذه التطورات تشير إلى أن الساحة السورية تتجه نحو تحول سياسي لا يمكن تجنبه، مع تقدم المعارضة العسكرية وتغيير توازن القوى لصالحها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية أردوغان تركيا النظام السوري سوريا سوريا تركيا أردوغان النظام السوري المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعارضة السوریة فصائل المعارضة النظام السوری مشیرا إلى أن من الناحیة أن ترکیا ت النظام فی سوریا ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

صراع النفوذ الروسي-التركي وأثره على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا

بقلم: لنا مهدي
شهدت سوريا منذ اندلاع أزمتها في عام 2011 تدخلات إقليمية ودولية غير مسبوقة، جعلت من البلاد ساحة لصراعات القوى الكبرى، خاصة روسيا وتركيا. تصاعد التنافس بين هاتين الدولتين على النفوذ في سوريا ساهم في تحديد مسار الأحداث، وبرز تأثيره بشكل واضح في إضعاف نظام بشار الأسد وصولاً إلى سقوطه. هذا المقال يستعرض كيفية تأثير هذا الصراع على مصير النظام السوري، مع تسليط الضوء على المصالح المتضاربة والأدوار المتباينة لكل من روسيا وتركيا.

منذ البداية، كانت روسيا الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، حيث قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً للحفاظ على بقائه. اعتبرت موسكو أن سقوط النظام سيؤثر على نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة أن سوريا تمثل نقطة استراتيجية تتيح لروسيا الوصول إلى البحر المتوسط وتعزز وجودها في المنطقة. لذلك، لم تدخر روسيا جهداً في استخدام قوتها الجوية لدعم جيش النظام، وتزويده بالأسلحة، ودعمه في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن.

على الجانب الآخر، كانت تركيا في موقف متناقض تماماً. اعتبرت أن بقاء نظام بشار الأسد يشكل تهديداً لأمنها القومي، خاصة في ظل تعاونه مع الفصائل الكردية التي تسعى إلى تحقيق استقلال ذاتي على الحدود التركية-السورية. تركيا دعمت المعارضة السورية منذ المراحل الأولى للصراع، ووفرت ملاذاً آمناً للمعارضين، وساعدت في تسليح الفصائل المسلحة، وهو ما جعلها لاعباً رئيسياً في جهود إسقاط النظام.

صراع النفوذ بين روسيا وتركيا تجلى بوضوح في المناطق السورية الساخنة. في الشمال السوري، قامت تركيا بعدة عمليات عسكرية مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” لإبعاد القوات الكردية والسيطرة على مناطق المعارضة. وفي الوقت نفسه، دعمت روسيا تقدم قوات النظام السوري في إدلب ومناطق أخرى بهدف استعادة السيطرة على الأراضي التي خرجت عن نفوذه. هذا الصراع خلق حالة من الاستنزاف العسكري للنظام، حيث بات يواجه ضغوطاً متعددة من المعارضة المسلحة المدعومة تركياً، ومن العمليات العسكرية الروسية التي تركزت على مصالحها الخاصة أكثر من إنقاذ النظام.

مع استمرار الصراع، تحولت التفاهمات بين روسيا وتركيا إلى مواجهات غير مباشرة. على الرغم من توقيع اتفاقيات مثل أستانا وسوتشي، التي هدفت إلى تهدئة الأوضاع، إلا أن هذه التفاهمات كانت هشّة. غالباً ما كانت تنتهي بانهيار الهدن وتصاعد العنف، مما دفع النظام إلى فقدان المزيد من السيطرة على الأرض. تركيا ركزت على تقويض النظام في الشمال الغربي، بينما سعت روسيا لإعادة فرض هيمنته في الجنوب والوسط.

الدور التركي كان أكثر تأثيراً في تعزيز الانقسامات الداخلية داخل النظام السوري. تركيا استغلت حالة الضعف الاقتصادي للنظام وسعت إلى قطع موارده من خلال دعم المعارضة في المناطق الغنية بالموارد، مثل الشمال الشرقي حيث الثروة النفطية. وفي المقابل، على الرغم من الدعم الروسي الكبير، لم تتمكن موسكو من تحقيق استقرار دائم للنظام بسبب محدودية الموارد وتكاليف التدخل.

ساهم صراع النفوذ بين روسيا وتركيا في تسريع سقوط نظام بشار الأسد عبر تعميق الانقسامات الداخلية واستنزاف قدراته العسكرية والسياسية. روسيا ركزت على حماية مصالحها الاستراتيجية دون تقديم حلول مستدامة للنظام، بينما استغلت تركيا هشاشته لتوسيع نفوذها وتأمين مصالحها الحدودية. في نهاية المطاف، أدى هذا الصراع إلى انهيار التوازن الداخلي للنظام، وفقدانه القدرة على مواجهة التحديات المتزايدة، ما أدى إلى سقوطه في ظل صراعات إقليمية ودولية مستمرة.

الصراع الروسي-التركي على سوريا لم يكن مجرد تنافس جيوسياسي بين قوتين إقليميتين، بل كان عاملاً رئيسياً في إعادة تشكيل مستقبل البلاد. تأثير هذا الصراع على سقوط نظام بشار الأسد يظهر كيف يمكن لتضارب المصالح الدولية أن يغير مصير دول بأكملها، ويخلق واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات. سوريا اليوم ليست فقط مسرحاً للصراع، بل أيضاً مثالاً على العواقب الكارثية لصراع النفوذ الإقليمي والدولي.

lanamahdi1st@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • تفاصيل البنية التحتية العسكرية للجيش السوري التي دمرتها إسرائيل
  • إدارة العمليات العسكرية السورية تعلن السيطرة على مدينة دير الزور
  • الصحافة الايرانية: تركيا تربح سوريا بعد استثمار مفيد في المعارضة السورية
  • ماهي الرسائل الإسرائيلية التي سعت لها من خلال تدمير المقدرات العسكرية السورية؟
  • رويترز: فصائل المعارضة أبلغت تركيا مسبقا بعمليتها التي أسقطت الأسد
  • رفع العلم السوري الجديد في السفارة السورية بموسكو.. ماذا يعني وماهي دلالاته؟
  • صراع النفوذ الروسي-التركي وأثره على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا
  • المعارضة السورية أبلغت تركيا بخطة الهجوم قبل 6 أشهر
  • هجوم المعارضة السورية: هل حصلت على ضوء أخضر من تركيا؟
  • "دور تركيا" في خطة هجوم الفصائل السورية.. كشف ما حدث