في خطابه الأخير، لم يتطرق الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم للملفات الداخلية، وعلى رأسها استحقاق الانتخابات الرئاسية، في ضوء انتعاش الحراك السياسي في البلد تحضيرًا للجلسة المرتقبة في التاسع من كانون الثاني المقبل، خصوصًا بعد الاجتماع الذي عقدته قوى المعارضة في معراب، وأطلقت من خلاله "البازار الرئاسي" بصورة أو بأخرى، ولو تركته مفتوحًا على أكثر من سيناريو، وأكثر من احتمال.


 
غاب الملف الرئاسي عن خطاب الشيخ قاسم، الذي كان مخصّصًا في شقّه الأساسي لموضوع النزوح وإعادة الإعمار، إضافة إلى إعادة التأكيد على "الانتصار" الذي حقّقته المقاومة في الحرب الأخيرة، وكيفية مقاربة المرحلة المقبلة ما بعد وقف إطلاق النار، ليحضر بدلاً منه ملف التطورات في سوريا، الذي أثار الكلام المقتضب بشأنه بعض الجدل في الداخل، بشأن المقصود عن وقوف "حزب الله" إلى جانب سوريا لإحباط "أهداف العدوان"، وفق وصفه.
 
ثمّة من يعزو الأمر إلى أنّ معالم الاستحقاق لم تنضج بعد، حتى يدلي "حزب الله" بدلوه، وثمّة من يعيده إلى أنّ الموقف الرسمي للحزب سبق أن أعلنه الشيخ قاسم في خطاباته سابقة، حين تحدّث عن "مساهمة فعّالة" من جانب الحزب لتسهيل انتخاب الرئيس، لكن بين هذا وذاك، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن كيفية تعامل "حزب الله" مع جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل، بمختلف سيناريوهاتها المطروحة، وكيف يتلقف ما خرج به اجتماع المعارضة الأخير؟
 
"انفتاح ومرونة"
 
يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ الأخير يتطلّع إلى جلسة التاسع من كانون الثاني بأسلوب مغاير عن كلّ جلسات الانتخاب السابقة، فهو شأنه شأنه سائر الأطراف والقوى الداخلية، يدرك أنّ انتخاب الرئيس بات ملحًّا وضروريًا، بمعزل عن كلّ التكتيكات التي اعتُمِدت سابقًا، وهو يعلم أنّ إنجاز الاستحقاق أساسيّ في مقاربة مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، خصوصًا لما تتطلب من "إدارة" لترتيبات ما بعد انتهاء مهلة الستين يومًا في الاتفاق الأخير.
 
ولعلّ هذه "الجدّية" في مقاربة "حزب الله" تجلّت في المواقف التي أعلنها أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، حتى قبل انتهاء العدوان الإسرائيلي، حين عكس قناعة راسخة لدى الحزب بضرورة إنجاز الاستحقاق وفق ما ينصّ عليه الدستور، وتحت سقف اتفاق الطائف، وهي إشارة أعطيت الكثير من الأبعاد والدلالات، باعتبار أنّ الحزب كان يُتهَم بتعطيل الاستحقاق من خلال تطيير نصاب الجلسات، ولو أنّه يصنّف ذلك "ممارسة ديمقراطية مشروعة".
 
من هنا، ثمّة من يقرأ خلف خطاب "حزب الله" المستجدّ مؤشّراً على مقاربة مختلفة، خصوصًا أنّ الحزب لم يتحدّث صراحةً، أقلّه حتى الآن، عن نيّته تعطيل النصاب، بل على العكس من ذلك، هو يتحدّث عن استعداد للانتخاب، وفق الأصول الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور، بغياب أيّ حديث عن "شروط مسبقة" لذلك، من نوع الحوار الذي كان يضعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، شرطًا للدعوة لأيّ جلسة انتخابية.
 
هل يتخلى عن فرنجية؟
 
يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ الأخير يحرص على إبداء الانفتاح والمرونة في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي في الأيام الأخيرة، ومنذ ما قبل انتهاء العدوان الإسرائيلي، للعديد من الأسباب، بينها ما هو مبدئي وبينها ما يندرج في إطار الواقعية السياسية، باعتبار أنّ الحزب ما بعد الحرب قد يكون أكثر حرصًا على انتظام المؤسسات الدستورية من أيّ طرف آخر، وهو العالم أنّ ترتيبات المرحلة المقبلة، مهما كان اتجاهها، تحتاج لوجود حكومة أصيلة.
 
لا يعني ما تقدّم أنّ "حزب الله" تخلّى، أقلّه حتى الآن، عن مرشحه المعلن للرئاسة، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، فهو يتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في توصيفه بـ"عماد المرشحين"، ويعتقد أنّ الأخير يمتلك حظوظًا، خصوصًا أنه يطرح نفسه من الأساس كمرشح توافق، لا تحدّ، ولذلك فإنّ الحزب يعتبر أن من حقه المشروع أن يسعى لإيصاله إلى قصر بعبدا، عبر استقطاب أوسع مروحة من الكتل النيابية لدعمه وتأييده.
 
وإذا كان من المستبعَد أن يتخلّى "حزب الله" عن فرنجية، فإنّ العارفين لا يستبعدون أن ينسحب الأخير طوعًا من السباق لتسهيل الأمر، في حال وُجِد المرشح "التوافقي" المقبول من كل الأطراف، وهو سيناريو يعتقد كثيرون أنه قد يكون "الأمثل" فيما لو حصل فعليًا، علمًا أن بعض المقرّبين من فرنجية يلمّحون لمثل هذا الخيار، بالقول إنّ رئيس تيار "المردة" لن يأخذ موقفًا من "الثنائي" فيما لو تخلى عنه بعد كل التضحيات التي قدّمها في الحرب.
 
يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ الأخير يتعامل مع استحقاق الرئاسة، وتحديدًا مع جلسة التاسع من كانون الثاني، بكلّ إيجابية، تعكسها مرونته المُلاحَظة إزاءها، وقد أرسل أكثر من رسالة واضحة في هذا الإطار للمعنيّين. إلا أنّ هؤلاء يشدّدون على أنّ كلّ الأمور تبقى مرهونة بخواتيمها، فالوقت الفاصل عن موعد الجلسة من شأنه تحديد "البوصلة"، علمًا أنّ الحزب يرهن موقفه أيضًا بموقف القوى الأخرى، وكيفية تعاملها معه بالدرجة الأولى.. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله ما بعد خصوص ا

إقرأ أيضاً:

ماذا لو قرر حزب الله التصديق على خطاب خصومه؟


بعد تشكيل الحكومة الجديدة، بات حضور "حزب الله" فيها واقعاً لا يُنكر، بل كرس فكرة انه جزء من المعادلة السياسية التي تُدار بها الدولة في المرحلة المقبلة، وبالرغم من خطاب خصومه الذين يتّهمونه بالهيمنة على القرار السياسي، لكن بعيدا عن الواقع الحكومي الحالي، ماذا لو قرر الحزب الانسلاخ ظاهرياً من صفة "الشريك في الحكم"، والتحوّل إلى قوة ضاغطة من خارج السلطة، تماماً كما يروّج خصومه؟ يمعنى ماذا لو قرر الحزب رغم حضوره في الحكومة، التعامل كما انه ليس موجودا فيها. اوليس هذا ما يروج له خصومه على اعتبار انهم انتصروا عليه؟ 

في حال اختار "حزب الله" التعامل مع الحكومة بإعتباره خارجها، سيكون أوّل مستفيد من أي فشل تُسجّله السلطة في معالجة الأزمات المتفاقمة. فبعد سنواتٍ من اتهام الحزب بأنه "عقبة" أمام تشكيل الحكومات واتخاذ القرارات، سيتمكّن من تحويل هذه السردية إلى ورقة ضغط لفضح خصومه المباشرين، وعلى رأسهم "القوات اللبنانية" وقوى سياسية تُوصف بأنها ممثلة لـ"الثورة". فالفشل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي أو إصلاح القطاعات المنتجة، سيكون دليلاً يُقدّمه الحزب لإثبات أن المشكلة ليست في وجوده داخل السلطة، بل في عجز الخصوم عن إدارة الدولة حتى مع تفريغها من نفوذه.

 مصادر مطلعة تشير إلى أن هذا التوجّه قد يترافق مع حملة إعلامية موسّعة لتبرئة ساحة الحزب من تهمة التعطيل، لا سيّما في ظلّ عودة الحديث عن ان الحزب انتهى ولم يعد قادرا على المواجهة والتعطيل.

كذلك، سيوظّف الحزب فشل الحكومة في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية في جنوب لبنان كأداة لإثبات أن "سلاح الدولة" غير قادر على حماية الحدود، وأن المشروع الذي تتبنّاه القوى الموالية للغرب – والمتمثّل بحصر السلاح بيد الجيش – هو مشروع وهمي في مواجهة عدوانٍ يستهدف لبنان منذ عقود. هنا، سيعود الحزب إلى خطابه التقليدي الذي يربط بين المقاومة وعجز الدولة، مع إلقاء المسؤولية على الحكومة التي توصف بأنها "تابعة لواشنطن"، والتي لم تحقّق أي تقدّم في ملفّ التحرير أو التصدّي للاحتلال، بحسب تعبير المصادر نفسها. 

حتى ان الحزب سيضع فكرة إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي – خاصة في القرى الجنوبية – في عهدة الدولة و"رعاتها الإقليميين"، في إشارة إلى الدول الخليجية التي تعهّدت بدعم لبنان شرط إبعاد الحزب عن السلطة. بهذه الخطوة، سيتخلّص الحزب من عبء التعويض على المتضرّرين، وفي حال عجزت الحكومة عن اعادة الاعمار سيصبح الحزب المنقذ مجددا. بل سيعيد توجيه سخط الشارع نحو السلطة التي تلقّت وعوداً بالتمويل ولم تُحقق شيئاً، بينما سيبدو الحزب كـ"حامي الجنوب" الذي أنجز واجبه بالتصدّي للعدو، تاركاً ملفّ التعويضات للجهات التي ربطت الدعم بالإملاءات السياسية.

الأهمّ في هذه الاستراتيجية هو تحوّل الحزب نحو خطاب إصلاحي صريح، ينتقد الفساد المالي والإداري، ويربط بين انهيار الدولة وهيمنة النخبة التقليدية التي تحالفت مع الغرب. هذا التحوّل سيكون مغرياً على المستوى الانتخابي. 

فبينما سيُظهر الحزب نفسه كقوة تغييرية قادرة على كسر تحالفات المحاصصة، سيجد خصومه أنفسهم في موضع المدافع عن سلطة فاشلة، وهو ما قد يقلب المعادلات في أي استحقاقٍ قادم، إذ أن الناخب اللبناني يميل إلى معاقبة من يتحمّلون المسؤولية.

في الخلاصة، قد لا يكون خروج حزب الله الظاهري من السلطة سوى مسرحية سياسية تُعيد إنتاج نفوذه عبر أدواتٍ أكثر دهاءً. فالحزب، وخلال تجاربه السابقة، أظهر مرونة في تحويل التحديات إلى فرص، سواء عبر استغلال التناقضات الدولية أو تفكيك سرديات الخصوم. لكن هذه المرة، يبدو أن اللعبة تتطلّب شيئاً من "التواضع المزيف"، حيث يترك الحزب أعداءه يغرقون في مستنقع السلطة، بينما يعدّ نفسه لمعركة الشرعية الأهم: معركة أن يكون الحلَّ بدل أن يُتّهم بأنه المشكلة.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الخلافة في الأرض تتحقق بالعلم الذي يميز بين الحق والباطل
  • علاج الوسواس القهري الذي يصيب الإنسان.. تخلص منه في الحال
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: موقف مصر والأردن قاد الدول العربية لرفض التهجير
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: الموقف السعودي صارم وقاطع وحجر زاوية
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: تصريحات نتنياهو مخالفة للقانون وتتناقض مع الشرعية الدولية
  • ماذا لو قرر حزب الله التصديق على خطاب خصومه؟
  • هذا ما طلبه حزب الله من مناصريه
  • الشيخ يدين الموقف الإسرائيلي الذي يستهدف المملكة العربية السعودية وسيادتها
  • حزب الله الى الشارع مجددا
  • أورتاغوس احرجت عون واربكت سلام